لا يسمح لغير أعضاء اللجنة التنظيمية المكلفة بترتيب الأمور في محيط القبر الذي سيوارى فيه جثمان الشيخ ياسين بالدخول الى مقبرة الشهداء، في الوقت الذي تمكنت فيه ثلة من المصورين والصحفيين من الوصول إلى القبر قبل وصول جثمان فقيد جماعة العدل والإحسان. أمواج المعزين والمصلين والماشين في جنازة الشيخ لم يتمكنوا كلهم من الولوج الى المقبرة المطلة على المحيط الأطلسي، والتي ووري في ثراها المعارضون الشرسون وإلى جانبهم أكثر الناس موالاة للحكم في المغرب على مدة تزيد عن الخمسة عقود. مكبرات صوت مربوطة الى مولد كهربائي صغير أحمر اللون، بالكاد يسمع صوت ضجيجه أمام صوت أعضاء اللجنة المنظمة الذين يطلبون من الجميع التراجع قليلا إلى الوراء "عاونونا ألمؤمنين الله ايجازيكم.." هكذا كان يطلب عضو من الجماعة، من الصحفيين والفضوليين ومنتسبي الجماعة، إفساح المجال لأعضاء مجلس الإرشاد المرافقين للجثمان وإلى جانبهم قيادات محسوبة على الحركة الإسلامية من داخل ومن خارج الوطن. ماركسية بنسعيد أيت يدر ومحمد الساسي، لم تمنعهما من الوقوف على رصيف المدخل الرسمي للمقبرة في انتظار ظهور مقدمة الجنازة المهيبة لتقديم العزاء. وجوه من العدالة والتنمية، حركة الإصلاح والتوحيد، حزب الأمة، البديل الحضري، حزب الفضيلة، الحزب الاشتراكي الموحد، قيادات من الحركة السلفية.. حتى بعض شباب حزب النهج الديمقراطي و شباب محسوبون على يسار حركة عشرين فبراير كانوا هناك. دخل المشيعون إلى المقبرة فتقدموا صوب ربوة خضراء حيث تحلق المئات من مريدي الشيخ حول "المثوى الأخير". أنزل الرفات إلى القبر ووضع عليه التراب تحت تراتيل القرآن الكريم حيث كان المقرئ يتلو "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.." الآية. أمسك محمد العبادي، المرشد المؤقت لجماعة العدل و الإحسان بالميكرفون فتوجه بعد البسملة والحمدلة إلى الصحفيين وأعضاء الجماعة المصورين قائلا "لا تلهوكم الصورة عن المصور"، و"المصور" هنا اسم من أسماء الله الحسنى، قبل أن يواصل "إن كنتم تحبون هذا الرجل وتريدون تخليد صوره وه في مثواه الأخير، فعليكم بنقش صورته في قلوبكم". بدأ العبادي رثاء شيخه مستشهدا بالحديث النبوي " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوا له" مؤكدا للواقفين على قبر "سي عبد السلام" أن المرحوم حقق هذه الشروط الثلاثة و التي تجعله يعيش حياة أبدية في نفوس من أحبوه. العبادي الذي أشار إلى أهمية يوم الجمعة ك"سيد الأيام" و رمزية شهر محرم الذي توفي فيه شيخ أكبر جماعة إسلامية بالمغرب، قال أن الشيخ ياسين كرس حياته وأفناها في الدعوة إلى الله. المرشد الجديد قال أن المرشد الراحل (الذي عاشره لمدة تربو عن 35 سنة) كان في حياته مهموما ب"همين متداخلين متمازجين" وهما: هم لقاء الله و هم الدعوة الى الله. شيخ الجماعة الجديد قال أن ياسين "عاش العبودية المطلقة والانكسار و الإذلال بين يدي الله سبحانه وتعالى". بعد دعوة الحاضرين إلى التمثل بأخلاق وسلوكيات الشيخ الراحل الذي "كان تاليا للقرآن، صواما.."، أنهى الموعظة التي ذرف بعض المريدين الدموع بعد سماعها، كي يمر الزعيم الجديد إلى إرسال رسائل سياسية مشفرة، مشيرا إلى ما تعرض إليه الشيخ ياسين من "ابتلاء". شيخ قال عنه العبادي في كلمة نعيه "أن الله نزع من قلبه الخوف من المخلوقات". العبادي دعا أعضاء الجماعة بشكل مبطن إلى الاستمرار في المقاومة، مشددا على أن تكون مقاومة سلمية تنهل من حياة الشيخ الذي كان نموذجافي التسامح، فالرجل حسب العبادي "كان يدعو لمن آداه بالخير والهداية".