لقد أكثر عصيد في الضرب في الأصول والثوابت والرموز الأحياء منهم والأموات، وتجاوز حدود اللياقة والأدب مع العرب والأمازيغ، وبلغت به الجرأة أن مس حمى النبوة، ولم يوقر عقيدة الناس ولا أنسابهم، ومن ذلك ترداده لشبهة مهزوزة واهية لا يسعفها علم ولا تاريخ،حيث شكك في نسب إدريس الثاني إلى أبيه رحمهما الله تعالى،وطاعنا في فرع من فروع آل بيت النبي الطاهر، وطاعنا في عرض كنزة الأمازيغية رمز الهوية المغربية التي امتزجت فيها أصول هذا البلد الأمين واختلطت فيه العروق والدماء والآمال والآلام لتنتج دولة الإسلام في المغرب الأقصى مكررة ما يشبه ما حدث في المدينة وحكاية اللحمة الأخوية بين الفاتحين من المهاجرين العرب وبين الأنصار من أحرار الأمازيغ، والتي يراد لها اليوم من بعض المغرضين تفتيت عراها وتشتيت شملها بزرع الفتن وبذر الضغائن والإحن. وسأدع الكلمة لعملاق في تاريخ الأمة، لا يشك في نزاهته وعلميته والمشهود له بها في الدنيا من المنصفين داخل الأمة وخارجها، وأستأذنه رحمه الله، بل وأستسمحه أن أنزله من عليائه ومن قمته الشامخة ليرد على بعض من ألفوا السباحة في البرك الآسنة والعيش في حفر التدليس والشك والكيد والمكر..،إنه ابن خلدون رحمه الله وأجزل له المثوبة والعطاء وجعل كتبه ومنها كتابه في التاريخ والمسمى ب «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» في ميزان حسناته. 1-الطعن في نسب العلويين سياسة عباسية مشهورة في إطار الصراع السياسي بين الأسرتين: يقول رحمه الله في إحدى مقدماته التي سماها"المقدمة في فضل علم التّاريخ وتحقيق مذاهبه والالماع لما يعرض للمؤرخين من المغالط وذكر شيء من أسبابها":""ومن الأخبار الواهية ما يذهب إليه الكثير من المؤرّخين والأثبات في العبيديين خلفاء الشّيعة بالقيروان والقاهرة من نفيهم عن أهل البيت صلوات الله عليهم والطّعن في نسبهم إلى إسماعيل الإمام ابن جعفر الصّادق يعتمدون في ذلك على أحاديث لفّقت للمستضعفين من خلفاء بني العبّاس تزلّفا إليهم بالقدح فيمن ناصبهم وتفنّنا في الشّمات بعدوّهم حسبما تذكر بعض هذه الأحاديث في أخبارهم ويغفلون عن التّفطّن لشواهد الواقعات وأدلّة الأحوال الّتي اقتضت خلاف ذلك من تكذيب دعواهم والرّدّ عليهم." فمعلوم في التاريخ ما تعرض له آل البيت من اضطهاد في زمن الأمويين وفي زمن العباسيين، يقول ابن خلدون في نفس المقدمة السابقة" حتّى لقد سمّي محمّد بن إسماعيل الإمام جدّ عبيد الله المهديّ بالمكتوم سمّته بذلك شيعتهم لما اتّفقوا عليه من إخفائه حذرا من المتغلّبين عليهم فتوصّل شيعة بني العبّاس بذلك عند ظهورهم إلى الطّعن في نسبهم وازدلفوا بهذا الرّأي القائل (الخاطئ والضعيف) للمستضعفين من خلفائهم وأعجب به أولياؤهم وأمراء دولتهم المتولّون لحروبهم مع الأعداء يدفعون به عن أنفسهم وسلطانهم معرّة العجز عن المقاومة والمدافعة لمن غلبهم على الشّام ومصر والحجاز من البربر الكتّامين شيعة العبيديّين وأهل دعوتهم" 2- توظيف العباسيين لبعض العلماء في الطعن في نسب العلويين يقول رحمه الله في نفس المقدمة:" حتّى لقد أسجل القضاة ببغداد بنفيهم عن هذا النّسب وشهد بذلك عندهم من أعلام النّاس جماعة منهم الشّريف الرّضيّ وأخوه المرتضى وابن البطحاويّ ومن العلماء أبو حامد الأسفرايينيّ والقدّوريّ والصّيمريّ وابن الأكفانيّ والأبيورديّ وأبو عبد الله بن النّعمان فقيه الشّيعة وغيرهم من أعلام الأمّة ببغداد في يوم مشهود وذلك سنة ستّين وأربعمائة في أيّام القادر وكانت شهادتهم في ذلك على السّماع لما اشتهر وعرف بين النّاس ببغداد وغالبها شيعة بني العبّاس الطّاعنون في هذا النّسب فنقله الأخباريّون كما سمعوه ورووه حسبما وعوه، والحقّ من ورائه. وفي كتاب المعتضد في شأن عبيد الله إلى ابن الأغلب بالقيروان وابن مدرار بسجلماسة أصدق شاهد وأوضح دليل على صحّة نسبهم فالمعتضد أقعد (أكفأ) بنسب أهل البيت من كلّ أحد(...) 3- الطعن في نسب الأدارسة جزء من سياسة الطعن في نسب العلويين عموما يقول بخصوص الأدارسة في نفس المقدمة:"ومثل هذا وأبعد منه كثيرا ما يتناجى به الطّاعنون في نسب إدريس بن إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (رضوان الله عليهم) الإمام بعد أبيه بالمغرب الأقصى ويعرّضون تعريض الحدّ بالتّظنّن في الحمل المخلّف عن إدريس الأكبر إنّه لراشد مولاهم قبّحهم الله وأبعدهم ما أجهلهم" 4- لو شك الأمازيغ لحظة في نسب إدريس لما بذلوا من دمائهم وجهادهم ما بذلوا يقول ابن خلدون في نفس المقدمة:"أما يعلمون أنّ إدريس الأكبر كان إصهاره في البربر وأنّه منذ دخل المغرب إلى أن توفّاه الله عزّ وجلّ عريق في البدو وأنّ حال البادية في مثل ذلك غير خافية إذ لا مكامن لهم يتأتّى فيها الرّيب وأحوال حرمهم أجمعين بمرأى من جاراتهنّ ومسمع من جيرانهنّ لتلاصق الجدران وتطامن (انخفاض) البنيان وعدم الفواصل بين المساكن وقد كان راشد يتولّى خدمة الحرم أجمع من بعد مولاه بمشهد من أوليائهم وشيعتهم ومراقبة من كافّتهم وقد اتّفق برابرة المغرب الأقصى عامّة على بيعة إدريس الأصغر من بعد أبيه وآتوه طاعتهم عن رضى وإصفاق (موافقة) وبايعوه على الموت الأحمر وخاضوا دونه بحار المنايا في حروبه وغزواته ولو حدّثوا أنفسهم بمثل هذه الرّيبة أو قرعت أسماعهم ولو من عدوّ كاشح أو منافق مرتاب لتخلّف عن ذلك ولو بعضهم" 5-الطعن في نسب إدريس الثاني رد فعل عن استمرار أمر الأدارسة بعد توهم القضاء عليهم بقتل والده: يقول ابن خلدون بتأكيد ويقين"كلّا والله إنّما صدرت هذه الكلمات من بني العبّاس أقتالهم (أعداء العلويين والأدارسة) ومن بني الأغلب عمّالهم كانوا بإفريقيّة وولاتهم.وذلك أنّه لمّا فرّ إدريس الأكبر إلى المغرب من وقعة بلخ أوعز الهادي إلى الأغالبة أن يقعدوا له بالمراصد ويذكوا عليه العيون فلم يظفروا به وخلص إلى المغرب فتمّ امره وظهرت دعوته وظهر الرّشيد من بعد ذلك على ما كان من واضح مولاهم وعاملهم على الاسكندريّة من دسيسة التّشيّع للعلويّة وإدهانه (غشه) في نجاة إدريس إلى المغرب فقتله ودسّ الشّمّاخ من موالي المهديّ أبيه للتّحيّل على قتل إدريس فأظهر اللّحاق به والبراءة من بني العبّاس مواليه فاشتمل عليه إدريس وخلطه بنفسه وناوله الشّمّاخ في بعض خلواته سمّا استهلكه به (قتله) ووقع خبر مهلكه من بني العبّاس أحسن المواقع لما رجوه من قطع أسباب الدّعوة العلويّة بالمغرب واقتلاع جرثومتها ولمّا تأدّى إليهم خبر الحمل المخلّف لإدريس فلم يكن لهم إلّا كلا ولا ، وإذا بالدّعوة قد عادت والشّيعة بالمغرب قد ظهرت ودولتهم بإدريس بن إدريس قد تجدّدت فكان ذلك عليهم أنكى من وقع السّهام" 6-الأغالبة يبررون عجزهم للعباسيين في القضاء على الأدارسة بالتقليل من شأن المغاربة والطعن في نسب الأدارسة يقول رحمه الله:"فكان الاغالبة عن برابرة المغرب الأقصى أعجز (...) فخشي هؤلاء الأمراء الأغالبة بوادر السّعايات، وتلوا بالمعاذير فطورا باحتقار المغرب وأهله وطورا بالإرهاب بشأن إدريس (...) وطورا يطعنون في نسب إدريس بمثل ذلك الطّعن الكاذب تخفيضا لشأنه، لا يبالون بصدقه من كذبه لبعد المسافة، وأفن عقول من خلّف من صبية بني العبّاس وممالكهم العجم في القبول من كلّ قائل والسّمع لكلّ ناعق" 7-الطعن في نسب الأدارسة إثم مناف لمقاصد الشريعة وعقائد أهل الإيمان يقول رحمه الله في نفس المقدمة دائما"ولم يزل هذا دأبهم (أي الطعن في نسبهم) حتّى انقضى أمر الأغالبة فقرعت هذه الكلمة الشّنعاء أسماع الغوغاء وصرّ عليها بعض الطّاعنين أذنه واعتدّها ذريعة إلى النّيل من خلفهم عند المنافسة. وما لهم قبّحهم الله والعدول عن مقاصد الشّريعة فلا تعارض فيها بين المقطوع والمظنون، وإدريس ولد على فراش أبيه والولد للفراش.على أنّ تنزيه أهل البيت عن مثل هذا من عقائد أهل الإيمان، فاللَّه سبحانه قد أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا، ففراش إدريس طاهر من الدّنس ومنزه عن الرّجس بحكم القرآن ومن اعتقد خلاف هذا فقد باء بإثمه.." إلى آخر ما قال.وليتأمل من أدخل نفسه هذه المضايق بأي شيء يرجع من سخط الله وسخط الناس، نعوذ بالله من الفضيحة والخذلان.