إن الحركات الاحتجاجية المغربية التي وقعت يوم الأحد 20 فبراية بالعديد من المدن المغربية كانت تعبر عن حركة احتجاجية مطلبية سلمية حيث التزمت بحسن التنظيم وبتخطيط مسبق حدد الشعارات بدقة إذ لم تخرج عن جادة الصواب أو عن المتفق عليه فلم تتجاوز المطالبة برفع الظلم ومجانية التعليم واستقلالية القضاء وتوفير العمل للعاطلين. كما طالبت بوضع حد للفساد ومحاسبة المفسدين... ومن الحكمة التي أديرت بها هذه المظاهرات كونها عبرت بالملموس أن مطالبها مختلفة اختلافا جدريا عن المطالب التي طالبت بها بعض الشعوب العربية كتونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن. إذ لم تخرج هذه الجماهير لتطالب بإسقاط النظام أو حل الحكومة والمجالس التشريعية..بل مجدت الملك محمد السادس واتخذته قاضيا وحكما إليه المشتكى مما يفعله المسؤولون الذين بنوا ثرواتهم على حساب تجويع الشعب المغربي، ورمي أبنائه في أحضان وحش البطالة وغلاء المعيشة والرفع من تسعيرة الماء والكهرباء.. ولكن لم يكن هذا دأب جميع المدن المغربية إذ وقع انفلات في بعض المدن مثل مراكش وطنجة وتطوان وكلميم وصفرو والحسيمة..وهذا الانفلات يعد الضريبة الطبيعية عندما لا يستطيع المنظمون ضبط الكم الجماهيري المتظاهر، أو عندما تكون هناك عناصر مشبوهة مندسة تعشق الفساد وتحب التخريب وتتعطش للفتن فتلجأ إلى الهجوم على المتاجر والمقاهي والأبناك.. فتتسبب في التدخل الأمني بشكل قوي لوضع حد لهذا التسيب والانفلات وحماية للممتلكات. وإن ما وقع في مدينة الحسيمة من حرق للسيارات وتعد على الممتلكات وتدخل قوى الأمن لتفريق المتظاهرين كان الدافع الأول إلى ما وقع في حي بوعرفة وحي القدس مساء الاثنين 21 فبراير 2011-02-21 من صراع دموي بين الطلبة ورجال الأمن. إن ما وقع في مدينة الحسيمة، على حد تعبير الكثير من الطلبة الذين شهدوا البدايات الأولى لهذه الأحداث، قد خيم بظلاله على الحلقية الطلابية التي نظمها طلبة الحسيمة بالحي الجامعي تعبئة للجماهير الطلابية وإيصالا للرسالة بأن الحسيمة قد سقط فيها خمسة قتلى على حد تعبيرهم، ولعلهم يقصدون تلك الجثث الخمسة التي وجدت مفحمة في إحدى الوكالات البنكية على حد تعبير وزير الداخلية. إن الحديث عن تلك الجثث في حلقية طلابية إنما أريد منه جلب تعاطف الطلبة وحتى تلتف الجماهير الطلابية وتلتحم من أجل عقد مظاهرة يمكن أن تسير في اتجاه حي القدس..وهو فعل واكبته عملية إخلاء شملت الكليات الثلاث من أجل خلق كثافة طلابية جماهيرية مساندة لنزول المظاهرة نحو الشارع العام. وحسب شهود عيان، عندما اعترض رجال الأمن المظاهرة حتى لا تتجاوز المحيط الجامعي أو حتى تعود أدراجها لتكون مظاهرة خاصة بالطلبة ولا تتجاوز أسوار الجامعة كالمعتاد قام بعض الطلبة برشق رجال الأمن والتدخل السريع بالحجارة مما أجج الوضع وحول طريق كلية الآداب و مفترق الطرق وطريق الحي الجامعي وحي بوعرفة إلى ساحة مواجهة عنيفة بين الطلبة ورجال الأمن مما اضطر القوات السريعة إلى استعمال القنابل المسيلة للدموع لتشتيت المتظاهرين..ومتابعة الطلبة الذين تزعموا عملية الرشق بالحجارة بالحجارة والعصي مما أسفر عن جرح العديد من رجال الأمن والتدخل السريع، كما أصيب بعض الطلبة بجروح في رؤوسهم وأكتافهم وكسور في أياديهم..واعتقل بعضهم. ولم تسلم من هذه التراشقات سيارات الأساتذة التي عرفت تخريبا شبه كلي وكذا بعض سيارات المارة حيث شوهدت منها سيارة رونو 18 وهي مكسورة الزجاج وبعض سيارات الأمن وقد تغير شكلها من جراء الوابل من الحجارة الذي تلقته وهي في طريقها إلى الحي الجامعي. لقد عاش سكان حي بوعرفة بنسائه وأطفاله ورجاله حالة رعب شبيهة بما يشاهدونه يوميا في بعض الدول العربية إلى درجة أن بعضهم ظن، من جراء ما رآه، بأن المغرب كله يعيش مثل هذه الحرب وهذا الصراع الدموي مما دفع به إلى جمع أبنائه وحبسهم في داره وإعلان حضر التجول. إن خلاصة ما يمكن أن يقال حول هذه الأحداث المأساوية التي حدثت بحي القدس وحي بوعرفة يمكن إجمالها في النقاط التالية: 1 - لازالت تعيش في المغرب طفيليات تؤمن بالعنف الثوري، وهي تستغل أي تجمع جماهيري لكي تشعل فتيل الصراع والدم، وقد سبق لهذه الطفيليات أن ارتكبت مجازر تاريخية في حق الجماهير الطلابية سنة 1987 - 1989- 1991 – ومن عادتها منذ المؤتمر الخامس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب وهي ترفع شعارات صدامية خطيرة كلما توفر الكم المناسب من الجماهير لتؤدي بالطلبة إلى التهلكة..وهي أفعال بعيدة كل البعد عن الفعل النضالي المطلبي المطلوب الذي له ضوابطه التي تجعله بعيدا عن الفعل النقابي الطوباوي كما تؤسسه له وثائق الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ومقرراته التنظيمية على رأسهها المقرر التنظيمي للمؤتمر 16 باعتباره آخر مؤتمر ناجح في مسيرة الاتحاد. 2- عندما يقع حدث ما أو مظاهرة ما في مدينة ما ووقع انفلات، فمن الحكمة حصر هذا الفعل في مكانه لأن له ظروفه وملابساته التي أدت به إلى نهج مسار ما. ومن الحكمة والرشد ألا يتم التسويق له أو تصديره حتى تعم البلوى والفتنة مناطق أخرى. 3- إن حب الوطن والغيرة عليه واجب شرعي لمن يؤمن بالشرع ويحتكم إليه..وأي تخريب للبلاد هو تخريب للذات، وأي مساس بالممتلكات أو أي شيء في الوطن هو لا يقل عن أن نسميه بالهمجية والحيوانية واغتيال العقل. 4- إن آليات الاحتجاج وتبليغ الرسائل لا تحصى ولا تعد ولا تعدم الوسائل الحضارية النبيلة..وكلما عبر المحتج عن سلوك حضاري ورشد وحب للوطن وابتعد عن أسلوب الهدم وتجنب الفتنة كلما نال احترام الآخرين ونال تأييدهم.[/align]