غياب محمد السادس عن المغرب مادة دسمة في الصحافة الجزائرية وأخيرا عاد الملك محمد السادس من فرنسا يوم الخميس الماضي بعد جولة طويلة امتدت من أقصى جنوب شرق أسيا وصولا إلى باريس محط إقامته. هذا الغياب دفع عدد من المنابر الوطنية المستقلة لنبش مسألة الغياب و لكن بطريقة دستورية مهذبة،حيث تم الحديث عن التأخير الكبير في انعقاد المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك بنفسه من أجل البت في النصوص القانونية ومشاريع القوانين قبل إحالتها على البرلمان، كما يشير إلى ذلك الدستور المغربي .الذي بات في حاجة ملحة إلى تعديلات استعجاليه من قبيل تفويض المجلس الوزاري للوزير الأول ، مع تحديد دورته بانتظام .... .و إذا كان من الطبيعي أن تتناول بعض المنابر الإعلامية المستقلة المغربية مسألة غياب الملك محمد السادس الطويلة عن المغرب .و ربطها بالأحداث الكبيرة التي شهدتها المملكة السعيدة كانتفاضة سيدي إفني و تداعياتها ؟، فإنه من اللافت للانتباه أن تتولى الصحافة الجزائرية القضية نفسها و تفرغ لها مساحات مهمة. وهكذا كانت البداية مع يومية ليبرتي الجزائرية الناطقة بالفرنسية في عددها الصادر يوم الأربعاء 25 يونيو .حيث أفردت له حيزا جذابا في أعلى الصفحة الأولى الرئيسة بصور الملك محمد السادس معنونة : ou est passé MohamedVIوقد ذكر كاتب المقال الصحفي عبد الكامل الذي نقل على طريقة نسخ لصق مقال مراسل صحيفة القدس العربي بمدريد الحسين المجدوبي الصادر يومه الثلاثاء 24 يونيو "تساؤلات في المغرب حول الغياب المتكرر للملك محمد السادس عن البلاد".ليترجمه حرفا حرفا إلى اللغة الفرنسية. فقد اعتبرت يومية ليبرتي أن هذا ثاني غياب طويل منذ يناير -فبراير الماضي . والذي دام 45 يوما .و أردفت قائلة : ان الملك محمد السادس لم يلتق رؤساء وقادة هذه الدول. وطيلة شهر، كان الخبر الوحيد هنا بالرباط هو عن زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي له بمقر إقامته في باريس. ويري الباحث والمحلل السياسي الدكتور عبد اللطيف حسني المغربي ان غياب الملك يطرح إشكاليات كبيرة بحكم أن أهم وأغلب الصلاحيات متمركزة في يده بحكم الدستور ، وقال ان كل غياب يعني تعطيل عمل الدستور والحكومة ، معتبرا ان الحكومة لا صلاحيات لها أصلا وغياب الملك يؤدي إلي وجود فراغ حقيقي في السلطة، خصوصا ان الهاجس الأمني حاضر بقوة في البلاد كما جري في معالجة أحداث سيدي إيفني ..."و أضافت ليبرتي أن ما فرض الحديث عن الغياب هو ما حدث في سيدي إفني من انتفاضة قمعت بوحشية كبيرة ، ثم غياب الملك عن بعض المؤتمرات وعن استقبال رؤساء الدول. ونتيجة الغياب الطويل للملك في الخارج، جري تجميد زيارة رئيس الحكومة الاسبانية خوسي لويس رودريغيث سبتيرو إلي المغرب، وتأجلت زيارة كان سيقوم بها الملك إلي كل من موريتانيا ومصر، بينما تنتظر الكثير من ملفات الخارجية، مثل الصحراء الغربية، عالقة لا يمكن لأي كان أن يبت فيها.... كما نقلت فقرات من مقال منشور على جريدة هسبريس الالكترونية تحت عنوان الملك خارج التغطية جاء فيه: هي خلاصة واحدة، إما أن الملك يثق في حكومته الضعيفة التي يقودها عباس الفاسي، ومتيقن من أنها تستطيع أن تحل جميع مشاكل البلاد مهما بلغت حدتها بدون تدخل منه، وإما أنه لا يبالي بما يحدث في مملكته السعيدة . وأضاف المقال أنه إذا أردنا أن نكون منطقيين فعلينا أن نتساءل عن نصيب الملك من المسؤولية في كل الأحداث التي يعرفها بلدنا، مادام حاكما فعليا لديه صلاحيات تفوق بألف مرة صلاحيات الوزير الأول ." يومية الخبرالجزائرية الواسعة الانتشار- تطبع 600ألف عدد يوميا- ، دخلت على الخط بدورها .و أفردت للموضوع مقالا نشرته في عددها 5360 الصادر هذا الإثنين 30يوينو تحت عنوان : غياب محمد الخامس - نعم محمد الخامس و ليس محمد السادس هكذا كتبت يومية الخبر -أكثر من شهر سبب فراغا في السلطة: ساركوزي فشل في إقناع الملك بالعودة إلى المعرب .وإذا كانت يومية ليبرتي قد اعتمدت على ترجمة مقال الحسين مجدوبي إلى الفرنسية و نشره كاملا ، فإن يومية الخبر قد اعتمدت بدورها على مراسلها بمدريد داد ولد الذي أورد خبرا نشرته صحيفة إلمبارثيال الإسبانية نقلا عن مصادر في الاستخبارات المغربية ، أن اجتماعا رفيعا عقد مؤخرا بين مسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية والمخابرات المركزية من جهة وجنرالات مغربيين من جهة ثانية لبحث الوضع الأمني السائد في المغرب . وسجلت الصحيفة أن الأوساط الأمنية الأوربية و الأمريكية قلقة جدا من غياب الملك محمد السادس عن سدة الحكم في المغرب لأكثر من شهر ، في الوقت الذي يزداد التوتر في البلاد نتيجة للأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار .وحسب يومية الخبر فإن "إلمارثيال " ذكرت أن سفر العاهل المغربي في نزهة و استرخاء قد سبب فراغا فعليا في السلطة ، لأن كل كبيرة و صغيرة تتعلق بتسيير البلاد تحتاج إما إلى موافقة الملك أو توقيعه الخطي .وأضافت أن المسألة ازدادت تعقيدا مع زيارة الرئيس الفرنسي للملك في إقامته الباريسية ، حيث حاول ساركوزي إقناع ملك المغرب بالعودة إلى المغرب في أسرع وقت ممكن أمام الأمير مولاي رشيد الذي ذهب إلى باريس خصيصا لحضور اللقاء ، بيد أن ساركوزي لم ينجح في مسعاه . كما ذكرت بغياب محمد السادس عن المحافل الدولية الهامة ، كالقمة العربية المصغرة المنعقدة من أجل مناقشة مشروع ساركوزي المتوسطي في طرابلس .وقمة دول الساحل والصحراء في كوتونو، و مؤتمر طوكيو الدولي الرابع المعني بالتنمية بإفريقيا . و كذا التغيب عن استقبال الرئيس التوغولي ساسو نغيسو الذي جاءه في زيارة رسمية ، وكذلك الأمر بالنسبة للجنرال ويليام وارد قائد قوة أفريكوم الذي استقبله عبد العزيز بناني، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية .....و استطردت الصحيفة قائلة أن هذا " الفراغ في السلطة " يثير قلق حلفاء المغرب في المنطقة و هم الولاياتالمتحدة و فرنسا و إسبانيا و خاصة بعد التهديدات التي أطلقها الظواهري واصفا النظام المغربي ب " الكافر ".مضيفة أن هذا الوضع أدى إلى إعلان حالة الطوارئ في صفوف أجهزة الأمن المغربية تحسبا لأي طارئ، و هو الأمر الذي سيفسر العنف غير المبرر و النرفزة الكبيرة اللذين أظهرتهما هذه الأجهزة عند قمع المتظاهرين السلميين ضد غلاء الأسعار بسيد إفني .علاوة على ذلك كشفت الجريدة الإسبانية -و الكلام دائما للخبر الجزائرية -عن وجود تهريب للأموال خارج المغرب من طرف الطبقة المترفة و أن عددا من المسؤولين الرفيعين في الإدارة و القوات المسلحة قد أرسلوا عائلاتهم إلى الخارج تحسبا للطوارئ. بيد أن السلطات المغربية تكذب هذه الادعاءات و تقول أن خروج الأموال أمر عادي لأن بعض المستثمرين يسحبون أموالهم بصفة عادية . إنطلاقا مما سبق لا يمكن فصل الاهتمام الزائد للصحافة الجزائرية بالملك محمد السادس وتحركاته سواء أرسمية كانت أم شخصية .بالتوتر الدائم بين البلدين، و حالة الصراع الخفي والمعلن بين الجارين .خاصة مع اقتراب انعقاد قمة ساركوزي المتوسطية . حيث تعتبر الجزائر أن لم تحظ بكبير اهتمام و أهمية في المشروع الذي يبشر به الرئيس الفرنسي ساركوزي مقابل نوع من الامتيازات للمغرب و الجارة تونس . وعليه فربما الرسالة التي تحاول أن ترسلها الصحافة الجزائرية سيما تلك المقربة من مصادر القرار، من أنه لا يمكن الاعتماد على المغرب و إسناده أدوارا طلائعية في المشروع المتوسطي ، وهو البلد الذي يعرف أزمة سياسية خانقة .أما الملك محمد السادس فقد فضل أن يرد على طريقة الخبر ما ترى لا ما تسمع ،حيث يستعد هذه الأيام لزيارة منطقة وجدة المتاخمة للحدود الجزائرية ، وإن كانت الزيارة حسب ما يتداول هنا بالمدينة كانت مقررة من ذي قبل . ولكن يبدو أن الأحداث قد عجلت بها . [email protected] ""