أعلنت مجموعة المتظاهرين التي حاصرت منزل المواطن محمد نور، وهو الشيعي المصري المقيم في حي باب الشعرية في القاهرة، أنها في مهمة "لتحصين" مصر ضد المعتقدات الدينية الشيعية، بل وحذروا أنه لولا مثل هذه التدخلات لانتشر المذهب الشيعي في جميع أنحاء مصر "مثل السرطان". كان نور قد ولد مسلما سنيا، لكنه تحول إلى المذهب الشيعي منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وواجه تهديدات ومضايقات متواصلة منذ أن علم جيرانه بتحوله إلى المذهب الشيعي في أوائل العام الماضي. ويقول نور، "لم يعد جيراني يتحدثون معي.. ويحاولون دفعي للرحيل من هنا"، مضيفا "الناس يرمون الحجارة على بيتي، ويحاولون إشعال النار في سيارتي، كما أتلقى مكالمات هاتفية تهديدية، أنا قلق بشأن سلامة عائلتي". هذا وعلى الرغم من أن الإنقسام بين السنة والشيعة يعود إلى ما بعد وفاة النبي محمد (ص)، إلا أن العداء تجاه الأقلية الشيعية في مصر هو أمر راسخ منذ زمن طويل. فخلال حكمه طيلة 29 عاماً، دأب الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك على الإعراب عن عداء متأصل تجاه إيران، وصاغ سياسته الخارجية بهدف إحتواء "المد الشيعي" نتيجة لاعتقاده بأن إيران تصدر الإسلام الشيعي لتوسيع نفوذها السياسي في الإقليم العربي. ويعود تفاقم العلاقات بين الغالبية السنية في مصر والشيعة الذين تهيمن عليهم إيران إلى الأيام الأولى لثورة 1979 الإسلامية في إيران. فقد قطعت الدولتان علاقاتهما الدبلوماسية بعد توقيع الرئيس المصري الراحل أنور السادات معاهدة للسلام مع إسرائيل، ومنحه حق اللجوء لشاه إيران المنفى رضا بهلوي. ويقول إسحاق إبراهيم، الباحث في الحقوق الدينية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، "كان لدى نظام مبارك شكوك عميقة تجاه الأقلية الشيعية. فقد كان يفترض أن جميع الشيعة موالين لإيران، وكان يراقب الأنشطة الخاصة بهم عن كثب ويمنعهم من التجمع. وقام بإعتقال العديد من الشيعة بتهم زائفة". ويفيد النشطاء أن سقوط مبارك عام 2011 قد فتح نافذة ضيقة للشيعة في مصر، الذين يتراوح عددهم بين 800,000 إلى 2 مليون نسمة. ولكن سرعان ما أغلقت هذا النافذة، وساءت الظروف منذ وصول حكومة الرئيس محمد مرسي الإسلامية إلى السلطة في العام الماضي. من جهته يقول أحمد راسم النفيس، أحد علماء الشيعة البارزين، إن الدولة تستمر الآن في تطبيق التدابير التمييزية ضد الشيعة.. في حين تترك المجتمع عرضة لخطر التطرف السلفي المتزايد. ويضيف النفيس لوكالة إنتر بريس سيرفس، مؤكدا أن الوضع أسوأ بكثير الآن تحت حكم مرسي بسبب إنعدام الأمن.. "فقد تعرضت لمحاولة قتلي في يوليو 2011 .. وأتلقى تهديدات شبه يومية". ومن جانبهم، كان السلفيون، وهم طائفة سنية متشددة ومتأثرة بالوهابية السعودية، مجبرين على العيش كجماعة محظورة أثناء حكم مبارك. ومنذ قيام الثورة، نظمت الحركة نفسها سياسياً وتمكنت من الحصول على أكثر من ربع الأصوات في الإنتخابات البرلمانية العام الماضي، فجاءت الثانية بعد جماعة الإخوان المسلمين. والمذهب الشيعي له تاريخ طويل في مصر. فقد أسست الدولة الشيعية الفاطمية - التي حكمت مصر لمدة 200 سنة وساهمت في تشكيل هويتها- مدينة القاهرة في عام 969. وحتى يومنا هذا، يزور أهل السنة المصريين الأضرحة الشيعية، مثل مسجد الحسين ومسجد السيدة زينب، ويدمجون بغير قصد بعض ممارسات الشيعة في تقاليدهم وطقوسهم الجنائزية. ويؤكد النفيس، "لا يمكنك التمييز بسهولة بين السنة والشيعة من خلال سلوكهم. فالخلافات بين الطائفتين مبالغ فيها لأسباب سياسية بحتة". وعملاً على تجنب الاضطهاد، يقوم العديد من الشيعة بممارسة شعائرهم الدينية تحت مظلة الصوفية، وهي حركة التصوف في الإسلام التي تشترك مع الشيعة في تقديس آل البيت، عائلة النبي محمد. وكما يقول النفيس، "نحن (الشيعة) ما زلنا غير قادرين على الإجتماع علنا كمجموعة". "وإذا قمت بزيارة شيعي في منزله فيقول السلفيون أننا نقوم بالحسينية (البيت الشيعي للعبادة)، وإذا ذهبت إلى المسجد مع شيعة آخرون فإننا سوف نتعرض للمضايقات". في ديسمبر 2011، منعت قوات الأمن المصرية المئات من الشيعة من إجراء إحتفالات عاشوراء الدينية في مسجد الحسين بالقاهرة، وهو موقع الشيعة المقدس. وقامت الشرطة بإزالة المصلين الشيعة قسراً من المسجد بعد أن إتهمتهم الجماعات السلفية بأداء طقوس عاشوراء "الهمجية" التي تتضمن جلد أنفسهم بالسلاسل علناً. ويقول الشيعة إنهم يواجهون التعصب ونظام قانوني ينتهك مبادئ الحرية الدينية بحسب الجماعات الحقوقية، ففي يوليو الماضي، حكمت محكمة الجنايات على محمد عصفور، وهو مصري تحول إلى المذهب الشيعي، بسنة واحدة في السجن بتهمة "تدنيس مكان العبادة" و "إهانة صحابة النبي". وجاء الاعتقال بعد أسابيع من سوء معاملة القرويين لعصفور بعد تحوله إلى المذهب الشيعي. وأثار تحوله عداء جيرانه وأصهاره، الذين ضغطوا عليه لتطليق زوجته السنية. ويتهم خالد فهمي، وهو تاجر تحف بالقاهرةإيران بإستخدام "عملاء مأجورين" لتحويل السنة إلى المذهب الشيعي، "مصر هي دولة سنية ويجب علينا حماية المجتمع من نفوذ الشيعة"، مضيفا أن "المصريين الفقراء والأميين يخدعون بسهولة بأكاذيب الشيعة الذين يستخدمون الكذب دائماً لحماية مصالحهم". ومثل العديد من أهل السنة المصريين، فهمي غاضب من مبادرات الحكومة المصرية بشأن التقارب مع إيران. وكان الرئيس مرسي قد واجه انتقادات حادة في مصر لحضوره قمة إقليمية في طهران غشت الماضي، كما عانى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد من "ذل" إلقاء الأحذية عليه عندما زار القاهرة في فبراير. وفي وقت سابق من هذا الشهر، قامت مجموعة من المتظاهرين، معظمهم من السلفيين، بمحاصرة مقر إقامة القائم بالأعمال الإيراني في القاهرة احتجاجاً على بروتوكول التبادل السياحي الجديد الذي شهد وصول السياح الإيرانيين إلى مصر للمرة الأولى منذ أكثر من 30 عاماً. فدفعت ردة الفعل هذه الحكومة إلى تعليق المزيد من الزيارات السياحية. *وكالة إنتر بريس سيرفس