سانت لوسيا تشيد بالتوافق الدولي المتزايد لفائدة الصحراء المغربية بقيادة جلالة الملك (وزير الشؤون الخارجية)    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    بعد إضراب دام لأسبوع.. المحامون يلتقون وهبي غدا السبت    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    زياش: عندما لا يتعلق الأمر بالأطفال يفرون    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    نهاية أزمة طلبة الطب والصيدلة: اتفاق شامل يلبي مطالب الطلبة ويعيدهم إلى الدراسة    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر    وسيط المملكة يعلن عن نجاح تسوية طلبة الطب ويدعو لمواصلة الحوار الهادئ    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    غياب زياش عن لائحة المنتخب الوطني تثير فضول الجمهور المغربي من جديد    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب والمعضلة التربوية: ملاحظات وتساؤلات.
نشر في هسبريس يوم 09 - 03 - 2013


تمهيد:
هل المدرسة المغربية تعلم أبناءنا التعلمات الأساسية؟ هل مستوى ما تعلمه لهم يؤهلهم لخوض غمار مجتمع المعرفة واقتصادياتها؟ وهل وقع تطور في الخدمات التعليمة و التربوية التي تقدم لأبناء الشعب المغربي؟ وهل ما تنفقه الدولة ومعها الشعب المغربي يوازي مستوى المخرجات التي ينتظرها الشعب؟ وما هي الإجراءات التي قامت بها الوزارة الوصية على القطاع، في ظل حكومة التغيير؟
لعل إعادة طرح أو تكرار هذه الأسئلة، إنما ينبع من طبيعة المرحلة التي دخلها المغرب مع حكومة التغيير، التي يقودها السيد عبد الاله بن كيران، والتي جاءت في سياق سيوسياسي جد متموج، وأيضا مثقل بالتركات التي خلفتها السنوات الماضية، ومن بين هذه التركات، الملف التعليمي، الذي يعلم الجميع حجم التحديات التي تواجهه، والتي يمكن القول، أنها تشكل معضلة المعضلات، و رغم الجهود التي بذلت في السنوات الأخيرة، لا زالت وضعية هذا القطاع جد حرجة، بدليل التقارير الدولية والوطنية والدراسات والأبحاث التي تصدر بين الفينة والأخرى، والتي تؤكد كلها أو لنقل جلها على تأخر المنظومة التربوية ببلادنا.
من الناحية المنهجية لا يمكن لتقييم موضوعي للمنظومة، إلا أن يستحضر الأهداف المعلنة والبرامج المسطرة والاستراتيجيات التي انطلقلت منها الوزارة الوصية أو الأطراف المتدخلة في الموضوع، وينظر في مستوى تحقيق تلك الأهداف وما تم منها وما لا يتم ويتساءل عن الإختلالات وعن المعيقات، وهذا ما يمثل جزءا من عمل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بشكل أولي ومعه كل المتخلين من وزارة وصية وقطاعات حكومية وهيئات بحثية ومدنية وفاعلين.
إلا أنه بالموازاة مع هذا العمل المنهجي الذي لا شك أنه سيساعدنا جميعا كفاعلين وكمدبرين للقطاع وكحكومة وكشعب مغربي، على فهم ما أنجز وما لم يتم إنجازه، وأيضا الوقوف عند أهم الأعطاب خصوصا منها المزمنة والمستعصية على التدخلات السابقة، قلت بالموازاة مع هذه العمل، فإن فحص مضامين بعض النتائج التي أسفرت عنها دراسات دولية أخيرة، يشكل مجالا لفتح نقاش عمومي ومفتوح مع كافة الرأي العام المغربي.
في هذه السياق، نحاول أن نقترب من بعض النتائج التي أسفرت عنها الجمعية الدولية للتقويم والتحصيل الدولي « IEA » ، الخاص بمؤشر القراءة « PIRLS » ،والمؤشر الخاص بالعلوم (الرياضيات والنشاط العلمي والفيزياء وعلوم الحياة والأرض)« TIMSS »، وهذان المؤشران يهمان المستويين الدراسين: الرابع إبتدائي والثامن إعدادي. وللاشارة فإن المغرب انخرط في هذا التقويم الذي تسهر عليه هذه الجمعية الأمريكية الدولية وبمساهمة مجموعة من مراكز الأبحاث في أوربا، منذ 1999، وقد سبق أن ظهرت نتائج هذا الرائز الدولي في سنة 2001 الخاص بالعلوم والتي تهم المغرب، وبعد ذلك كانت النتائج الخاصة بسنة 2007 والتي شملت كل من المؤشرين : القراءة، والعلوم معا، وفي سنة 2011 انتهت الجمعية من إعداد التقرير الثالت من هذه التقويمات الدولية، والتي صنفت المغرب في مراتب متأخرة مقارنة مع باقي الدول المشاركة، والتي وصل عددها خمسين دولة.
وقبل أن نلقي نظرة عن بعض هذه النتائج، لا بأس من التذكير ببعض الملاحظات المنهجية التي ربما قد يثيرها البعض، من قبيل هل العينة التي تعتمدها الجمعية الدولية في البلدان المشاركة، عينة ممثلة؟ وهل تتوفر فيها مصداقية البحث العلمي ؟ وما هي الأسس المنهجية التي ينبني عليها التقويم؟ وما هو دور المغرب في هذا العمل المنهجي القبلي؟
أولا من الناحية المنهجية:
من خلال لقاءنا بالباحث التربوي ورئيس جمعية "أماكن" الأستاذ عبد الناصر الناجي، والذي نود أن نحييه على العمل النوعي الذي يقوم به في إطار التعريف وفتح النقاش العمومي في قراءة نتائج هذه الدراسة عبر ربوع المملكة المغربية، أكد لنا أن العينية التي اشتغلت عليها الجمعية هي عينة خاضعة لمواصفات علمية، تراعي مختلف المتغيرات: كالوسط الدراسي، هل هو وسط حضري أو قروي، وهل هو عمومي أم خاص، والجنس، وهي على العموم عينة مصادق عليها من طرف الوزارة الوصية. وللتذكير فإن هذه الجمعية الدولية لتحصل الدراسي، في سنة 2007 عندما أعدت تقريرها عن حصيلة المغرب في مؤشر العلوم والذي حصلنا فيه على 402 نقطة لم تدخله في التقرير النهائي، بسبب أن العينة المعتمدة كانت متحيزة "BIAS" لأن المباشرين على عملية التمرير من المغاربة، عملوا على تغيير العينة لتصب في صالح الرائز، وذلك باللجوء لعينة مختارة من تلاميذ القطاع الخاص. ولعل هذا الدليل يكفي لبراز مدى الحرص المنهجي لمعدي الدراسة لاحترام مختلف الشروط الموضوعية لاجراء الرائز. فماذا عن المضمون؟
فيما يخص المضمون، أو المنهاج الذي على ضوئه يتم إجراء الرائز، فإن الجمعية لها قواعد علمية في بلورة منهاج افتراضي يكون مناسبا لخصوصيات كل الدول المشاركة، وهكذا تبدأ الأشغال الأولية والقبلية بالنظر في هذه المنهاج، ويتم الاستماع لكل ممثلي الدول، وتقديم الإقتراحات المطابقة والملامة حتى يتم التمرير في ظروف مناسبة للجميع، وهكذا يتم التوصل إلى ما يسمى ب"المنهاج الإفتراضي" . ولعل إحدى الانتقادات التي يقدمها بعض المسؤولين الحكوميين في وزارة التربية الوطنية ببلادنا، عندما تأتي النتائج كارثية، هي قولهم أن المنهاج الافتراضي لا يغطي المنهاج المغربي، إلا في حدود معينة تصل إلى 30℅، لكن هذا الإنتقاد مردود من جهتين: الأولى لماذا يقبل المغرب بالإنخراط في التقويم الدولي ما دام أنه غير مناسب للمنهاج المغربي؟ وثانيا لماذا لا تكون مساهمة المغرب عبر ممثله في اللجنة مؤثرة بحيث يتم الدفاع عن معقولية هذه الدعوى أثناء الإعداد للمنهاج في الأشغال التحضيرية لعملية إعداد الرائز؟
ثانيا على مستوى النتائج:
بغض النظر عن مدى تغطية المناهج الإفتراضي للمنهاج المغربي، فإن دولة مثل سنغافورة والتي حصلت على أولى النتائج، هي الأخرى تعرف نسبة تغطية للمنهاج الافتراضي أقل من منهاجها، لكن نتائجها جاءت في القمة؟ وهنا نطرح التساؤلات التالية: لماذا استطاع هذا البلد أن يحقق نهضة تربوية رائدة على الصعيد العالمي؟ ماهي مختلف الخلفيات، سواء منها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو السوسيوثقافية، التي ساهمت في هذا الإنجاز؟ هذه الأسئلة لا ندعي أننا بإمكاننا الإجابة عنها، لأنها تحتاج إلى عمل أكبر من هذا المقال.
قلت إذا ما غضضنا الطرف على بعض هذه الملاحظات المنهجية، والتي تسري على جميع الدول المشاركة، فإن النتائج تشكل محطة تشخيصية لواقعنا التعليمي، بل وأكثر من ذلك، فإن هذه النتائج التي سنأتي على ذكر بعضها، إنما تشكل جوابا عن فشل منظومتنا التربوية منذ الانطلاق في أجرأة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، بمعنى آخر، أن هذه العشرية التي أعلنت كعشرية ذات أولوية لم يتحقق منها الشيء الكثير، ولعل هذه الخلاصة، كفيلة بإعادة النظر في منظوراتنا التربوية من الأساس، وكذا استراتيجياتنا القريبة المدى والمتوسطة والبعيدة، في أفق التفكير في بلورة رؤية مجتمعية للقضية التعليمية في حكومة التغيير.
ربما يتهمنا المتتبعون بأننا غير منصفين ومتجاهلين أو متحيزين في تقييمنا، لكن أؤكد أن الإطلاع على نتائج الرائز تصيب المتتبع بالإحباط، نظرا لكون الرائز الأخير، الذي تم اعتماده في المغرب، والخاص بمستوى الرابع إبتدائي استبدل باقتراح الجميع بما فيه المغرب، على أن يمرر لمستوى السادس ابتدائي، في دول "بوتسوانا" و"هندوراس" والمغرب، نظرا لضعف منظوماتهم التربوية.
بخصوص المؤشر الخاص بالقراءة « PIRLS »، ترتب المغرب في الرتبة الأخيرة (50) بمعدل نقط 310، والتي تقل عن المعدل الدولي ب190 نقطة، حيث أن المعدل الدولي هو 500 نقطة، وهذا المؤشر يكشف عن القدرات اللغوية المختلفة، كالقراءة السليمة والفهم الجيد للنص والقدرة على تحيليل أفكاره وإعادة تركيبها بأسلوب التلميذ. وإذا ما انتهجنا البعد المقارن في قراءة النتائج، نجد أن المغرب تراجع عن اختبار سنة 2007 ب بناقص 7 نقط، ففي السابق، حصل المغرب عن 341 نقطة، بينما في الاختبار الحالي لم يحصل إلا على 335 نقطة. ومن بين النقاط التي يفصل فيها التقرير هي مدى قدرة تحقيق المنظومة التربوية للبلد المشارك، على ضمان الكفايات سواء منها المتقدمة أو العليا أو المتوسطة أو الدنيا، وقد كان مفاجئا أن يحرز المغرب على نتائج جد متدنية، فبخصوص الكفايات المتقدمة، 0℅ إحصائيا (بمعنى قد نجد بعض التلاميذ ممن تتحقق فيهم النتائج المتفوقة، لكنها ليست دالة إحصائيا، فهي حالات استثنائية)، أما الكفايات العليا، فقط 1℅، بينما المتوسطة 7℅، وأخيرا 21℅ للكفايات الدنيا، وهنا نفتح قوسا، ماذا يقصد الإختبار بالكفايات الدنيا؟ هي التعلمات الأساس والتي تظهر في معرفة الكلمات والجمل والقدرة على قراءتها ولو بدون فهم وهو ما يفترض أن يتحقق في المستويين الأول والثاني إبتدائي، سواء في اللغة العربية أو اللغة الفرنسية، لكن مع كل أسف، فإن المدرسة المغربية لا تحقق من هذه الكفايات في حدها الأدنى سوى 21℅، بينما المعدل الدولي لا يقل عن 95℅ من هذه الكفايات الدنيا. وهنا نظرح السؤال المحرق: ماذا تفعل الوزارة ومعها هذه الجيوش من المدرسين والمدراء والمفتشين والبنيات والتجهيبزات والميزانيات، إن لم تحقق الحد الأدنى من التعلمات؟
ماذا عن مؤشر العلوم؟ وهل يختلف عن مؤشر القراءة؟ وهل هناك تقدم مقارنة مع سنة 2007؟
بخصوص النتائج الخاصة بهذا المؤشر، فهي الأخرى لم تختلف عن الأولى، حيث حصل المغرب على الرتبة 49 ما قبل الأخير، بمجموع نقط 335، هذا على مستوى الرابع (السادس) ابتدائي، أما على مستوى السنة الثامنة إعدادي فقد جاء مرتبا ما قبل الأخير ب 41، لكون هذا الرائز لم تشارك فيه سوى 42 دولة، بمجموع نقط 376، وهي النقط التي تقل عن المعدل الدولي ب124 نقطة، إذ المعدل هو 500 نقطة. وبالمقارنة بين سنة 2007 ، نقرأ تراجعا واضحا، ففي مستوى الرابع ابتدائي تراجعنا في العلوم من 33 نقطة في العلوم، وب 7 نقط في الرياضيات. أما في المستوى الثامن إعدادي فقد تراجعنا ب 26 نقطة في العلوم وب 10 نقط في الرياضيا ت.
أما عن المعدلات في المستويات الأربع للتقويم، فإن المستوى الرابع، لم يحقق أية كفاية متقدمة، بينما حقق فقط 2℅ ككفايات عليا، والمتوسطة، فقط 10℅، بينما الدنيا 26℅. في حين أن المعدل الدولي الخاص بهذه الفئة يتحدد في 90℅، بمعنى أن المؤسسة التعليمية المغربية لا تحقق إلا 26℅ من الكفايات الدنيا لتلامذتها، وهذا ما يؤشر على إفلاس حقيقي لهذه المنظومة.
وهناك نتيجة جديرة بأن نثيرها في هذا السياق، وهي تتعلق، بظاهرة تفوق الفتيات بما يناهز 30℅ مقارنة مع الذكور، وهي على العموم ظاهرة عالمية وليس خاصة بالمغرب، لكن الذي يجب التأكيد عليه، أن مجموعة من الدول تعمل على محاولة تقليل الفرق بين الجنسين في اتجاه تحقيق تكافؤ الفرص، والعمل على التأثير في العوامل المغذية لهذه الفروقات، لكننا في المغرب، لا نلاحظ أن هناك جهودا تبذل في هذا المستوى، مما ينبئ بحدوث انقلاب في بنية المجتمع المغربي على مستوى الوظائف وأيضا على مستوى العلاقات الاجتماعية .
وحتى لا نثقل كاهل القارئ بهذه الأرقام التي "كدوخ" فإننا نحيله على التقرير الكامل فهو متوفر في الموقع الإلكتروني للجمعية الدولية للتقويم والتحصيل الدراسي.
ثالثا ما ذا عن العوامل المفسرة للنتائج؟
بالنظر للطابع المنهجي المركب لعملية ضبط مؤشرات التمكن من التعلمات، داخل المؤسسات التعليمية، فإن الجمعية من خلال خبرائها وبمعية الدول المشاركة، بلورت نموذجا خماسيا للعوامل المؤثرة في العملية التربوية، ونحن نعتقد من رأينا المتواضع أنه لا يمكن الإكتفاء بهذه العوامل، نظرا لتداخل العديد من المؤثرات المباشرة وغير المباشرة في العملية التربوية، ولكن حتى نبقى وفيين لعرض أهم الخلاصات التي توصل إليها التقرير، فإننا نوردها على الشكل التالي:
1) عامل المؤسسة التعليمية: ويشمل هذا المكون، الموارد التي توفرها للتلاميذ من مكتبات وقاعات متعددة الوسائط، وهل تستثمر بالشكل الذي يخدم العملية التربوية ويرفد المكتسبات التعليمية بروافد مساعدة ومشجعة على المزيد من الفهم والتحليل الإبداع، أم أنها على العكس من ذلك غير موجودة بالمرة، أو أنها موجودة ولكنها لا تفعل. هناك ظروف العمل وتأثيرها على المدرسين، وهنا يمكن استنتاج أمر في غاية الأهمية، ففي الدول المشاركة في الاختبار، وجدت بعض الدول التي لا تتوفر فيها الشروط الموضوعية لسير العملية التربوية، كالاكتظاظ مثلا أو اهتراء القاعات أو غياب الوسائل البيداغوجية، لكنها لا تؤثر بشكل كبير على مكتسبات المتعلمين، مقارنة مع حالة المغرب، فضعف هذه العوامل المساعدة، يؤثر بشكل كبير على مردودية الأستاذ المغربي، ربما يطرح السؤال التالي: لماذا هذا الاختلاف؟ أعتقد أن غياب الحافزية الحضارية والترسبات السوسيوثقافية وتراجع الضمير المهني عوامل من بين أخرى، هي المسؤولة عن هذه النتيجة( وربما تكون هذه فرضية تحتاج إلى مزيد من التدقيق في بحوث استكشافية مستقبلية).
علاوة على توفر الموارد الدراسية وظروف العمل، هناك عامل التركيز على المعارف دون المهارات ودون القيم، وهذه إشكالية تعود بالأساس لطبيعة المنهاج الدراسي المعمول به في المنظومة التربوية المغربية، والذي يحتاج إلى تغيير عاجل ومستعجل نظرا لتأكد عدم فاعليته (هناك أكثر من دراسة بينت المطبات العميقة التي بني عليها المنهاج التربوي المغربي). بالإضافة إلى ذلك هناك دور الإدراة التربوية في العملية التعليمية، وهل دورها ينحصر في مجرد العمل الإدراي الروتيني ضبط الغياب وإنجاز المحاضر الوهمية في بعض الحالات وتغطية الشمس بالغربال، و"قولوا العام زين" ورجاع ليهوم وراقهم" و"تهنات القضية" أم أن دور الإدراة التربوية هو تحقيق الحكامة الجيدة في المؤسسة التي يتولونها، ولهذا أعتقد أنه وجب إعادة النظر في الأدوار الموكولة للإدارة التربوية، والعمل بمقتضى التعاقد معها وفق النتائج المحصل عليها، إننا من خلال هذا المؤشر، يجب أن نعمل على عقلنة الحقل التربوي وفق ما نص عليه روح الدستور" المسؤولية مع المحاسبة.
2)عامل المدرس: ويدخل في هذا العامل، التكوين الأساس الذي يحرزه المدرسون لولوج مهنة التعليم، حيث بينت النتائج، أن الشواهد المحصل عليها من طرف المدرسين المغاربة لا تتعدى 60℅ ممن يتوفرون على مستوى "الباك" و40℅ لمستوى الاجازة، بينما المعدل الدولي نجد 79℅ ممن يتوفرون على مستوى الإجازة و30℅ لمستوى الماجستير والدكتوراه، ونحن نعتقد أن الإشكال لا يتلخص في مستوى الشهادة المحصل عليها، لأننا نعلم أن مستوى الشواهد الجامعية ببلادنا عرف تدنيا في السنوات الأخيرة، خصوصا مع إقرار نظام الإصلاح البيداغوجي، الذي لم يستطع أن يخرج الجامعة من عوائقها البنيوية والمزمنة وينتج مفكرين وعلماء ونخب حقيقية لممارسة التنمية المعرفية المطلوبة.
وبالموازاة مع عامل التكوين الأساس، هناك التكوين البيداغوجي، وهنا يطرح السؤال إلى أي حد تخرج مؤسساتنا التأطيرية (مراكز تكوين المدرسين والمدارس العليا والمراكز التربوية، والتي تحولت إلى مراكز مهن التربية حاليا) تكوينا بيداغوجيا يؤهل المدرسين للاضطلاع بمهماتهم التربوية والتعليمية على الوجه الأفضل؟ هذا إذا أضفنا إليها العبث الذي مورس في لحظات معينة، بما كان يسمى التوظيف المباشر، والذي كان يعالج به مشكلا سياسيا على حساب الجودة في الحقل التربوي.
وقد توقف التقرير الدولي عند مفارقة تستحق كل اهتمام، وهي تجربة المدرسين، فإذا كانت أغلب الدول المشاركة في الإختبارت، بينت أنه كلما راكم المدرسون تجارب تعليمية من خلال سنوات التدريس إلا وكان لذلك أثار ايجابية على تحسين جودة المنتوج التربوي الذي يستفيذ منه التلاميذ، لكن الاستثناء الوحيد هو حالة المغرب، فكلما تقادم المدرسون، إلا وقلت حافزيتهم على التدريس، (وهنا نفتح قوسا لنؤكد أن الأمر لا يتعلق بمستوى الكفاءة المهنية، بقدر ما يتعلق بالمحددات السوسيوثقافية والسوسيومؤسساتية التي لا تسمح بتطوير الأداء، كالإحباط السيكولوجي، وأيضا هشاشة وضعف التكوين المستمر الذي يتلقاه هؤلاء المدرسون).
3)عامل المناخ الدراسي: وتعني به الدراسة مختلف العوامل المساعدة على سير العملية التربوية، كالانضباط والسلوك، وهل يوجد أمن بالمؤسسات التعليمية، سواء بداخلها، أم بجوارها، والتحرش الجنسي واللفظي الذي يتعرض له التلاميذ أو الأساتذة. ولعل هذه العوامل من بين أهم المحددات التي تعرقل السير العادي في مؤسساتنا التعليمية، فالحديث عن الانضباط والسلوك، في المؤسسات التعليمية المغربية، هو من قبيل الحديث عن القرون الخوالي، فمؤسساتنا انهارت فيها السلطة، سواء سلطة المدرس أو سلطة الإدارة، وبدأ التلاميذ يفرضون مقاييسهم ومعاييرهم، بحيث بدأنا نجد تواطئا موضوعيا قائما بين هؤلاء الفاعلين، فلم تعد للمؤسسات التعليمية تلك الهيبة والاحترام اللازمين باعتبارها مؤسسات للتربية والتعليم والقيم والمعرفة، بل أصبحت ملجئا للعديد من أشكال العنف والعنف المضاد، وهنا يمكن الإشارة للتقرير الأخير الذي أصدرته الوزارة في اليوميين الأخيرين، والذي بين مجموعة من الحقائق المرتبطة بالعنف.
أما عن التحرس الجنسي أو اللفظي، فحدث ولا حرج، فمؤسساتنا التعليمية أضحت مجالا لممارسة كل أشكال الانحلال القيمي بشتى أنواعه وصوره، وينضاف إلى ذلك انتشار النقط السوداء لبيع المخدرات والتبغ وفي بعض الحالات الخمر، هذا علاوة على وجود مقاهي ومخادع للألعاب، تشكل ملجئا للعصابات والمنحرفين الذين يتصيدون كل فتاة أوفتى من أمام مؤسسته التعليمية، لللتغرير به في مستنقعات الرذيلة والانحراف، بطبيعة الحال ليست هذه هي الصورة القاتمة التي يمكن أن يسخلصها القارئ، من هذا التوصيف، لكننا بدأنا نلاحظ تغيرا في العلاقات البين _مدرسية والتي شملت انقلابا قيميا حقيقيا، وقد فشلت المؤسسة التعليمية في احتوائه أو على الأقل التخفيف من حدته.
4) عامل الفصل الدراسي: وهذا العامل، يمكننا من خلال الدراسة، من قياس، مستوى الحافزية للتعلم عند الأطفال، وحبهم للمدرسة، والانخراط في العملية التعلمية، وقد أمكن التقرير من أن يستجلي، أمر بالغ الأهمية، وهو أن التلاميذ في بداية مشوارهم الدراسي تكون لديهم الحافزية للتعلم في أعلى مستوياتها، وكذا حبهم للانخراط في التعلم، لكن مع تسارع وثيرة المسار الدراسي، تخبو تلك الحافزية والانخراط، وهذا له أسباب متعددة، لم يدقق فيها التقرير، لكنه يمكننا كباحثين وكمهتمين، أن نكشف عنها من خلال إطلاق عملية بحثية في مثل هذه القضايا التي تؤثر سلبا على الإيقاع الدراسي وتشوش عليه.
5) عامل الأسرة:وقد أمكن التقرير، أن يتحدث عن وجود قدوة داخل البيت، كالأب أو الأم أو الإخوة، ممن يقرأون ويشجعون من هم دونهم على فعل القراءة والإطلاع والإستكشاف.
وثانيا، توقف التقرير عند هل يتوفر البيت على موارد تربوية، أي الكتب والأنترنيت ومختلف الوسائط التي توفر أجواء مساعدة على البحث والمعرفة. ولاشك أن هذا المعطى، يرتبط بشكل جوهري بما هو سوسيوثقافي وسوسيواقتصادي، فالمعطى الإقتصادي، مرتبط بتوزيع الثروة بشكل عادل على أبناء الشعب المغربي، وهل هناك عدالة اجتماعية أم لا؟ كل ذلك يؤثر في ضمان استقرار الأسر وبالتالي ضمان استقرار المسار التعليمي لأبنائها، فكما نعلم لا أحد يهرب من "دار العرس" والكرش إلا شبعت كالتغني"، فلا يمكن أن نضمن تعليما جيدا طالما بقي المغرب يعاني من تفاوت طبقي كبير، ولهطا فهذا العامل يساعدنا في التفكير في استراتيجيات إلتقائية حتى تصب في هدف واحد هو تحقيق الكرامة الإنسانية لجميع المغاربة. أما العامل السوسيوثقافي فهو مرتبط بسابقه، وهو نتيجة وسبب، فنظرة المجتمع للعلم والمعرفة، تؤثر في عملية التعليم، وقد وقع في المغرب، تراجع خطير في هذه النظرة، نظرا لفشل المنظومة التعليمية في تحقيق ترقي اجتماعي، مما ولد احباطات ومعوقات ترسبت في الأجيال الصاعدة، وليس السبب في ذلك هو المؤسسة التعليمية، بل إن ذلك مرتبط بالمشروع المجتمعي ككل، الذي لم يتبلور بشكل واضح: ولم يتم بعد الإجابة عن الأسئلة المحرقة: ما نوع المواطن الذي نريده؟ وماهي مواصفاته؟ ولأية أهداف؟ ولأي أفق؟ وما الغاية من وراء ذلك؟ ولعل الندوة الوطنية للتعليم، المزمع عقدها في شهر ماي المقبل، يمكنها أن تشكل حلقة في إعادة توجيه الرؤية المجتمعية، أو على الأقل إطلاق الورش التربوي للنقاش العام والمفتوح.
ختاما، يمكن القول، أننا لا ندعي أننا استطعنا أن نحيط بكل العوامل التي تؤثر في العملية التربوية، بشكل مباشر أو غير مباشر، لكن حسبنا أننا أردنا أن نثير النقاش في تقرير دولي شارك فيه المغرب منذ سنوات مضت، إلا أن الملاحظ هو أننا لا نستفيد من هذه التقارير لا الدولية ولا الوطنية في توجيه خططنا واستراتيجياتنا وأهدافنا في أفق التحكم في مخرجات المنظومة التربوية المغربية، ونحن نعتقد أن الحكومة الحالية بقيادة عبد الاله بن كيران، قادرة على التقاط نبض الشارع، والاهتمام بالأوراش الحيوية والمستقبلية للبلد، ومنها الورش التعليمي، ورغم أننا نعاتب الحكومة على تأخرها في فتح النقاش في الملف التعليمي، لأنه مضت سنتين على تنصيبها ولم تباشر بشكل جدي الموضوع، مما جعل الرأي العام يتساءل: هل الحكومة واعية بمعضلة التعليم؟ أم لا؟ لكننا استبشرنا خيرا بالإعلان مؤخرا عن الدعوة لندوة وطنية تخصص للقضية التعليمية، أملنا النجاح لهذه الندوة وأملنا أكثر النجاح للورش التعليمي بما يعنيه ذلك من توفير الأسس والمداخل الطبيعة للانخراط الفعلي والقوي في مجتمع المعرفة.
(باحث في سوسيولوجيا التربية)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.