لا تعتبر لحظة انعقاد المؤتمرات الحزبية لحظة عابرة في الزمن السياسي بل تعد لحظة حاسمة في تحديد ملامح مستقبل الأحزاب وصياغة خطها السياسي وكيفية انتداب أجهزتها وهياكلها وانتخاب قياداتها. وهذه القاعدة تسري على المؤتمر الوطني التاسع لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، هذا المؤتمر الذي يرهن مستقبل الاتحاد بين خيارين لا ثالث لهما.اما ان يكون مؤتمر الانبعاث الحزبي،او مؤتمر الانتحار السياسي . وفي أدبيات الحزب يعتبر المؤتمر الوطني اهم الأجهزة الوطنية لكونه يعد أعلى هيئة تقريرية ، وينعقد كل أربع سنوات. ويمكن عقد مؤتمر استثنائي عند الاقتضاء. وحسب قوانين الحزب فللمؤتمر الوطني مهام أساسية وإستراتيجية من اهمها : * وضع التوجهات الإستراتيجية والخط المرحلي للحزب. * الاختصاص بتعديل القانون الأساسي للحزب، و يمكنه أن يفوض ذلك للمجلس الوطني. * انتخاب الكاتب الأول وأعضاء اللجنة الإدارية الوطنية. ويحضر للمؤتمر فئتين من المؤتمرين . مؤتمرين بالصفة ومؤتمرين بالانتخاب. • المؤتمرون بالصفة: أعضاء المجلس الوطني وأعضاء اللجنة التحضيرية بمن فيهم فعاليات تضاف إلى اللجنة التحضيرية في حدود عشرة في المائة من عدد أعضاء الجنة الادارية يقترحهم الكاتب الأول وتصادق عليهم اللجنة الإدارية. • المؤتمرون بالانتخاب: يحدد عدد المؤتمرين بالانتخاب من طرف اللجنة التحضيرية للمؤتمر على قاعدة حاصل الأصوات التي حصل عليها الحزب في آخر انتخابات جماعية وتشريعية السابقة على انعقاد المؤتمر مقسوم على اثنين. وعلى قاعدة عدد الأعضاء المقيدين في قوائم العضوية المحصورة طبقا لقرار المجلس الوطني بتاريخ 30_09_2012 المشار إليه في كتاب المكتب السياسي إلى كتاب الجهات والأقاليم والفروع المؤرخة في 03_10_2012. ويتم توزيع عدد المؤتمرين على الجهات تم الأقاليم الحزبية وفقا لنفس القاعدة بحسب 75 في المائة لحاصل الأصوات الانتخابية و 25 في المائة للعضوية. 1-المؤتمر والسياق العام والوضع الداخلي للحزب: يعيش الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ سنوات أزمات عميقة تنظيمية وتدبيرية وقيادية ، هذه الأزمات التي ازدادت خطورة منذ قبول قيادته مواصلة المشاركة في حكومة ادريس جطو سنة 2002 رغم ان تعيينه جاء مناقضا للمنهجية الديمقراطية لكونه جاء من خارج الاحزاب السياسية ، هذه المشاركة التي اعتبر ها الكثير من المحللين وبعد المناضلين الاتحاديين خطأ استراتيجيا ادى الحزب ثمنها غاليا تجسد في فقدان الحزب لقواعده الشعبية وتراجعه في كل الانتخابات الجماعية والتشريعية. ونتيجة هذا الوضع برزت عدة أصوات اتحادية تحذر قيادة الحزب بخطورة اختلالات الوضع التنظيمي والتدبير عبر إصدار عدة تقارير تحدد مكامن الاعطاب ومظاهر الاختلالات في أغلب الأجهزة الحزبية : المركزية والجهوية والإقليمية والمحلية زاد من حددتها تدخل الأجهزة التقريرية عن مهامها ، وإغلاق التنظيمات في وجه الطاقات والكفاءات الجديدة ، وظهور ثقافة الطوائف والولاءات والتشبت بالمقاعد و فقدان الحزب قدرات التأطير والاتصال الجماهيري . وقد عبر عن هذه الاختلالات بشكل واضح وصريح الكاتب الأول السيد عبد الواحد الراضي في تقريره أمام دورة المجلس الوطني الأخيرة في 05 ماي 2012 عندما صرح بأن الاتحاد يعيش حالة انتحار جماعية. والأكيد ان المؤتمر التاسع للحزب سيكون محطة للتشخيص والتقييم لما آل إليه الوضع السياسي والتنظيمي والتدبيري للحزب وبالخصوص نتائج الاتحاد في الانتخابات الجماعية 2009 والتشريعية سنة 2011 ،وطبيعي ان يكون هذا الوضع المقلق للحزب حاضرا في كل برامج المرشحين للكتابة الاولى : الطالبي لشكر المالكي فنح الله والعلو والزايدي ، ومن المؤسف ان تتحول الندوات الصحفية للمرشحين الخمس لتقديم برامجهم الانتخابية الى حملات شرسة لتصفية الحسابات وتبادل الاتهامات ونشر غسيل المطبخ الاتحادي. 2- الترشح ونمط التصويت : خمسة مرشحين ينتمون الى مرجعيات وأفكار وقناعات مختلفة وهم محمد الطالبي احمد الزايدي ادريس لشكر الحبيب المالكي فتح الله والعلو هم من سيتنافسون للفوز بالكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي . وسيتم انتخاب الكاتب الاول في دورتين و هو اختيار موفق يعبر عن رغبة قوية لدى الاتحاديين في جعل التنافس بين المرشحين تنافسا ديموقراطيا و برنامجيا، وليس تنظيميا فقط يرتبط بالكم العددي للمؤتمرين، و هو اختيار من شأنه منح الكاتب الاول الفائز المقبل شرعية التمثيل الحقيقية وذلك من خلال الفوز بالأغلبية المطلقة لأكثر من نصف اصوات المؤتمرين عكس ما كان يحدث في المؤتمرات الاتحادية السابقة حيث كان عملية انتخاب الكاتب الاول تتم على شرعية " الاقلية" وهو ما ظهر بوضوح اثناء انتخاب الكاتب الأول في المؤتمر الثامن الذي ترشح فيه أربعة مرشحين على أساس دورة واحدة حيث ان فارق الأصوات بين المرشحين كان بعدد قليل من الأصوات كما كان معمولا به سابقا حيث يتم انتخاب الكاتب الأول بعدد أصوات قد لا يشكل 17 في المئة من المؤتمرين و بفارق بسيط قد لا يتعدى 20 او 30 صوتا عن باقي المرشحين، و يمكن العودة هنا للمؤتمر الوطني الثامن و لعدد الأصوات التي حصل عليها المتنافسون للكتابة الأولى الأربعة و فارق الأصوات بينهم.ولعل الرهان على نمط الاقتراع في دورتين سيقوي صلاحيات الكاتب الأول لانه سيكون متوفرا على مشروعية التمثيل الديمقراطي وسيحميه من كل ضغوطات بعض أعضاء المكتب السياسي اللذين كانوا مرشحين منافسين له في المؤتمر. 3- بروفايل المرشحين وبرفايل الكاتب الاول المقبل: خمسة مرشحين بخمسة مسارات وبخمس خطابات وممارسات وأفكار وتراكمات وتصورات لكن مهما اختلف بروافيل المرشحين فهناك إجماع حول المواصفات التي يجب ان تتوفر في الكاتب الاول المقبل الذي سيفرزه المؤتمر التاسع ومن أهمها ان يكون رجل دولة حقيقي في مستوى المهام التي جاء بها الدستور الجديد الذي نص في فصله 47 ان الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها وهو ما يعني ان تعيين رئيس الحكومة سيكون من نصيب الحزب الحائز على المرتبة الاولى في الانتخابات التشريعية وان كاتبه الأول او أمينه العام هو من سيقود رئاسة الحكومة، وهو ما يعني ان تصويت الناخبين سيكون حاسما في اختيار بروفايل ونوعية الكاتب الأول المقبل . 4- مساطر انتخاب المؤتمرين حسب المذكرة التوضيحية رقم 55/12 المتعلقة بمسطرة انتخاب المؤتمرين للمؤتمر التاسع فقد حددت هذه المذكرة 11 مرحلة تتعلق بتوزيع ومسطرة انتخاب المؤتمرين وهي على الشكل الاتي: المرحلة الاولى: حول توزيع عدد المؤتمرين المرحلة الثانية تحديد جدولة انتخاب المؤتمرين المرحلة الثالثة: الاشراف على انتخاب المؤتمرين المرحلة الرابعة: في انتخاب المؤتمرين المرحلة الخامسة: في شروط المنتخبين المرحلة السادسة: التأهل للترشح المرحلة السابعة: في التصويت المرحلة الثامنة: في الفرز المرحلة التاسعة: اعلان النتائج المرحلة العشرة: الطعون المرحلة الحادية عشر: مقتضيات ختامية يتبين من هذه المراحل ان لجنة الانتخابات قد وضعت عددا من الشروط لانتخاب المؤتمرين من أهمها ما جاء في المرحلة الأولى وهو ان عدد المؤتمرين المخصص لكل جهة يحتسب على قاعدة مجموع الأصوات المحصل عليها من طرف لوائح مرشحي الحزب في الانتخابات الجماعية 2009 والتشريعية 2011 مقسومة على اثنين ومجموع أعضاء المقيدين في اللوائح العضوية المحصورة من طرف المكتب السياسي في أعقاب الحملة الوطنية لتحديد العضوية بحسب 75 في المائة لصالح الاصوات و25 في المائة لقوائم العضوية. ويتولى المكتب السياسي توزيع العدد المخصص لكل جهة على الكتابات الجهوية وتولى الكتابات الجهوية في اجتماع مشترك مع كتاب الاقاليم الحزبية بالجهة توزيع العدد المستحق لكل اقليم وتولى الكتابات الاقليمية في اجتماع مشترك مع كتاب الفروع الحزبية بالاقليم توزيع العدد المستحق لكل فرع. اما المرحلة الثانية فتحدد جدولة انتخاب المؤتمرين والتي انطلقت ما بين 17 نونبر الى 2 دجنبر 2012 ، والمتتبع للشأن الاتحادي يلاحظ بان هذه الجدولة لم تحترم ولم تلتزم بها القواعد حيث ان عددا من الجهات لم تتمكن من انتخاب مؤتمريها ما بعد بسبب الصراعات والتطاحنات حول مساطر انتخاب المؤتمرين.ويوحي هذا التأخير بمدى صعوبة تدبير اللجنة التحضيرية للمرحلة القبلية للمؤتمر. والأكيد ان انتخاب الكاتب الأول للاتحاد ستتحكم فيه عدة اعتبارات من أهمها علاقة المرشح بالمؤتمرين وبنوعية تحالفاته القبلية مع باقي المرشحين. وعلى هذا الأساس تبقى عملية انتخاب المؤتمرين محطة أساسية في تحديد ملامح الكاتب الأول المقبل لاعتبار بسيط ان من يتحكم في انتخاب المؤتمرين سيكون أكثر المرشحين للمرور للدور الثاني التي سيتأهل اليه مرشحان اثنين سيتنافسان في بينهما لفوز بالكتابة الأولى لاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وفي هذه المحطة تلعب عملية التحالفات القبلية والبعدية دورا أساسيا في الفوز بالكتابة الأولى ونشير بالمناسبة بان انتخاب قوائم المؤتمرين سيعرف حروبا وصراعات ومشادات قوية بين مناصري كل مرشح. 5- انتخاب الكاتب الأول والسيناريوهات الممكنة: انتخاب الكاتب الاول في المؤتمر التاسع للاتحاد لن يكون امرا سهلا للاسباب التالية: نمط الاقتراع في دورتين- سرية الاقتراع - طبيعة التحافات القبلية بين المرشحين- التحكم في قوائم المؤتمرين- لذلك افترضنا عدة سيناريوهات ممكنة نقدمها على الشكل التالي: السيناريو 1 : تأهل كل من فتح الله والعو وادريس لشكر وفي هذا السيناريو سيفوز ادريس لشكر شريطة تحالفه مع المالكي ليكون نائبه له ويمكن لمجموعة من المؤتمرين الذين صوتوا للزايدي وللطالبي ان يصوتوا لصالح لشكر. السيناريو 2: تأهل كل من المالكي وادريس لشكر وفي هذا السيناريو يبقى ادريس لشكر أيضا هو الأكثر حظا بالفوز شريطة تحالفه مع فتح الله والعلو الذي يمكن ان يقترحه كنائب أول له ويمكن لبعض المؤتمرين الذين صوتوا للزايدي او الطالبي ان يصوتوا لإدريس لشكر السيناريو3 : تأهل كل من ادريس لشكر واحمد الزايدي وفي هذه الحالة الفوز بالكتابة الأولى يكون لصالح من عقد تحالفا مسبقا مع المالكي والعلو وان كانت الكفة تميل لصالح ادريس لشكر وسيكون هذا السيناريو من اخطر السيناريوهات الممكنة التي ستعرف حربا ضروسا بين الزايدي ولشكر ومن سيعرف كيف سيقنع أنصار المالكي او فتح الله بالإضافة لأنصار الطالبي سيفوز بالكتابة الأولى وفي هذه الحالة يبقى لشكر الأكثر حظا بالفوز نظرا لإتقانه فن التفاوض والمناورات والواقعية السياسية البراكماتية وتحكمه في بعض المؤتمرين، دون ان نغفل في هذا السيناريو دور بعض صناع القرار في الدعم غير المباشر لادريس لشكر الذي تراهن عليه بعض القوى النافذة في البلاد للتقرب من حزب الأصالة والمعاصرة لتشكيل حلف معارض قوي للحكومة بهدف الحد من مزاحمة شعبوية عبد الالاه بنكيران ، وإيقاف ما يسمى بزحف التيار المحافظ وهيمنته على المشهد السياسي ، والاكيد ان لشكر سيواجه صعوبات لإقناع بعض المؤتمرين لكونه متهما بتقربه من المحيط الملكي . السيناريو 4: تأهل كل من فتح الله والعلو والمالكي الى الدور الثاني وفي هذا السيناريو تبدو حظوظ فتح الله هي الأكثر للفوز بالكتابة الأولى خصوصا وان لشكر سيتحالف معه ليكون نائبه بالإضافة الى بعض أصوات الزايدي التي ستصوت لصالح وفتح الله ولعلو. السيناريو :5 تأهل المالكي والعلو وفي هذا السيناريو سيكون المالكي الأكثر حظا بالفوز لانه سيعتمد في الدور الثاني على اصوات احمد الزايدي وأصوات لطالبي شريطة ان يعين الزايدي نائبا للكاتب العام السيناريو 6 :تأهل كل من الزايدي والمالكي وفي هذه الحالة سيكون الفوز للمالكي الذي سيتفاوض مع ادريس لشكر والطالبي للفوز بأصواتهم شريطة ان يعين المالكي ادريس لشكر نائبا اولا له . السيناريو7: تأهل كل من المالكي والزايدي للدور الثاني وإمكانية فوز الزايدي شريطة تحالفه مع فتح الله والعلو وإقناع بعض مناصري لشكر لتصويت عليه الى جانب شبيبة ونساء الحزب. السيناريو 8: تأهل كل من الزايدي وفتح الله والعلو وفي هذا السيناريو سيفوز والعلو لان سيعتمد على أصوات لشكر والمالكي ليعين واحدا منهما نائبا عنه. ونشير ان السيناريوهين 7 و8 يعدان من من اخطر كل السيناريوهات لان تأهل احمد الزايدي للدور الثاني مع فتح الله والعلو او مع المالكي سيمثل ضربة قاسية لادريس لشكر الذي يمكن ان يقبل كل السيناريوهات باستثناء السيناريو 7 وفي هذه الحالة يمكن للمؤتمر ان يدخل في مرحلة صعبة قد تصل الى انسحاب ادريس لشكر من المؤتمر لانه لن يقبل ان يقصى في الطور الاول مقابل تأهل الزايدي .وفي هذه حالة وقوع هذا السيناريو يمكن قراءة إقصاء ادريس لشكر من المرور الى الدور الثاني انتقاما لبعض الاتحاديين من لشكر الذي يتهمونه بانه يخدم أجندة وقوى معينة كانت من وراء استوزاره ضد مصالح الحزب لكونه يعد من اكبر المدافعين لتقارب الاتحاد الاشتراكي مع حزب الأصالة والمعاصرة . ونشير –هنا- اننا لم نغفل دور التحالف الثلاثي بوعبيد والاشعري وعجول وبعض المؤتمرين الساخطين عن الوضع الاتحادي في تأهيل ذلك المرشح عن ذاك ونحن نضع هذه السيناريوهات ، ولم نغفل- ايضا- إمكانية إبرام تحالفات سرية قبلية او اثناء المؤتمر بين المرشحين توزع فيها الادوار والمواقع ، وإمكانية تدخل قوى خارجية نافذة لصالح هذا المرشح على حساب باقي المرشحين لاعتبارات سياسية. ويعد ادريس لشكر من اكبر المرشحين بقبول كل التحالفات وبعض التنازلات وكل التدخلات حتى ولو كانت خارجية من اجل فوزه بالكتابة الأولى لبراغماتية الرجل . على كل هذه مجرد قراءة في سيناريوهات ممكنة لحزب كبير يمر بأزمات عميقة على اكثر من صعيد وهو يعقد مؤتمرا استثنائيا – ولو كان عاديا- لكون هذا المؤتمر التاسع ينظم في سياق استثنائي يذكرنا بسياق عقد المؤتمر الاستثنائي (1975) الذي طرح فيه الاتحاديون سؤالا مؤرقا : من نحن؟ و ماذا نريد ؟ انه سؤال الهوية والمرجعية والخيار السياسي. فهل مشاريع المرشحين أحمد الزايدي الذي يركز مشروعه على الديمقراطية الداخلية، إلى فتح الله ولعلو الذي يسعى إلى عصرنة الأداة الحزبية، مرورا بحبيب المالكي، الذي يحاول أن يرسي ميثاقا للأخلاق والمصداقية داخل الحزب ، وادريس بلشكر الذي يريد توسيع الوعاء التنظيمي للحزب وانتهاء بمحمد الطالبي الذي يريد تشبيب القيادة والهياكل تجيب عن هذا الأسئلة المقلقة والمؤرقة؟ [email protected]