أبدى الدكتور والفيلسوف التونسي أبو يعرب المرزوقي أسفه الشديد لاغتيال المناضل اليساري شكري بلعيد وناظر الامن لطفي الزار، مبرزا أن الخطابات لم تتجاوز المستوى السياسي للبحث بعمق في جوهر القضية واستخراج الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ظاهرة العنف السياسي. وحسب رؤيته الفلسفية في باطن القضية، يرى الدكتور المرزوقي أن سبب الأزمة ليس سياسيا بحثا بل هو أعمق وأخطر من ذلك بكثير حيث أن القضايا السياسية لا تجد صعوبة في إيجاد حلول وسطى. حيث قال: "إنّ صدام الحضارات بين الغرب والشرق أصبح في الشرق نفسه بل داخل المجتمع الواحد، وعندما يصبح الصراع فكريا، عقائديا وثقافيا يكون الأمر أشد خطورة ويقود إلى انشقاق المجتمعات وإلى الحروب الأهلية وهذه أخطر مظاهر العنف" مضيفا بأنه لا يتمنى أن تنزلق تونس في دوامة من العنف تهدد الأهداف النبيلة للثورة. ويرى الفيلسوف التونسي "أننا أصبحنا اليوم في تونس أمام شقّين متضاربين، شقّ تغرّب ويريد تغريب البقية والآخر لم يتغرّب يريد تشريق البقية، الأول يريد نمط غربي للمجتمع والثاني يريد تشريقه، وبالتالي يحدث التصادم فنحن أمام فشلين، فشل تغيير ثقافة برمّتها وقد فشلت في تحقيقه القوى الاستعمارية من قبل، وفشل ثقافة في إعادة بناء نفسها مضيفا في هذا السياق أن "موقف المدافعين عن التشريق أخطر من الموقف المؤيد للتغريب". وأشار أبو يعرب، إلى بعض الاطراف المتطرّفة التي تسعى إلى القضاء على التحديث المستبد بالتشريق المستبد وهذا خطأ فادح - يقول المتحدث- ينفّر من الحكم الاسلامي خاصة أن التجارب الإسلامية التي حدثت تجعل الأمر مخيفا أمام العلمانية والحداثية"، معربا عن تفاؤله حيال الائتلاف التونسي الحاكم اليوم لأنه يبعث على الارتياح على حد تعبير الفيلسوف التونسي، الذي أضاف أن الائتلاف الحاكم هو "علامة صلح بين العلماني الحداثي والإسلامي، وهذا التسامح وعقلية التعايش السلمي وقبول الآخر رغم الاختلاف يجب تعزيزها والعمل على تكريسها في مثل هذه الفترة الحساسة التي تمرّ بها تونس". وأكّد الدكتور أبو يعرب في مداخلته ضمن ندوة حول "ظاهرة العنف السياسي وكيفية التصدي لها" من تنظيم مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، بنزل المرادي بالعاصمة تونس، على أهمية مبدأ المصالحة وأنّه من المهم "البدء بالمصالحة قبل المحاسبة لتسهيل مسار العدالة الانتقالية فبخلق الطمأنينة والابتعاد عن عقلية الثأر تتمّ المصارحة وبالتالي يسترجع كلّ ذي حق حقّه وتتم المحاسبة العادلة دون الوقوع في الانتقام والتشفي". باعتبار أن الدولة هي مجموعة مصالح عامة و"المصالح العامة هي اختيار الجماعة وبالتالي فتوحيد الصفوف والعمل على إعادة بناء مؤسسات الدولة لا هدمها يجب أن يكون هدف الجميع وذلك من اجل مصلحة الجميع". أما الشيخ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، فقد اعتبر أن قتل المناضل شكري بلعيد" يمثل تهديدا لتونس كلها ولتجربتها الديمقراطية ولنموذج التعايش السلمي فيها بين الإسلاميين والعلمانيين الذي أفرزته الثورة التونسية" واصفا عملية الاغتيال بالعمل "الآثم المجرم". وقال إن الذي اعتدى بالقتل الآثم المجرم على المناضل شكري بلعيد اعتدى من قبله على الشيخ لطفي القلال وآخرين وعلى تونس كلها. وأضاف أن معنى ذلك هو أن "هناك مخططا إجراميا لضرب العائلة التونسية بعضها ببعض وأن المستهدف ليس بلعيد والعائلة الحداثية وإنما تونس كلها ونظام التعايش فيها". وشدد الغنوشي، على ضرورة أن"نصمد في مواجهة محاولات إغراق تونس في أتون من الثأر والأحقاد والدماء" مؤكدا أن "شعب تونس مسالم وموحد وسينتصر على المؤامرات التي يتعرض لها اليوم فالحاصل الآن جزء من ضريبة التحول و المصيبة التي حلّت مؤخرا حالة لا تخرج عن معتاد الثورات قديما و حديثا وهذا الاغتيال الذي وقع إجرام يصبّ في خانة الثورة المضادة وهو جريمة مجهولة الفاعل وتوجيه أصابع الاتهام للنهضة أو الحكومة غباء لأن السؤال الاول سيكون : من المستفيد؟". والجواب، حسب راشد الغنوشي، ليست الحكومة طبعا لأن ذلك ليس من مصلحتها و ليس أيضا من مصلحة المعارضة، وإنما هي أفعال الثورة المضادة المستعينة بالدول المعادية للديمقراطية في العالم العربي و التي تعتبر نجاح الديمقراطية في تونس وبلدان الربيع العربي تهديدا لمصالحها الاقتصادية ونماذجها الداخلي"، مؤكدا أن "العنف غريب عن المزاج التونسي وما يحدث مؤخرا يراد منه فرض لغة جديدة على التونسيين المعروفين بالمزاج المسالم". واستنكر الشيخ راشد الغنوشي، ضمن مداخلته في الندوة، بشدة "الحملة الإعلامية المغرضة التي تستهدف حركة النهضة وشخصَه والاتهامات المجانية التي يسوقها عدد من السياسيين في وسائل الإعلام المحلية والأجنبية والتي يحملون فيها، زورا وبهتانا، الحركةَ ورئيسَها المسؤولية عن مقتل السياسي شكري بلعيد" مؤكدا أن "لا مصلحة للنهضة مطلقا في استعمال وسائل إجرامية ضد الفرقاء السياسيين مهما كانت الخصومة معهم". وذكّر الغنوشي بأن تونس "شهدت من قبل مقتل عدد من الدعاة من جماعة الدعوة والتبليغ ومقتل لطفي نقض بما يعني أن العنف طال عديد الأطراف السياسية وليس طرفا ما بعينه، ونبّه إلى خطورة اتهام الإسلاميين باستعمال العنف والتغاضي عن التيارات الأخرى التي وصل بها الأمر إلى الدعوة الصريحة لتدخل فرنسي في الشؤون الداخلية لتونس ضد الطيف الإسلامي في تونس بكل أنواعه". وقد ذكّر الشيخ راشد في كلمته أن حركة النهضة أعلنت من قبل مرارا أنها "ضد العنف مهما كان مصدره وسببه لأنه لا يخدم أهداف الثورة ولا المسار الديمقراطي في البلاد ويؤدّي في حال تطوّره وتشجيع بعض القوى المحلّية والدولية له ،إلى حرب الجميع ضد الجميع وتخريب الثورة التونسية ودعا إلى الحوار سبيلا للوصول إلى وأد هذه الفتنة وتجنيب البلاد تبعاتها".