ما يخطط له السيد بنكيران على مستوى إصلاح صندوق المقاصة هو شيء خطير جدا وعلى جميع المستويات، وسيدخل البلد في دوامة لا يعلمها إلا الله. فالسيد رئيس الحكومة ينوي رفع الدعم تدريجياً على المواد الاستهلاكية الأساسية (الدقيق، السكر، المحروقات، الكهرباء ...)، وتوزيع منحة شهرية بقيمة 600 درهم على 3,5 مليون أسرة فقيرة (حسب تعريف الفقر عند حكومتنا الموقرة). وإذا كان الجميع يؤكد على ضرورة الإصلاح، فلا أحد يتفق على جعل الإصلاح أداة سياسية في يد الحزب الحاكم يمكنه استعمالها متى شاء لأغراضٍ انتخابية. دعونا نتحدث بصراحة، لأن الوطن للجميع ولا يحق لأيٍ كان احتكار القرار وإدخال البلد في النفق المظلم. تخيلوا معي لو وزعت حكومة السيد بنكيران ثلاثة ملايين ونصف مليون منحة شهرية بقيمة 600 درهم على الفقراء، هل سيلتفت أي مغربي بعد ذلك لأي حزب آخر ولأي سياسة أخرى ؟ طبعاً لا، وسيستفيد السيد بنكيران وحزبه من أصوات الطبقة المدعومة التي ستستفيد من الريع الجديد، وسيحقق حزب العدالة والتنمية حلمه بتحقيق الأغلبية الساحقة في جميع الاستحقاقات القادمة ليحكم لوحده. نعم، سيحكم لوحده إذا نفذ مخططه. و لن يحتاج للتفاوض مع أيٍ كان لتنفيذ مخططه المراد منه الهيمنة على كل مفاصل الدولة، بعيداً عن كل ما يتعرض له اليوم من ضغوط من طرف حلفائه ومعارضيه. تحرير الأسعار بهذه الطريقة العشوائية سيقتل الطبقة المتوسطة التي تحقق نوع من التوازن داخل البلاد، والتي يستحيل تحقيق الإقلاع الاقتصادي دونها. وسيقسم الإسلاميون البلاد إلى طبقتين، الأغنياء والفقراء. الأغنياء وهم قلة، والفقراء وهم الشريحة الواسعة التي ستعيش بالدعم المقدم من طرف الحكومة ولن تستطيع الاستغناء عنه في يوم من الأيام. هذا هو ما يسعى الإسلاميون إلى ترسيخه داخل مجتمعنا، مبدأ الاتكالية والصدقة والتبعية وبعد ذلك السمع والطاعة لأن قوتك اليومي سيصبح بيد من يحكمك. من يريد إصلاح المقاصة يجب أن يفهم بأن المشكل لا يكمن في الدعم المقدم، ولكن في أداء الاقتصاد الوطني ككل. وتحسين الأداء يكون بإصلاح التعليم والصحة والقضاء، وبعد ذلك عندما تدور عجلة الاقتصاد ويتضخم منتوجنا الوطني الداخلي سيصبح مبلغ الدعم هزيلاً بالنسبة لما تنتجه الدولة. المغربي لا يريد صدقة، بل يريد مدرسة ومستشفى في المستوى، ويريد نقلاً عمومياً في المستوى، و يريد شغلاً يكسب منه دخله بكرامة و عزة، ثم بعد ذلك ارفعوا دعمكم ولا تصدقوه عليه. المغربي اليوم لا يريد من السيد بنكيران أوغيره صدقة شهرية، بل ينتظر منه الوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه خلال حملته الانتخابية ويحقق 7% من النمو التي وعد بها، ويحقق الحد الأدنى للأجور الذي التزم به في حدود 3000 درهم. المغربي يريد أن تمنح الدولة لابنه منحة جامعية وسكن جامعي يعفي الأسرة من تكاليف دراسته، ثم بعد ذلك يجد عملاً يحقق له ولعائلته حياةً كريمة. المغربي يريد فقط أن تتحقق العدالة أمامه، وأن يعامل كمواطن يستفيد من حقوقه ويؤدي واجباته. المغربي لا ينتظر منك أسي بنكيران 600 درهم كل شهر، بل ينتظر منك برنامجاً واقعياً لتحقيق الازدهار والإقلاع والإصلاح. المغاربة ليسوا متسولين أسي بنكيران، المغاربة هم الذين يدفعون أجرتك أنت ووزرائك و مسؤوليك. فهمتيني ولا لا.