كمن يُنيخُ ناقة بخطام من حديد متى شاء وكيفما شاء في صحراء جرداء لا نبات فيها، وجدباء لا ماء فيها، سوى من مخيمات مهترئة يزيدها الفقر بؤسا وقحطا، يتحكم صُنَّاع القرار في قصر المرادية بالجزائر في جبهة البوليساريو الانفصالية التي لا تهش ولا تنش دون "تعليمات" عسكرية من جنرالات الجزائر، والذين يتحكمون في مفاصل البلاد وأرزاق العباد. البعض يصف الجبهة الانفصالية التي يتزعمها محمد عبد العزيز بأنها الابنة غير الشرعية للجزائر، لكنها ابنة طيِّعة تماما لأوامر وتوجيهات حكام الجزائر الحقيقيين بطلب ما يسمونه حق تقرير المصير.. وهؤلاء الحكام ليسوا بالضرورة أشخاصا؛ من قبيل بوتفليقة أو بلخادم أو أويحيى؛ بل هم ضباط سامون تبوءوا أعلى الرتب العسكرية، وجعلوا من نزاع الصحراء قضية حياة أو موت، فبدونها قد يفقدون السلطة والنفوذ والمال والجاه. عورة سياسية ولأنه في طي كل محنة منحة، فإن الأزمة الأخيرة التي تعرض لها ملف الصحراء، بعد مشكلة المقترح الأمريكي وسحبه وما تلا ذلك من أحداث شغب نفذها نشطاء البوليساريو بتشجيع وتمويل من حكام الجزائر، أسقطت ورقة التوت الوحيدة التي كان نظام جنرالات الجزائر يغطون بها عورتهم السياسية في قضية الصحراء. ودليل هذا الاتجاه الراسخ عند صانعي القرار بالبلد الجار المواقف التي تتوالى كل يوم في الآونة الاخيرة، وتؤشر كلها على أن أمر دعم جنرالات الجزائر للجبهة الانفصالية واضح لا غبش فيه، ولعل الموقف الجديد الذي أدلى به يوم الجمعة كاتب الدولة لدى وزارة الشؤون الخارجية الجزائري بلقاسم ساحلي دليل آخر في هذا السياق. وقد أكد المسؤول الجزائري، الذي كان يتحدث بلسان الجنرالات الأقوياء، بأن الجزائر تتمسك بحق ما سماه "الشعب الصحراوي" في "تقرير مصيره بنفسه من أجل تسوية نزاع الصحراء الغربية"، مضيفا بأن "كل مقترح لتسوية النزاع لابد أن يأخذ بعين الاعتبار إرادة شعب الصحراء الغربية في اختيار مصيره". علاقة وجود وتبعية الدكتور خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بكلية الحقوق بوجدة، قال في تصريحات هاتفية لهسبريس إن العلاقة التي تجمع بين جنرالات الجزائر وجبهة البوليساريو هي علاقة وجود، فلا يمكن الحديث عن استمرار الجبهة أو حتى وجودها بمعزل عن جنرالات الجزائر. وذكر شيات بأن الجزائر كانت وراء إنشاء البوليساريو حيث وجهت جماعة من الأشخاص إلى المطالبة بالانفصال عن المغرب، وذلك بسحبهم من المناطق الصحراوية باعتبار أنهم كانوا مهددين من طرف قوات الجيش المغربي، وهو أمر غير صحيح" يقول شيات. وأردف المحلل بأن الخطوة الجزائرية بخلق ودعم البوليساريو أفضت إلى تبعية سياسية مطلقة من الجبهة الانفصالية لحكام الجزائر، إذ أنه حتى خلال الفترات التي يكون فيها نوع من التقارب بين المغرب والجزائر كان يوازيه شيء من انخفاض حدة الخطاب الانفصالي". ويشرح شيات بأن المطالب الانفصالية توارت نسبيا مثلا في مرحلة "الانفتاح" الديمقراطي التي عرفتها الجزائر، وأيضا في سياقات فتح المجال المغاربي وعقد اتفاقية اتحاد المغرب العربي وفتح الحدود، لكن سرعان ما انقلب ذلك ليعود الخطاب السياسي بمطلب تحقيق المصير بعد حدوث الانقلاب الديمقراطي بإزاحة جبهة الإنقاذ من الواجهة السياسية لحكم البلاد. ولاحظ المتحدث بأنه في كل المبادرات التي جاءت في إطار المنظمات الدولية من قبيل الأممالمتحدة، أو منظمات إقليمية مثل منظمة الاتحاد الإفريقي، كان المخاطب الرئيسي في قضية الصحراء هو الجزائر، مشيرا إلى أنه من الناحية الاقتصادية أيضا أنفقت الجزائر الملايير من الدولارات لدعم الانفصال وما تسميه تقرير المصير، ومن ثمَّ ترسخت تلك التبعية العمياء والمنقادة لجبهة البوليساريو إزاء جنرالات الجزائر. متى يكون الفطام وحول سؤال يتعلق بكيفية فصل هذا الترابط اللصيق بين جنرالات الجزائر وجبهة البوليساريو، أجاب شيات بأن الفطام بين الطرفين قد يحدث عندما تختلف مصالحهما وتتناقض أطماعهما الاقتصادية والسياسية في الأقاليم الصحراوية. ولفت الأستاذ بكلية الحقوق بوجدة إلى أن هذا الانفصال بين جنرالات الجزائر والبوليساريو قد يحدث إذا ما تم إطلاق انفتاح سياسي وتكامل اقتصادي بين بلدان الاتحاد المغاربي، باعتبار أن مثل هذا السياق قد يعزل الجنرالات عن دورهم المؤثر في نزاع الصحراء. وخلص شيات إلى أنه مادامت عناصر هذه الظروف غير مجتمعة في الوقت الراهن، ولأن النظام الجزائري الذي يغلب عليه الجانب العسكري يستمر في دعم أطروحة جبهة البوليساريو، فإنه من الصعب أن يتغير الحال عما هو عليه الآن على المدى المتوسط أو حتى البعيد" يختم شيات تحليله لهسبريس.