حقوق الانسان بجنوب المتوسط بقيت في الظل أمام في المصالح الاقتصادية لدول الشمال غياب العاهل المغربي عن قمة باريس أعطي له أكثر من تفسير،ولو أن الخلاصات توحدت حول مسألة أن الرباط لا يمكن أن تقنعها الأدوار الثانوية في مشاريع ضخمة تلامس عن قرب مجالها الجغرافي.لكن الاتحاد من أجل المتوسط،وإن صفق له المستثمرون ومحترفو تصدير رؤس الأموال،فلا يلقى نفس التجاوب لدى الحقوقيين الذين يشجبون التملص الأوروبي،وخصوصا منه الفرنسي صاحب المبادرة،من مسؤوليته في الدفع بالحريات بدول الجنوب لحساب الأهداف الاقتصادية. "" حقيقة غياب الملك محمد السادس أثار غياب العاهل المغربي محمد السادس عن قمة باريس،لاطلاق الاتحاد من أجل المتوسط،قرءات متعددة،لم تنجح معها تصريحات وزير اتصال حكومة الرباط في وقفها،بل وتجنب المحللون اعتمادها كمرجعية قطعية في اعطاء التأويلات التي رآها خالد الناصري لا تأويل ثان معها،باعتبارها ظلت في نظر الكثيرين تعكس التخريجة الرسمية التي عادة ما تتغيا أن تكون بعبارات مشدبة،فيها الشيء الكثير من المجاملة لطابعها الدبلوماسي على حساب الواقعية السياسية. لقد نفى السيد الناصري أن يكون للمغرب موقفا سلبيا من الاتحاد من اجل المتوسط،واعتبر أن "الحديث عن أن المغرب غاضب من عدم منحه مقر الأمانة العامة للاتحاد تأويلات صحفية،أما الواقع فإن حضور الأمير مولاي رشيد ليس فيه مجال للتأويل عن موقف مغربي سلبي من الاتحاد".وإن كان غياب الملك عن القمة شكل ردة فعل من قبل القصر بخصوص احتضان الجمعية الفرنسي )البرلمان الفرنسي) لندوة حول الصحراء المغربية حضرها انفصاليون،قال الناصري "ليس بين باريس والرباط خلافا في الموضوع،ومن المعروف ان فرنسا تساند مشروع الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب". وفي سياق ذي صلة أكد دبلوماسي مغربي لصحيفة الكترونية رفض محمد السادس حضور قمة الاتحاد،واصفا القمة "بالحفل الكبير لترويج فكرة لن تنجح"،فيما علل أحد الوزراء هذا الغياب "بالأنشطة الملكية المكثفة بالجهة الشرقية".ولم يبد الرئيس الفرنسي تخوفا معينا من غياب العاهل المغربي عن (نادي أكثر من أربعين رئيس دولة وحكومة)،سيما وأنه ظل يراهن على مشاركة زعامات البلدان المعنية بالاتحاد،بل أنه أعلن بنبرة تفاؤلية عن الموقف الايجابي للمغرب من خلال مكالمة هاتفية مع محمد السادس "يؤيد فيها بشكل كامل المشروع،وأخبره بأن الأمير مولاي رشيد سيمثله". وجاءت الزيارة الخاصة لساركوزي الى المغرب بعيد القمة المتوسطية،لتحاول أن تؤكد الروابط الخاصة التي تربط المملكة الشريفة مع الجهورية الفرنسية،وتتعداها من علاقات الدبلوماسية بين بلدين الى علاقات شخصية تربط بين قيادتي باريس والرباط.وكان الرئيس الفرنسي قضى أمسية عائلية مع الملك محمد السادس بشقته بباريس عندما كان في عطلة بها،رفقة عقيلته كارلا بروني.الاشارات التي يرسل بها ساركووزي اتجاه قصر الرباط فسرت على أن سيد الاليزي دخل في تمرينات يود من خلالها ركوب طريق شيراك في علاقاته الخاصة بالعائلة الملكية. والالتفات الى المغرب والحفاظ على الايقاع في العلاقات الدبلوماسية معه بل والخاصة،يبررهها مختصون بأنها لامناص منها إن كانت ترغب فرنسا في العودة الى المنطقة ومنها الى افريقيا بقوة،قبل أن تسحب منها البساط نهائيا الولاياتالمتحدةالأمريكية.ويسجل هؤلاء الدينامية الجديدة للدبلوماسية المغربية،التي أصبحت تناور بطريقة ذكية في كسب المواقع المهمة والمكاسب الحقيقية،في تنافس لاهوادة فيها،مع الجارة الشقيقة الجزائر.البعض ربط غياب محمد السادس بحضور عبد العزيز بوتفليقة،بعد مساعي كثيرة من الاليزي ودبلوماسيته،وهناك من شرح الحضور الجزائري من خلال زعامته بالدعم الذي من الممكن أن توفره باريس لبوتفليقة لاجراء تعديل دستوري،يخول له ولاية ثالثة على بلد رأس بلد الأمير عبد القادر. أوروبا تتحدث اقتصاد فقط الكل يعلم أن باريس نالت دعم الدول الأوربية في اطلاق الاتحاد من أجل المتوسط،بعد متاعب كثيرة سببتها له منافسته وحليفته،التي يشكل الى جانبها قاطرة الاتحاد الأوروبي:برلين.ونجحت ألمانيا في أن تعدل جغرافية المشروع الساركوزي من ذي قبل بالحاحها على أن يضم جميع دول الاتحاد الأوروبي،دون أن يكون اعلان من جانب واحد عن موت سريري لاتفاق برشلونة المنعقد في اطار أورومتوسطي سنة 1995،والذي ركز على السلام والتنمية والهجرة،وتنشيط التعاملات التجارية بين ضفتي المتوسط،ثم الرفع النهائي للرسوم الجمركية مع 2010،مع دمج حقوق الانسان في صلب ديناميته. وتبين بعد كل السنوات التي مرت على الاتفاق أنه من الصعب للغاية أن تصل منطقة الشرق الأوسط الى سلام عادل،أمام دولة اسرائلية تنقض عهودها،وفشلت فكرة الأوربيين في دمجها داخل محيطها العربي،كما أن تل أبيب استمرت في خرقها لحقوق الانسان باستهدافها للانسان الفلسطيني،وهي حقوق تخترق في دول عربية ومغاربية أخرى،الا أن هذا لم يمنع من استمرار مؤسسات أوروبية في مد يد لهذه الأنظمة،لأن المسألة مرتبطة بمصالح اقتصادية.خبير اقتصادي فرنسي يقول عن الغاية من الاتحاد "نحن نبحث عن أسواق لسلعنا،وحكومات تضمن لنا الوصول بسهولة الى المواد الأولية". الغاية الاقتصادية من مشروع ضخم بهذا الحجم بدت واضحة.ولا تردد بعض المنظمات في التلويح بتقارير بينت أن المستفيد الأكبر،اقتصاديا،باعتبار الشق الحقوقي يبقى مهمشا،هي دول الشمال.فالدول الأوروبية تشدد من ترسانتها القانونية في تنقل الانسان الجنوبي في اتجاهها بحثا عن حياة أفضل أو هروبا من الحروب ومطاردات الأنظمة القمعية،في حين تعمل كل ما في وسعها لفتح قنوات تصدير منتوجاتها نحو الجنوب على مصراعيها،مما يعرض المنتوج المحلي لمنافسة أكبر بكثير من الامكانيات المتاحة إليه،ويدفع به الى الانقراض في الكثير من الأحيان،وما لذلك من مخلفات اجتماعية كارثية،دون التأكيد على مصاحبة التنمية المنشودة ببلدان الجنوب بطرق علمية،وتمكين سكانها من المهارات المتوفرة.السيد خوسي مانويل باروسو له نظرته للأشياء بهذا الخصوص فهو يرى التكاملية بين ضفتي الجنوب انطلاقا من واقع حال من المفروض أن يستمرعندما يقول بأنه "يؤمن بامكانية نجاح المشروع المتوسطي"،فهذا نظرا "للقدرة الصناعية العلمية لدول الاتحاد الأوروبي،والطاقة البشرية والمواد الأولية التي تزخر بها بلدان جنوب المتوسط". حقوق الانسان أو الخاسر الأكبر منظمات حقوق الانسان الدولية،استغربت لهذا التجاهل الذي لاقته مادة حقوق الانسان في مشروع الاتحاد.وهي حقيقة تفيد بعض الكتابات لا يود سماعها حتى المستثمرين.ثلاثة منظمات معروفة وهي:الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الانسان،الفيدرالية الدولية لروابط حقوق الانسان،مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان،توجهت بنداء مشترك الى رؤساء الدول المشاركة في قمة باريس انتقدت فيه: "التركيز على المشاريع الاقتصادية والتغاضي عن تطلع شعوب المنطقة التي تتطلع الى التنمية،و التمتع بالحريات الأساسية المحرومة منها"،وطالبت باعادة النظر في أسس المشروع منذ انطلاقته ببرشلونة بهدف "التوصل الى سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط..."،كما اقترحت في نفس الوقت "جعل احترام حقوق الانسان والديمقراطية أولوية في السياسة الخارجية للاتحاد"،بالاضافة الى "المساهمة الفعالة في تحقيق السلام في المنطقة،واحترام حقوق المهاجرين واللاجئين،ثم الاعتراف بنشطاء المجتمع المدني،خصوصا المنظمات غير الحكومية المعنية بالدفاع عن حقوق الانسان". وقال الدكتور هيثم المناع عن اللجنة العربية لحقوق الانسان بباريس،في حوار مع الصباح،"سيجلب الاتحاد "بضعة عقود اقتصادية لفرنسا وأقل للدول الأوروبية الأخرى،وستبقى الشعوب على منصة المتفرجين"،ويفصل أكثر وهو يتحدث عن المرامي المبطنة للاتحاد بكونه "جرى تفضيل صريح لحركة السلعة على حركة البشر،وأمن الدولة على أمن المواطن،بل وتنظيف البحر على تنظيف السجون".ولا يثق الفاعلون الحقوقيون في الوعود التي تحملها مبادرات من هذا النوع بخصوص مادة حقوق الحقوق الانسان. وكانت البلدان المتوسطية التزمت بموجب اتفاق برشلونة باحترام التعددية،واحتلال الحريات الأساسية لمكانة هامة ممارساتها اليومية،إلا أنها كانت "للواجهة فقط"،قال كما الجندوبي فاعل حقوقي دولي في حديث لسويس انفو،ولا حظ "ازدهار المنظمات الموالية للحكومات،بينما المنظمات المستقلة تتعرض للمضايقات الأمنية"،ويذكر على سبيل المثال "الاعتداءات المسجلة في تونس منذ مطلع السنة"،"والقضائية الدائمة،مثل سوريا،إن لم تكن محظورة بالكامل كما هو الحال في ليبيا...". وينظر هذا المناضل الحقوقي بعين الريبة للتعاطي السلبي للبلدان الأوروبية مع أوضاع حقوق الانسان بدول الجنوب."الغريب أن البلدان الأوروبية تحاط علما بالوضع السياسي السائد في البلدان الشريكة"،إلا أنه يعي مسبقا غايتها من هكذا موقف،إذ "الأولوية دوما للصفقات ولمصالحها،وبالتالي مصالح الأنظمة الاستبدادية العربية..."يفسر بأكثر وضوح النشيط الحقوقي. وكان حضور بشار الأسد الى فرنسا للمشاركة في القمة،والدعوة الت حضي بها لمتبعة الاستعراض العسكري ل14 يونيو،أثارت عاصفة اعلامية على أعمدة صحافة اليسار وفي مقدمتها صحيفة ليبراسيون التي عنونت ملفا لها بهذا الخصوص "الديكتاتوريون في القمة".وتساءل فرانسوا سيرجون في افتتاحيته "لماذا يمنح مكان في منصة 14 يونيو،اليوم الذي يحتفى فيه بالحرية،لرجال من أمثال الأسد،مبارك،بنعلي أو بوتفليقة".ويضيف أن هذا الحضور سيفسر من طرف الشعوب المتوسطية أنه "دعم لحكام مستبدين وفاسدين،لم يواجهوا،من طبيعة الحال،بالمرة انتخابات حرة ونزيهة". منظمة مراسلون بلا حدود دخلت بدورها على الخط،وحاولت أن تستغل يوم الاحتفال،لتمرير رسالتها برفعها لصور مجموعة من الصحافيين المعتقلين في الدول المغاربية من بينها المغرب وعربية،وتوزيعها لمنشورات تحسيسية حول وضع حرية الصحافة بسوريا،ووصفت المنظمة في بيان لها الرئيس السوري "بصياد حرية الصحافة"،معبرة عن صدمتها "بمشاركة الرئيس السوري في احتفالات 14 يوينو"،مضيفة أن "ساركوزي يبدو أنه ينتقل من تنازل الى اخر.فبعد استقباله الرئيس الليبي معمر القدافي بحرارة في 10 دجنبر في اليوم العالمي لحقوق الانسان،وبعد أن نوه بمزايا النظام التونسي،يستعد لاحياء عيد الاستقلال والحرية الى جانب قائد دولة تعد من الأكثر قمعية في العالم"،وتساءلت منظمة روبير مينار بنوع من القلق "الى أين يعتزم أن يصل-أي الرئيس-لينجح مشروع الاتحاد المتوسطي؟أي تنازلات جديدة يقدمها للرئيس الليبي ليقبل دعم هذا المشروع".