إذا كان الخلاف المغربي الجزائري بخصوص قضية الصحراء لم يتغير قيد أنملة منذ سنة 1974، فإن السنوات القليلة الماضية كانت كفيلة بإسقاط أطروحة النظام الجزائري بخصوص الحياد المزعوم الذي كان يردده مسؤولو الجزائر في العلن فيما يضمرون المكائد لجارهم المغربي على كل الواجهات. وقد كان خطاب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قبل يومين واضحاً لا لبس فيه عندما قال: "إن الصحراء الغربية هي آخر مستعمرة في أفريقيا، والشعب الصحراوي يستحق تقرير مصيره مافيش حل آخر". ميزة هذا الخطاب أنه رفع كل لبس عن الموقف الرسمي للنظام الجزائري بخصوص قضية الصحراء وأماط اللثام عن نفاق ديبلوماسي امتد لأربعة عقود وأسقط نهائياً أطروحة "التزام الجزائر بمقررات الأممالمتحدة واعتبار قضية الصحراء شأناً بين المغاربة والصحراويين". لعل قرار الولاياتالمتحدةالأمريكية نهاية العام الماضي القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء، كان بمثابة الزلزال الذي شق الأرض تحت أرجل جنيرالات الجزائر وأخرجهم عن جادة الصواب. وهكذا، وبعد سباتٍ طويل، تحركت الديبلوماسية الجزائرية بكل ثقلها في اتجاهين وبهدف واحد: نزع الشرعية عن الاعتراف الأمريكي بالصحراء المغربية. في المقام الأول، تحرك وزير خارجية الجزائر اتجاه عدة عواصم إفريقية لحشد الدعم للأطروحة الانفصالية والتشكيك في القرار الأمريكي، لكنه لم يحصل على أي تقدم، بحيث فشلت محاولة اختراقه للدول التي سبق وفتحت قنصليات في العيون والداخلة، ولم تدخر في ذلك أي جهد، بما في ذلك الكذب. فقد جندت الإعلام الجزائري للترويج عن تراجع مزعوم لدولة بوروندي بخصوص قنصليتها بالعيون، قبل أن تفند بورندي ذلك في بلاغ رسمي وتزكي موقفها بالإعلان عن فتح سفارة مغربية ببوجنبورة. في الشق الثاني، جندت الجزائر لوبياتها في الولاياتالمتحدةالأمريكية ونفضت الغبار عن وكالات الضغط. وليس عيباً أن تفعل الجزائر ذلك من أجل تلميع صورتها وجلب الاستثمارات كما تفعل دول عديدة، لكن الغريب أنها عبأت كل اللوبيات الأمريكية، وعلى رأسها الجمهوريان الشهيران المتقاعدان جون بولتون وجيمس بيكر، فقط من أجل تدمير مبادرة المغرب المتجسدة في مقترح الحكم الذاتي ودفع إدارة جو بايدن لسحب اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء. وحسب الصحافة الجزائرية، فإن قصر المورادية عبأ مبلغ 180 مليون دولار لتوزيعها على حوالي عشرين سيناتوراً جمهورياً وديمقراطياً للضغط على إدارة بايدن، في الوقت الذي يعرف فيه البلد شحاً خطيراً في العملة الصعبة! يبدو أن العالم توقف بالنسبة للجزائر عند قضية الصحراء وأن قضاياها الداخلية من تنمية وإصلاح ومعالجة مطالب الحراك، صارت في المرتبة الثانية من أولويات الدولة، فيما المغرب ماضٍ في عمقه الإفريقي بكل ثقة واستثمار لعامل استقراره واعتداله كورقة رابحة في تعامله مع القوى العالمية. هذا هو الفرق بين دولة تستمد ثقتها بنفسها من تجذر تاريخها الممتد لأكثر من اثني عشر قرناً وبلد يبني ديبلوماسيته ويرهن حاضره ومستقبله انطلاقاً من أحقاد وعُقد ما بعد الاستقلال. وفي الأخير، إذا كانت قضية المغاربة الأولى، التي يُجمع عليها الصغير والكبير، هي الصحراء المغربية التي لن يتنازل عنها المغرب مهما كلفه ذلك، فما هي قضية نظام الجزائر الأولى يا ترى؟ أما قضية الشعب الجزائري الأولى فيعبر عنها كل جمعة. وفقه الله في مسعاه.