عندما يطل الجهل المركب على ماهية ذاته المتناقضة في مرآة الحقيقة المثالية يصاب بصدمة كهربائية لأن المستحيل اللامعقول الذي يريد إقناع الناس به في إنكار وجود عالم غيبي سرعان ما يتبدد سرابا على ذبذبات الهواء.والعقلية العلمية التي تجذر وجودها في تربة التجارب المحسوسة والفرضيات القابلة للتطبيق والخاضعة لضوابط القياس والملاحظة غالبا ماتصاب بالغرور المعرفي وهي بصدد مواجهة حقيقة غيبية عجز العلم بتقنياته العالية على ضبط مؤشر مصداقيتها. فلا يسع لهكذا ذهنية مغسولة بصابون التفكير السطحي إلا أن تقهقه في وجه من يدعي وجود عالم الغيب الخفي وهو في أوج حضور ذاته الموضوعية ورقابة ضميره العلمي المعملي الفذ الرافض لكل التفاهات البدائية والشطحات الخرافية.وهذا الشخص المعجب بنفسه، المفعم بغروره المعرفي وتضخم نرجسيته الإيبستيمولوجية أطلق عليه هيدجر صفة (المصاب بالجهالة الميتافيزيقية ) ولقد قال في هذا الصدد قولة مشهورة في كتابه(ماذا نسمي التفكير؟):( ماكان من شأن العلم أن يفكر ولا ينبغي له أن يرغب في ذلك وليس بمقدرته فعل ذلك حتى و إن رغب) وهذا راجع حسب فهمه إلى محدودية آفاق العلم في استثارة السؤال الوجودي وغفلته عن معرفة كنه كينونة الأشياء , لإصابتها بعمى التسطح الذهني و عدم قدرتها سبر أغوار عمق الحقيقة بسبب انهماك العلم في العملية الميكانيكية لبحث الظواهر وشرحها بشكل وصفي بارد ولا علاقة له مع الذات في الوقت الذي يتم فيه تهميش فهم المغزى من وراء وجودهكذا ظواهر باستثناء حالات الموهبة التي تلهم العلماء بالقدرة على التسلل إلى أسرار المغزى من وراء هكذا ظواهر،لهذا السبب تجد أن المتخصص الأكاديمي في الرياضيات يفهم معنى التفاعل بين المعادلات المكتوبة لكنه لا يدرك كنه الانعكاس التناغمي لهكذا معادلات رياضية في انسجام عناصر الكون فيما بينها.والفيزيائي الأكاديمي يكتفي بالتفسير الظاهر للظواهرالطبيعية عوض الغوص في مهمة البحث عن العلة والغاية من وراء تكرار سينايوهات تبلور هكذا ظواهر.كما أن المتخصص في تاريخ الفن ودراسة الظواهر الجمالية الإستيتيكية يحكم على الفن كناقد ومتذوق يعجزعن إدراك أهمية الفن و كنهه مثلما يدركه المنخرط الحقيقي في عملية الإبداع الفني الذي يمتلك رؤية فنية مبصرة.وقد أكدت التجربة أن أولئك المتقنين لقواعد الموسيقى والمجتهدين في المعاهد الموسيقية الحديثةغالبا مايبقون خارج سياق عدوى الإبداع الفني الأصيل.إذ يكتفون بتقليد مقطوعات موسيقية عالمية لمجرد تطبيق ومراجعة القواعد الموسيقية التي تحصلوا عليهاباستثناء بعض الحالات الموهوبة النادرة طبعا.ومقابل ذلك تجد بعض من لم يلج مدرسة موسيقية أكاديمية مبدعين موسيقيين أصلاء.والسبب في ذلك أن الانسان عندما يركز على ماهو معرفي في شكل خطوات ميكانيكية محسوبة و إحصاءات محدودة غالبا ما يكبل الشعلة الداخلية لوجدانه فيقمع حريتها لينهمك ميكانيكيا في البحث والتطبيق، فيتضاءل حجم الإلهام الإبداعي ويعمل بذلك على تقزيم تلك الرؤية الجامعة الشاملة لتنحصر في دائرة التقلص الأحادي.إن الإبداع الجمالي فيض إلهامي يمتاز بالمرونة والذكاء في التشكل حسب الظروف بعيدا عن منهج التحجر الذهني الدوغمائي وخطواته متمددة لا نهائية تغوص في آفاق غير محدودة. إن الفاشل في علاقة غرامية غالبا ما ينقلب بشكل تمردي ثوري ضد مفهوم الحب ليسحب بساط المصداقية من تحت أقدامه من منطلق أنه قد شكل له انكسارا في إيقاعه الطبيعي وتسبب له في عقدة لوثت أرشيف ذاكرته بجرثوم النفور من الماضي مع النظر باستخفاف للمخدرين به والمنخرطين في سبات عقلي وهكذا غفلة عاطفية تافهة. كل هذا يجر صاحبنا االفاشل عاطفيا لتعميم حكمه النابع من ذاته طبعا لكنه في قرارة نفسه يتخيل أنه يتعامل مع الأمر بشكل موضوعي علمي وهذا لعمري صدمة تأكل نفسها في صمت لتحول صاحبها إلى مشعوذ يبيع الوهم للناس باسم العلم وفي موقف مضحك مثير للسخرية والشفقة. وخاتمة ما توصل إليه صاحبنا الفاشل غراميا بعد رحلة العذاب، أن الحب كمفهوم غير موجود بشكل مثالي اللهم لمصالح محسوسة عديدة وخفية.وبالتالي تراه أثناء تبليغ رسالته العلمية الموضوعية يرمي الغرام بسهام قدحية و ينعت الحب،،،{ بالقيمة الرومانسية الحالمة في مملكة الشيطان الحبلى بأشواك التفاهة المستفزة للعقل والمنطق مما يجعله مجرد سلاح جميل يقتل وقت الجد والمسؤولية, كما أنه مجرد خرافة أسطورية لا توجد إلا في أدمغة الأطفال وسطور الحكايات الخيالية,وبالتالي يبقى يدور في فلك اللعب وملء الفراغ ومواكبة الموضة ليس إلا...}.وللمفارقة,أنه كان بالأمس القريب من أشد المدافعين عن الحب ومناصريه، وكان يقينه بقيمته متجذرا و إيمانه شديد الارتباط بقوة طاقته الروحية التي لا تقهر.حينما كان من المخلصين للجنس اللطيف يعيش أروع لحظاته الداخلية التي كانت تشحن بطارية متعته قبل فشله بقليل.هناك فرق بين العالم كمتخصص في ميدان معرفي ما له نظرة مجزأة أحادية إلى الأشياء ينزع الحقائق من سياقها التفاعلي العام,وبين المفكر كمثقف وضمير للحق له رؤية موسوعية لأنه يستطيع قراءة الشظايا المعرفية في وحدتها أي أنه يحاول ضمها في بنية عامة وسياق شامل.العلم الأكاديمي محايد وموضوعي ينفر من عملية إشراك الذات/الهوية الثقافية في معادلة البحث العلمي الصعبة،أماالتفكير كشكل تأملي ينطلق من الذات المشحونة بتمثلات ثقافية محددة فهو ينزع نحو قراءة للموضوع خاصة بها يسميها البعض قراءة إيديولوجية وهي لا تعدو كونهامجرد إسقاط لمواقف وجدانية شخصية.لهذا فإننا سنجد حضور العنصر الدوغمائي المتحجر في العلم بوضوح. لأن الطابع الآلي الحتمي والاستجابة السلوكية أمام موضوع البحث هما المسيطران بامتياز،بينما اننا سنجد أن ما يميز عملية التفكير التأملي هو عنصر الإبداع والكفاية المهارية والرؤية الجشطالتية الجامعة في التعامل مع الظاهرة كبؤرة تتضافر فيها شتى العناصر.وشتان ما بين سرد معطيات وصفية حسية ملخصة في معادلات رقمية مطلقة وصامتة وما بين نفحات دافئة ينفثها النسيم الروحي للتفكير الإنساني في شكل سياق جميل لا يرغب الإنسان في مغادرة غرفته الدافئة إن العلم دون ثقافة مسخ لا هوية له.والعالم شاء أم أبى لا بد له من التصريح برؤيته الوجودية إلى الكون، عوض الإكتفاء بفيزياء الكائن عبر وصفه سطحيا من خلال ظاهره فقط.لا مفر للباحث من الإنغماس في ما وراء الخصائص الفيزيائية المحسوسة لذات الكائن وذلك عبر سبر أغواره:كعلة وغاية وجوده،وبالتالي البحث عن السبل الملائمة للسيطرة على هالة المعنى التي تلف هذا الكائن من الداخل ومن الخارج.إن المعرفة العلمية حسب رواد النهج المثالي يدفع بنا إلى غياهب النسيان،نسيان ما اعتدتنا ه وتعلمناه فطريا.إن المائدة مثلا بغض النظر عن إسمها ووظيفتها في حياة الناس،إن العالم المتجرد من ذاته بجهالة ميتافيزيقية والمنخرط في المسلسل الدرامي للموضوعية المفبركة والغرور المعرفي يكتفي بسحب البساط التلقائي لمائدة الناس التي اعتادوا الأكل عليها وقضاء مآرب أخرى عليها لتصبح حسب قاموسه جهازا باردا كونها مجرد صياغة جديدة لخشب الشجرة و ما يهمه فيها هو خصائصها الفيزيائية وتصنيفها في لا ئحة مفاهيمية تختزل المائدة في انها ستصلح لنار التدفئة بمجرد تجريدها من إسمها وبعد تدمير غاية وجودها وحذف كينونتها الراهنة لإعادتها إلى أصلها الخشبي.جميل أن يكون الإنسان محايدا في إصدار حكم قضائي كون الحياد يمثل النزاهة والفضيلة و الحكمة أي قمة العقل.لكن أن تأتي الوقاحة الدوغمائية لتقول لنا بأن المائدة ليست مائدة بهذا الاسم المفبرك لأنه اسم موضوع من طرف الذوات البشرية والتي صاغت معناه في خمسة أحرف ...م...ا...ئ...د...ة..وإنما هي حسب وصفة البلسم العلموي المتعالم كتلة محددة لهاخصائص فيزيائية أو كيميائية أو رياضية.... أو كذا وكذا.و بان اسم /مائدة/ مجرد ابداع بشري واسقاط ثقافي وعرف أنثروبولوجي لا أصل له في الوجود الأصلي.خصوصا إذا كان الأصل في هذا الوجود حسب معتقد أنصاف العلماء المتعالمين هو العلم ذاته . فيدمرالعلم بذلك كل رصيد لغوي بشري يحمل دلالات المعنى ويشطب على كل الميراث الانساني الثقافي لأجل نزعة تدميرية جافة مصابة بالغرور المعرفي والجهالة الميتافيزيقية.وقد تصل به الوقاحة الى حد اختزال كل مفهوم فطري برمجه الله ليقبع في دواخلنا ويكون محركا لسلوكاتنا الخارجية وتلخيصها في مجرد رزمة معادلات محسوبة وتصورعلمي منكمش على نفسه يطل من نافذة التجريب والافتراض بكل صلف وكبرياء،فينتفخ أنف العلم ويظن بأنه الكل في الكل وبأن الحل السحري لمشاكل العالم لا توجد إلا في حوزته.وبالتالي فرؤيته هي الصواب المطلق. يتعالى العلماء المنزوعين من السياق الإنساني بعد تهميش اسم (مائدة) من قاموسهم لا ختزاله بكبرياء وفصله عن كل الرصيد الثقافي الذي يتمحور حول المائدة. وهنا تتبلور الرؤية الأحادية المشؤومة و تستعجل لعنة الفصل والانفصال للتعبير عن نفسها بشكل سلس. وما دام العلماء اللا مفكرون واللامثقفون ينكمشون على أنفسهم لأنهم أصيبوا بداء الغرور المعرفي و الجهالة الميتافيزيقية،فإنهم يعتبرون التصور الثقافي الفكري البشري مجرد لعب وتفاهة. لهذا تراهم يسمون علومهم بصفة العلوم الحقة لأن معطياتها قابلة للقياس والملاحظة وكل ما هو غير قابل للقياس والملاحظة يبقى فيروسا لايستحق الوجود وبالتالي وجب تدميره و إلغاءه ليلقى في سلة القمامة قبل أن يؤثر سلبا على العقل النقي وقبل أن يغسله بحقائق مزيفة ووهمية،حتى و إن تصادف أن عالما نظر إلى ظاهرة ما من وجهة تأملية ذاتية و ثقافية فإنه سيعتبر ذلك مجرد مزحة وترفيه لا يؤخذ بعين الاعتبار،يقيد العلماء المنكمشون على أنفسهم موضوع بحثهم بأغلال الإنغلاق على الذات و الإنكباب على عناصر القياس والملاحظة حتى لا ينفلت الوحش الذاتي من قمقم الاعتباطية وحتى لا تلد غولة العدمية أجنحةالتصور الخيالي وتهرق الأحلام الآدمية مداد الحبر على كتابة الشعر سدى،فيصبح شعار المرحلة التكنوقراطية الموضوعية هو ( الاستعجال الصاروخي في إصدار الأحكام الجزافية). وغالبا ما يعتبر عنصر التأمل داخل موضوع العلم آفة تعيب ذلك العلم او مبررا واهيا يشرعن النقص الحاصل في المنهج المستعمل لأجل بحث ظاهرة ما. و لهذا السبب يعتبرالتأمل لدى العلماء الأكاديميين مجرد حدس اعتباطي و توغل في الوجدان بشكل عشوائي يخلخل بنية المنهج العقلاني , هناك نداء فطري في أعماقنا وهذا قدرنا لا محالة ومعرفة قبلية مسبقة غامضة تلح علينا بإخراجها إلى وجود الترجمة وذلك عبر تفضيل القراءة التأملية للموضوع على حساب تأجيل القراءة الأكاديمية،وهذه القراءة التأملية صالحة لكل زمان ومكان لأنها ليست خاضعة لشروط موسمية أو مصلحية ،بالاضافة إلى أنها تحمل داخل طياتها عناصر المتعة الهادفة اللامشروطة مما يجعلها دائمة الحيوية والجاذبية ،أما القراءة الأكاديمية المتخصصة في موضوع علمي ما فغالبا ما تصب في الرغبة البراجماتية النفعية الآنية من قبيل الحصول على ترقية في السلك الوظيفي أو إكراه للنشر على الصحف أو الرغبة المحمومة في الحصول على جائزة عالمية إن هكذا علم منكمش على ذاته تصطك أسنانه بالعزلة الباردة الاحساس ويتدحرج على سفحه حجر الجفاء الذهني لا يتقن في الواقع سوى تدمير مكتسباتنا الثقافية وانطباعاتنا الحياتية مع جدع أنف كل الآفاق الحلمية تحت مقصلة القابلية للقياس والملاحظة،مع الاستهزاء بكل لغات الروح وإقصائها من معترك الحياة الجادة كالخطاب الديني والفلسفي والموسيقى والشعري والأدبي ...وكل الأساليب التي تدور في فلك الابداع الفني الجميل. كما أن العلم يضرب في الصفر كل المكتسبات التي تحارب داء الروتين الميكانيكي و تسبغ على حياتنا سربال المعنى الذي من أجله وجدنا ونعيش له والذي يحاول العلم تشويه صورته ليتجذر فينا اللامعنى ,فالقمر مثلا لم يعد رمزا للجمال ودالا على ذلك الوجه النوراني الدافئ المليء بعلامات العواطف الانسانية السامية فأصبنا بعشقه بعدما لمسته الأنامل الساحرة للمبدعين الفنيين وأثار فينا حفريات اللاوعي ليصبح وعيا, ولكنه للأسف أصبح مسخا مشوه الخلقة أخرسا أحدبا نتنا بمجرد أن لمسته يد العلم الباردة فتحول إلى جليد تصطك منه أسنان التذوق,ومادمنا أصبحنا خاشعين في محراب العلم فلا مجال ولا وقت للعب في المعقول و للتذوق الروحي الوجداني,إنها حالة طوارئ تستدعي الاستعجال لإصدار الحكم العقلي الأخير على القمر.فحكمت محكمة العلم حضوريا بأن السيد القمر أصبح من الآن فصاعدامجرد كتلة ترابية باردة تنعدم فيها الحياة لتضحى مظلمة لا نور فيها على المختبر الحاسم،تدور في فلك الأرض ضمن المجموعة الشمسية،لاتخرج عن نطاق المجرة كذ وكذا.أما نورها الفضي الذي يلهم الشعراء والعشاق فهو مجرد انعكاس لضوء الشمس ليس إلا،وعليه فإن وظيفتهاالمحددة هو تقوية الحقل المغنطيسي لجاذبية الأرض حتى يحافظ على توازن الأرض بتناغم مع المساحة المائية على سطحه حتى لا تنهرق البحار والمحيطات في الفضاء الخارجي سدى. والعين أيضا بينما كان الناس يعتبرونها فيما مضى نافذة الروح يطل منها على العالم ورمزا للجمال الانساني الملموس وميزة للشخصية برموشها وقزحيتها وبؤبؤ يحمل معاني الآفاق المستقبلية و شاشة تحمل بصمة التميز الانفرادي،بمجرد أن جاء العلم تعبست السماء وتجهمت الحياة وأصبحت الطبيعة في حداد كئيب حينما قهقه بسخرية في وجه كل هذه الادعاءات وصرح بأن كل هذه الانطباعات الجميلة مجرد أوهام مقابل أن العين لا تعدو كونها عضو يصلح للإبصار وهومجردعدسة تصويربيولوجية تخضع لشروط فيزيولوجية و عصبية،أي أنه في نظرالعلم مجرد كتلة لحم وشحم تتفاعل فيما بينه.وهلم دواليك يستمر مسلسل التشويه والتدمير والإلغاء عبر اختزال معاني الحياة في مجرد خصائص فيزيائية /بيولوجية/عصبية/كيميائية/فيزيولوجية/معادلات دقيقة وحسابات ضيقة يتم تمريرها بشكل آلي يرثى له يدعي الكشف عن الحقيقة لكن الواقع يؤكد تخندق العلم في ضوابط نفعية قحة عبر استعمال حجة إخضاع كل شيء للقياس والملاحظة،سيلاحظ الانسان في بعض الأحيان أن بعض أشباه العلماء المنكمشين على صنم التسطح الذهني لا يرضون إقحام السيكولوجيا /علم النفس في زمرة العلوم لأنها تعالج موضوعا هلاميا غيبيا حقيقته غائبة عن الحواس.حتى وإن اعترف بعضهم بالمصداقية العلمية لعلم النفس فإنه يكون مكرها ويعترف عن مضض بسبب الغرور المعرفي والكبرياء المصطنع والجهالة الميتافيزيقية التي يعاني منها دون أن يشعر. نفس الأمر سنجده لدى العلمانيين الإستئصاليين لدور الدين في تنظيم الشأن الخاص والعام للمجتمع.إن الادمان على إخضاع كل شيء للتجربة الحسية والقياس يبرمج العقل على سحب رصيده من الميتافيزيقا المشكل من الايمان و الخيال والحدس والروح والحلم و الوجدان و الحب والتذوق الجمالي وكل الأشياء المجردة الغائبة عن النظر.و الغريب في الأمر.علما أن هذا الرصيد الميتافيزيقي فلتة زمنية هاربة من قمقم الزمن نفسه ولا تخضع لضوابط الفيزياء وتتحدى كل الأعراف البشرية المعروفة وتخترق جدران الأبعاد الكونية المعترف بها علميا,ويحتاج إليها الانسان غذاءا روحيا أكثر مما يحتاج إلى معرفة فيزيائية تشبع الحاجة الحسية للمعرفة فقط.و إذا كان البعض يعيب على التفكير المثالي فإن صفة(المثالي)هي المطلوبة رقم واحد من بين الصفات السائدة رغم الانتصارات الخارقة للمعرفة العلمية بعد تشويهها لصور كينونة الأشياء و تحقيقها منافع مؤقتة سرعان ما يزول بريقها، فإن شعار الفشل والعجز هو الذي يدوي بأصداءه في فضاء العرس الرمزي بين السيد (غرور معرفي) والآنسة (جهالة ميتافيزيقية) ليلدا رضيعا اسمه (نكران الحقيقة الغيبية) أو تهميش الدين ليمكث على رفوف المتاحف الفولكلورية كي يخرج عن سياق السائد الموروث ويطوي مسافات التحدي الكوني معولا على مثقاب نظرته العلمية يثقب بها جدار الغموض ليطل عبره على موكب الوضوح الوهمي الراضخ لإملاءات الخداع العقلي والسطحية البصرية بل الخاضع للاسف لإملاءات خارجية وهنا يحز في النفس ذلك الكم الهائل من التحسر على جهل أبناء الوطن المتبجحين بعلمانية غيرهم وعدم اطلاعهم على حقيقة التاريخ الإمبريالي المعادي للدين الإسلامي على مر العصور.لقد أصيب الغرور المعرفي بأزمة في جوهره حينما قرر الاقتران بالجهالة الميتافيزيقية والعمل خارج سياق الحقيقة الغيبية فقطع صلته العاطفية بالرؤية الموسوعية.مما أزاح عنه رداء الهيبة المدعومة بنسق متكامل الأطراف يضع العلم في صورة الحق الذي لا يتزعزع واليقين الذي يثلج الصدر ولا يقض مضجع الغد بأشواك القلق النفسي والارتباك الذهني,حتى يتسنى لكينونة الانسان السيطرة الكاملة على معنى الوجود بسكينة وطمأنينة دائمتين.وحتى تغزو فلول النظرة الشاملة أصقاع التقلص المتناثر للنظرة المجزأة المنكمشة على تخصصها الكئيب. لقد أضر العلم بحداثته المبالغ فيها بمنحاه المثالي في استكناه لب الحقيقة وقدرة وصوله إلى كبد الكنه الذي من أجله جاء إلى هذا الوجود وفق برنامج غائي هادف وواعي . واكتفى بتعميق الأزمة بين الدال والمدلول وشرح العلاقة السببية فقط. فطمست هوية معنى الوجود باسم النفعية الأداتية فزاد طين الغموض بلة في الوقت الذي يتبجح فيه بالتماس الوضوح والشفافية. وختاما لايمكن أن تكون مائدة/قمر/عين الناس البسطاء أقل قيمة وموضوعيةعلمية من مائدة/قمر/عين بعض العلماءالأجلاء المنكمشين على ذواتهم سامحهم الله والذين يطلون بكبرياء وعجرفة من أعلى أبراجهم العاجية ويتجرأون بكل وقاحة غير مباشرة:{غرور معرفي + جهالة ميتافيزيقي} بالاستهزاء بالرأسمال الروحي لجماهير البسطاء حينما ينكرون كنه الوجود وعالم الغيب الذي يتعلق به الأغلبية تعلق الغريق اليائس بقشة الأمل والخلاص لتصفية الحساب الأخير مع الطاقم المتزعم لحركة الفساد والظلم. وهنا غالبا مانجد السواد الأعظم من البسطاء غالبا مايديرون ظهرهم إلى النخبة المغرورة والجاهلة بأمر دينها.