لقد تابع الدعاة والعلماء والمجتمع المصري والعربي تطاول رئيس تحرير الأهرام على الشيخ يوسف القرضاوي في مقالته بعنوان: "آن للبرادعي والقرضاوي أن يخرسا"، عدد السبت 28 ديسمبر 2012م، طالب فيها فقيه العصر وإمام الأمة أن "يخرس"، واتهمه بأنه يريد أن يجعل من نفسه أحد الزعامات الواهية التي أكل عليها الدهر وشرب، وأنه يقفز على المشهد، ويعاني الزهايمر والخرَف والهلوسة! وأنه يعمل لحساب عواصم وأجهزة خارجية, تعبث بأمن الوطن ومقدرات المواطن، بما يجعل من مصر رأس حربة للتدخل في شئون دولة أخري تشهد انتفاضة طائفية واضحة, وليست ثورة شعبية بأي حال من الأحوال، وأن الشيخ تشغله الطائفية السنية والشيعية والعلوية, ناهيك عن الفتنة الخليجية, خاصة القطرية منها. ذكرني هذا التطاول والتجاوزات بما حدث للداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي أيضا من الأهرام، حينما كتب صلاح جاهين كلماته السخيفة بحق الشيخ ورسم "كاريكاتير" لا يليق به، فهاجت الجماهير وأقامت مظاهرات أجبرت الأهرام على التراجع.. فهل تريد الأهرام أن تكون متطاولة على علماء الأمة ودعاتها، أم أن هذه سقطات أخلاقية من بعض كتابها دُفعوا إليها من جهات مغرضة، ولا تعبر عن الخط العام للمؤسسة؟. ثم هو – رئيس التحرير - يطالعنا في مقالته في الأهرام عدد الجمعة 4 يناير 2013م، بعنوان: "حديث الإفلاس" تحدث فيها عن أن المتحدثين عن الإفلاس واهمون، وهي مقالة جيدة غير أنه خصص في نهايتها فقرة لاعتذار أسميه "اعتذار متكبر"، قال فيه: "حينما يعتلي الإمام المنبر, فله منا كل التبجيل, وحينما يؤم المصلين, فله كل التكريم, وحينما يسير حتي في الأسواق, فله منا كل الاحترام, أما إذا جلس العالم علي مقهي, فعليه أن يخلع العمامة, وإذا ذهب لمشاهدة أمسية فنية, فبالتأكيد سيخلع الجبة والقفطان, إلا أنني أعتقد أنه حينما يعمل بالسياسة, فهو قابل للصواب والخطأ, كباقي السياسيين وباقي البشر, وبالتالي فعليه أن يقبل الانتقاد, فإذا ذهب لمؤتمر سياسي جماهيري, فقد يتطاير حوله الكثير من الحجارة, وفي الحالة المصرية, تصل إلي المولوتوف والخرطوش.. إذن نحن أمام بشر قبل أن يكونوا علماء, وليسوا معصومين, فالإله واحد, وهو وحده المنزه, والأنبياء نعلمهم جميعا, وهم المعصومون, وما دون ذلك ليسوا آلهة, ولا معصومين, إلا أننا نقر قدر العلماء, ولا أحد يختلف علي ذلك, ولهم منا كل التقدير, ولهم علينا كل التبجيل, ولا يمكن بأي حال أن ننتقص من أقدارهم, فما بالنا إذا كانوا من كبار السن؟.. هم إذن في مقام الآباء والأجداد, ولهم علينا الكثير والكثير, وإذا صدر منا ما يسبب لهم ألما, فلهم كل الاعتذار, إلا أنهم وأننا نظل بشرا, تحتمل سلوكياتهم وسلوكياتنا الصواب والخطأ, فما بالنا إذا اشتغلنا بالسياسة, في هذا الظرف الذي اختلطت فيه الأوراق؟!.. هي إذن كلمة واجبة, وربما في هذه الكلمة ما يعد ردا علي المزايدين, حتي يدركوا أن الإله واحد, لا شريك له". وأقول له: هل من الضروري في نظرك أن يدعي العالم الألوهية حتى لا ينتقد؟ وإذا لم يدع ذلك فيجب أن نتهمه بالهلوسة والخرف وأن دار المسنين أولى به، ويجب عليه أن يخرس؟ وما علاقة النقد وبيان الخطأ – إن وجد - بسوء الأدب والانحطاط الأخلاقي والبذاءات والسخافات؟ فضلا عن أن ما حدث من الشيخ القرضاوي لا يستدعي ما تقول، وقد خطب خطبة حملت من المعاني والقيم ما أشاد به العالم؟. لقد ذهب وفد من نقابة الصحفيين ومجلس إدارة الأهرام إلى العلامة القرضاوي لتقديم الاعتذار له، فما كان من رئيس التحرير إلا أن ألغى صفحة "إسلاميات" التي تصدر كل سبت وتنشر لكبار العلماء والمفكرين على رأسهم د. محمد عمارة، ود. طلعت عفيفي، ود. زغلول النجار؛ لأن الأهرام أصبحت "عزبة" لرئيس تحريرها بعد ثورة قدمت مئات الشهداء وآلاف الجرحى من أجل رفض هذه الممارسات اللاأخلاقية. إذا كان الشيخ تنازل عن حقه، ورفض أن تقام دعاوى قضائية ضد رئيس التحرير، بل دعا له بخير! فإن حق العلم والعلماء والدعاة لا يسقط، ومن هنا فإنني أدعو العلماء والدعاة أن يغضبوا للعلم وحقه، وأن يرفضوا ممارسات رئيس التحرير واعتذاره المتكبر واللاأخلاقي، فلا يجوز لأحد أن يمارس اللاأخلاقية فضلا عن الاستبداد ومصادرة الآخر بعد الثورة.