افتتح المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية، اليوم السبت بالرباط، ندوة افتتاحية لأنشطته العلمية والفكرية التي يراهن عن تنظيمها وفق أهدافه المستقبلية، وهي الندوة التي حملت عنوان:" آفاق الدولة المدنية في العالم العربي" وجمعت ثلة من الباحثين والمفكرين المغاربة والعرب. وقد تحدث الدكتور امحمد المالكي في مداخلته التي عنونها بالدولة المدنية في الخطاب الحقوقي والسياسي العربي، عن أن الدولة الدينية هي نقيض الدولة المدنية، ف"المدنية دولة تعتمد على الديمقراطية والوطنية والتعددية السياسية، في حين تمنع الدينية كل هذه الأمور عندما تجعل من الدين مركزا وحيدا للحكم"، متحدثا عن أن العرب لم يعرفوا في تاريخهم دولة مدنية بشكلها الحقيقي كما هي موجودة في الغرب، وبالمقابل، لا توجد حاليا دولة عربية دينية كما عرفتها الدول الإسلامية السابقة، معطيا المثال بالدولة الفاطمية، داعيا الفرقاء السياسيين إلى الوصول لدولة وطنية مدنية عبر البوابة الدستورية، لأن الدستور، حسب تعبيره، هو الضامن الوحيد للتوافقات السياسية. أما الدكتور عبد السلام الطويل، فقد أسهب في مداخلته "الدولة المدنية وسؤال المرجعية" في الحديث عن الاجتهادات الكبيرة التي قام بها مجموعة من المفكرين الإسلاميين لمفهوم الدولة كأحمد عبده الذي تحدث عن مدنية الدولة في الإسلام، غير أن التيار السلفي الذي نما بشكل كبير في العالم الإسلامي مؤخرا، يقول الطويل، رفض بالمطلق إدخال المدنية في الدولة، لأن المدنية عند هذا التيار هي علمانية مطلقة، وهو التيار ذاته الذي أسقط مدنية الدولة عن الدستور المصري. وأضاف الطويل أن العلمانيات تتعدد حسب السياقات التاريخية، بحيث توجد علمانيات مختلفة في العالم، كالعلمانية البريطانية والأمريكية والنرويجية، التي تعد علمانيات جزئية عكس العلمانية الفرنسية مثلا التي تتعامل بشكل قاس مع الدين، متحدثا أن تأويل الدين في العمل السياسي داخل التيارات الإسلامية ينشطر إلى أربع أصناف: سلفيون، معتدلون، خروجيون (السلفية الجهادية) ومتصوفون، مناديا في نهاية مداخلته بدولة مدنية قائمة على المواطنة والمساواة، وقائمة كذلك على حرية المعتقد التي تجعل من الدين مجالا للكل. وبخصوص الدكتور هاشم صالح، السوري المقيم بالمغرب، فقد رأى في مداخلته" ربيع عربي أم ربيع أصولي" أن التيارات الإسلامية العربية خاصة في مصر، تراجعت عن اجتهادات جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، لتبتعد عن التجديد في الدين، ولتتراجع حتى عن الدستور العثماني الذي صدر سنة 1876 وأقر المساواة بين جميع الأفراد، مستطردا أن على جميع الفرقاء تفٌهم اللحظة التاريخية التي أعطت للإسلاميين إمكانية الحكم، وهي لحظة تتسم بتفشي الأمية وبالتعلق بالخطابات الدينية العاطفية، مشددا في الآن ذاته، على ضرورة وجود مفكرين كبار في الأمة العربية يستطيعون تغيير القناعات كما قام بذلك فلاسفة عصر الأنوار. جدير بالذكر، أن هذه الندوة التي افتتحها مدير المركز الدكتور نوح الهرموزي، قام بتسييرها المفكر المغربي محمد سبيلا، وعرفت حضور مجموعة من الأساتذة والباحثين المغاربة، الذين أغنوا النقاش بتدخلاتهم وإفاداتهم حول إشكالية الدولة المدنية في المجتمعات الإسلامية.