يتجدد النقاش كل مرة عند انعقاد القمم العربية بخصوص الغياب "المتكرر" للملك محمد السادس عن حضور مثل هذه القمم أو الملتقيات الدولية الكبرى، حيث غالبا ما يمثله رئيس الحكومة أو وزير الخارجية، في الوقت الذي تشارك فيها الدول المعنية على مستوى الملوك ورؤساء الدول. ولم يحضر العاهل المغربي القمة العربية للدورة العادية الرابعة والعشرين التي عُقدت، الثلاثاء الماضي، في العاصمة القطرية الدوحة، ومثَّله في هذه القمة التي حضرها عدد من رؤساء الدول العربية وزير الخارجية والتعاون سعد الدين العثماني. الصديقي: الملك يفضل اللقاءات الفردية وقال الدكتور سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة فاس، في تصريحات لجريدة هسبريس الإلكترونية إن الملك محمد السادس اعتمد منذ اعتلائه الحكم منهجية خاصة في سياسة المغرب الخارجية مختلفة عما نهجه أبوه الراحل الملك الحسن الثاني. ويشرح الصديقي بأن منهجية الملك محمد السادس تقوم على أن يكون المغرب حاضرا في كل الأحداث واللقاءات العربية الهامة بتمثيليات دبلوماسية مختلفة، دون أن تكون له طموحات قيادية كما كان الشأن في عهد الملك الحسن الثاني الذي كان وراء مبادرات كثيرة على المستويين العربي والإسلامي. بعبارة أخرى، يردف المختص في العلاقات الدولية، يريد المغرب أن يسجل حضوره باعتباره محورا أساسيا على الصعيد العربي، لكنه في الآن ذاته لا يسعى إلى الزعامة خلال هذه الفترة. وعزا الصديقي هذه المنهجية إلى اعتبارات كثيرة؛ منها ما هو شخصي مرتبط بشخصية الملك وتكوينه ونظرته لدور المغرب على المستوى الجهوي، ومنها ما يرتبط أيضا بجدلية الداخلي والخارجي في استراتيجية الدولة. واستطرد بالقول " يبدو واضحا منذ اعتلاء الملك محمد السادس الحكم إيلاؤه الأولوية للشؤون الداخلية أكثر من القضايا الخارجية، باعتبار أن المغرب عليه ينهج سياسة خارجية تتوافق مع إمكانياته الاقتصادية الحالية". وتابع المحلل بأنه لهذه الدواعي يتم تكليف رئيس الحكومة أو وزير الخارجية لحضور هذه القمم العربية، وبالمقابل يفضل الملك تمتين علاقات المغرب مع الدول العربية من خلال الزيارات الملكية مثل التي قام بها إلى بعض دول الخليج والأردن في شهر أكتوبر 2012. وزاد الصديقي بأن "الملك محمد السادس يرى أنه من مصلحة المغرب حاليا التركيز أكثر على العلاقات الثنائية مع الدول العربية والسعي لتمتينها، وتفضيل اللقاءات الانفرادية المباشرة مع الحكام العرب عن مؤتمرات القمة"، مشيرا إلى "أن هذه المنهجية هي التي تفسر أيضا جولة الملك الحالية إلى بعض الدول الإفريقية التي يطغى عليها الطابع الثنائي، وتسمح باللقاءات الانفرادية مع رؤساء الدول التي يزورها". لكريني: اختلالات العمل العربي ومن جهته أفاد الدكتور إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، بأن أمر حضور الملك للقمم العربية من عدمه يعد قرارا سياديا بالنسبة لجميع الدول الأعضاء؛ وليس بالضرورة أن يأتي مُبرَّرا؛ وأحيانا يمكن أن يبرر باعتبارات تمليها المصالح العليا للدولة العلني منها والمضمر، المباشر وغير المباشر، أو وجود انشغالات تمنع من الحضور. وذكّر لكريني بأنه سبق للديوان الملكي أن أصدر بلاغا سنة 2009 بشأن عدم حضور الملك شخصيا في القمة العربية الاستثنائية بالدوحة وفي القمة العربية الاقتصادية بالكويت، ولم يكتف البلاغ حينئذ بالتأكيد على عدم الحضور الشخصي في القمتين؛ بل حمل رسالة هامة وقف من خلالها بصراحة على مجموعة من الاختلالات التي تطبع العمل العربي المشترك في إطار الجامعة العربية، والتي تجعل من عقد القمم العربية أمرا غير مُجْد بالمرة. واسترسل المتحدث بأنه علاوة على المزايدات والخلافات السياسية والشخصية البينية التي تلقي بظلالها خلال هذه اللقاءات، غالبا ما تعكس ظروف وأجواء هذه اللقاءات سياسة المحاور والزعامات التي تكرس الفرقة والشقاق، وتتيح الفرص لقوى إقليمية أخرى؛ من قبيل إيران وتركيا؛ لتلعب أدوارا رئيسية بديلة في المنطقة. واعتبر لكريني بأن هذا الغياب يعكس أولا تركيز الملك لاهتماماته على القضايا الداخلية وهو ما تعكسه جولاته المستمرة على امتداد مناطق مختلفة من المغرب؛ كما أنه يرسخ من جهة أخرى تلك القناعة التي ترسخت بأن الوضع العربي الراهن بواقعه وتجاذبات وحسابات بعض أطرافه الضيقة، لا يسمحان باتخاذ قرارات وتدابير فعالة لتدبير مختلف القضايا العربية بشكل ناجع".