زنا أم تحرش بالمحارم.. أزمة مفاهيم بداية أود أن أؤكد على أن جريمة "زنا المحارم" موجودة في مجتمعاتنا، ونقابل حالات حقيقية ممن وقعوا في براثنها داخل "عياداتنا" كأطباء نفسيين، وعلى الإنترنت في الاستشارات النفسية، ومن خلال الفضائيات، وبعض الكتب العلمية، وبعض المعالجات الصحفية، والمؤسف أن كل هذا التعاطي مع هذه الجريمة الكارثية "زنا المحارم" يقابل بالهجوم الشرس من قبل بعض من اعتادوا على سياسة دفن الرؤوس في الرمال، والمنادين بعدم التصريح بوجود مثل هذه الأمراض في مجتمعاتنا. غير أن الذي استدعى مني لفت الانتباه إليه هو ذلك الخلط في المفاهيم فيما يتعلق بهذه الجريمة، ما بين مفهوم زنا المحارم، وبين التحرش بالبالغين أو بالأطفال من ذوي المحارم. "" فروق واضحة يعرف زنا المحارم بأنه: "علاقة جنسية كاملة بين بالغين مكلفين من المحارم، كأخٍ وأخت بالغين، أو أب وابنته البالغة، أو بين الأم وابنها... إلخ، سواء كانت هذه العلاقة سرًّا بين اثنين في الأسرة، أو كان معروفًا لطرف ثالث فيها". وينطلق هذا التعريف على خلفية التعريف الفقهي للزنا والذي يقول: "الزنا هو تغييب البالغ العاقل حشفة ذكره في فرج امرأة -ليست من حلاله- عمدًا بلا شبهة، سواء أنزل أو لم ينزل". وهناك تعريفات أخرى لزنا المحارم في بعض المراجع العلمية تقول: "إنه علاقة زنا بذوي (أو ذوات) المحارم"، وكلمة ذوي المحارم ترد في هذه المراجع بمعنى من تربطهم بالشخص قرابة دم، وتترك لكل ثقافة تحددها حسب معتقداتها وتوجهاتها. وفي تعريف أكثر شمولا يوصف زنا المحارم بأنه أي علاقة جنسية كاملة (أي تشمل الإيلاج) بين شخصين تربطهما قرابة تمنع العلاقة الجنسية بينهما طبقا لمعايير ثقافية أو دينية، وعلى هذا تعتبر العلاقة بين زوج الأم وابنة زوجته علاقة محرمة على الرغم من عدم وجود رابطة دم بينهما. وفي الثقافة العربية والإسلامية تحديد لذوي المحارم في آيات واضحات في القرآن الكريم، كما هو وارد في سورة النور. ونلحظ من التعريفات السابقة أنها اشترطت لكي نجزم بوقوع زنا المحارم عملية الإيلاج. بينما يدخل مفهوم التحرش الجنسي سواء بالبالغين أو الأطفال بأنه: "كل فعل يكون فيه مساس بجسد المجني عليه -سواء أكان ذكرًا أو أنثى- أو بمخيلته الجنسية كتعريضه للصور أو المناظر الجنسية الفاضحة، أو التلصص عليه، أو إجباره على التلفظ بألفاظ خارجة. وكل ذلك قد يدخل قانونيًّا وفقهيًّا تحت مسمى هتك العرض. نلحظ من العرض السابق أننا نخلط بين الأمرين -زنا المحارم والتحرش بهم-؛ نظرًا لما اعتدناه من توسيع نطاق الحرام، خاصة فيما يتعلق بالزنا، مع أن هذا مختلف عما ينطبق عليه قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} (الإسراء: 32)، وأحسب أن الأمر بعدم الاقتراب من مقدمات الزنا مفهوم في إطار أن يتقي الإنسان وضع نفسه في موضعٍ قد يوقعه في الزنا. لكن هذا لا يعني أن نحكم على ما دون الزنا بين المحارم بأنه "زنا محارم"، حتى ولو لأنه بين محارم. أقول هذا رغم أنني كنت من أول من اعتبروا التحرش بالمحارم في منزلة الزنا بهم في جرمه، رغم معرفتي بأن الزنا يختلف عن الاغتصاب وعن التحرش، وأرى أن المسألة تحتاج منا إلى حسم واضح، أي هل نطلق تسمية زنا المحارم على ما يحدث -مع الأسف- في أغلب بيوتنا من تحرش جنسي بالفتيات والفتيان؟ أم أن علينا بالفعل قصر هذه التسمية على من ينطبق عليه التعريف الشرعي للزنا الذي يشترط الإيلاج؟. من التحرش إلى الزنا والحقيقة أن بداية جريمة زنا المحارم غالبًا ما تكون بطريقة ماكرة، فبينما تكون الضحية نائمة يبدأ الجاني في لمس أجزاء الإثارة الجسدية أو الأعضاء التناسلية الخاصة بها، وأحيانا يتواصل ذلك لفترات طويلة، أي أنه حتى الآن يمارس التحرش الجنسي تجاه الضحية، ولم يصل بعد إلى منطقة الزنا، لكن الأمر قد لا يقف عند حدود التحرش، فغالبا ما تحصل المواجهة بين الجاني والضحية، ثم يتم القبول أو الرفض حسب قوة الجاني في مواجهة قوة الضحية، فإذا حصل القبول بمثل تلك العلاقة فإن النتيجة هي زنا محارم. وهناك حالات نادرة تحدث فيها علاقة جنسية كاملة بينما يتظاهر أو تتظاهر الضحية بالنوم، والمشكلة أن كون الجاني غالبًا أخا أكبر أو أبا هو ما يجعل الضحية عاجزة عن المواجهة، ليس فقط مواجهة الآخرين بما يحدث، وإنما مواجهة الجاني نفسه بأنه يفعل الفعل الحرام، هكذا سمعنا من كثيرات من بناتنا. ومن المهم التنبيه إلى أن الاستمرار في مثل هذه العلاقة والحفاظ على سريتها دائمًا ما يضع الضحية تحت ضغط نفسي كبير؛ وذلك لأن إفشاء سر كهذا يمكن أن يحطم العائلة بأكملها، وأحيانا نجد أنه يمنح البنت سلطة كبيرة في البيت مقارنة بالآخرين، وذلك في حالة زنا الأب بابنته مثلا. أزمة المجتمعات العربية أحسب أن الأسر العربية بوجه عام تواجه أزمة كبيرة في التعامل مع المشكلات الجنسية لأفرادها، وربما الأساس في هذا الأمر يعود إلى عدم قدرتنا على أن نتخيل أن بيننا أناسا سيغلبهم الشيطان، ونسي أن بيوتنا مخترقة بفضائيات، ومواقع إنترنت تشجع على زنا المحارم وتدفع إليه دفعا، كل ذلك يقابله عدم القدرة على الالتزام بآداب البيت المسلم الذي يجسد كل معاني السكينة والأمان لكل من يعيش بين جدرانه. ويبقى السؤال: ما أثر كل هذه المعطيات على مخيّلتنا الجنسية؟ لا أحد يستطيع الإجابة بشكل علمي على هذا السؤال؛ لعدم تعرض الدراسات العلمية في بلادنا لتأثير تكنولوجيا الاتصال التي اخترقت بيوتنا على سلوكنا الجنسي، لكن ما يمكن قوله هنا إن هذه الوسائل جعلت الإنسان اليوم سهل الانقياد للشيطان، ومن ثَم العوامل الدافعة لجريمة مثل زنا المحارم أصبحت أكثر من ذي قبل، ولعل هذا ما جعل الحديث يتواتر عنها في مختلف المجتمعات في الفترة الأخيرة، رغم هالة الصمت والسرية التي تسيطر عليها، فغالبًا لا يتم اكتشاف زنا المحارم في مجتمعاتنا -على وجه التحديد- إلا إذا حدث وحملت الضحية. هذه الأزمة الخاصة بنا على صعيد تعاملنا مع مشاكلنا الجنسية ألقت بظلالها على تخريج أناس غير أسوياء يحببون النشء في الرذيلة، ويزينوها لهم، وأذكر هنا كلماتٍ قالها لي واحد من مرضاي في الثالثة عشرة من عمره حين سألته كيف تحرشت بجدتك جنسيًّا يا فلان؟ فرد عليّ قائلاً: "مدربي في النادي قال لي: لماذا تتعب نفسك وتعرف بنتًا في الشارع، وقد لا تجد مكانًا تمارس فيه الجنس معها؟ أليس في بيتكم بنات أو نساء؟" ساعتها شعرت بالرعب؛ لأني فهمتها دعوة من رجل عاقل يدفع النشء إلى زنا المحارم!. كلام "مريضي" السابق على فظاعته إلا أنه جعلني أسأل نفسي: أين يلتقي الأولاد والبنات والشباب والشابات الملتزمون بصورة طبيعية في بلادنا؟ ولمعت في ذهني مسألة الفصل القسري الموجود في بعض مجتمعاتنا العربية المسلمة، والفصل الاختياري والمحبذ اجتماعيًّا في مجتمعات أخرى، أدى إلى أن تصبح الأخت والأم وغيرهما من المحارم، هي فقط المتاحة أمام الشاب الذي يسقط في حبائل الشيطان، على اعتبار أن وجودهما في مكان واحد طبيعي ومنطقي، أما في حال وصوله إلى من توافقه على تسليم نفسها له فربما وقف حاجز المكان عائقًا له، وبالتالي نرى أن المكان المتاح للشاب الذي يغلبه الشيطان هو غالبًا فقط بيته الذي يعيش فيه، وبالتالي تصبح أخته جاهزة، وربما أحيانًا في هذا الزمان راغبة لأنها أشدُّ سجنًا من أخيها غالبًا. ولعلاج هذه الأمور كلها لا بد من تيسير الزواج، فلو أن الشاب متوافرة لديه القدرة على الزواج، فلن يفكر في محارمه أو من سواهم، فالزواج وتيسيره على الشباب هو الحل الأمثل لتجاوز هذه الأمراض الاجتماعية التي نبتلى به. عن إسلام أون لاين