كتاب أثار ضجة "" لويس عوض من الكتاب الذين هاجوا وماجوا بأصوات عالية للمس باللغة العربية، وإذ نقدم على هذه الدراسة فلإشراك القارئ بأهم القضايا المثيرة التي طرحها الكاتب برؤى وتصورات لم تسم إلى روح المنهجية العلمية الجادة التي يدعي أنه سلكها، معتمدا التأويل دون التوثيق، فيما التوثيق أساس الدراسات العلمية وخاصة في دراسات العلوم الإنسانية. ولقد استند عوض للمنهج الفيلولوجي الذي يرى بأن تطور اللغات يتم وفق نسق تاريخي، وهذا هو مذهب ماكس مولر المستند إلى المذهب الطبيعي البيولوجي لشلايشر2 والمتأثر بدوره بنظرية التطور الداروينية، والمهتم بقضايا إعادة بناء اللغة الهندية الأوربية الأم3، وبمنظار هذه الرؤية حاول عوض التجريب في دراسة اللغة العربية، برؤية لا تستقيم وخصوصيات اللغة العربية لاعتبارات خاصة بمسار التطور التاريخي للغة العربية، ولو بلي أعناق المنهج ليجيب كرها عن إشكالات في اللغة العربية تحدد فصلها وأصلها السحيق، وإن سلمنا بأن عوض قد استقى لنا موضوعا للدراسة وبمنهج علمي ومفاهيم خاصة به. ويعترف في مقدمة الكتاب بأن البحث في هذا الموضوع لا يزال في طريقه لذلك سمى الكتاب (مقدمة في فقه اللغة العربية) "عسى أن يأتي بعدي من يقيم أركان هذا العلم الخطير."4 بعد 25 سنة من مصادرة هذا الكتاب في مصر والمتداول بكل الدول العربية. طرحت دار رؤية للنشر والتوزيع بالقاهرة طبعة جديدة من الكتاب في 680 صفحة بمقدمة لنسيم مجلي تحت عنوان (الكتاب والقضية) الذي وصف الكتاب بالموسوعة الفكرية واللغوية وصاحبه ب "ابن منظور القبطي". وأنتج الكتاب ردود فعل عدة بعد صدوره في أوائل الثمانينات من أشهرها ردود الدكتور بدراوي زهران في كتابه "دحض مفتريات ضد إعجاز القرآن وأباطيل أخرى اختلقها الصليبي المستغرب لويس عوض". يستهل الكاتب استعراض قضاياه بمقدمة عن إعجاز القران، مؤكدا بأن الغاية منه صراع أيديولوجي حكم به العرب بعدما نقلوا فكرة إعجاز القرآن الى فكرة إعجاز اللغة نفسها، " كان مقصودا منه إعطاء قداسة ما لسر هذا الإعجاز وهو اللغة العربية وهى قداسة ثم تدعيمها سياسيا – لإرساء قواعد الحكم العربي للأمصار المفتوحة تحت دعاوى الخضوع للولاية الدينية" التى لا تتم إلا بإتقان لغة القران الكريم". وتابع النبش في أصل اللغة العربية بحيث شكك في عراقة اللغة العربية معتبرا إياها لغة محدثة ونافيا عنها صفة أهل الجنة، أو لغة أزلية بأزلية القرآن الكريم "وأنها لم تكن لغة ادم في الجنة الأولى ولا كانت مسطورة في اللوح المحفوظ قبل بدء الخليقة." واعتبر بأن أن النزعة العروبية ظلت تتحكم في المعجم، فوتت عليه امتصاص الآلاف من المصطلحات في القضايا العلمية والحضارية، وأن هذا الأمر تجاوز اللغة إلى تفاعلات سياسية واجتماعية فلم يتمكن المجتمع العربي امتصاص غير العرب "ان رفض العرب في الدولة العربية امتصاص الأعاجم أو تسويتهم بالعرب في حق المواطنة هو الذي أجج روح الشعوبية وألب أبناء الأمصار على العرب ومزق دولتهم تمزيقا". وذكر لويس عوض أن تواتر الألفاظ في أكثر من لغة ناتجة عن قرابة لغوية أو تأثيرات حضارية، وذكر بأن اللغة العربية هي الأخرى أخذت عن باقي اللغات، "إذ أن الأمر ليس مجرد اقتباس اللغة العربية لمئات الألفاظ أو آلاف الألفاظ من اللغات التي أخذت عنها أي اللغات الهندية الأوربية المحيطة بها كاليونانية واللاتينية والفارسية والهندية وأكثرها من ألفاظ الحضارة"5، بل يذهب أبعد من ذلك حين يقول: "لأن اللغة العربية كما يدل التحليل المورفولوجي والفونيطيقي والسيانطيقي... كغيرها من اللغات السامية ليست من صلبها وسمتها الأصلي إلا تطورا طبيعيا من نفس الجذور التي خرجت منها السنسكريتية وايرانية الزند واليونانية واللاتينية"6. نافيا بذلك عن العربية ساميتها "وقد انتهيت في أبحاثي في فقه اللغة العربية إلى أن اللغة العربية هي أحد فروع الشجرة التي خرجت منها اللغات الهندية الأوروبية"7، بل يذهب أعمق من ذلك حين يعتبر أن السامية نفسها ما هي إلا فرع من فروع اللغات الهندية الأوربية الرئيسة "كما يستدعي التحليل الفونيطقي البرهنة على أن اللغة العربية فرع من فروع الشجرة التي خرجت من المجموعة الأوربية خاصة وأن مجموعة من التحويلات الصوتية التي خضعت لها اللغة العربية تخضع لها باقي اللغات الهندية الأوربية وبدورها". وحول أصل العرب فقد جعلهم لويس من القوقاز استوطنوا شبه الجزيرة، فصارت تحمل اسمهم ليجردهم من صفاء النسل واللغة. "وينسب إلى العرب ولغتهم عراقة ليست لهم ولها بين الحضارات القديمة" ويستطرد "وأيا كان الأمر فإن هذا الموقف ينطوي على إحساس عميق بنجاسة كل ما هو غير عربي جنسا ولغة، وهو المقابل السامي للآرية الأوربية"8. مشيرا بأن التفاعلات اللغوية في هذه المنطقة خاصة في لغة قريش كانت سببا في إنضاج اللغة العربية ومنحها مرونة وخصوبة أهلتها أن "تكون وعاء لوحي عظيم في عصر الرسول وأداة صالحة للتعبير الفكري العميق حتى عصر ابن خلدون نحو 1400 ميلادية مما أهلها أن تقهر بعض ما جاورها من اللغات تماما كما قهرت اللاتينية عديدا من لغات أوروبا التي فتحها الرومان حتى نهاية العصور الوسطى". ويستخلص تبعا لذلك أن اللغة العربية من اللغة الهندوأوربية حين يقول: "هذا هو الافتراض الكبير الذي أسست عليه كتابي هذا، ألا وهو أن المجموعة السامية ونموذجها اللغة العربية والمجموعة الحامية ونموذجا المصرية القديمة ليستا مجموعتين مستقلتين بذاتهما، وإنما هما فرعان أساسيتان في تلك الشجرة السامقة التي خرجت منها المجموعة الهندية الأوربية لأن التقسيم السلالي حاميين وساميين وشاميين وهاميين هو تقسيم لغوي وليس سلالي، فالقصد من الساميين والحاميين... ليس الجنس وإنما المتكلمين بالهاء والسين والشين باعتبارها بدائل فونيطيقية في اللغة الهند الأوربية"9. وينفي صفة العروبية عن المصريين وسكان شمال إفريقيا بالقول: "لكل عربي متكلم باللغة العربية فهو من جنس سامي فالمصريون وعامة سكان شمال إفريقيا على سبيل المثال تنتمون سلاليا إلى عنصر غير عربي ومع ذلك فقد قبلوا اللغة العربية حين قبلوا ثقافة الإسلام".10 في تفسيره للنبي قال "فالنبي الأمي هو في حقيقة الأمر النبي الأممي وما معنى النبي الأممي: أي النبي الذي بعث من سلالة غير سلالة اليهود، أي أن الأمي لا تفيد الجاهل بالقراءة. ويبرر قوله هذا بأن الجمعي في العربي لا يستحب على شكل الأممي فاختصرت في كلمة أمي والقبائلي في القبلي وغيره..11، وأكيد أن التسليم بهذا التفسير سيكلفنا موروثا ثقافيا بأكمله، ليعلنها ثورة على الأصول وأصولها. وقد اعتبر بأن العرب كانت النساء على رأس القبائل العربية في مراحل مبكرة من التاريخ، مستشهدا بأن عددا كبيرا من هذه القبائل مؤنثة "وتحمل أشهر القبائل أسماء مؤنثة مثل أمية وربيعة وكندة ومرة". الهوامش 1- مستشار الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية في الإعلام والتواصل والشؤون القانونية 2- أنظر كتاب "البحوث اللغوية المقارنة في تاريخ علم اللغة المقارن، شلايشر. 3- من خلال كتابه قضايا دراسة القرابة في اللغات الهندية الأوربية. 4- عوض، لويس، مقدمة في فقه اللغة العربية، دار سينا للنشر، 1992، ص: 18. 5- نفسه ص: 41. 6- نفسه ص: 41. 7- نفسه ص: 99. 8- نفسه 30. 9- نفسه: 136. 10- نفسه: ص: 65. 11- نفسه ص: 124-126.