كما كان متوقعا، حج آلاف المتعاطفين وأتباع الشيخ عبد السلام ياسين، مرشد جماعة العدل والإحسان الذي وافته المنية صباح أمس الخميس، في جنازة تفوقت ظاهريا في عددها وتنظيمها على مسيرات غزة وفلسطين والعراق التي كانت تؤتث شوارع الرباط. جهاز أمني متأهب.. شهدت مناسبة تشييع جثمان الشيخ ياسين، نزولا مكثفا للقوات الأمنية بمختلف تلاوينها، خصوصا أجهزة التدخل السريع والقوات المساعدة ورجال الأمن بالزي المدني، فيما لوحظ تواجد مدرعة مخصصة لتفريق التجمهرات بواسطة رشاشات المياه القوية.. في وقت أغلقت السلطات الطريق المؤدية إلى شارع محمد الخامس الرئيسي منذ وقت مبكر، حيث تم إخبار المتجمهرين في ساحة مسجد السنة بواسطة مكبرات الصوت أن مسار الجنازة يجب أن يأخذ منحى باب السفراء المحاذي للقصر الملكي مرورا بباب الرواح فشارع النصر، حيث أخذت المسيرة مسارها متجهة نحو مقبرة الشهداء: المثوى الأخير لجثمان الشيخ ياسين. غاب القصر .. وحتى الحكومة خلافا للمتوقع، حضر وزير العدل والحريات المصطفى الرميد، ولم يحضر رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، وهو الذي كان أول الحاضرين في بيت العزاء الذي أقيم ببيت عبد السلام ياسين أمس الخميس بحي السويسي، حيث كان حاضرا رفقة وزير الدولة عبد الله باها، فيما خابت التكهنات والتحليلات القائلة بإمكانية حضور موفد من القصر الملكي لحضور تشييع جثمان عبد السلام ياسين، خصوصا بعد ما رفع الإعلامي الرسمي الحصار عن الجماعة ببث خبر وفاة مرشدها على قناتي القطب العمومي، ولو بشكل عابر ومحتشم. من جهة أخرى، عرفت الجنازة/المسيرة المليونية حضور العديد من الشخصيات والرموز المغربية المعروفة كالقيادي المخضرم في الحزب الاشتراكي الموحد محمد بنسعيد آيت ايدر والحقوقي خالد السفياني والفنان الساخر بزيز، وزعيم النهضة والفضيلة محمد خالدي والأمين العام للبديل الحضاري الممنوع من التأسيس، محمد المعتصم، زيادة على حسن الكتاني وعمر الحدوشي أحد الرموز السلفية، إضافة إلى رضا بنخلدون، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، ومحمد الحمداوي رئيس حركة التوحيد والإصلاح مرفوقا ببعض أعضاء مكتبها التنفيذي.. خطيب الجمعة.. إنما الأعمال بالنيات في مسجد السنة الشهير الذي أقيمت فيه صلاة الجنازة تزامنا مع صلاة الجمعة، ألقى الخطيب موضوع خطبته حول "الإخلاص والنية"، استنادا على حديث النبوي القائل "إنما الأعمال بالنيات"، حيث تحدث عن أنواع الإخلاص ومراتبه من أجل تحصيل النية الصادقة والعمل الصالح.. الخطيب لم يتحدث ولو بإشارة إلى مناسبة وفاة الشيخ عبد السلام ياسين، واكتفى في دعاءه بالترحم على الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، ليخصص دعاء ثانيا للترحم على جميع موتى المسلمين. سلال بشرية.. على طول المسيرة المليونية التي كانت تتحرك ببطئ، تنصبت هناك العديد من السلاسل البشرية من أجل تطويق سيارة الإسعاف المحملة بنعش الراحل، وأخرى لضبط مسار الجنازة وعدم السماح للغرباء بالدخول إلى وسطها أو محاذاة سيارة الإسعاف. كما لوحظ تطوع العشرات من أتباع الجماعة يتجولون وسط المسيرة، وهم يوزعون المياه على المشيعين العطشى، في جو من الحزن والبكاء. من ناحية أخرى، شوهد العديد من الموظفين يطلون من نوافذ وشرفات مقرات عملهم وهم يصورون حدث المسيرة، ومنهم من نزل للشارع مشاركة في التشييع. غلام.. لم يفارق شيخه بدا الحزن الشديد والتأثر الكبير على محيا رشيد غلام، المنشد الذي تربى في أحضان جماعة العدل والإحسان، والذي كان في بعض أناشيده يخصص مساحة لمدح شيخه المتوفى، حيث لم يفارق الباب الخلفي لسيارة الإسعاف المطل على نعش مرشد الجماعة المشيع. داخل المقبرة.. في الوقت الذي كانت فيه الجنازة الرئيسية قادمة ببطء نحو مقبرة الشهداء المحادية للمحيط الأطلسي بحي المحيط بالعاصمة، توجه آلاف المشيعين نحو الباب الرئيسي للمقبرة قصد استقبال الجثمان، حيث عاينت هسبريس العشرات من الأفراد من بينهم صحفيين يسلقون حائط المقبرة للوصول إلى مكان الدفن، بعد أن تم منعهم من الدخول من قبل اللجنة التنظيمية التي كانت تتكتل في غير ما موضع على شاكلة سلسلة بشرية. عبادي.. والرد على المخالفين بعد اجتماع حشود المشيعيين على مقبرة الشهداء، وبعد دفن جثمان الشيخ ياسين، تقدم محمد عبادي، المرشد المؤقت للجماعة، ليقلي كلمته التي عددت مناقب الزعيم المؤسس من ارتباطه الوثيق بالقرآن الكريم والسنة النبوية، حيث توجه إلى الحضور بالقول أن الراحل "عاش للآخرة وتحرك لأجل النهوض بهذه الأمة.. فهؤلاء الحشود هم ثمرة من صنع يده". واستغل عبادي المناسبة ليرد على مخالفي ومنتقدي الشيخ ياسين في منهجه وأفكاره، بالقول "هناك بعض الناس غفر الله لهم كانوا يتهمونه في عقيدته ويتهمونه بالبدعة ونالوا من عرضه وحاصروه.."، مشددا في كلمته أن الشيخ ياسين كان يتصدق على الناس بعرضه، "وما عرفنا عنه أنه سلفي العقيدة.. وكان يعيش على السنة ويغوص في النوافل كلها.. فحياته وحركاته كانت كلها منضبطة بشرع الله".. ليختم عبادي كلمته التي بدت آثارها على الحاضرين من أتباع المرشد المتوفى، بضرورة الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله "إذا كنا فعلا نحبه".