لم يعد يمارس عادته السيئة (التدخين) على الأقل منذ شهور خلت .. فبعدما اكتشف أن هذا العالم لا يحتاج إلى قلب عليل، وبدل أن يلعن البلاد التي أتى منها إلى هنا أحرق كل علب الكآبة التي كانت على طاولة مكتبه ورحل .. نعم رحل إلى روحه .. عسى أن يجدها في ذلك المكان الذي لا نظير له ! كان حلمه أن يصبح شاعرا كبيرا .. غير أن العالم الذي يعيش فيه لا يؤمن بالشعر، كما ل يؤمن بالفلسفة والتصوف والتاريخ والجغرافيا والرياضيات والفلك .. إلا قليلا .. أو هكذا كان يخيل له ! لم يكن يجد وقتا للإستماع لكل ما هو مضاد لحلمه، وها هو الآن يستمع له رغم رياح سفن عشقه للحياة .. آلاف النوارس الحزينة لا ترحل من لحظاته، ونحن في مارس وساعة الليل في كل وقته لا تنقضي ! و صدره يختنق بالسعال صباح، مساء .. لم يعد يقوى على السير في طرقات المدينة كالعادة، يحاور ذكرياته فيها. يوم بعد يوم .. وانتظار بعد انتظار .. وفشل بعد فشل لم يعد يقوى على الخروج حتى إلى البحر ليتأمل أمواجه في صمت .. لم يعد ! الشعر مهنة صعبة في مجتمع لا يؤمن إلا بمهن الصرف البنكي .. وصاحبنا لا يستطيع أن يميز بين هذا الصرف والصرف الصحي ، غير أن الأيام ليس هي الأيام؛ فبالأمس كان للشعر كلمة والآن أصبحت الأولوية للشعير أقوى ..! سيهاجر، وقبل أن يتجاوز نفسه وذكرياته وأهله ويتركهم خلف البحر، كتب في ذاك المساء : أيها الشعر .. دعني أمزق أشرعة الخرافات التي تشتهيك .. دعني أرسم تمثالا لابن رشد وابن خلدون و كل ابن نور في ميادينك.. دعني أحطم كل ابن جهل.. فالأشجار لم تعد لنا والبحار .. والتراب والهواء .. دعني أبكي على رصيفك . دعني أهديك دفاتري وشواهدي ومعها نعشي .. ما دمت واقفا لا تحزن لحزني، لا .. لست أنت شعري، قد زوروك بلا رحمة في المزاد العلني ! لن أحمل من أبجدية ذكرياتي الكئيبة حرفا واحدا، سأدفن كل انتماء حزين .. وأهاجر. https://www.facebook.com/belhamriok