توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    لقاء بوزنيقة الأخير أثبت نجاحه.. الإرادة الليبية أقوى من كل العراقيل    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    التوافق المغربي الموريتاني ضربة مُعلمَين في مسار الشراكة الإقليمية    من الرباط... رئيس الوزراء الإسباني يدعو للاعتراف بفلسطين وإنهاء الاحتلال    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    ألمانيا تفتح التحقيق مع "مسلم سابق"    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات        مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضية مس الجن للإنس في الفكر الإسلامي بين الحقيقة والوهم
نشر في التجديد يوم 13 - 12 - 2004

هل قضية مس الجن للإنس وتأثر الإنس بصرعات الجن وتهجماته قضية مهمة للغاية إلى درجة أن نخصص لها الكتب والمؤلفات، ونعقد لها الحلقات والندوات، ونبث حولها البرامج التلفزية والإذاعية في الفضائيات والمواقع الإلكترونية؟
تأليف د.مولاي مصطفى الهند-أستاذ باحث بجامعة الحسن الثاني المحمدية
قدم له الدكتور حسن كسرى طبيب نفسي أستاذ التعليم العالي مساعد بكلية الطب بالرباط
عرض: حسن السرات
هذه الأسئلة ومثلها هي التي قام الدكتور مولاي مصطفى الهند بتأليف كتاب حولها تحت عنوان: قضية مس الجن للإنس في الفكر الإسلامي بين الحقيقة والوهم، قال موضحا: كان لي اهتمام خاص بموضوع مس الجن للإنس منذ زمن غير بعيد يسير. وكلما أثير حوله النقاش وأدليت برأيي فيه إلا ويطلب مني توثيقه وتدوينه، غير أني أرجأت الكتابة فيه، اقتناعا أن الوضع الحالي للأمة الإسلامية تتجاذبه قضايا مستعصية تستحق الأولوية في البحث والدراسة. وبقي الحال على ما هو عليه حتى بدأ الدكتور مولاي مصطفى الهند يلاحظ أن هذه القضية أخذت تستشري في أوساط مجتمعنا الإسلامي بشكل كبير، ونالت اهتماما بالغا من العامة والخاصة ودخلت بيوتات كثيرة وأضحت محل نقاش واسع. وبما أن مولاي مصطفى الهند أستاذ جامعي بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية فقد لاحظ امتداد أثر قضية المس الجني ليصل إلى رحاب الجامعة، فاتضح له من خلال تواصله المباشر مع العديد من الطلبة وإشراكهم في قضاياهم التربوية والاجتماعية والنفسية حجم المعاناة النفسية التي يتحملها طلبتنا جراء قضية مس الجن للإنس. وقد بلغ الأمر ببعض الطالبات ممن يعتقدن أنهن أصبن بمس جني حد التفكير في الانقطاع عن
الدراسة والتفرغ للبحث عن علاج لما ألم بهن من مرض! ناهيكم عن الآثار السلبية لهذه الظاهرة على التحصيل الدراسي والاجتهاد العلمي لعدد من طلاب جامعاتنا ومعاهدنا!!
وإضافة لهذا، لاحظ الكاتب أن وسائل الإعلام العامة الواسعة الانتشار أخذت تتناول القضية في برامج حوارية واستطلاعية، ولهذا نهض لكتابة هذا المؤلف. لكنه عندما عاد يستقصي الكتب السابقة واللاحقة وجد أن أغلب تلك المؤلفات والكتابات لا تخلو من ثلاث ملاحظات أولاهن تجنب الإثارو والنقاش الواسع، والثانية التكرار، والثالثة القصور المنهجي.
ينقسم الكتاب في نظري إلى قسمين كبيرين، قسم استعراضي استقرائي جمع فيه الكاتب الأقول والآراء عند العلماء والمفسرين المتقدمين والمتأخرين، وقسم تحليلي تفكيكي استخلص فيه الكاتب النتائج وأجاب عن الاسئلة المطروحة سلفا. أما القسم الأول وهو الذي يبدأ من المدخل حيث عرف بمصطلح المس وعرض موجزا عن تاريخه والمؤلفات التي كتبت عنه وينتهي عند المحورالرابع حيث استعرض مواقف العلماء المنكرين للمس (من الصفحة 9 إلى الصفحة 74).
بين المس والصرع
يمسك الكاتب بنقطة غاية في الأهمية لكونها مفتاح الكتاب كله ومفتاح القضية المطروحة أيضا، وهي حقيقة المس والصرع الفرق بينهما. ذلك أن التباسا كبيرا يقع في الموضوع عند الخاصة، فما بالك بالعامة. ورفع الالتباس ضروري جدا من الزاوية المنهجية، إذ جرت العادة في الكتب المتخصصة والأبحاث الجديدة أن يبادر الكاتب إلى توضيح مصطلحاته أولا، وثانيا لطبيعة القضية المتناولة. رفع الاتباس بين المصطلحين والمرضين قام بهما الكاتب في مدخل الكتاب عندما شرع في توضيح مفاهيمه وكلماته، ثم عاد إليها في المحور الخامس. ويذهب الكاتب بعد بيان وتبيين إلى أن المس مرض نفسي يختص به علماء النفس، أو بالأحرى خبراء النفس، بينما الصرع مرض عضوي من اختصاص أطباء الجهاز العصبي والدماغ. ولذلك يظن أغلب المؤلفين ممن كتبوا في الموضوع أن نسبة كبيرة من المس سببه الجن وأن القلة القليلة منه هي أمراض نفسية، كما يقول الدكتور مولاي مصطفى الهند، ثم يضيف أنهم بهذا كانوا ينصرفون إى الحديث عما يمكن أن يفعله الجني بالإنسي ويؤولون كل ما يقع للإنسان الممسوس على أنه يسكنه جني، وهو سبب معاناته ومشاكله!.
المس إذن مرض نفسي، وله اسم آخر أكثر علمية وموضوعية وهو الهستيريا. مرض عالجه خبراء النفس ويعرفون أنه أشكال وأنواع تندرج تحت اسم الاضطرابات التفككية التي تظهر عند المريض كرد فعل تجاه صدمة نفسية، أو نوع من الهروب من مواجهة مشاكل وأزمات نفسية. والمرضى به لا يعالجون بإدخالهم المستشفى أو إعطائهم أية مزايا تزيدهم تعلقا بالمرض، بل تهيأ لهم بيئة العلاج الصالحة في منازلهم ومحل عملهم حتى يقفوا على حقيقة أعراضهم المرضية ويساعدوه على الشفاء.ويؤتي العلاج أكله بسرعة إذا اقتنع المريض بوجود خلل في سلوكه النفسي يحتاج إلى تعديل وتقويم. ويؤكد بعضالباحثين المعاصرين إمكانية العلاج التلقائي دون الحاجة إلى العلاج.
قرآن أم إيحاء؟
أقوى محور في الكتاب هو المحور السادس، وهو جوهر الموضوع وعقدته وحله أيضا: علاج المس: هل يكون بالقرآن أم بالإيحاء؟. قبل ان يجيب الاستاذ الباحث يذكرنا بظاهرة انتشار من يصفون أنفسهم ويصفهم الناس تبعا لذلك بالمعالجين الذين يدعون أنهم قادرون على علاج المس وتحرير الإنسان من قبضة الجان وإخراج الجني من قلب الممسوس همهم الوحيد، والقول للكاتب، التصدي لمن يستغلون الدين الإسلامي لممارسة أعمال بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام وآدابه في علاج الممسوسين. وإن شعار هؤلاء المعالجين أو الرقاة هو علاج المس بالقرآن الكريم دون غيره. ويستعرض الكاتب وسائل العلاج النفسي للمس أو الهستيريا مثل الإيحاء النفسي والتحليل النفسي والعلاج السلوكي والعلاج النفسي التدعيمي والعلاج الطبي للأعراض، ليخلص إلى أن وسيلتي الإيحاء النفسي والعلاج السلوكي هما اللتان تندرج تحتهما ما يمكن تسميته بعلاج المس بطريقة القرآن الكريم أو الرقية.
وفسر الكاتب فعل القرآن في المريض وأثره في نفسه بأنه أمر طبيعي لتوفر الشروط الداعية لذلك وهي:
1 المكانة التي يحتلها القرين الكريم في نفس الإنسان المسلم، واقتناعه بأنه يشفي من الأمراض والأسقام.
2 الاحترام الذي يحظى به حامل القرآن وقارئه في وسطنا الاجتماعي.
3 قوة شخصية القارئ للقرآن -أي المعالج أو الراقي- التي اكتسبها من خلال التجربة المتكررة لعملية علاجه وصرعه المرضى الممسوسين.
4 قدرة المعالج على ممارسة عملية الإيحاء النفسي، سواء اعترف بذلك أم لا، وسواء علم أم لم يعلم.
5 توفر قابلية الإيحاء عند المريض الممسوس.
6 شيوع ثقافة العلاج من المس على يد المعالجين بالقرآن الكريم في الأوساط الاجتماعية وأثرها الكبير في نفس المريض، غضافة إلى إشاعة ذكر حالات معينة من العلاج. وأكثر هذه الحالات في البلاد الإسلامية تغلب عليها الإشاعة أكثر من الحقيقة.
7 الدور الذي تقوم به الأسرة في دفع المريض الممسوس دفعا إلى العلاج بالقرآن الكريم.
8 انعدام الوعي بالثقافة النفسية والطب النفسي.
9 ربط علاج المريض الممسوس بالجانب العقدي في الإسلام وحساسية هذا الأمر، بمعنى أن وجود الجن في حياة المسلمين لابد وأن يكون له الأثر في نفوسهم، قل أو أكثر، وعدم التسليم به قد يعد صاحبه من الكافرين بحقيقة وجود الجن!
10 غياب الحد الأدنى من المؤهلات الثقافية والعلمية التي تجنب الإنسان المسلم المريض بأمراض نفسية التفكير في الالتجاء إلى العلاج بطرق سليمة وغير مشروعة.
خلاصة
لقد خاض الكتاب في حقل مليء بالألغام قاصدا تنقيته منها وتوجيه القراء إلى التعامل بحذر مع ظاهرة العلاج من المس بالطرق الخرافية المسيئة إلى الدين الإسلامي وكتابه الكريم. ومما زاد في قيمة الكتاب التقديم الذي كتبه الدكتور حسن كسرى الطبيب النفسي وأستاذ التعليم العالي المساعد بكلية الطب بالرباط. تقديم ياليته طال وازداد تفصيلا، خاصة أنه من رجل متخصص في مجال علم النفس والطب النفسي.
شيء أخير لابد من ملاحظته، وهو استشهاد الكاتب بموقف النسوة اللاتي قطعن أيديهن في قصة يوسف، جاعلا من هذا المشهد برهانا على ما يفعله الإيحاء بالإنسان، في حين أن هذا الموقف ليس موقف إيحاء ولكنه موقف انبهار بجمال يوسف عليه السلام مثلهن في ذلك مثل امرأة العزيز التي راودته عن نفسه بعد أنبهار ذهب بكل القوى العاقلة والقيم الفاضلة، والله أعلم.
وما زال الموضوع مفتوحا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.