من الواضح جدا أن المجتمع المغربي يتطور بشكل إيجابي يوما بعد يوم . وإن كان هذا التطور يتم بخطوات بطيئة جدا ، إلا أنه مع ذلك يبقى مهما للغاية . قطرة بقطرة باش كايعمر الواد . "" علاقة الرجل المغربي مع المرأة المغربية على سبيل المثال كانت إلى وقت قريب تتسم ب "العداوة" والصراع ، أو في أحسن الأحوال بالندية والتوتر ، حيث الرجل يمنح لنفسه على الدوام حق الجلوس في مقعد القيادة ، بينما المرأة تجلس في المقعد الخلفي ، وهذا طبعا يجعل الرجل يحس بالعزة ، بينما المرأة تشعر بالنقص . لذلك كان أغلبية الرجال يتداولون في ما بينهم أمثلة ومقولات تنتقص من القيمة الحقيقية للمرأة ، من قبيل : "المرأة خلقت من ضلع أعوج" ، و "المرأة ناقصة دين وعقل" ... ويصل الأمر بالبعض في هذه الحرب النفسية إلى اعتبار المرأة غير صالحة سوى لخدمة الرجل بالليل والنهار وإنجاب الأطفال ، لذلك يقولون بأن للمرأة "خرجتان" فقط في حياتها كلها ، الخرجة الأولى تكون من بيت أبيها إلى منزل زوجها ، والخرجة الثانية من بيت زوجها إلى ... القبر ! والتي لم يحالفها الحظ في الزواج لها خرجة واحدة ، وتكون من بيت أبيها إلى المقبرة . هادي هي الديكتارتورية بالمعقول . اليوم هناك تغيير ملموس في العقليات ، وهناك تغيير مهم في نظرة الرجل المغربي نحو المرأة ، هذا التغيير قلص من "العداوة" التي كانت قائمة بينهما ، وحل محلها التعاون والتشارك . بحال داكشي ديال علاقات الصداقة والتعاون التي تعقب أي أزمة بين دولتين . صحيح أن الرجل المغربي لم يتنازل عن صلاحياته التي تخولها له الأعراف المتوارثة من تلقاء نفسه ، ولكن الظروف المعيشية الصعبة هي التي أرغمته على ذلك . فالذين كانوا في الماضي يرفضون مثلا أن تخرج المرأة للعمل غيروا اليوم رأيهم بمائة وثمانين درجة ، وأصبحوا يقولون بأن عمل المرأة لا عيب فيه . فمن الصعب جدا أن يعيل الرجل اليوم أسرته لوحده ، لذلك أصبح لا يرى أي مانع من أن تخرج زوجته للعمل ، كي تشاركه أعباء الحياة ، بل هناك اليوم من هو على استعداد للبقاء في البيت من أجل تغيير حفاظات الأطفال والقيام بأشغال المطبخ مقابل أن تصرف عليه زوجته العاملة ! وهذا ما لم يكن مسموحا به في الماضي . صحيح أن القيام بأشغال البيت يسبب لمثل هؤلاء الرجال غصة في القلب ، بسبب رجولتهم "المجروحة" ، ولكن الله غالب ! الزمن القاسي وحده كفيل بتليين رؤوس الرجال وجعلها أقل قسوة . وليس الزمن وحده الذي يستطيع أن يقلص من حجم "العداوة" بين الرجل والمرأة ويقرب بينهما . الإعلام بدوره يستطيع أن يقوم بهذه المهمة . في برنامج "للا العروسة" الذي تبثه القناة المغربية الأولى هذه الأيام ، يتم تكليف العرسان المشاركين في البرنامج بالقيام بأعمال منزلية هي في الأصل من اختصاص المرأة . وفي سهرة الأسبوع الماضي تم تكليفهم بمهمة تقشير كمية كبيرة من البطاطس . الرجولة مشات فالمزاح ! مقدم البرنامج ، اللي هو رشيد الوالي ، سأل أمهات العرسان إن كان أزواجهن يدخلون إلى المطبخ لمساعدتهن ، في أيام الشباب طبعا ، وكان جوابهن واحدا : لا . لكنهن لا يرين أي مانع في أن يدخل أبناؤهن الذين يشاركون في البرنامج إلى المطبخ من أجل مساعدة زوجاتهم . يبدو أن ليست أفكار الشباب وحدها التي طالها التغيير ، هناك تغيير ملموس في أفكار المتقدمين في السن أيضا . غير وكان كاينة واحد القضية ، وهي أن هناك فرقا كبيرا بين الكلام الذي نقوله أمام الناس ، خصوصا أمام كاميرات التلفزيون ، وبين ما نفعله داخل بيوتنا . يجب أخذ احتمال وجود نسبة من النفاق بعين الاعتبار! وعلى أي حال تبقى مثل هذه المبادرات الإعلامية ذات أهمية كبرى ، فما دام أن التلفزيون لديه دور الساحر على عقول الناس ، فمن المؤكد أن عقلياتهم ستتغير بما يشاهدونه ويسمعونه . لكن هذا التغيير الظاهري الذي حصل في عقلية الرجل المغربي توازيه في المقابل مشكلة تتمثل في أن هناك نساء فهمن المسالة بشكل مقلوب ، ويعتقدن أن هذا التغيير هو علامة على ضعف شخصية الرجل . وكم هو صعب أن يعرف الناس عندنا أنك ضعيف الشخصية ! وهذا ربما هو الذي يجعل بعض النساء لا يترددن في استغلال هذا التغيير لبسط سيطرتهن على أزواجهن ، في انتظار أن تحين الفرصة التي ستسمح لهن باش يديروهوم تحت صبابطهم ! . عندما تفك عقدة تنعقد أخرى . ولهذا السبب أصبحنا اليوم نسمع عن تأسيس جمعيات للدفاع عن حقوق الرجل ، بعدما كانت مثل هذه الجمعيات تدافع عن حقوق المرأة لوحدها . " الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجل" ، التي تأسست قبل أربعة شهور فقط ، استقبلت إلى حد الآن أكثر من 161 ملفا ، تقدم بها رجال يشتكون من العنف الذي تمارسه عليهم ... زوجاتهم ! منهم من تم طعنه بسكين ، ومنهم من تم الطعن في رجولته أمام الأبناء والجيران ، وما أصعب أن يطعن أحد في رجولتك وسط المجتمع المغربي ! . وهناك رجال كسرت أسنانهم الأمامية بضربة أنثوية قوية ! الحلبة ديال الملاكمة هادي ماشي بيت الزوجية . وطبعا فهذا كله ليس سوى الجزء الظاهر من جبل المعاناة العائم ، وما خفي أعظم . إذن هناك مسؤولية تقع على عاتق الجميع من أجل جعل علاقة المرأة المغربية بالرجل المغربي علاقة تعاون وحب ، وليس علاقة تتميز بالصراعات الفارغة وسعي كل طرف للسيطرة على الطرف الآخر . الأسرة والمدرسة والمجتمع والإعلام كلهم مسؤولون . فالمرأة المغربية لن ترضى لنفسها أن يتم التنقيص من قيمتها من قبل الرجل ، مثلما لن ترضى أن تجلس دوما في الخلف ، والرجل المغربي بدوره لن يقبل أن يكون عرضة للإهانة من طرف المرأة . نحن بحاجة إلى أن يكون التعاون هو السائد والطاغي في العلاقة بين الجنسين ، لذلك فمهمة تليين خشونة الرجل المغربي يجب أن تضاف إليها مهمة توعية المرأة بأن "تحضر" الرجل لا يعني أبدا أنه ضعيف الشخصية . يجب على المرأة أن تساعد الرجل على الاستمرار في "تحضره" حتى تصير العلاقة بين الطرفين متوازنة ، أما إذا حاولت أن تستغل الأمر لصالحها فالرجل حتما سيعود لتقمص عقليته الخشنة التي ورثها عن أجداده ، ومن تم تعود المرأة إلى "مكانها الطبيعي" ، اللي هو الدار ديال باها ، قبل أن تتحول منه إلى بيت زوجها ، ومن هناك تنتقل مباشرة إلى بيتها في الدار الآخرة ! إيوا على ربي خلليونا نعيشو بحب وسلام . [email protected]