منذ أن قامت جمعية " فرنسا الحريات" « France libertés » وجمعيات عالمية حقوقية وإنسانية أخرى بفضح التجاوزات والانتهاكات الحقوقية الخطيرة، التي تعرفها مخيمات المحتجزين الصحراويين في تندوف (الجزائر) : تعذيب، تصفية جسدية للمعارضين، اغتصاب جماعي للنساء و الفتيات، اختطاف وإخفاء جماعة كبيرة من الموريتانيين، تجنيد الأطفال في سرايا البوليساريو أو تهجيرهم قسرا إلى كوبا، استغلال الأسرى المدنيين و العسكريين المغاربة والتنكيل بهم في سجون بوغار وواد الناموس، تحويل الإعانات والمساعدات الإنسانية إلى جهات أخرى وبيعها في أسواق الدول المجاورة. كل هذه الخروقات الماسة بكرامة الإنسان وجسده كانت تجري و لازالت بتزكية مباشرة من طرف المؤسسة العسكرية الجزائرية، بل بأمر منها وتحت إشرافها المباشر في بعض الأحيان . بعد ثورة 1988 بالجزائر والتحولات السياسية التي أفرزتها والتي فرضت تعددية سياسية وفكرية، وتحت ضغط انتشار الشبكات العنكبوتيةInternet والفضائيات، بدأ الشعب الجزائري من خلال نخبته السياسية والثقافية يكتشف أن "القضية الصحراوية " ما هي إلا شعار فارغ ومبادئ ثورية بالية معدة للاستهلاك الخارجي و الداخلي، عناوين لم تعد تصلح للاستعمال، و تخفي وراءها الكثير من المصالح المختلفة و المتقاطعة، منافع مادية كبيرة يتم التصرف فيها سرا ووراء الستار، بعيدة عن مصلحة الشعب الجزائري المقهور الذي يدفع الثمن غاليا و دون علمه في قضية لا تهمه لا من قريب ولا من بعيد، فشعار مساندة مبدأ "تقرير مصير الشعب الصحراوي" يعني في عقلية المؤسسة العسكرية الجزائرية الهيمنة والزعامة في منطقة ممتدة من دكار إلى مرسى مطروح و بعبارة أخرى، فمصلحة الدولة تقاطعت مع مصالح ذاتية لبعض الجنرالات والسياسيين النافدين في السلطة الذين لا يهمهم سوى استمرار الصراع في المنطقة، نزاع يزيدهم نفوذا وثراء وحصانة على حساب السواد الأعظم من الجزائريين . قبل العشرية السوداء أي الحرب الأهلية الجزائرية التي امتدت بين 1992 إلى 2002، كان كل جزائري يحاول رفع صوته لفضح هذه المغامرة، يتم تخوينه وتصفيته إعلاميا وحتى جسديا في بعض الأوقات. فالتململ الكبير الحاصل الآن في الجزائر إزاء" القضية الصحراوية " بدأ يأخذ أبعادا ومواقف شجاعة تعارض التوجه العام للسياسة الجزائرية الرسمية الداعمة للانفصال و التمزق في المغرب العربي، نذكر منها مواقف رجولية لآيت احمد وأبو ضياف كمؤسسين لجبهة التحرير الجزائرية، وعباسي مدني وبلحاج وهدام كمؤسسيين للجبهة الإسلامية للإنقاذ، و صرخات مغاربية صدرت عن كتاب مثل رشيد ميموني، و رشيد بوجدرة وأنور مالك وسليمان بوصوفة والعديد من السياسيين والكتاب والعلماء وحتى بعض الضباط الكبار الأحرار والقوميين، الجميع تبين لهم أن قضية البوليساريو هي في الواقع مغامرة عسكرية وسياسية لها نتائج وخيمة على وحدة الجزائر في المستقبل قبل المغرب وأن الملايير من الدولارات المهدرة في هذا الصراع لم تكن في سبيل الله، ولا لإعانة في مشروع خيري أو مساندة من أجل المساندة فقط. أمام الغليان الشعبي الحاصل في الجزائر الآن، حالة مأساوية تعكس الفقر والبطالة والجريمة وقوارب الموت و المصير المجهول لشعب بأكمله، وضع إن دل على شيء، فإنما يدل على عدم اهتمام الشارع الجزائري بقضية "الشعب الصحراوي" المطبوخة في ظلام دامس من طرف فئة قليلة تحاول الأبواق المسخرة في الدعاية الجزائرية أن تذكر بها الشعب كلما استيقظ من نومه - تهريج أساسه أن البوليساريو هو القضية المحورية الأولى في اهتمام ومشاغل وحياة المواطن الجزائري-. في هذا السياق وحتى لا ينفلت الأمر من يد المؤسسة العسكرية، قام بعض الجنرالات في الجزائر بإحداث "جمعية الصداقة الجزائرية الصحراوية" الوجه المدني للأمن العسكري الجزائري في النزاع مع المغرب، وقد انضم إلى هذه الهيئة "الوكر" بعض الشخصيات السياسية الانتهازية والمستفيدة من ملايين الدولارات المخصصة لأنشطة هذه المنظمة المشبوهة التي تعتبر قسما من أقسام الشعبة السادسة في مؤسسة الجنرال التوفيق قائد الأمن العسكري. ويبدو أن اختصاصات ومهام هذا الوكر الإستخباراتي و الدرع المدني للمؤسسة العسكرية الجزائرية الذي هو أداة أمنية متعددة الوظائف و الإختصاصات، و التي نذكر من بينها ما يلي : أ – المهام الداخلية: تكمن أنشطة هذا الوجه المدني للعسكر في التعبئة المستمرة للشعب الجزائري وتوجيهه سياسيا عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية و من خلال الأحزاب والجمعيات والشركات الوطنية.عملية مدروسة بعناية و دقة تختص في شحن العقول في هذا البلد الشقيق الجار بالكراهية والحقد اتجاه المغرب ووحدته الترابية، مطالبة الجزائريين بمساندة عمياء للبوليساريو ظالما أو مظلوما. إنها الحرب النفسية اليومية ضد المغرب من خلال مناصرة "جمهورية صحراوية وهمية". و تجدر الإشارة أن من بين أنشطة هذه الجمعية المشبوهة نجد : تنظيم محاضرات لبعض الشخصيات الأجنبية المرتشية حول موضوع الصحراء، استصدار كتب وبحوث وأفلام وثائقية حول النزاع المختلق ، إقامة مهرجانات خاصة بالثقافة الصحراوية، مخيمات للتكوين الإيديولوجي للأطفال الصحراويين على الشواطئ الجزائرية لحشو الأدمغة البريئة بالعداء والكراهية تجاه المغرب، بلدهم الأصلي تحت غطاء التربية والتخييم، و دعوة بعض الأقلام المأجورة والمرتزقة لزيارة مخيمات المحتجزين البؤساء قصد استمالتهم للأطروحة الجزائرية والترويج لها في العالم. ب - المهام الخارجية للجمعية : إن هذا الجهاز الأمني يقوم بتمويل هيئات أجنبية ومنابر إعلامية وإحداث جمعيات أهلية لنصرة البوليساريو في العالم وشراء ضمائر بعض النواب والشيوخ في بعض البرلمانات الأوربية واللاتينية والإفريقية، و بعض الاعترافات " للجمهورية الصحراوية الوهمية " مقابل إعانات مالية أو عينية كالبترول و الغاز والمواد الغذائية، وهذا يكلف الخزينة الجزائرية غلافا ماليا يقدر بملياري دولار في السنة. إن الجمعيات الأهلية في بعض البلدان الفقيرة أصبحت تتغذى من قضية " البوليساريو" التي باتت مصدرا للرزق و العيش المضمون لها، وقد ظهر هذا بوضوح للعديد من الجمعيات الحقوقية والإنسانية العالمية في فنزويلا وكينيا، بمناسبة انعقاد المنتدى العالمي الاجتماعي المناهض للعولمة. تظاهرات مدنية أقرت فيها بعض هذه المنظمات الغير الحكومية الأمريكية الجنوبية والإفريقية و الأسيوية وحتى الأوروبية، بالدعم الجزائري السخي لها مقابل مساندة سياسية أو إعلامية، كما أسرت هذه الجمعيات بأنها أولا تجهل طبيعة وخلفيات الصراع في الصحراء وأن بعضها لا يعرف حتى موقع المغرب في الخارطة، إلى درجة الخلط بين اسم المغرب وموناكو Morocco/Monaco))، ثانيا أنهم يناصرون هذه القضية لأسباب مادية ولا إيديولوجية، مبررات لا تصمد أمام الحقائق التاريخية و الإنسانية للصراع المغربي الجزائري و لا أمام التحليل المنطقي لهذه الخصومة بين الأشقاء التي وازعها الهيمنة والزعامة على منطقة المغرب العربي أساسا. إنها الانتهازية الجمعوية بامتياز. كأمثلة لأنشطة هذه الجمعية العسكرية المدنية نذكر ما يلي : إقامة حفل كبير لتوأمة قرية تيفاريتي المغربية مع ولاية معسكر الجزائرية، و هي في الواقع مهزلة بكل المقاييس، كما أشرفت هذه الجمعية مؤخرا على تنظيم رحلة لقافلة ثقافية صحراوية عبر التراب الجزائري تحت الرقابة المشددة للأمن العسكري الجزائري، وذلك قصد التعريف بما يسمى ب "القضية الصحراوية"،إنه إخراج جديد من أجل قضية مرت عليها أكثر من ثلاثين سنة، وكأن الشعب الجزائري الذي أكثر من نصف مساحة بلاده صحراوي يجهل الثقافة الصحراوية !. إن هذه المسرحية الهزلية تعكس غباء هذه الجمعية و فسادها ودسائسها القائمة على سياسة خطيرة و ممنهجة، يتبادل فيها ضباط محترفون في الاستخبارات الجزائرية أدوارهم في الداخل و الخارج لا لشتم التاريخ الواحد وتحريفه فحسب، و إنما لأبعد من ذلك، واللبيب بالإشارة يفهم . إن " جمعية المصالح الجاسوسية الجزائرية الصحراوية" هي عبارة عن شبكات داخلية وخارجية، تآكل خطابها في ذهن الشعب الجزائري، و بوقا لم يعد أحد يستمع إليه أو يصغي له، لأن شعب المليون ونصف شهيد المظلوم والمقهور أصبح يعلم أن القضية ليست لها علاقة مباشرة بمصيره وحياته و مشاكله اليومية وطموحاته الوحدوية والقومية، كما تأكد له أن خيرات بلده تهدر بشكل جنوني و بسخاء حاتمي لمعالجة مريض يوجد في مرحلته النهائية. إنه الاحتضار السياسي لجماعة البوليساريو الانفصالية، التي لم تعد تنفعها الحقنات المقوية التي تمدها بها هذه الجمعية الوكر، بغية إنقاذ "جمهورية وهمية" بنيت على فساد وعلى حساب شعب بريء، أنفقت مداخيل ثرواته في مغامرة خاسرة ومدمرة للجميع. وآخر نشاط عفوا، آخر نكتة أتحفتنا بها "جمعية الصداقة الصحراوية الجزائرية" التي يرأسها الضابط السابق العماري هي مسألة التوأمة بين مدينة الجزائر العاصمة الولاية المجاهدة و الصامدة في وجه الطغاة و مخيم المحتجزين الصحراويين في ضواحي مدينة تندوف، مخيم لا يتجاوز عدد خيامه 200 خيمة، و يطلق عليه كذبا وبهتانا اسم ولاية العيون لتضليل الرأي العام الدولي و الجزائري، إن هذا الإجراء التصعيدي لن يزيد الشعب المغربي إلا تشبثا بأقاليمه الصحراوية، وقد يدفعه إلى اتخاذ قرارات مضادة تعمق التفرقة و التمزق في المنطقة . إن هذه الجمعية يصدق فيها قوله تعالى : "إذا لقوا اللذين آمنوا قالوا آمنا و إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون". ذ.عبد الرحمن مكاوي أستاذ العلاقات الدولية خبير في الشؤون العسكرية و الإستراتيجية [email protected] ""