-مساهمة في نقاش دستوري وبرلماني – بعد الاطلاع على مضمون ما تم نشره مؤخرا بعدة مواقع إلكترونية في شأن وجهة نظر الأستاذ عبد اللطيف وهبي ب" اعتبار عقد جلسة مشتركة للبرلمان لتقديم تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان "انزلاقا خطيرا" ، يتبين أنه أثار فكرة "خلو النص الدستوري من أي سند يعلل في مضمونه الصريح أو الضمني إمكانية عقد الجلسة المذكورة ، حيث ورد في رسالته ، أن الدستور حدد "مواضيع الجلسات المشتركة بفصوله 68 و148 (الفقرة الأخيرة) و174 (الفقرة الرابعة)، وهو ما أكده المجلس الدستوري في حيثيات إحدى قراراته، كالآتي "حيث إنه، إذا كان للبرلمان أن يعقد جلسات مشتركة بمجلسيه، إما في الحالات الواردة صراحة في الفقرة الرابعة من الفصل 68 من الدستور، أو في تلك التي يمكن استخلاصها ضمنا من بعض أحكامه، فإن البرلمان لا يمكنه أنْ يمارس بصفة مشتركة الاختصاصات المخولة له دستوريا، إلا في الحالة المذكورة صراحة في الدستور المتمثلة في المصادقة على مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور التي لجلالة الملك أن يعرضه عليه بظهير، وفق أحكام الفصل 174 من الدستور. وقد استتبع ذلك تحديده موقف دستوري وسياسي حاسم يقتضي في وجهة نظره اعتبار أي اجتماع مشترك لمجلسي البرلمان لتقديم تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان "ليس مندرجا ضمن الحالات المنصوص عليها صراحة في الفصل 68 من الدستور، ولا يستخلص ضمنا، حسب عبارات قرار المجلس الدستوري أعلاه، من أي حكم من أحكامه".. مع تأكيده أن مناقشة التقرير المذكور يكون بين أعضاء كل مجلس على حدة، كما أقر ذلك المجلس الدستوري في حيثيات إحدى قراراته. وفي إطار تعزيز التفاعل العلمي وإغناء النقاش الدستوري والبرلماني في هذه النازلة الإشكالية، يمكن الإفادة بوجهة نظر أخرى تستند على التمييز بين تقديم تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان وبين مناقشته. فبالرجوع إلى الفصل 68 من الدستور يتبين أن مواضيع الجلسات المشتركة للبرلمان المذكورة في فحواه لا تعد تقييدا مطلقا لجدول أعمال هذا النوع من الجلسات، إذ يمكن أن تشمل من بين مواضيعها ما يمكن استخلاصه ضمنيا في باقي الفصول الدستورية الأخرى. وفي هذا السياق، نجد أن الفصل 160 من الدستور، ينص صراحة على إلزام مؤسسات وهيئات الحكامة بتقديم تقرير عن أعمالها مرة في السنة على الأقل، ويكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان. وحيث إن هذا الفصل الدستوري لا ينص على تقديم التقرير المذكورة أمام مجلس النواب أو أمام مجلس المستشارين أو هما معا بل أمام البرلمان باعتباره مؤسسة واحدة بمجلسين، بدليل ورود صيغة التقديم أمام البرلمان في النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، طبقا لأحكام الفصل المذكور. وحيث يتبين جليا من خلال الرجوع إلى القرار المرجعي للمجلس الدستوري الذي استند عليه مرجح خيار "عدم دستورية إمكانية عقد جلسة مشتركة لتقديم تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان"، ما يفيد عكس ذلك تماما، حيث ورد في فحوى قرار المجلس الدستوري رقم 12/924 بتاريخ 2012/02/04، بمناسبة مراقبته لدستورية النظام الداخلي لمجلس النواب، ما يلي: "وحيث، من جهة، إن الفصل 160 من الدستور، لئن كان يوجب على المؤسسات والهيئات المشار إليها تقديم تقرير عن أعمالها مرة واحدة في السنة على الأقل، فإنه ينص على أن هذا التقرير يكون" موضوع مناقشة من قبل البرلمان" ولا ينص على أن هذه المؤسسات تقدم تقريرها "أمام مجلس النواب" ...."، بما يفيد بالمنطق الدستوري المنسجم مع ماورد في الفصل 160 من الدستور أن المؤسسات المعنية، ومن بينها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تقدم تقريرها أمام البرلمان باعتباره مؤسسة واحدة، وليس أمام كل مجلس على حدة، ويعزز ذلك فقرة أخرى وردت في نفس القرار المذكور كما يلي: "وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق بيانه، يتعين اعتبار ما تتضمنه المادة 182 من أن المؤسسات والهيئات المذكورة تقدم "أمام مجلس النواب" وجوبا مرة واحدة على الأقل في السنة تقريرا عن أعمالها، ومن أن اللجان الدائمة المختصة تتولى مناقشة هذه التقارير "بحضور رؤساء المؤسسات والهيئات المعنية" مخالفا للدستور". ومن جهة أخرى، فإن النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان رسخا التنصيص الدستوري على تقديم تقارير مؤسسات وهيئات الحكامة أمام البرلمان، حيث ورد في المادة 342 من النظام الداخلي لمجلس النواب ما يلي: "طبقا لأحكام الفصل 160 من الدستور، تقدم المؤسسات والهيئات التالية تقريرا عن أعمالها مرة واحدة على الأقل في السنة إلى البرلمان: المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛ مؤسسة الوسيط؛ مجلس الجالية المغربية بالخارج؛ هيئة المناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز؛ الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ؛ مجلس المنافسة؛ الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها؛ المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي؛ المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة؛ المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي...". وبنفس دلالة المقتضى المذكور نصت المادة 355 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين على ما يلي: "طبقا لأحكام الفصل 160 من الدستور، تقدّم المؤسسات والهيئات التالية تقريرا عن أعمالها إلى البرلمان، مرة واحدة على الأقل في السنة التشريعية...". وحيث إن التنصيص الوارد في النظامين الداخليين على " تقديم تقارير مؤسسات وهيئات الحكامة أمام البرلمان يكتسي ضمانة دستورية بالغة، أقرتها جهة القضاء الدستوري، و يستحيل معها ترجيح اعتبار إمكانية عقد جلسة مشتركة لتحقيق ذلك مغامرة أو انزلاق دستوري. كما أنه لا يمكن في نازلة الحال استبعاد سبق عقد جلسة دستورية لتقديم رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريرا عن أعمال المجلس أمام البرلمان بمجلسيه وفقا لأحكام الفصل 160 من الدستوري بتاريخ 16 يونيو 2014، وبما هو مثبت في محضر الجلسة 172 من وثائق مداولات مجلس النواب. ومن زاوية أخرى، نثير أهمية استحضار السعي لتعزيز النجاعة والحكامة البرلمانية باعتبار البرلمان مؤسسة واحدة بمجلسين، لا مؤسستين مستقلتين. فكيف يمكن أن ينسجم تقديم تقرير واحد للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أو لباقي مؤسسات وهيئات الحكامة ( عددها 10) مرة واحدة في السنة أمام مجلسين مع توخي بلوغ الحكامة البرلمانية وتحسين صورة "المؤسسة البرلمانية " وتفاعل الرأي العام مع شؤونها الرقابية؟. علما أنه لا أحد يمكنه أن يجادل، من الناحية الدستورية وواقع التجربة البرلمانية العملية،في ترسيخ المناقشة المستقلة لمضامين التقرير على مستوى كل مجلس على حدة، في إطار تفعيل التعاون والتنسيق المشترك بين مجلسي البرلمان وباعتماد التحديد الموضوعاتي الذي يتم تقريره بتوافق المجلسين، انسجاما مع مقتضيات النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، وتفاديا لهدر الزمن البرلماني ومن أجل عقلنة مناقشة تقرير مهم في مسار تعزيز التطور الحقوقي والممارسة الديمقراطية التشاورية،إذ يتعين أن " يحدد رئيسا مجلسي البرلمان، بعد مداولة مكتب كل مجلس على حدة، طريقة مناقشة التقارير بين أعضاء كل مجلس. وتتم المناقشة بمشاركة الحكومة "،طبقا للمادة 342 من النظام الداخلي لمجلس النواب والمادة 335 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين . وحيث إن منطق حسم الجدل الدستوري بشأن شرعية أو عدم شرعية عقد جلسة مشتركة للبرلمان لتقديم تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان سيبقى من الناحية العملية خارج اختصاص نظر جهة القضاء الدستوري المختص، ببساطة لأن هذه الأخيرة يتعذر عليها أن تنظر في إشكالات تطبيق مقتضيات النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان خارج ما هو محدد لها بموجب القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية. كما أن ضرورة ترجيح منطق الحكامة البرلمانية وأهمية تفعيل تقديم تقارير مؤسسات وهيئات الحكامة أمام البرلمان، بتجنب هدر الزمن البرلماني والحكومي. وبعد ذلك مناقشتها فيما بين أعضاء مجلسي البرلمان والحكومة من شأنه أن يسهم في إبراز جدوى المؤسسات المذكورة وتثمين مجهوداتها وقيمتها المضافة في إغناء النقاش العمومي وترسيخ تفاعل المؤسسة البرلمانية مع مختلف القضايا التي تهم المواطنات والمواطنين.