تقرير رسمي يرصد تطور أسعار الاستهلاك في مدن شمال المغرب خلال أكتوبر 2024    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    تقرير إخباري: العدالة الدولية تلاحق "أصدقاء الغرب" وتكسر حصانة الكيان الصهيوني    أشرف حكيمي يجدد عقده مع باريس سان جرمان حتى 2029    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    انطلاق عملية "رعاية 2024-2025" لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد    بتعليمات سامية من جلالة الملك ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    بعد الإكوادور، بنما تدق مسمارا آخر في نعش الأطروحة الانفصالية بأميركا اللاتينية    ولد الرشيد: رهان المساواة يستوجب اعتماد مقاربة متجددة ضامنة لالتقائية الأبعاد التنموية والحقوقية والسياسية    مواجهات نارية.. نتائج قرعة ربع نهائي دوري الأمم الأوروبية    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    المنتخب الليبي ينسحب من نهائيات "شان 2025"    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    مجلس المنافسة يغرم شركة الأدوية الأمريكية "فياتريس"    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    التنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب تدعو الزملاء الصحافيين المهنيين والمنتسبين للتوجه إلى ملعب "العربي الزاولي" لأداء واجبهم المهني    تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم "داعش" بالساحل في إطار العمليات الأمنية المشتركة بين الأجهزة المغربية والاسبانية (المكتب المركزي للأبحاث القضائية)    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو        تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    أسباب الفيتو الأمريكي ضد مشروع قرار وقف الحرب!    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    أداء سلبي في تداولات بورصة البيضاء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    دفاع الناصري يثير تساؤلات بشأن مصداقية رواية "اسكوبار" عن حفل زفافه مع الفنانة لطيفة رأفت    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    زنيبر يبرز الجهود التي تبذلها الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان لإصلاح النظام الأساسي للمجلس    وهبي: مهنة المحاماة تواجهها الكثير من التحديات    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فصل الفن عن الدين بين المقاربة العلموية والمقاربة التنطعية
نشر في ناظور سيتي يوم 16 - 01 - 2011


بين الرؤية الضيقة والرؤية الموسوعية
حكيم السكاكي:
ان الرؤية الفصامية التجزيئية تعمل على تفتيت بنبة الفكر و تشتيت وحدته.لمطاردة الرؤية الموسوعية العاقلة والضابطة لكل الزوايا الداعمة للحقيقة في صورتها الكاملة الجامعة المانعة.وان الرؤية الدينية ليست كما يظن بعض العلمويين أنها حارسة لهيكل المعبد القديم لأنها تعطي الأولوية للموتى بالتحكم في مصير الأحياء. كما أنها تدغدغ عواطف الغوغاء الشعبوية .أو أنها حسب زعمهم مجرد امتداد و دعم للنظرة البدائية التخلفية المضادة لكل مظهر من مظاهر الحضارة والتقدم الانسانيين.بل ان الرؤية الدينية هي أيضا رؤية كونية حيوية فعالة .كما أن بعض مقدسي العلم والمحتكرين للحقيقة و المغرورين بهذا الامتياز يعتقدون وهما بأنهم يمتلكون المفاتيح السحرية القادرة على العثور على الحقيقة المطلقة بين تضاريس الغموض.وبعيدا عن عالم الغيب الذي يشعر العلمويون أمامه بدوار مرعب وبتهديد درامي لمعنى وجودهم.الآيل للاختفاء في كل لحظة..
و ان من أضرار منهج التخصص المعرفي تشتيت وحدة الشخصية الانسانبة خصوصا عندما يتم اهمال الجانب الوجداني الروحي.اذ انه عندما يتم تجزيئ هذ الادراك المعرفي الى شظايا موزعة هنا وهناك .تصبح من خلاله القدرة على تحليل الأمور بشكل معقول شبه مشلولة .وبالتالي تصيرمنهجية تحليل أمور الحياة عرجاء عوراء وجد خرافية.فلا تجد من أصحاب هذه النظرة الأحادية الجانب من ينطق بالحكمة فينظر الى كأس الحياة في شموليته بل ستجد للأسف من ينظر الى نصفه الفارغ فقط .ومن ينظر الى النصف الملئ منه.وهلم جرا.وهذه السلبية تعود الى تقمص تلك المنهجية الفصامية التي تساهم في تشظية الفهم الشامل لهذه الكأس.ولا يمكن لأحدهم ضبط المعنى داخل هذه الكأس بشكل كامل شامل جامع مانع الا من كان ذكيا و مسلحا بعناصر الحكمة الموسوعية الضرورية لكل من يريد فعلا اتقان مهنة التفكير كأسمى مهنة في العالم.مع استخدام العقل عوض الخرافة في شتى القضايا التي تلامس حياتنا اليومية وعلاقتها مع العالم الغيبي المشرئب عنقه نحو آفاق العالم الآخر والحياة ما بعد الموت.وهذه الرؤية الأحادية قد تجدها عند أشخاص علمويين يرفضون الدين ويستهزئون به.لأنهم يدعون أن العلم يمتلك الحقيقة المطلقة والحلول الشاملة لمشاكل العالم.علما أن الواقع بمستجداته وتحدياته برهن غير ما مرة عن عجز العلم لانقاذ البشرية.كما يمكن أن تجد نفس الرؤية القاصرة عند المسلمين المتشددين الذين فهموا مقاصد الدين بشكل سطحي واحتقروا العقل البشري .و هذا التنطع الشاذ يشبه الى حد ما تطرف النظرة العلموية في تقديس العلم والعقل على حساب احتقار الدين.اذ أن المنهجية والمنطلق والأرضية مختلفة .لكن لعنة اللاتماسك في النسق المنطقي للعقل تظللهم بظلالها الكئيبة. والهدف واحد هو فصل الفن عن الدين
ضرورة التسلح بالحكمة للتخلص من كابوس الفصام المشؤوم
ان اصرارنا على التسلح بالحكمة للنبش عن سر اضطراب منطق بعض العقول التي تضرب أخماس بأسداس .وتخلط الحابل بالنابل.هو من الأولويات لفهم أسرار تلك المحاولة الرامية الى فصل الفن عن الدين واعلان طلاق قسري بينهما زورا و بهتانا.ان الحكمة تزودنا بتلك القدرة العجيبة على تمييز الغث عن السمين في نازلة التفريق بين الحق والباطل.وفي حوار الصم والطرشان حيث يغيب ميزان الحكمة و يحضر التحجر السطحي.من الصعب بمكان اصدار حكم صائب و بالتالي يتدخل الاكراه والجور في اعلان طلاق ما جمع الله بينهما . علما أن المصلحة العامة للدين والدنيا تصب في توحيدهما عوض تشتيتهما على شكل جزيرتين يتيمتين منفصلتين .وسفك دماء كبش الرؤية الموسوعية الحبلى بعناصر الحكمة على مذبح الرؤية الضيقة المتقزمة.
ان نبي الاسلام العظيم نصحنا بالبحث عن الحكمة. محمد صلى الله عليه و سلم .انه أفضل المعادن الآدمية التي اختارها الله لحمل رسالته في هذا الكون و انقاذ العالم من عبثيته التي يمارسها أصحاب التزمت في تحربم زينة الله التي أخرجها لعباده كي يستمتعوا بها دون أي عقدة ذنب.كما يمارس العلمويون هذه العبثية أيضا عبر عبادتهم للعقل وجعل العلم صنما لاقصاء الدين عن ميدانه في بلورة حلول لترسيخ قيم السلام والعدل والخير والجمال. وفي صدد الحكمة يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز (ان الله يؤتي الحكمة من يشاء . ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) صدق الله العظيم
اذن فغاية المؤمن هوقطف الحكمة حتى من شجرة غبر المسلمين.وذلك لأجل التعامل مع الأمور بالحكمة التي لا تجافي العقل والمنطق.وهي حسب شتى التعريفات فهم عميق وادراك لعمق الأشياء والناس والأحداث و الوضعيات.و هي قادرة على تزويد صاحبها بحلول عاجلة وناجعة.وروعة العملية الديناميكية الكامنة في التعامل بالحكمة على شكل خطوات مؤجرأة تؤتي ثمارها المتوقعة بشكل سلس وتلقائي ،تكمن في أنها تتمتع بتلك القدرة العجيبة على التحرك بفعالية لابداع أقصى الحلول الممكنة في مدة زمنية قصيرة وبواسطة أقل درجة من الطاقة.و ذلك عبر استحضار كل المكتسبات المعرفية بشكل حدسي سريع لمعالجة حالة طارئة.عبر تقمص الذات لأسمى حالات الالهام المعرفي و الوجداني والحركي.هذا الثالوث الضروري هو المكون الأساسي للشخصية الكاملة القوية الواعية والمزودة بعناصرالحكمة .ان التسلح بالحكمة مفيدجدا في حالة الاستنفاروهي تدفع المتطوع الحكيم لانقاذ ما يمكن انقاذه في اللحظة الأخيرة...واعادة مياه الزائغين عن الحقيقة الى مجاريها قبل ان يغرقوا فيها بأنفسهم على غفلة
وهذا ما يسمى في علم البيداغوجيا والتربية بالكفاية أو الكفاءة .وهي تزود صاحبها بذلك المنطق المرهف والبداهة العالية الحساسية القادرة على اتخاذ القرار لاصدار الحكم انطلاقا من رؤية وا ضحة لا غموض فيها ولا تردد.وهي بعيدة كل البعد عن الانجراف الاعتباطي للسيول الانفعالية والعاطفية العمياء.ان الحكمة ممزوجة بالكفاية هي أفضل طريقةلاستعمال المعرفة العقلية ضدا على الخرافة لدحضها.و احسن منهجية لفهم مقاصد النصوص كيفما كان نوعها.وهي عكس الرؤية الغبية والسطحية المنكمشة على نفسها في الفهم..ان الله يعلو ولا يعلى عليه ..لكن العقل قد يتدهور في لحظة جنون وبالتالي فانه يبقى رغم فعاليته قاصرا على استيعاب كل الأموربمنظار يقبله العقلاء من بني البشر
تشريح جوهر الفن بعلاقته بالدين
ان هناك شبها كبيرا وقواسما مشتركة بين العلمويين اللادينيين بخصوص رغبتهم من التخلص من الرقابة الدينية للابداع الفني وبين المسلمين المتشددين المحرمين بشكل مطلق للفن الموسيقي والغنائي بالخصوص.وكلا الفريقان يريدان لاشعوريا أو بشكل واعي مقصود محاصرة الدين في دائرة ضيقة لا تتجاوز جدران المسجد وعالم الغيب حيث الآخرة برعبها تضع قفل الاسكا ت والصمت على فم الحياة الدنيا كون مقامها الزائل لا يليق سوى بأصحاب الأهواء وأنصار ابليس.أما أهل التقوى الورعون الخاشعون في ايمانهم فانهم قد ردوا بظهور اللمبالاة اليها.فصاموا عنها .وهناك من طلق للأبد لهذه الحياة الدنيا لأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة...وهذا خطأ فادح السبب في هذا الفهم الخطا هو النظر بعين واحدة وتجزيء حقيقة الاسلام بوقاحة انتقائية.وحصول اضطراب في النسق المنطقي لهؤلاء مع غياب كامل لمستوى الحكمة التي ألح الرسول عليه السلام في الأخذ بأسبابها كي لانضل طريق الحق فنسقط في المحظور....وما يثير شفقتي وضحكي بشكل حامض جدا هو أن كلا الفريقين العلموي والتنطعي يتوهمون
أنهم أذكى الناس الذين أخترقوا جدار فهم المستحيل.وبالتالي اغترارهم الصبياني العنيد بأنهم امتلكوا مفاتيح الحقيقة .لكنهم للأسف يمثلون أقلية ضئيلة جدا بالمقارنة مع السواد الأعظم.والسبب في شذوذهم الاستثنائي هذا هو الوهم المعرفي الذي أصابهم فجأة بسبب اصابتهم بعدوى التفكير السطحي
بالتالي جعلهم واثقون من امتلاكهم أدوات التحليل الخارق للتبجح بحقائق مطلقة في نظرهم لكنها في الواقع حالات شاذة لا يقاس عليها و تضرب في صميم الفطرة التي جبلت عليها الأغلبية العظمى من الناس.اذن فهل هذه القلة تمتلك الصلاحية والمصداقية الكاملة لتزييف حقائق لا تحتاج الى اجتهاد لاثباتها وانما تحتاج فقط الى استفتاء قلبي أوالى حدس وجداني بسيط كي نعرف الخطا من الصواب دون الدخول في متاهة التعقيدات.وفي هذا الصدد .سادرج مثالا شعبيا بخصوص الكيفية التي يعرف بواسطتها الحيوان الأعجم الفرق بين الحرام والحلال أو بين الخطا و الصواب. وعلى سبيل المثال لنفرص جدلا أن قطا سلمت له قطعة لحم بارادتك .حتما سيأكلها قربك عن طيب خاطر و بدون أي خوف أو عقدة ذنب.أما اذا تعمد هذا القط الى سرقة هذ ه القطعة منك في غيابك أو حضورك.حتما سيهرب.لأنه يعرف دون سابق معرفة و تعلم أنه ارتكب خطأ و لا داعي لأن يفهم أي نص قرآني يحرم السرقة ويجعلها في قائمة الجرائم المدانة و الأخطاء السلوكية التي يجب تصحيحها.ان الله برمج هذا القط و زرع فيه بعضا من الادراك الفطري .ونجدهذا المعنى في القرآن(..قدر فهدى..).وهذا مايسمى بالميزان الفطري الذي ينطبق مع حديث نبوي يأمرنا فيه الرسول الكريم باستفتاء قلوبنا قبل أن نطلب الفتوى من المفتي الفقيه .وهذا الميزان الفطري للتفريق بين الخطا والصواب حسب هذا المثال الشعبي يمتلكه الحيوان الأعجم فما بالك بالانسان الذي كرمه الله بنعمة العقل والتفكر والقدرة على التساؤل والنقد في حالة ما اذا انزلق هذا العقل على حافة التخريف المغلوط وتمجيد الخرافة على حساب تزييف عقيدة الصواب الصحيح
ان أية محاولة لاصدار معايير مطلقة فجة لعزل الفن بعناصره ومشتقاته الجمالية عن الاطار الديني الذي يحتضنها ويحميها من الانزلاق على سفح العبثية والرذيلة تبقى محاولة فاشلة أصلا وعقيمة والبطلان مآلها الحتمي.لأنها محاولة فصامية مشؤومة تعمل على تجزيئ الحقيقة كبنية لا تقبل التشرذم حتى لا تصاب الرؤية الموسوعية الحكيمة بدوار الانسحاب وسقوط صاحب المحاولة الفاشلة في موقف كاريكاتوري يثيرللضحك والشفقة.. لأن عنصر الغباء السطحي هو الممثل الذي يلعب دور البطولة
في المشهد الدرامي الذي يريد تكريس الفرقة والانفصال في الوقت الذي يقوم فيه الفكرالكوني على توحيد المجهودات لترميم ما أفسدته أيادي الطغيان والفساد في جسم الحضارة الانسانية. يقوم أصحاب الرؤية التجزيئية الفصامية.باسم تحديد الوظائف وباسم توسيد الأمور لأهل التخصص.وأيضا باسم ..ما لقيصر لقيصر ..و ما لله لله. بضرب الرؤية الشاملة الجامعة المانعة في الصفر.لكن المهم في كل هذا هو مقاومة التشرذم الرؤيوي بواسطة التسلح بالحكمة الموسوعية لتي تتعالى عن التخصص وتتسامى الى أعلى قمة ممكنة لالتقاط صورة بانورامية ممكنة واصدار الحكم المناسب والحل الفعال للتوصل في آخر المطاف الى اقتناص المصلحة العامة للمجتمع
فعلا، إن الفن ينطلق من الذات لكن عصافيره تبقى ترفرف في سماء العالم الروحاني وتحوم حول قطب القيم الأخلاقية المحترمة لدعم عملية بناء مجتمع سليم معافى من طفيليات التلوث.و هذا كله لا يؤطره سوى اطار الدين الذي يضبط فرامل الفن في اندفاعات مبدعيه المتهورين كي لا يتجاوز حدوده لإزعاج حريات الآخرين عبر النبش في عمق أزبال الفساد لنشر نفايات فضائحه
المنتنة عوض معالجتها وحذف ما يستعصي على العلاج .الشيء الذي يثير أعصاب المتذوق ويستفز الوجدان الباحث عن جمالية
الابداع الفني الحقيقي .على الرغم من أن الأغلبية تدرج الفن في قائمة اللهو الترفيهي كشيء تكميلي ثانوي والبعض الآخر يختزل معناه في لعب الأطفال .بالتالي من الصعب بمكان اقناع العقول الصغيرة الضيقة الأفق والمضطربة في نسقها المنطقي بأنه رغم تشابهه مع اللعب فانه يحمل في طياته عناصر الجد والمسؤولية،ويبقى رهين خدمة المصلحة العامة للمجتمع اذا نحن لاءمنا موهبتنا مع حاجيات الواقع وشحذ الارادة القوية الى ترجمة أقوال وأشكال وأصوات ,وألوان الفن الهادف الى تجارب وسلوكات عملية
ان الابداع الاباحي مثلا ليس ابداعا فنيا من وجهة نظر تقييم الفن كوسيلة للتعبير عن ما هو جميل و مخاطبة الوجدان..وهذا النفي ليس منطلقه لأنه تجاوز حدود الحرية المسموح بها ، أو لأنه يتصادم مع قيم الحياء والحشمة.ولكن مثل هذا الفن الفاسد
رخيص و مجاني لأنه بكل بساطة يتسول النجاح مهما كلف الأمر من تضحيات بقيم المجتمع النبيلة عبر فرض نفسه على الناس قسرا وبشكل وضيع جدا لا يرقى لأن يسجله الناس في ذاكرتهم بعد الانتهاء منه مباشرة.انه يعمل على دغدغة الغرائز الحيوانية
في الانسان المتلقي بدلا من عواطفه الوجدانية لايقاف عملية تنمية الذوق الجمالي السليم الذي يوجه الا نسان في اختيار مواقفه
الجيدة واتخاذ قرارته الصائبة طوال مشوار حياته .
إن الدين هو الأصل في كل الحالات.اذا نحن تحدثنا عن الحياة كنزهة قصيرة ختامها موت أكيد.واذا نحن تحدثنا عن الانسان
كمسافر وعابر سبيل لا يذكره الناس ولا يسجله التاريخ في قرطاسه بحروف من ذهب الا بما قدمه من مساهمات جيدة وصالحة
في سبيل الانسانية وحضارتها.واذا نحن تحدثنا عن الفن كبذرة اشعاعية نشأت وترعرعت في رحم الدين، مما أسبغ عليه طابعا روحيا يغذي الوجدان البشري بالدرجة الأولى.ان الأميين يعتبرون الفن لعب أطفال و مضيعة للوقت الثمين الذي يجب تضييعه في جمع المال وأكل الخبز و ممارسة النكاح و الاستغراق في النوم تماما مثلما تفعله العجماوات من الكائنات.أما أصحاب العقيدة المادية اللادينية وأصحاب فلسفة الجسد والقوة، فانهم يعتبرون الفن ومشتقاته عبثا و ضعفا مدللا وأضغاث أحلام مريضة مميعةلأنه وليد الروح. هذا العالم الغيبي الميتافيزيقي الذي يستعصي على اصحاب الرؤية الضحلة ادراكه و فهم أهدافه الجليلة لأنه تجاوز توقعات الرؤية المادية واخترق قوانين الفيزياء المتداولة .والتاريخ يخبرنا كيف قام الشيوعيون والنازيون في احدى حقب التاريخ الحديث بمحاربة الفن والفنانين ومصادرة حق الابداع الفني.زد على ذلك احراق الكتب الأدبية.مع قمع الأصوات الحرة والموسوعية المعارضة للعنة الرؤية الأحادية ودفن هذه الأصوات حية تحت تراب النسيان حتى يتم اجهاض عملية تنمية الوجدان وتغذية الروحالانسانية.وبالقضاء على الروح والتشطيب عليها، ستتحقق نبوءتهم الوهمية فيتمكنون بعد ذلك من صبغ جوهر الانسان بلون المادة القاتم الكئيب الى الأبد وازدهار النزعات الحيوانية الفاسدة داخله الى الحد الذي يفقد فيه الناس توازنهم كبشر متراوحين بين ثنائيات من قبيل المادية والمثالية..الجسد والروح..الدنيا والآخرة...الحياة والموت..العقل والعاطفة... ولكن هذه النظرة العلموية المتبجحة تصطاد في بركة السراب و هيهات هيهات لها أن تحذف الأصل وتشطب على الروح و تبقي على الفرع لأن الغصن لن يستمر في الوجود اذا انت تعمدت قطع جذور الشجرة.ولأن مثل هكذا ادعاء الرامي الى طوي صفحة الروح عبر تهميش الدين، يبقى مجرد هذيان مجنون يرنو الى النفخ في رماد الغباء لاثارة زوبعة المستحيل الأحمق
تتجلى أهمية تواجد الدين كشيخ حكيم ناضج ينصح الفن كمراهق متهور صاعد في انه يمارس عليه سلطة إرشاده ونصحه وتوجيهه عبر كبح عنجهيته و التقليص من حدة غروره الصبياني خصوصا بعض الفنانين النرجسيين المعدومي الثقافة.والميالين بفضولهم العدواني نحو ايذاء الآخرين بواسطة القذف في كرامتهم الشخصية .وفبركة نسيج من السخرية المتكلفة للإنتقام الرمزي من شريحة اجتماعية معينة .وبالتالي فإن الدين بحكمته المتزنة يلعب دور المكابح لدى سيارة تعبيرية فقدت فراملها
فجأة لأنها تدحرجت على سفح الحرية الإبداعية بشكل غبي لا يرى أبعد من أنفه .إذن فالفنان المبدع العلموي يرفض أن يقف الدين كرقيب في مسيرته البداعية تماما مثلما يرفض السائق الصعلوك أن يعترض له شرطي في الطريق لتغريمه على مخالفاته الخطيرة
والتسبب في هلاك أرواح بريئة.و ليس هناك عاقل بيننا يقبل هذا السلوك الهمجي الصادر عن هذا السائق الصعلوك الذي يهدد فلذات
أكبادنا من حين لآخر.و يريد أن يطوي صفحة الرقابة ليستمتع بنزواته الرعناء عبر تجاوز مستوى المنطق وطابعه الانساني ليصير بعد ذلك حيوانا منفلتا من قبضة القانون البشري.ويطأ الرقابة الدينية متجاهلا أن الله لم يخلقه في هذا الكون ليمارس حرية المجانين
ويفعل ما يحلو له وبالطريقة التي ترضي تهوره الشيطاني.
إن الدين ليس كما يزعم بعض من لم يطلع على محتواه أصلا من العلمويين القائلين بأنه يصبو الى تنميط الحياة وافراغ جل سيناريوهاتها في بوتقة تعزف سيمفونية واحدة وحيدة .وليس لأحد الحق في أن يغني خارج الاطار اللحني لهذه السمفونية.كما أنه ليس لأحد الحق في أن يحلق خارج سرب املاءات الدين وتوصياته...يقول الله تعالى في احدى الآيات ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة)..ولكن الله لم يشأ ذلك كما أرادت العولمة فعله من اقصاء للتنوع الثقافي واستنساخ للكائنات الحية قصد التحكم والسيطرة عليها.وبسبب احترام الاسلام كدين سماوي يتمتع بالمصداقية وعدم تعرضه للتزييف،لخصوصيات الأجناس المختلفة و هوياتهم المتفاوتة سواء في الانتماء أو اللغة أوالابداع أو الاختيار الذوقي الجمالي لممارسة مجموعة من الهوايات.كما أنه لا يكره أحدا ضدا على ارادته الحرة.وتاريخ تسامحه مع الشعوب خير دليل على ذلك وباعتراف غير المسلمين أنه كان أرحم وأعقل دين عرفته البشرية عبر التاريخ.و بالتالي فان الدين الاسلامي لا يسعى أبدا الى تنميط الحياة كما قال أحمد عصيد في احدى مقالاته المدرجة على إحدى المواقع .كما أن الدين بمرونته لا يسعى أبدا الى الباس كل الناس لباس الورع والتقوى المطلق أو الى افراغ كل الناس في وعاء ملائكي مطلق.سأدرج في هذا الصدد الفكرة العامة لحديث نبوي باختصار بحيث يفترض النبي(ص) لو أن الناس قرروا الالتحاق بموكب الخير المطلق والتقوى الخالص واعلان نفير التحدي العملاق ضد الشيطان.وتساموا كلهم بكل ثقة الى مستوى الخير المطلق والطهر الملائكي الخالص وطلقوا بالمرة الى كل ما يمت بصلة الى عصيان الإله.فبلغوا بذلك الدرجة القياسية في النقاء وأصبحوا كلهم نماذج خارقة في المثالية الأخلاقية.لعجل الله بهلاكهم ولألغى وجودهم .ولخلق مكانهم بديلا لهم لكنه أكثر بشرية منهم . وذلك عبر خلق أناس يحملون صبغيات الضعف البشري الميال الى الخطأ والعصيان كي ينغمسوا في حمأة الحياة الدنيا ويتعثروا من جديد في سلوكات قبيحة ليراجعوا إثرها أنفسهم ويعترفوا بعجزهم في الانتصارعلى الطبيعة التي خلقها الله .فيتوجهون الى خالقهم بطلب الغفران و التوبة.
ولوضع تاج الاختصار على عرش الخاتمة،أود أن اقول ان ما يؤكده الدين انطلاقا من ما ذكرناه أعلاه.أنه لسنا ملزمين بالضرورة للا كتفاء بالانتماء الى العالم الروحي الأخروي الملائكي فحسب .و إنما كي يؤكد المسلمون أنهم حقا بشر و ليسوا
ملائكة عليهم الانخراط الفعلي في العالم الدنيوي بما فيه من ثنائيات متشابكة فيما بينها= هزل وجد - لهو وتجارة - مزاح ومسؤولية - ضحك وبكاء - مرونة وصرامة – غناء وقرآن – حزن وفرح - عقل ووجدان.وعبر الحفاظ على التوازن بينها سيساهم المرء في تزويد الحضارة الانسانية بما هو مفيد و ايجابي..ومجمل القول ان الدين و بعيدا عن اختزال معناه في مجرد اسقاطات على نماذج بشرية قاصرة، يمتاز بمرونته المعهودة.وبرفقة وليده الفن الذي يوجهه خلال رحلة الصراع الدرامي مع امبراطورية الشر المختبئة خلف كواليس الابداع والمبدعين الفاسدين ،يعلن مساندته المطلقة لكل من يصبو الى تحرير البشر من سجن المادة التي تجعلهم
جشعين بشكل خيالي.وتحريره أيضا من وطأة الضلال وعبادة الذات في اقتفاء خطوات الرغبات الشريرة،و ضرب القيم السامية عرض الحائط باسم حرية الابداع التطفلية و باسم ترسيخ الحريات الفردية المتهورة وباسم حقوق الانسان كحبر على ورق وباسم الديموقراطية المطبوخة في قدر المغالطات..والفن إذا كان فعلا تمرديا و ذو طابع ثوري و مناوئا للسائد و ينشد التغيير فان الفضل
يعود الى تأثره بخصائص الدين الصحيح في ينبوعه الصافي.ومن شابه أباه فما ظلم.لكن للأب سلطة توجيه ابنه وتربيته.والحق في تزويده بطاقة تصحيحية تحفيزية معقلنة تستهدف بتمردها الثوري كل مظاهر الفساد التي تنخر عظام الانسانية في شتى المجالات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.