يبدو لي أن الاستقالة أضحت الهواية المفضلة لدى أعضاء حزب العدالة والتنمية؛ هذا الأمر يحتاج حقيقة إلى دراسة علمية، وأخرى نفسية وسوسيولوجية كذلك، للوقوف على أسباب هذه التلويحات المتكررة بالاستقالات بمناسبة ومن دونها، فردية أو جماعية. موضوعية أو مجرد مسرحيات بهلوانية استعراضية وحتى ابتزازية أو استقوائية أحيانا. فلا يمر يوم من دون أن نسمع عن استقالة عضو في الحزب أو استقالة مسؤول في مجلس أو في هيئة أو لجنة أو فرع. أخيرا، وفي وقت متزامن، سمعنا عن استقالة عبد العزيز العماري، رئيس جماعة الدارالبيضاء، واستقالة المقرئ أبو زيد أو بالأحرى تجميده للعضوية في الحزب (وإن كنت أعتقد أن التمييز بين الأثر المترتب عن الاستقالة والأثر الناجم عن التجميد، يكمن في الهاجس الانتخابي فقط) واستقالة الأزمي الإدريسي من رئاسة المجلس الوطني ومن الأمانة العامة للحزب "بكل أسى وأسف وحسرة" كما يقول، "وبعد صبر كبير وتحمل ومكابدة وتردد وربما تأخر، وأنه لم يعد يتحمل ولا يستوعب ولا يستطيع أن يفسر أو يستسيغ ما يجري داخل الحزب ولا يقدر أن يغيره، وعليه لا يمكنه أن يسايره من موقعه أو يكون شاهدا عليه". كأن الرجل كان رقما صعبا داخل الحزب واستقال؛ وهو في الحقيقة لم يك قط كذلك؛ حيث لم يك شيئا مذكورا من قبل، لم نسمع به إلى حين زج به كاتبا للدولة من طرف رئيس الحكومة السابق، "صبر وتحمل ومكابدة"، هذا كلام كبير جدا وكان المسكين كان مضطهدا أو معنفا أو محاصرا أو محاربا... والله أعلم ربما كان كذلك، لكن من طرف من يا ترى؟ "لا يستوعب ما يجري ولا يقدر أن يغيره" هذا كلام أيضا خطير جدا. ومن حقنا جميعا كمغاربة، أن نعرف ماذا كان يجري عندكم وبينكم داخل الحزب جعلك تقول هذا الكلام الثقيل جدا. ثم متى يا رجل كان التغيير فرديا ومن طرف عضو واحد لا يعرفه أحد في حزب كبير، عضو وجد نفسه في غفلة من الغفلات وفي آن واحد، رئيسا لمجلس وطني لحزب حاكم وبرلماني ورئيس فريق، بل ورئيس لجماعة كبيرة كمدينة فاس العريقة؛ إلى أن رأى نفسه ذات مؤتمر وطني للحزب قاب قوسين من أن يصبح أمينا عاما جديدا، فتضخمت أناه، وظن أنه يمكنه لوحده أن يغير داخل الحزب كما يشاء، ومن يخالفه يشكوه إلى الله بدلا عن الهياكل والمؤسسات؛ فأين هي إذن الديمقراطية الداخلية يا رجل وأين هو "حزب المؤسسات" كما كنت تردد دائما؟ لا تفسير لما يقع في اعتقادي، داخل هذا الحزب (لا تفسير) من خارج الانتهازية والفردانية والهروب من المسؤولية والبحث عن البطولة الزائفة، بل محاولة في الوقت الضائع، لترميم العذرية الحزبية والسياسية والتدبيرية، والتي فقدت لدى البعض مع مرور الوقت، طيلة مدة تحمل المسؤولية. واليوم تأتي استقالة اسم كبير داخل الحزب؛ وزير الدولة المصطفى الرميد، من الحكومة. وإن كان لكل واحد من هؤلاء المستقيلين سببه وحاجة في نفسه، لا يعلمها إلا هو، أو غاية يسعى إلى تحقيقها أو مصلحة خاصة يرمي إلى جنيها لنفسه وإن كان ذلك سيتم على حساب حزبه أو حتى على حساب وطنه. فلطالما لوح الوزير الرميد بالاستقالة ولم يفعلها، لكنه اليوم يفعلها وهو أكيد لها كاره، ولم أكن لأصدق الخبر لو لم أر طلب الاستقالة الذي وجهه إلى رئيس الحكومة (ليرفعه بدوره إلى جلالة الملك للنظر فيه طبقا للدستور) منشورا على أكثر من موقع. لم يفعلها السيد الرميد لموقف مبدئي، من سياسة أو قانون أو تحمل لمسؤولية، كما يقع في الكثير من الدول الديمقراطية. فكثيرة هي المحطات التي كانت مناسبة جدا للاستقالة، لكن السيد الوزير لم يفعلها، ولو فعلها لكان السيد الرميد أول من يغادر حكومة مغربية لموقف، لا كما ظل يقع دائما طوال الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال، حيث مغادرة الحكومة لا تتم إلا كرها، لوفاة أو مرض أو إعفاء، لكنه المرض (شفى الله تعالى السيد الوزير) الذي منعه ووصل به إلى عدم قدرته على تحمل أعباء المسؤوليات المنوطة به وعجل برحيله من الحكومة. هذا الحزب أنهك على ما يبدو إنهاكا شديدا وأصابه ما يصيب أي حزب في الحكم. فما بالك بمن قضى ولايتين متتابعتين. أعتقد أن الحزب قد وصل إلى منتهاه، ولم يعد قادرا على تحمل المسؤولية ولن يقدم في المرحلة القادمة أكثر مما قدم. فهؤلاء مسؤولو الحزب وكأنهم يقولون لنا نحن الناخبون لا تصوتوا علينا، ولا يقع اختياركم علينا؛ فنحن لسنا أفضل حالا من غيرنا. اليوم، ونحن مقبلون على انتخابات عامة ومصيرية، نحتاج إلى تناوب جديد، "تناوب وطني" على غرار ما سمي نهاية التسعينات تناوبا توافقيا، وذلك من خلال مشاركة حزبية واسعة في الحكومة المقبلة، وذلك لمواكبة الإصلاحات الكبرى، السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ما فتئ يقوم بها جلالة الملك، والمساهمة إلى جانب جلالته في الإنعاش بل وفي الإقلاع الذي ننشده جميعا، في إطار النموذج التنموي المستدام الجديد.