أ) من سيرحل اليوم يا وطني : أنت أم أنا ؟ وكيف لي أن أرحل عن سنوات الكتب والألم والانتظار؟ حتى لا أبقى فريسة لشبح الكآبة والحزن الأسود الممزوج بلون دمي. هل أسافر عن هذه المقهى التي ضاقت بي وضقت بها، فما عادت نوافذ جدرانها تسعفني على التنفس والكتابة والعيش. هل أعبر ظلي في صمت ؟ وهل ستدهسني أنت باسم 'الإصلاح' ؟ لن أدخن بعد اليوم، يكفي أني دخنت الإنتظار، وتناولت الجوع كوجبات في الوقت الذي كنت فيه أنت تمزق أمامي، وتخطف أمامي، وتذبح أمامي، وتقام باسمك الولائم .. أمامي ! وأنا الشاهد .. ومثلي الملايين، من شمالك إلى جنوبك، ومن شرقه إلى غربك، نشهد جميعا عن خيانتك، وتزويرك إلى عملة أجنبية. فقط أبناؤك الحقيقيون وليس بالتبني من يدفعون ثمن وجودهم على أرضك .. فهل أحرق حقا ؟ (ب) عندما كنا صغارا، وكان الفلاحون والعمال يهرولون إلى رزقهم، ونساء الحقول والمصانع ينتظرن عربة التعب باكرا.. كنت تأتينا أنت أيها الحبيب بكل أمل، تبتسم لنا وتقول أن الغد سيكون أكثر إشراقا، وأكثر مغربا، وأننا جميعا سنشارك في حفل تنصيبك على عرش أوطان الدنيا. فهل كبرنا لنكتشف الحقيقة ؟ هل جننا بحبك حتى نحرق أجسادنا؟ لماذا لا تفهما ؟ لماذا لا تحن علينا ؟ قل انهم علموك أن لا تحبنا .. قلها ولا تخف .. (ج) لن أحمل من أبجدية ذكرياتي الكئيبة حرفا واحدا، سأدفن كل انتماء حزين . وطني : متى نرحل عن شوارع القذارة التي نالت من صحتي، عن سنوات البطالة والتسكع، عن زعيق القطارات وعربدة السكارى بعد منتصف الليل، عن مساحات الجوع والغثيان في مدينتنا، عن دخان السيارات والمصانع القاهرة، وعن ساعات السهر..؟ (د) لست ألف ليلة وليلة من الجريمة يا وطني .. لكنهم جعلوك كذلك، وجعلوا أخبارك حزينة، وبرامجك حزينة وأفلامك ومسرحياتك ومسلسلاتك تفوح منها رائحة الجريمة. لم تعد مساءاتك تأتي بقصيدة .. الحياة فيك صعبة . فهل آن لأشرعت الصبر أن تتمزق، وقد طعنا وغربنا فيك، ونحن على أرصفتك نحرق أجسادنا، حزين لأجلك جدا، لا أعرف إن كنت تفكر فينا الآن كما نفكر فيك دائما .. كرهت سماسرتك الإنتقاليين، كرهت الفنادق، والشوارع، كما كرهت الشعارات كرهت المسكنات، والسهر، والمستشفيات، وحوادث الطرقات .. كرهت الجفاف، و قروض السلف، وخفافيش الصحراء .. وكرهت أن أراهم يقصون من ثوبك الوردي، ويسرقون الأساور والأقراط والتاريخ، ويدفعون بحمامك الزاجل إلى الإنتحار، ونسورك إلى الفشل، وعصافيرك إلى الكراهية . (ي) اليوم؛ أعدمت قصائد شاعر في ساحة من ساحاتك، وبالأمس شردت لوحات وقصص وروايات وكتب أخرى في أرجائك. فدعني أبكي على رصيف مدائنك . دعني أهديك دفاتري وشواهدي ومعها نعشي .. ما دمت واقفا لا تحزن لحزني، لا .. لست أنت وطني، قد زوروك بلا رحمة في المزاد العلني ! دعني أمزق أشرعة الخرافات التي تشتهيك .. دعني أرسم تمثالا لابن رشد وابن خلدون و كل ابن نور في ميادينك.. دعني أحطم كل ابن جهل.. فالأشجار لنا والبحار .., والتراب والهواء .. ______ تضامني مع كافة المعطلين المرابطين في كل مدن مغربنا الحبيب، ومطالبتي للحكومة الجديدة بحل عاجل وسلمي لمطالبهم المشروعة ... لقد هرمنا من قول مثل هذا الكلام ! صفحة الكاتب على الفايسبوك