كثيرون من يعتقدون خطأً بقدسية اللغة العربية وسمُوها على باقي اللغات ،بل كثيرون من تلك الكثرة ذهب بها الإعتقاد إلى أن العربية لغة أهل الجنة . لم يرد لا في القرآن ولا في السنة الصحيحة ما يبين لسان أهل الجنة ،والوارد في ذالك حديث لا يصح عن النبي (ص) وبعض الآثار . فقد روى الطبراني في الأوسط، والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان ،وغيرهم عن إبن عباس رضي الله عنه قال :قال رسول الله (ص) :أحب العرب لثلاث :لأني عربي ،والقرآن عربي ،وكلام أهل الجنة عربي . وهذا الحديث حَكم عليه إبن الجوزي والذهبي بالوضعي،فما أكثر الأحاديث الموضوعة والمنسوبة إلى الرسول )ص) ،أراد بها واضعوها تحقيق غايات وأهداف سياسية واضحة.بل إن المتصفح لكل كتب الحديث بما فيها حتى صحيح البخاري وأؤكد عليه ثانية حتى صحيح البخاري ،يرى أن هناك مجموعة من الأحاديث المتناقضة فيما بينها ،وهناك أخرى متناقضة جملة وتفصيلا مع أحكام القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل كما نتفق على ذالك جميعاً.والطامة الكبرى أن الأشخاص الذين قاموا بوضع هذه الأحاديث لم يقفوا عند حد نسبتها الى الرسول (ص) بل عمدو إلى إقحام الصحابة وأبنائهم وسندوها إليهم حتى تكون لها مصداقية أكبر،وأمام تشعب هذا الموضوع ،فإني سأقتصر في بحثي هذا على معتقد أفضلية اللغة العربية وكونها لغة أهل الجنة . سئل شيخ الأسلام إبن تيمية رحمه الله :بما يخاطب الناس يوم البعث ؟وهل يخاطبهم الله تعالى بلسان العرب ؟وهل صح أن لسان أهل النار الفارسية وأن لسان أهل الجنة العربية؟ فأجاب :الحمد لله رب العالمين ،لا ُيعلم بأي لغة يتكلم الناس يومئذ،ولا بأي لغة يسمعون خطاب الرب جل و علا ،لأن الله تعالى لم يخبرنا بشيء من ذلك ولا رسوله عليه الصلاة والسلام ،ولم يصح أن الفارسية لغة الجهنميين ،و لا أن العربية لغة أهل النعيم الأبدي ولا نزاع في ذالك بين الصحابة رضي الله عنهم ،بل كلهم يكفون عن ذلك لأن الكلام في مثل هذا من فضول القول...؛ مجمع الفتاوي :299/4. والتابت أن كلام الله مختلف في لغته ، لكن الحكمة قدسية كلام الله بغض النظر عن اللغة التي كتب بها ،والعربية في القرآن هي كوعاء فقط ،كما أن الحكمة تتجلى أيضا في قيمة كلام الله غير القابلة للتجزيئ بسبب اللغة التي كتب بها ، التوراة ،الإنجيل ،الزبور، وصحف إبراهيم،والقرآن كلها كتب أنزلها الله تعالى وأضفى عليها قدسية الحكمة رغم أنها كتبت بلغات مختلفة . وقد رفض الأكاديمي السعودي الدكتور محمد صفاء بن الشيخ ابراهيم الجزم بافضلية اللغة العربية على سائر اللغات فضلا عن كونها لغة أهل الجنة. في نفس السياق يذهب امام اهل الظاهرية علي بن حزم الأندلسي أبعد من ذلك وقال :وقد توهم قوم في لغتهم أنها أفضل اللغات وهذا لا معنى له ,لأن الفضل معروفة...وما جاء نص في تفضيل لغة على أخرى , قال تعالى :وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم.كما دعى علماء الدين إلى نبد التفاضل بين اللغات مطلقاً فلكل لغة ميزاتها وخصائصها يصعب معها وضع كل لغة في سلّم تراتبي ،وكون العربية لغة الدين فهذا ما جعل منها مركز القداسة دون محتواها ،إلا أن المعتقدين لهذه الأسطورة لم يكونو سباقين إلى إدعاء تفوق لغتهم ،فقد سبقهم اليونان إلى ذلك فنرى مثلا جالينوس يدعي :أن لغة اليونان أفضل اللغات ،لأن سائر اللغات تشبه نباح الكلاب أو نقيق الضفادع!! إن المشكلة التي عانى منها الأنبياء أن التابعين صنعوا دينا جديدا ومقدسات جديدة بعد فثرة من الزمن. نقرأ لأبي منصور التعالبي قوله في فقه اللغة وسر اللغة العربية :من أحب الله تعالى أحب رسوله (ص) ومن أحب صلى الله عليه وسلم العربي فقد أحب العرب ،ومن أحب العرب أحب العربية التي أُنزل بها أفضل الكتب ،على أفضل العجم والعرب...ومن هداه الله للإسلام ...أعتقد أن محمد (ص) خير الرسل والإسلام خير الملل،والعرب خير الأمم والعربية خير اللغات والألسنة. من الملاحظ أن الثعالبي لم يقتصر في إحاطة اللغة العربية بهالة من القداسة بل أضاف إليها الأمة العربية !!مما يجعلنا أمام تكريس مفهوم مسلمون من الدرجة الأولى ومسلمون من الدرجة الثانية ! وواضعو الأحاديث المنسوبة إلى الرسول (ص) يكرسون نفس الموقف ولنقرأ حديث يصب في نفس الإتجاه :حدثنا قتبة بن سعيد حدثنا المغيرة عن إبن الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ص) تبع لقريش في هذا الشأن :مسلم تبع لمسلمهم ،وكافرهم تبع لكافرهم. هذا الحديث يصور قريش أنهم سادة الخلق وهي نفس الأسطوانة التي يرددها اليهود باعتبارهم شعب الله المختار ،أما القرآن فيصف كلاهما بأقبح صور الكفر في صور كثيرة. وحتى تكتمل الصورة أكثر أمام أعيُن القارئ سنقرأ معاً هذا الحديث النكتة :حدثنا أحمد بن يونس حدثنا عاصم بن محمد سمعت أبي يقول ،قال ابن عمر قال (ص):لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم إثنان . وواضعو شروط الإمامة يعتمدون هذا الحديث لِيُضيفُو إلى مجموع شروط الإمامة المعقولة والمنطقية شرطا شاذا ودخيلا وهو أن يكون الإمام قرشيا ،فأصبحت شروط الإمامة مع هذا الشرط الأخير كفتاة جميلة أفسد جمالها زغب على ذقنها. وواضعو هذا الحديث هم قرشيون أرادو الإستئثار بالسلطة وفي ذلك الشأن يقول الدكتور فرج فودة :ولعلك مثلي ثماما لا تستريح لهذا الشرط الذي يصنف المسلمين إلى أصحاب دم أزرق وهم القرشيون الحكام ،وأصحاب دم أحمر ينتظم الأغلبية ،لكنهم يواجهونك بحديث نبوي مضمونه أن الإمامة من قريش ، ويتبادر إلى ذهنك في الحال عشرات الأحاديث التي وضعها المحترفون والتي وصلو فيها إلى تسمية الخلفاء العباسيين وتحديد موعد خلافتهم بالسنة واليوم إنكشف الغطاء واتضح أنها أحاديث وضعها من لا دين لهم سوى الحكام ،من لا ضمير ولا عقيدة لهم ،لكنك في نفس الوقت تخشى من اتهامك بالعداء للسنة ،خاصة من الذين قصَّرو دراستهم للأحاديث النبوية على أساس السند وليس على أساس المتن (أي المعنى والمضمون ومدى توافقه مع النص القرآني). صفوة القول ،أرى أن التفاضل بين الناس محكوم سلفا بنص قرآني قطعي الدلالة .وكل الأحاديث التي تصب في إتجاه معكاسة هذه القاعدة ماهي إلا كذب وافتراء في حق النبي الكريم. في الأخير أتساءل : لماذا كل هذه الأحاديث العنصرية في وقت يحتاج فيه المسلمون إلى الإتحاد من مشارق الأرض ومغاربها ؟فيما سيفيدنا معرفة لغة أهل الجنة من عدمها ؟أليس من العبث ومضيعة الوقت في مثل هذه الأمور مادام سبحانه وتعالى قادر أن يجعل لعباده في الجنة لغة أرقى من لغة هي صنع البشر؟ لماذا يُصرُّ المسلمون عامة والعرب خاصة على إغراق المكتبات بكتب من قبيل : عذاب القبر ,حياة البرزخ ,... في زمن استطاع فيه الغربيون تحليل مكونات تربة المريخ ومدى إمكانية الحياة هناك ! لماذا كل هذا الجدل حول مواضيع تافهة يتناولنا بالدرس والتحليل فطاحل علماء المسلمين : حكم معاشرة الجن ,حكم التيمم بالصخور النفطية وبالمستحثاث ، حكم الإسلام في مشروب :ريد بول,جنس الملائكة. ""