ابتداء من باب الحد نحو ساحة البرلمان بشارع محمد الخامس، طريق طويلة، بين السويقة على الجانب الأيسر، ومحلات ومقاهي تجارية على الجانب الأيمن ابتدأت شعارات جموع من الشباب العاطلين الحاملين لشارات أسماء نقابة من النقابات، يسيرون وسط حشود من سكان الرباط الذين ألفوا ذاك المنظر. سارت تلك التظاهرة، اليوم الأربعاء 20 فبراير 2013، تقطع الطرق على المارة والسيارات نحو بناية البرلمان، حيث جمع يحمل رايات هذه المرة حمراء اللون كتب عليها: "20 فبراير"، ويبدو للعيان من الحاضرين أمام بناية البرلمان بعض رجال الأمن بلباسهم الأخضر الحربي، يتحركون هنا وهناك، بعضهم يحمل في يده جهاز "التوكي ووكي"، يتحدث في هدوء ناقلا حركية المكان، ويحيط بالمتظاهرين القلائل. الناس، ينظرون إليهم، واقفين صامتين أو مبتسمين، كمن يشاهد توثيقا محليا لظاهرة ما، أو الواقف في انتظار سباقه المفضل في مارطون، والمقاهي من ورائه مليئة كعادتها، بالمتفرجين، أشهرها مقهى "باليما" المفتوح على الهواء الطلق، بكراسيه العتيقة وطاولاته الصدئة، يتفاداه الذي يخجلون من النظرات والعبرات، ويرتاده من يصعب عليهم تفويت اشتباك بين محتجين من العاطلين أو المتقاعدين وقوات الأمن. جنبه مقهى "لاكاپيطال" حيث الإطلالة كأنها في سينما خمس نجوم، محمية لكنها واضحة. شعارت المتظاهرين وراياتهم، همت مطالب بدستور ديمقراطي، وإطلاق سراح المعتقلين السياسين، وأخرى ضد الفساد والاستبداد، والغلاء والحكرة، في الوقت الذي رفع فيه حاضرون راية تندد بنتائج التدبير المفوض والذي لم يجلب حسب المتظاهرين سوى غلاء الفواتير وتراكم الأزبال. متظاهرون آخرون رفعوا راية كتب عليها إن التهم الملفقة لن تغطي على الاعتقال السياسي، مطالبين الدولة بالاعتذار الرسمي والعلني للضحايا والمجتمع المارة على عادتهم، يتبضعون ويقتنون الملابس والأحذية والمأكولات من المتاجر المقابلة للبرلمان، ووسط المتاجر مكتبة "الألفية الثالثة"، التي تشهر كتبها على "الڤترينة" حسب المناسبة الدينية أو الوطنية قصد الدعاية والترويج، وكان من نصيب الأسبوع كتبا عن الثورة، أو حقيقة لم يكن.. كان كأسبوع عادي، عرضت فيه المكتبة كتبا عن الصوفية والطبخ والتنمية البشرية.. وأمام مقهى "لاكوميدي"، حيث يصطف الرجال والنساء، يتحادثون ويتجادلون ويضحكون غير آبهين كثيرا لأصوات المتظاهرين المتصاعدة حتى ناصية الشارع من الفوق، حيث مسجد السنة.. الكل يتحدث والكل يحاول إسماع صوته في صخب وهرج ومرج.. لم تمس اليوم قوات الأمن المتظاهرين رغم إحاطتهم بهم عن قرب وبعد، ورغم تواجد البوليس السري من الذين يرتدون بذلات مدنية بكثرة في المكان، يقفون كالمراقبين ينتظرون الهفوة للانقضاض. لم ينقض أحد.. بقي المتظاهرون يهتفون في شعارات تسمع كصراخ ملعب كرة قدم، ومن ورائهم الباعة والمشترون والمقاهي والجالسون والمشاهدون، حولهم مغاربة وقليل من الأجانب الذين اعتادوا أيضا على جو الرباط المهتز.. كل كان يعمل على شاكلته، وكل شيء كان يبدو مستقرا. هكذا أنهت حركة "20 فبراير" عيد ميلادها الثاني، في سكون.. تاركة كل شيء كما كان، باقية كما هي، غير واعدة بشيء، في جو ليس بالبارد ولا الدافئ، في جو كان اليوم على ما يرام!