سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تفاصيل مثيرة عن «تشيّع» إدريس الأول وضريحه «المكتشف» في زرهون والإشاعة حول زوجته 1/2 مؤرخون يشكون في قبره وآخرون ينتقدون «تضخيم» التاريخ الرسمي للإمارة الإدريسية
يصور التاريخ الرسمي، الذي يتعلمه النشء في الكتب المدرسية، شخصية مولاي إدريس كزعيم «خارق للعادة».. وجدَ الأمازيغَ في المغرب الأقصى في أوحال الجاهلية، فأنقذهم منها بأنوار الإسلام وخلّصهم من ظلمات الكفر، ووحّد المغرب وأنشأ مملكة كبيرة وخرّت الأمم بين يديه مُطيعة لنسبه الشريف وقوة كاريزماته النادرة.. ويذهب التاريخ الرّسمي إلى حد اعتبار سنة دخول مولاي إدريس الأكبر المغرب «بداية التاريخ الفعلي للمغرب» (حوالي 12 قرنا).. من جهة أخرى، يعتبر بعض المؤرخين والكتاب المغاربة التاريخ المدرسيّ «تاريخا مزورا»، لأنه يُقصي حقائق تشيّع الامارة الادريسية ويمرّ على نسب إدريس الثاني دون أن يورد الروايات التاريخية «المُزعجة» التي تتهم كنزة الأمازيغية بالزّنا والإنجاب من «مولى رشيد» (خادم إدريس الأول) بل أكثر من هذا، يتهم التاريخ الرسمي المخالفين بالمروق والكفر، كما وقع مع إمارة برغواطية الأمازيغية، التي اتُّهِمت بابتداع دين جديد واتخاد أميرها رسولا.. كما أنّ بعض المؤرخين يُشككون في قبر مولاي إدريس الأول، لأنه -حسب كل الروايات- تم اكتشافه في عهد المرينيين، أي بعد مرور حوالي 5 قرون على وفاته، بطريقة مثيرة لأكثر من شبهة.. التاريخ الرسمي في أحد الكتب المدرسية نقرأ أنّ «إدريس الأول هو إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب»، وهو من القلائل الذين نجوا من معركة فخ (في مكة) والتي أوقعها العباسيون على العلويين من أحفاد الحسن بن علي، خوفا منهم، لأنهم الأجدر بالخلافة. وتضيف تلك الكتب أنّ مولاي إدريس كان له أحد الموالي (عبد أو خادم) اسمه رشيد، وهو أمازيغي الأصل، اقترح عليه الذهاب إلى المغرب الأقصى، وبعد رحلة سنتين، أي أثناء 171 هجرية، الموافق ل787 م، ظهر الاثنان في طنجة، وأخذ إدريس يحمل راية الاسلام ويدعو إلى الاسلام لتخليص الناس من الظلم والكفر. وقد نشر علال الفاسي قبل وفاته وثيقة (نقلها عن مخطوط يمني) عبارة عن نداء وجّهه مولاي إدريس للأمازيغ في المغرب، ونصه: «وقد خانت جبابرة في الآفاق شرقا وغربا، وأظهروا الفساد وامتلأت الأرض ظلماً وجوراً. فليس للناس ملجأ ولا لهم عند أعدائهم حُسنُ رجاء. فعسى أن تكونوا معاشر إخواننا من البربر اليد الحاصدة للظلم والجور، وأنصار الكتاب والسنة، القائمين بحق المظلومين من ذرية النبيّين. فكونوا عند الله بمنزلة من جاهد مع المرسلين ونصر الله مع النبيين. واعلموا، معاشر البربر، أني أتيتكم وأنا المظلوم الملهوف، الطريد الشريد، الخائف الموتور، الذي كثر واتره وقلّ ناصره، وقتل إخوته وأبوه وجدّه وأهلوه، فأجيبوا داعيَّ الله، فقد دعاكم إلى الله». وكان انتساب إدريس الأول إلى آل البيت كافيا لاجتذاب الأنصار، ولما لم يحالفه كثير من النجاح في طنجة (التي كانت عاصمة المغرب الأقصى) رحل إلى أوربة. وحول مدينة وليلي، وعند قاعدة جبل يسمى زرهون، وتقع في منتصف المسافة بين مدينتي فاس ومكناس، حالفه الحظ العظيم وأسس أول إمبراطورية إسلامية في المغرب الكبير... وتشير المصادر الرسمية ذاتها إلى أنّ وليلي كانت مركزا كبيرا للقبائل، وعرفت أيام الرومان ب«Volubilis»، وهي أصلح لدعوة الناس إلى الاسلام، وقد نزل إليها في ربيع 172 هجرية (788 ميلادية) ولم يكلف نفسه عناء كبيرا في كسب التأييد، لأنّ شيوخ قبائل أوربة كانوا مُستعدّين لتأييد زعيم يقودهم في ثورة يتخلصون بها من سلطان برغواطة وينشئ لهم دولة مثل دولة بني رستم في تاهرت. وكانت قرابته للرسول صلى الله عليه وسلم كافية لاجتذاب القلوب، خاصة إذا أضفنا إلى ذلك ما كان لمأساة «فخ»، وما وقع للعلويين فيها من القتل والتشريد، وهم سلالة النبي الأكرم، من أثر بعيد في قلوب المسلمين.. بعد مرور وقت يسير، سيلتف الناس حول إدريس في حماس عظيم، ويقوم إلى جانبه راشد، يدبر له الأمر ويوحد القلوب حول هذا الزعيم الذي طال انتظاره. وقد أصبح إثر ذلك «أميرا» على وليلي وزعيم الجناح الغربي من قبيلة أوربة، وتبعه كذلك خلق كبير من فروع قبائل غمارة، وكانت إلى ذلك الحين كيانا ضخما مفككا يحمل عبء برغواطة واستبداده، ومع غمارة انضمّت إلى إدريس قِطع من زواوة ولواتة وسدراتة ونفزة ومكناسة، وبعض هذه القبائل زناتي.. وبقوة هؤلاء استطاع إدريس أن يسود كل المنطقة الشمالية من المغرب الأقصى لمعاونة إسحاق بن عبد الحميد، شيخ أوربة، وسار بقوته متنقلا في هذه النواحي، يُخضع القبائل ويتلقى طاعتها، حتى امتدّ سلطانه في أقلَّ من عام من تلمسان إلى ريف تامسنا ومن طنجة إلى ودي أم الربيع.. وهي فسحة غنية لدولة يُحسب لها حساب. قال المؤرخ المغربي البارز عبد الهادي التازي ل«المساء» إن «مولاي إدريس كان قويا وإنّ دولته بلغت من القوة درجة كبيرة، يدلّ على ذلك فتحته تلمسان وإنشاؤه مسجدا ضُربت على حيطانه نقوشٌ تؤدي معنى السيادة»، مضيفا: «أقول هذا الكلام للذين يقولون إن الدولة الإدريسية كانت إمارة صغيرة». ويحدد كتاب «الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس» شروط البيعة، قائلا «بايعوه على الإمارة والقيام بأمرهم وصلواتهم وغزوهم وأحكامهم».. ومع تعاظم قوة مولاي إدريس، تنبّه هارون الرشيد إلى ما يمكن أن ينجم عن تأسيس دولة علوية في المغرب. وتقول الرويات الرسمية إنه استشار جعفر البرمكي فتبيّنت له صعوبة ارسال العسكر من بغداد إلى وليلي للقضاء على إدريس، فقرر اللجوء إلى أسلوب الاغتيال على يد رجل ماهر في الكذب والتلبيس والجاسوسية.. وبمساعدة إبراهيم بن الأغلب، الذي تولى بعد ذلك الولاية على تونس، كلفوا شخصية تلقب في كتب التاريخ ب«الشمّاخ» (سليمان بن جرير) بالقضاء عليه، وقد دخل هذا الأخير في خدمة إدريس الأول وكسب ثقته، ثم تحايل عليه ووضع له السمّ في هيئة طِيب دخل في خيشومه وانتهى إلى دماغه وسقط على وجهه فمات.. تلك هي مُجمل «الرواية الرّسمية» للمرحلة الأولى من الدولة الادريسية. «تزوير» التاريخ يتهم كثير من المؤرخين والمثقفين الدولة ب«تزوير الحقائق وبتضخيم تاريخ الدولة الإدريسية واستبلاد الأمازيغ»، لأنّ الاسلام دخل المغرب وتجذر منذ سنوات، قبل أن يصل إدريس الأكبر إلى المغرب، والدولة الادريسية «المزعومة» لم تكن سوى «إمارة صغيرة جدا» بالمقارنة مع إمارات قوية جدا، لها سفراء في أوربا، والحديث هنا عن إمارة برغواطة الأمازيغية.. ويذهب بعض المؤرخين إلى انتقاد تنكر التاريخ الرسمي لإمارات إسلامية كانت موجودة في المغرب (النكور، برغواطة، بني مدرار) قبل الأدارسة.. مُشكّكين في كل الرويات الرسمية، التي تعتبر أن إدريس الأول هو من أخرج الأمازيغ من ظلمات الجهل إلى نور الاسلام.. بل إنّ كثيرا من هؤلاء المؤرخين (حتى بعض «الرّسميين») لا ينفون أنّ إدريس الأول كان شيعيّا وأن الامارة التي كان يقودها تدين بمذهب الشيعة، ولهم في ذلك الكثير من الحجج، منها ما تم سكه في النقود من عبارات من قبيل «محمد وعلي خير الناس»، وكذا خطبة إدريس الأول المليئة بالعبارات الشيعية.. إضافة إلى أنّ هروبه من معركة «فخ» تعني أنه شيعيّ يؤازر أخاه محمدا «النفس الزكية»، الذي ثار في المدينة وفكر قبل مقتله في تبليغ الدعوة إلى كل الأقاليم الإسلامية.. ولا يشير التاريخ الرسمي للدولة إلى تشيّع إدريس الأول، بل ينفيه إجمالا ولا يتحدث إلا عن «مروق إمارة برغواطة»، متهما قائدها (صالح بن طريف) بادّعاء النبوة وكتابة قرآنا باللغة الأمازيغية وأمره الناس من أتباعه بالصلاة خمسا بالليل وخمسا بالنهار وغيرها من الطقوس... وإذا كان بعض المثقفين يعتبرون إعادة تشكيل الهوية الوطنية للدولة المغربية وعلاقتها بالتاريخ بناء حتم على الحاكمين تبني هوية مصطنَعة، فإن هذا «البناء الهُوياتي المفبرَك» قام على أساس انتقاء عناصر معينة و»تعديل» أخرى وتغييب العناصر التي لا تستجيب للحاجات السياسية للدولة المغربية بعد تولي العلويين.. وقد أورد المثقف والناشط الحقوقي أحمد عصيد ل»المساء» أمثلة على ذلك، منها مثلا: «تغييب الأمازيغية من المؤسسات بعد الاستقلال وانتقاء عناصر «العروبة والإسلام» والبعد الأندلسي كهوية للدولة، والترويج لشعار «وحدة العرش والشعب»، وشعار امتداد تاريخ المغرب إلى 12 قرنا لا غير، ورمزية الأضرحة، مثل ضريح إدريس الأول والثاني، وطريقة توظيفهما في الماضي والحاضر، وأسباب المكانة التي يحظى بها الطرب الأندلسي، وأصل الطربوش التركي الأحمر وكيفية تحوله بالتدريج إلى لباس «رسميّ» في المغرب، بينما اختفى من تركيا وكلّ البلاد الشرقية التي حكمها العثمانيون».. مضيفا أنّ الشرعية السياسية لا تقوم على رواية معينة للتاريخ توضع تحت الحراسة والمراقبة، وتضع الخطوط الحمراء للقراءة والتأويل والتفسير، وإنما تقوم على تقوية أسس البناء الديمقراطي الذي يحرر السلطة من احتكار التاريخ وحراسته، ويجعل التاريخ مجالا للبحث الحرّ الذي يفلت -قدْر الإمكان- من الذاتية ومن المآرب السياسية الظرفية، ويجعل السلطة في غنى عن صناعة الأصنام وتكريس الأساطير ورعاية التقاليد البالية، ويشحذ ملكة العقل النقدي ويحفز على المعرفة والاكتشاف، وهو ما يعطي على المستوى السياسي تفكيكَ طوق الاستبداد، وعلى المستوى الاجتماعي تحقيقَ المساواة وتكافؤ الفرص على قاعدة المواطنة دون تمييز بين «شريف» و«وضيع»، وعلى المستوى الثقافي تحقيق الانسجام الوطنيّ عبر الشعور بالانتماء إلى الوطنية المغربية، بكل مكوناتها، التي تتساوى في قيمتها الإنسانية.. منتقدا من سماهم «حراس المعبد»، الذين تثير مثل هذه الأسئلة حفيظتهم وتثر على مصالحهم، وخاصة منهم الذين ما زالوا يعُضّون بالنواجد على شجرات أنسابهم العتيقة (الشرفاء)». ويذهب عصيد -والكثير من المثقفين- أكثرَ من اعتبار الإمارة الإدريسية شيعية، إلى حد التشكيك في نسب إدريس الثاني، حيث يعتبره المحامي المثير للجدل أحمد الدغرني «كنزوي»، والإدريسيين «كنزويون»، بسبب ايمانهم برواية تقول إن «إدريس الثاني لم يزددْ إلا بعد وفاة إدريس الأول ب11 شهرا من أمه كنزة الأمازيغية (زوجة إدريس الأكبر)»، ويعتبرون بالتالي «إدريس الثاني ثمرة علاقة جنسية مُحرَّمة جمعت كنزة الأوربية بالمولى راشد الأمازيغي».. هنا يتدخل عبد الهادي التازي ليقول ل»المساء»: «هذا هو التلبيس، وهؤلاء هم الأبالسة».. مشيرا في حديث إلى «المساء»، إلى أنّ «هذه أغلوطة وخرافة وأسطورة، وهي ورقة محروقة ولعبة ديماغوجية أطلقها العباسيون وظهرت في وقت محدود -أوائل الدولة العباسية- وانتهت بتولي المعتضد بالله (أحمد بن طلحة) الذي اعترف بأنّ الأدارسة أشراف». وتتواصل الشكوك أكثر لتشمل قبر مولاي إدريس الأول، حيث يقول عصيد: «معلوم عند المؤرخين أن قبر إدريس الأول لم «يُكتشَف» إلا سنة 1318 -توفي سنة 793- أي أن قبرَه «اكتشِف» بعد وفاته ب525 سنة).. كما أنّ ضريح إدريس الثاني لم «يُكتشَف»، بدوره، إلا سنة 1437، وهو المتوفى سنة 828، مما يعني أنّ مَدفنه ظلّ مجهولا حوالي 609 سنوات.. وقد تمّ ذلك في مرحلة بدا فيها واضحا تجدّد الحاجة السياسية إلى رمزية «الشّرفاء» ضدّ النزعة المهدوية، التي كان يشجعها الحفصيون في شرق المغارب، وفي مواجهة عصبية القبائل الأمازيغية وتقاليدها المحلية، ولردّ تهديدات الزوايا الزاحفة، والتي أصبحت تحاصر الحكم المركزي من كل جهة. وإذا علمنا أن الطريقة التي «اكتشِف» بها قبر إدريس الثاني في العهد المريني كانت عبر «حلم» رآه أحدهم، وإذا علمنا أنّ أحد حفدة إدريس قد استغلّ مزاره المذكور بعد اكتشافه ليعلن نفسه ملكا على فاس.. وإذا علمنا أن المرينيين لم يكونوا يتوفرون على شيء من تقنيات علم الأركيولوجيا ولا مُعدّات تحليل ال»ADN» تَبيّنَ مقدار الحاجة السياسية إلى مزارات وأضرحة الأدارسة، وهو ما يفسر تكريم الشرفاء في هذه المرحلة وتمييزهم إيجابيا عن بقية الخلق ماديا ومعنويا»، يقول عصيد. وأضاف المتحدّث نفسُه أنّ الغرض من ذكر هذه الأخبار -التي لم نصطنع منها شيئا، بل هي في بطون الكتب لمن أراد التوسع فيها- ليس هو التشكيك في أنساب الناس أو أجدادهم، ولا دفعهم إلى الفتنة والتباغض، بل فهْمُ التاريخ بمنطق التاريخ وليس بالخرافات والأساطير.. لأنه لا يمكن المضيّ نحو المستقبل بإرث ثقيل يُستعمَل من أجل إعادة المجتمع إلى الوراء.. وقد كانت لأضرحة الأدارسة وظائفُ مكثفة في عهد الدولة العلوية، حيث اعتُبرت زيارة السلطان لضريح المولى إدريس بعد بيعته لحظة ذات رمزية قوية، إذ هي بمثابة وصل الحاضر بالماضي.. وأضاف عصيد ساخرا: «وحتى عندما كان حاكم المغرب في فترة الحماية هو المقيم العامّ الماريشال ليوطي، فقد جاءه بعض أعيان وعلماء فاس بشموع من ضريح مولاي إدريس لكي يُشفى من مرضه وقرؤوا «اللطيف» عند رأسه ودعوا له بالشفاء.. وهكذا شملت «برَكة» الإمام إدريس النصارى».. وقال عبد الهادي التازي، في رده على عصيد، إن «ادريس الأول توفي، والتشكيك في القبر هو مجرد خزعبلات يتشبّث بها أصحاب الأفكار المحدودة والضيّقة، التي تريد أن تطبق ما هو موجود الآن على ما هو موجود قبل 10 سنوات».. مضيفا أنّ «هَمَّ الذين يشُكّون في القبر هو زعزعة الناس عن عقائدهم لكي يمرّوا إلى الرسول وينفوا وجوده، ثم ينتقلون إلى الله.. لذلك فالانشغال بمثل هذه الأسئلة تعَبٌ ما وراءه أرب».. موجّها خطابه لمن يشيعون هذه الأفكار ساخرا: «اشتغل يا سيدي واغرس لنا البطاطس أو الطماطم إذا كنت ستلقي علينا التفاهات».. التاريخ.. لمن لا صنعة له في 2010 خرج عصيد، في ندوة في كلية الآداب في الرباط حول «الهوية في علاقتها بالتاريخ»، وأطلق سلسلة من الشكوك التي هزّت الرأي العام، خاصة مسألة التشكيك في نسب الأشراف الأدارسة بعد رواية تقول إنّ «إدريس الثاني هو ابن المولى رشيد الأمازيغي».. وكانت أبرز الرود العنيفة على محاضرة عصيد هي تلك الافتتاحية التي كتبها مصطفى العلوي، مدير نشر «الأسبوع»، متحدثا عن ضرب أوتار الحرب الأهلية في المغرب، «لأنّ الكلام عن انعدام أصول الأشراف في المغرب وعن تخلف نصوص الإسلام ينكر وجود شيء اسمه تاريخ الإسلام، وأنّ عصيد بصدد إطلاق أطروحة ملحدة (...) تجعل أكثر من مليار من المسلمين مضطرّين إلى البحث عن هويتهم». ووصف العلوي، آنذاك، عصيد ب»المهدي الجديد، لأنّ طريقة إنكاره وجود قطب الفتح الإسلامي، حفيد الإمام علي كرّم الله وجهه إدريس الأول، وإنكار هوية كل المنتسبين إليه منذ 14 قرنا، وليس 12 قرنا كما يقول جهلا (...) إنما هي إشعالٌ لفتيل حرب أهلية في المغرب، لن يجد عصيد وأصحابه مناصا معها من الهروب، وطبعا لن يجد له مستقرا آمنا إلا في إسرائيل»، بتعبير العلوي.. وهاجم هذا الصّحافي المخضرم معتقدات الأمازيغ قبل الاسلام قائلا إن «عصيد يريد الرجوع بنا إلى عهد إله البربر «ياهفي».. فكيف بنا -أربعة عشر قرنا من بعد- أن نقبل انعدام أثر أحفاد الرسول الذين حملوا رسالة الإسلام الى المغرب، وأن نسلم الاعتراف لفلسفة عصيد بأنْ لا وجود للفاتح إدريس الأول حتى في قبره.. تكذيبا لما نقله ابن خلدون، الطبري الأصفهاني، والمسعودي وابن أبي زرع، الذي نقل كلام الإمام البخاري في صحيحه وسنده، عن وصول مولاي إدريس إلى المغرب، وكيف يكذب عصيد، تاريخ القطب الامازيغي موسى بن أبي العافية «الذي قال له العلماء أتريد أن تقتل بني إدريس وأنت رجل من البربر؟».. أما المؤرخ المغربي المتخصص في التاريخ الوسيط حسن حافظي علوي فقال ل«المساء» إنّ «التاريخ اليوم صار صنعة مَن لا صنعة له، لأنّ كل من يريد أن ينافح عن قضية معينة يستعمل التاريخ»، مشيرا إلى أن «المؤرخ لا يحتاج فقط إلى الرأي المخالف، بل يحتاج كذلك إلى الرأي الرّسمي، لأنه يعكس وجهة نظر جهة فاعلة، فالحاكم قد يخرج، مثلا، عن مبادئ الحكم، وللوصول إلى هذه الخلاصة يجب الرجوع إلى وثائقه وأرشيفه ومقابلتها بالروايات المخالفة». ويدعو حافظي علوي إلى وضع هذه الروايات في سياق انتاجها، «لأنّ ظروف إنتاج المعرفة مهمّة جدا بالنسبة إلى المؤرخين، بسبب التعامل مع قضية ضاربة في القِدم يفصلننا عنها زمن بعيد جدا. وهذا الزمن كانت له حيثياته وسياق صراع معلوم ينبني على قضية الشرعية، التي لها علاقة بالخلافة الإسلامية، ولمّا كان الأمر كذلك لا يستقيم فهم أي رواية إلا بناء على رصد جميع العناصر الفاعلة في الزمن الذي أنتِجت فيه». ورفض علوي «الافتراض» في التاريخ، قائلا إن الذي يقوم بالتأريخ يقابل كل الروايات الموجودة، ولا يوظف رواية واحدة فقط من أجل الدفاع عن موقفه ويغضّ الطرف عن الروايات الأخرى، مضيفا: «إذا توفرت الوثيقة وتم غضّ الطرف عنها، حينئذ يصبح المؤرخ مزورا».. وتحدث عن تاريخ الدولة الادريسية قائلا: «مع الأسف، ثقافتنا شفوية، وهي ثقافة فيها مشكل كبير لا تؤرّخ إلا لخاصة الخاصة ولنخبة النخبة.. لأنها أهملت الكثيرَ مما يستحق أن يُكتب، لهذا فما وصلنا من وثائق تجعلك مضطرا إلى التعامل مع التاريخ الرسمي. وفي تاريخ الأدارسة استعيض بالنصوص الأخيرة، فأين هي إذن النصوص الأولى؟ وأين هي النصوص الأولى لتاريخ برغواطة وبني صالح؟ بل أين هي نصوص المرابطين والموحّدين والسعديين والعلويين؟ فالزمن أضاع منا الكثير مما دونّاه وما كتبنا، وتاريخنا فيه بياضات كثيرة ونقط ظل كثيرة، لا يمكنك أن تملأها بشكل نظريّ». وينفي علوي الذي يؤكد أنّ إدريس كان شيعيا زيديا، في الوقت نفسه، التشكيكَ في نسب إدريس الثاني واتهام كنزة بالزنا، لكنه يعود مرة أخرى ليشكّ في قبره الموجود في زرهون، قائلا «إننا نتعامل في رواية اكتشاف قبر إدريس مع المتن المَناقِبي، الذي يكون ملؤه الخوارق والكرامات.. هذه الروايات لا توجد إلا في كتب التصوف وليس في كتب التاريخ، هي أقرب إلى الأسطورة منها إلى التاريخ لأنها تشبه تلك الأساطير التي تُتداول عن أنّ «سيدي» فلان يمشي على الماء!».. الشيعة المغاربة على الخط تدخل ما يسمى «الخط الرسالي الشيعي بالمغرب»، ونشر في موقعه الإلكتروني مات أسماه «البيان المفيد للردّ على عصيد»، حيث أكد من خلاله أن الأمر الذي يبدو غيرَ مفهوم في خطاب عصيد هو أنه عمل على إثارة الخلفية العقائدية لمولاي إدريس الأكبر ونسبة إدريس الأزهر إلى أبيه، في محاولة منه للنيل مما يسميه البعض «الشرعية الدينية والتاريخية للدولة العلوية «، علما أنّ العلويين في المغرب هم أبناء عم الأدارسة وليسوا من أعقاب مولاي إدريس الأكبر والأزهر.. وبالتالي فإنّ تصويب السهام إلى مولاي إدريس الأكبر وحتى الأزهر، لا يؤدي إلى مساس مباشر بالعلويين، وإنْ كان العنوان الجامع بين الأدارسة والعلويين هو الانتماء إلى البيت الحسني الواحد. وزاد البيان أنّ عصيد يعتقد أنه يمكن تدمير الشرعية الدينية والتاريخية للعلويين بضرب الحلقة التأسيسية لحكم الحسنيين «الدولة الإدريسية»، وصولا إلى «الدولة العلوية»، حيث يتم تصوير الأمر وكأنّ الأشرافَ قد وصلوا إلى الحكم عن طريق الحيل والمؤامرات والدسائس واستعمال القوة، مستغلين بساطة الأمازيغ.. وأشار من سمى نفسه رئيس تحرير «الخط الرسالي»، قائلا إنّ «العجب لا ينقضي، أيضا، من أولئك الذين يتاجرون ببطاقات الأشراف ويبيعونها لكل من هبّ ودبّ، مُقدّمين أنفسهم كروابط ونقابات للشرفاء الأدارسة، حيث لم نسمع لهم حسّا ولا خبرا في الدفاع عن أنفسهم وعن جدّهم مولاي إدريس الأزهر (الثاني) حيث جعلهم عصيد في موقع أدعياء النسب، وربما نسبهم جميعا -بشكل ضمنيّ- إلى راشد مولى إدريس بن عبد الله، «طاعنا في شرف جدتنا كنزة، عليها وعلى زوجها وابنها سلام الله».. وللوقوف على حقيقة «الشّبهة» التي أثارها عصيد، جاء في الرد أنه «بخصوص نسب إدريس الثاني إلى أبيه إدريس الأول، وليعلم الجميع، أنه اتهام قديم يفتقر إلى أي حجة ودليل، لأن في كتاب «عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب» ما يلي: «وأعقب إدريس بن عبد الله المحض من ابن إدريس وحده، وكان إدريس بن إدريس لمّا مات أبوه حملا، وأمه أم ولد بربرية، ولمّا مات إدريس بن عبد الله المحض وضع المغاربة التاج على بطن جاريته أم إدريس، فولدت بعد أربعة أشهر، قال الشيخ أبو نصر البخاري: قد خفي على أناس حديث إدريس، لبُعده عنهم، ونسبوه إلى مولاه راشد، وقالوا إنه احتال في ذلك لبقاء المُلك له، ولم يعقب إدريس بن عبد الله المحض، وليس الأمر كذلك، فإن داود بن القاسم الجعفري، وهو أحد كبار العلماء وممن له معرفة بالنسب، حكى أنه كان حاضرا قصة إدريس بن عبد الله وسمه وولادة إدريس بن إدريس قال: «وكنت معه بالمغرب، فما رأيت أشجع منه ولا أحسن وجها»، وقال الرضا بن موسى الكاظم: «إدريس بن عبد الله من شجعان أهل البيت، واللهِ ما ترك فينا مثله»، وقال أبو هاشم داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر الطيار: «أنشدني إدريس بن إدريس لنفسه شعرا».. أكد رئيس ما يسمى «الخط الرسالي الشيعي بالمغرب»، أن «أحمد عصيد، وإنْ أصاب إلى حد ما في تثبيت شيعية الدولة الإدريسية، غير أنه أخطأ عندما تبنى شبهة قديمة حول نسب إدريس الثاني، معتبرا أنه وُلد بعد أحد عشر شهرا من استشهاد والده، بينما الحقّ أنه كان جنينا في بطن أمه في الشهر الرابع، حسب أوثق وأقرب المُقرَّبين، وهو داود بن القاسم بن إسحاق الجعفري، وحسب ما نقله الشيخ أبي نصر البخاري في ما نقله أيضا عنه ابن عنبة في كتابه «عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب»، فضلا على مصادر تاريخية أخرى. وفي ردهم على من يعتبر إدريس الأول «سُنيا»، أكد المصدر ذاته أنّ «من يتحدث عن كون إدريس بن عبد الله كان على منهج «أهل السنة والجماعة» يقع في مغالطة تاريخية كبيرة، حيث إن المذاهب الكلامية في فترة مولاي إدريس كانت منحصرة في «الشيعة، المعتزلة والمرجئة»، فلم يكن هناك لا أشاعرة ولا حنابلة، لسبب بسيط وهو أننا نتحدث عن فترة لم يولد فيها أحمد بن حنبل ولا الأشعري.. أما المذهب المالكي فهو مذهب فقهيّ وليس مذهبا عقائديا، وأيضا لا ننسى أن مالك بن أنس هو تلميذ لعبد الله بن الحسن، والد مولاي إدريس، وأيضا بايع محمد النفس الزكية، ابنه وأخ مولاي إدريس، وساند ثورته حتى عذب لأجل ذلك». وفي حديثه إلى «المساء»، قال إدريس هاني، المفكر الشيعي المغربي، إن «المُستغرَب في نظر المؤرّخ المنصف وغير المتمذهب هو ألا يكون إدريس الأوّل شيعيا.. فالذين نفوا عنه هذه الصّفة فعلوا ذلك لأسباب مذهبية واضحة، لأنّهم لا يستطيعون الطّعن في المولى إدريس، فكان الأَولى أنّ يحاولوا إعادة إنتاج مولى إدريس آخر، وفق ما يريده المؤرّخ المتمذهب».. مضيفا أن «الذين ينفون شيعية إدريس الأوّل سيضطرون إلى نفي التشيع عن القرون الأولى وفي عهد نشأة الدولة العباسية، وهؤلاء سيواجهون حقائق التاريخ الكبرى. فإذا لم يكن إدريس الأول وأخوه يحيى شيعيَّين فمن هم الشيعة يا ترى؟».. وشدّد هاني على أنّ «إدريس ويحيى كانا قائدين في ما عرف يومها بحركة العلويين ضدّ العبّاسيين. وقد كانت معركة فخّ حربا بين العلويين الشيعة وبين العباسيين. وإثر تلك المعركة الشهيرة هرب إدريس إلى المغرب، ليؤسس دولته العلوية، كما ذهب أخوه يحيى إلى طبرستان ليؤسس دولته العلوية.. هذا هو التّاريخ: انقسمت الدولة العلوية جغرافيا في شخصَي يحيى وإدريس. فالذين ينفون شيعية إدريس هم عقائديون وليسوا مؤرّخين.. وهؤلاء العقائديون الذين يحرّفون التاريخ ليسوا أشاعرة حقيقيين، لأنهم لو كانوا أشاعرة لأدركوا ما قال إمام الأشاعرة في مقالات الإسلاميين، حينما قال: والتّشيع غالب على أهل قُمْ وبلاد إدريس بن إدريس، وهي طنجة وما والاها.. فأنّا يذهبون؟ إنّ إدريس بن عبد الله الكامل حينما توجّه إلى مصر، في بداية هجرته غربا، ساعده صاحب بريد مصر، الذي هو أب اليعقوبي، المؤرخ الشهير المتّهم بالتّشيع». وخلص هاني إلى أنّ «هناك من المؤرخين المغاربة من اختاروا تغليب الذوق العقائديّ على الكتابة التاريخية، فنفوا شيعية إدريس، بينما أكّد مؤرّخون آخرون، أمثال العروي وإبراهيم حركات ومحمود إسماعيل ونظرائهم شيعية إدريس بن عبد الله»..
المصادر التاريخية
أصل ما نعرفه عن بدايات الأدارسة مُستمَدّ من رواية أحمد بن الحارث بن عبيد اليماني ورواية أبي الحسن علي بن محمد بن سليمان النوفلي، عن أبيه عن علي بن إبراهيم العلوي.. وهما روايتان تتفقان على خط سير المولى إدريس نحو المغرب بعد فراره من معركة فخ، وعلى الدور الذي كان لسليمان بن جرير في اغتياله، وعلى دور راشد في الوصاية على المولى إدريس الثاني إلا أنهما تختلفان في تفاصيل كثيرة. أما رواية اليماني فنقلَها كل من أحمد بن جرير الطبري والرقيق القيرواني وابن الآبار وأبي عبيد البكري في إحدى روايتيه في الموضوع وابن الأثير وابن خلدون والنويري.. وأما رواية النوفلي فنقلَها كل من أبي الفرج الأصبهاني وأبي عبيد البكري، في روايته الثانية، وابن عبد المنعم الحميري وذي الوزارتين، لسان الدين بن الخطيب، وابن أبي زرع والقلقشندي، مع اختلافات في القراءة ذات صلة بموقع الانتماء الفكري.
ابن خلدون «يبرئ» كنزة الأمازيغية من الزنا مع رشيد الأوربي
عدّ ابن خلدون الطعنَ في نسب المولى إدريس من «مزالق» المؤرخين ومغالطهم، وقال في معرض حديثه عن هذه المزالق والمغالط: «ومثل هذا وأبعد منه كثيرا ما يتناجى به الطاعنون في نسَب إدريس بن إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، رضوان الله عليهم أجمعين، الإمام بعد أبيه بالمغرب الأقصى، ويعرضون تعريض الحسد بالتظنن في الحمل المخلف عن إدريس الأكبر إنه لراشد مولاهم، قبحهم الله وأبعدهم، ما أجهلهم، أمَا يعلمون أنّ إدريس الأكبر كان أصهارُه في البربر، وأنه منذ دخل المغرب إلى أن توفاه الله، عز وجل، عريق في البدو، وأنّ حال البادية في مثل ذلك غير خافية، إذ لا مكامن لهم يتأتى فيها الريب، وأحوال حرمهم أجمعين بمرأى من جاراتهن ومسمع من جيرانهن، لتلاصق الجدران وتطامن البنيان وعدم الفواصل بين المساكن. وقد كان راشد يتولى خدمة الحرم أجمع من بعد مولاه بمشهد من أوليائهم وشيعتهم ومراقبة من كافتهم. وقد اتفق برابرة المغرب الأقصى عامة على بيعة إدريس الأصغر من بعد أبيه، وآتوه طاعتهم عن رضا واتفاق، وبايعوه على الموت الأحمر وخاضوا دونه بحارَ المنايا في حروبه وغزواته. ولو حدثوا أنفسهم بمثل هذه الريبة، أو قرعت أسماعهم، ولو من عدو كاشح أو منافق مرتاب، لتخلف عن ذلك ولو بعضهم. كلا، والله، إنما صدرت هذه الكلمات من بني العباس، أقتالهم، ومن بني الأغلب، عمالهم، الذين كانوا بإفريقية، وولاتهم». * من كتاب بن خلدون المسمى «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر»
التاريخ الرّسمي يحكي روايات تبسيطية أشبهَ بحكايات الأطفال!
4 أسئلة ل: أحمد عصيد - لماذا تنفي أن يكون الأدارسة أولَ من أسسوا الدولة الإسلامية في المغرب؟ لا تسعفنا المصادر التاريخية، والتي منها البكري في «المسالك والممالك»، وابن عذاري في «البيان»، وابن أبي زرع في «القرطاس»، وابن الخطيب في «أعمال الأعلام»، وابن خلدون في «العبر».. بما يفيد أنّ الأدارسة هم «أول من أسس الدولة المغربية».. بل تؤكد عكسَ ذلك، من خلال المعطيات التي أوردتها حول الأماكن التي بلغتها جيوش الأدارسة وامتدّ إليها نفوذهم، أنهم لم يؤسسوا أكثرَ من «إمارة» ضمن الإمارات المتواجدة آنذاك من حولهم، فقد حلّ إدريس بن عبد الله بالمغرب هاربا من مذابح العباسيين في المشرق وبويع في وليلي سنة 789 م، وهو تاريخ متأخر بالنسبة إلى تاريخ تأسيس أول إمارة مغربية مستقلة عن الخلافة في المشرق، وهي إمارة بني مدرار، الخارجية الصفرية، بعاصمتها الشهيرة سجلماسة، التي بُنيت -حسب أغلبية المصادر- سنة 757 م.. والحقيقة التاريخية الدامغة هي أنّ أول دولة مغربية، بالمعنى الحقيقي في المرحلة الإسلامية، والتي اكتسحت هذه الإمارات وحلت محلها جميعها هي دولة المرابطين، الأمازيغية الكبرى. - لماذا تصرّ الدولة على أنّ المرابطية هم من أسسوا الدولة المغربية المُسْلمة؟ لأنّ إدريس علوي عربيّ قرَشيّ، ورمزيته السياسية بالنسبة إلى الدولة المغربية القائمة حاليا (العلويين) هي رمزية قوية، لأنها تشير إلى العمق التاريخيّ لتواجد العنصر العربي القرَشيّ على أرض المغرب، فالأمر يتعلق بالشرعية التاريخية للسلطة القائمة، والتي تُبنى على رموز يتمّ اصطناعها وتعديلها حسب الحاجة.. لكنها لا تمثل الحقيقة التاريخية للدولة المغربية، التي يتمّ عكس ذلك، إخفاؤها، حيث يتمّ تغييب تاريخ المغرب الما قبل إسلامي، كما يتمّ التقليص من دور العنصر الأمازيغي في المرحلة الإسلامية لحساب العنصر العربي.. - لماذا ترى أنّ الرّواية الرسمية «سخيفة» في الطريقة التي تنظر بها إلى بيعة إدريس الأول؟ يحكي التاريخ الرّسمي روايات تبسيطية أشبهَ بحكايات الأطفال!.. فقد جاء إدريس من الشرق هاربا، وتلقاه الأملزسغ بالأحضان وبايعوه ملِكاً عليهم، هكذا تجعل الحكاية من إدريس «بطلا أسطوريا» ومن الأمازيغ «أناسا أغبياء»، يعيشون فراغا سياسيا وينتظرون «منقذا من السماء».. والحقيقة هي أنّ المصادر التاريخية تتحدّث عن وجود مقدمات تمهيدية لاتصال العلويين بالأمازيغ للتنسيق ضدّ الحكم العباسي.. - شككتَ، كذلك، في ضريحَي إدريس الأول والثاني.. لماذا تعتقد أنّ إعادة اكتشاف القبرَين لعبة سياسية؟ معلوم عند المؤرخين أنّ قبر إدريس الأول لم «يُكتشف» إلا سنة 1318م (توفي سنة 793، أي بعد وفاته ب525 سنة).. كما أنّ ضريح إدريس الثاني لم «يُكتشف»، بدوره، إلا سنة 1437 م، وهو المتوفى سنة 828 م، مما يعني أنّ مدفنه ظلّ مجهولا حوالي 609 سنوات.. وإذا علمنا أنّ الطريقة التي «اكتشِف» بها قبر إدريس الثاني في العهد المريني كانت عبر «حلم» رآه أحدهم، وإذا علمنا أنّ أحد حفدة إدريس قد استغلّ مزاره المذكور بعد اكتشافه ليعلن نفسه ملِكاً على فاس، وإذا علمنا أنّ المرينيين لم يكونوا يتوفرون على شيء من تقنيات علم الأركيولوجيا ولا معدّات تحليل ال»ADN» تبيَّنَ مقدار الحاجة السياسية إلى مزارات وأضرحة الأدارسة، وهو ما يفسّر تكريم الشرفاء في هذه المرحلة وتمييزهم إيجابيا عن بقية الخلق، ماديا ومعنويا.. * باحث وناشط حقوقي أمازيغي