على شاطئ البحر الأبيض المتوسط وقف المزهو بثقافته يسمع صدى النداء الفطري الوافد من أعماق البحر: هلم إلى الإبحار، لا تخف، في أعماقي تكمن حقيقتك، كفاك تسويفا ، أما آن الأوان لتستجيب؟ غريب أمرك، حدثوك وأمتعوك بالنغم والصور والفرجة وصناعة الانفعال، فصدقتهم، واستسلمت لتيار الثقافة العالمية بأطيافها وألوانها وأمواجها دون أدنى مقاومة ؟ كم كنت مبدعا في قطف ثمارها، وما ميزت بين حلوها ومرها، رغم ذلك أصبحت لك مكانة بين نخبة الفنانين والأكاديميين والشعراء والمثقفين، لك عمود في صحيفة، ومقالة في موقع، ومحاضرة هناك، ومعرض للوحاتك الفاتنة هنالك. جمع غفير من قرائك محيطون بك في حفل توقيع كتابك. انظر إلى صورتك في الصحيفة والمجلة، وحوارك عبر القناة الفضائية. لا تسئ الظن بمحبيك، إنهم معجبون بك. لا تبالي بمن يعاديك إنهم حسادك وضريبة شهرتك ؟! ، كم يودون أخذ صور تذكارية معك، المحظوظ من له رقم هاتفك الخاص وبريدك الإلكتروني. صفحات تواصلك الاجتماعي يتضاعف زوارها والمعجبين بها.. إنها نشوة إثبات الذات بإفحام منافسيك بالحجة الدامغة، وتستشهد بنصوص منتقاة بدقة، وتستعرض اطلاعك الموسوعي وفهمك العميق لما يشغل بال الناس. لم يعرف المثقف ما وراء استفزاز البحر له، والأولى أن ينصح غيره ممن يغامرون بأرواحهم طمعا في تحقيق حلم العبور إلى الضفة الأخرى. فأجاب منفعلا : ما هذا الجفاء؟ ما لجأت إليك إلا لأشكو إليك حالي بعدما فقدت بوصلتي وأخطأت الموعد مع هبة الربيع العربي. ها أنت ترى كيف تحولت من مثقف عضوي إلى مسترزق يبيع الوهم المخزني على المنابر، بعدما طردني رفاق الأمس القريب بسبب تغريدة غير متناغمة مع سنفونيتهم المجيدة ! علموني في مدرسة النضال القرب من الشعب ومعاناته، والوفاء الغير مشروط للمبادئ الثورية، وهاهم يتواطؤون مع خصومهم الطبقيين في إيديولوجيتنا العتيدة! لضمان حماية الفساد بالتوزيع الغير عادل لثروات البلاد، والتعايش السلمي مع الاستبداد. أصبحت يا بحر يتيما في مأدبة اللئام، حزينا كئيبا زمانا، ومللت جلد ذاتي، وقلت لم لا أعود إلى سربي القديم وأحيي معهم في الليل ذكريات النضال.