وسط حشود بشرية كبيرة، قدرت بمئات الأ لاف،وفي جو جنائزي حزين، ودعت اليوم جماعة "العدل والأحسان"،غير المرخص لها، زعيمها الروحي ، عبد السلام ياسين،إلى مثواه الأخير بمقبرة الشهداء بالرباط، عقب صلاة الجمعة. ومنذ ساعات الصباح الأولى، بدأت الوفود تتدفق على العاصمة من جميع أنحاء المغرب، في حافلات نقل عمومية، وكذا في سيارت خصوصية.وقال سائق طاكسي لموقع " مغار بكم"، إنه فوجيء بعدد كبير من الوافدين عبر مطار الرباطسلا، جاؤوا خصيصا للمشاركة في الجنازة. وأوضح أحد أعضاء جماعة العدل والإحسان،أن علماء ورجال دين قدموا من الخارج، خاصة من موريتانيا والجزائر، وغيرهما من الدول العربية والإسلامية،من أجل توديع فقيد الجماعة، نظرا للعلاقة الوطيدة التي كانت تربطهم به. واتخذت السلطات المحلية إجراءات أمنية، تجلت في الحضور المكثف لرجال الأمن، وإخلاء الشارع الذي سيمر منه الموكب الجنائزي من السيارات بصفة نهائية. وعلى طول الطريق الرابطة بين مسجد السنة، حيث جرت الصلاة على جثمان المرحوم عبد السلام ياسين،ومقبرة الشهداء،امتدت مسيرة حاشدة،سادها ازدحام وتدافع وتسابق نحو المقدمة. وقال حسن بناجح، مدير مكتب الناطق الرسمي باسم الجماعة، لموقع " مغارب كم"، في جواب له على سؤال بشأن عدد المشاركين، "إن الموكب الجنائزي استقطب مسيرة مليونية"، على حد تعبيره. ورغم كل التسهيلات التي كانت تقدم للصحافيين، من طرف منظمي المسيرة الجنائزية، فقد وجدوا صعوبة بالغة في القيام بمهامهم، بسبب الاكتظاظ الذي كان هو الطابع السائد والمهيمن. وبذل شباب الجماعة من المتطوعين جهودا جبارة لتنظيم وتأطير الموكب الجنائزي، عبر سلسلة بشرية متراصة، غير أن الوضع كان خارج السيطرة، وكان يفلت منهم كثيرا، فيلجأون إلى طلب المساعدة:" عاونونا الإخوان في التنظيم". وتطوع البعض من أتباع الجماعة بحمل قنينات ماء من الحجم الكبير لإرواء ظمأ المشاركين، والأخذ بيد بعض المعاقين وذوي الحاجة الخاصة، ممن أصروا على السير في الجنازة، رغم إعاقتهم الصحية، وقد كان من بينهم رجل يمشي بالكاد، وهو يجرجر رجليه، متكئا على سيدة يبدو أنها زوجته، وكلما دعته إلى التوقف، رأفة به،كان يرفض بشدة. وعلى الرصيف، وفي شرفات المنازل والمكاتب ،وقف المواطنون، من سكان العاصمة وموظفيها، حاملين هواتفهم النقالة لتسجيل صور هذا الحدث، فيما تسلق البعض من المصورين أي مكان عال يسمح لهم بالتقاط صورة شمولية قادرة على أن تكون أكثر تعبيرا عن ضخامة حجم الجنازة، التي كانت تسير وسط صمت رهيب. وبمجرد الاقتراب من مقبرة الشهداء، اكتشف المنظمون أن هناك جموعا بشرية أخرى كانت في الانتظار،عند البوابة، أملا في إلقاء النظرة الأخيرة على المرحوم عبد السلام ياسين. وأمام هذا الاكتظاظ، طالب أعضاء لجنة التنظيم من الحاضرين تفهم الموقف، وعدم الدخول كلهم، " حفاظا على هيبة الجنازة، وحتى لاتداس القبور بالأقدام، لأن المقبرة لاتتسع للجميع"، لكن هذا الطلب ضاع وسط الزحام، ولم يستمع إليه أحد،وأخذ البعض يتسلق حائط المقبرة للولوج إليها. ولوحظ حضور مكثف لمختلف ممثلي أجهزة الأعلام الوطنية والدولية، لاسيما من فرنسا واسبانيا،وقد ظلوا حريصين على مواكبة مختلف مراحل الجنازة إلى أن وري جثمان الفقيد التراب، على وقع آيات بينات من الذكر الحكيم،عبر مكبرات الصوت. ووقف محمد العبادي، القيادي بالجماعة، وأحد المقربين من الفقيد ليلقي كلمة التأبين في حقه، مشيدا بخصاله، ونبل أخلاقه، وزهده في الدنيا،وتعلقه بخالقه ودينه. وقال العبادي، إن هذا الرجل كرس حياته لخدمة الدعوة إلى الله،" ومنذ أن عرفناه، وصحبتي معه،تربو على 35سنة، وهو يعيش همين متوازنين، متمازجين: هم لقاء الله، وهم أمة رسول الله". وأضاف أن ذكره لله كان لاينقطع أناء الليل وأطراف النهار،اشتياقا منه إلى خالقه، " وكان كلامه كله، وتوجيهاته كلها، حول الله"، " وما من جلسة كنا نجالسه فيها،إلا ويذكرنا بالله، وكان حديثه لاينقطع عن الآخرة،لأننا أبناء الأخرة". ومضى العبادي متحدثا عن صفات عبد السلام ياسين العديدة، وضمنها الشجاعة،فقال إنه "نزع من قلبه الخوف من المخلوقات"، وذلك ماأدى إلى ثباته على المبدأ والحق،عبر "الروحانية التي اكتسبها عن طريق صحبة الأخيار، والإقبال على الله"، مما أعطاه القوة والفهم الصحيح لرسالة ودين الإسلام ". وأردف العبادي أن بعض الناس، غفر الله لهم كانوا يتهمونه، عن خطأ في عقيدته،وبالبدعة أحيانا، علما "أن حياته وحركاته وسكناته كلها كانت منضبطة بضوابط شرع الله." وبخصوص موقف ياسين " من الناس الذين نالوا من عرضه وحاصروه، ودبروا له المكائد،"أوضح المتحدث أن قلبه كان مفعما بالحب والشفقة والرحمة على الخلق، ملمحا إلى أنه لم يحقد على أحد، بل كان من دعاة الخير ونبذ العنف. وأشار العبادي، في معرض حديثه عن الفقيد،إلى أنه كان" يوقن بأن الخلافة الإسلامية أتية لاريب فيها، لتستعيد الأمة الإسلامية مجدها وسؤددها، ولا يمكن الوصول إلى ذلك إلا بالرجوع إلى كتاب الله". "فإذا كنا نحبه حقا،يضيف العبادي، فلابد من أن نرجع إلى كتاب الله، وقد كان في معظم مجالسنا يدعونا إلى حفظ كلام الله، وكان يعيش " المنهاج النبوي" معاملة وسلوكا وأخلاقا". و ذكر العبادي، أن الفقيد عبد السلام ياسين، وجد حشرة صغيرة ضالة، فأخذها بيده، ووضعها برفق في الحديقة. *تعليق الصورة: مشهد من جنازة الفقيد عبد السلام ياسين.