يستأثر موضوع إصلاح المنظومة التعليمية بالمغرب باهتمام متزايد من قبل جميع الفعاليات المجتمعية المهتمة بمسألة التربية و التعليم وذلك ظرا للتراجع الفضيع و المستوى الهزيل الذي أصبح يميز هذه المنظومة التي لم يعد يربطها بزمن الخلق والإبداع أي رباط ولم يعد لها بالمرة أي تأثير أو تأثر بمجريات الحداثة و التنوير سوى الاجترار و التقليد، ولعل الفقر المنهاجي و القصور الهيكلي و التنظيمي وبالتالي التواضع في الأداء الفعلي و العملي الذي أصبح يسم هذه المنظومة المتضعضعة هي مؤشرات سلبية تؤكد وبالملموس على أن مسألة إصلاح هذا القطاع الحيوي بات متعذرا و مستحيلا وذلك على الرغم من ايلاء الدولة المغربية ومن خلالها الحكومات المتعاقبة الاهتمام المتزايد لهذا القطاع، وأيضا على الرغم من الحزمة الكبيرة من الاصلاحات المتتالية التي لم تصل إلى مستوى الحل الجذري والشمولي الذي يخرج بنية هذه المنظومة المتهالكة من عنق الزجاجة. وعليه و الحالة هذه، تبقى إشكالية حلحلة أزمة المظومة التعليمية عقيما ومتكررا ويراوح مكاه مام تتم محاكمة هذه المظومة محاكمة عادلة أساسها العقل و المطق كما التاريخ و المستقبل. إن أية محاكمة للمنظومة التعليمية تفترض الإحاطة الشاملة بمشاكل التعليمية المستعصية ببلدنا في أبعادها المختلفة سواء واقع المناهج التربوية و التعليمية ونجاعتها أو واقع رجال التعليم و فاعليتهم أو آفاق التعليم و راهنيته. إن الحديث عن واقع المناهج التعليمية والتربوية بالمغرب يستلزم الوعي بفلسفة التعليم ببلدنا منذ فجر الاستقلال و إلى حد الآن، هل تأسست هذه المناهج وتم تسطيرها لتعلي من قيم العقل والإبداع! أم هي مناهج تمت برمجتها لاغتيال العقل وترسيخ الاجترار و المخزنة. ولعل المتتبع الحصيف لايمكنه إلا أن يتفق على أن المناهج التلقينية التي سطرها صناع القرار التربوي و التعليمي لم تكن لتنتج لنا عقولا متعلمة تتمتع بحس عقلاني نقدي يحلل ويعلل الإشكاليات الكبرى التي تهم الوطن و المواطن، ولم تكن لتنجب لنا باحثين جريئين يحملون معول البحث و يبحثون عن اللامفكر فيه بما يعنيه من جرؤة على فضح مؤامرة اغتيال العقل المغربي، وتعرية واقع التزييف والتجهيل و التهميش الذي يعتمل داخل مجتمعا المغربي. وإذا انتقلنا إلى الحديث عن واقع رجال التعليم وفاعليتهم في تكريس منظومة تعليمية محترمة وذات مصداقية، فالملاحظ أنه على الرغم من تحسين وضعية رجال التعليم و الرقي بوضعهم الطبقي و الخبوي إلى مصاف الطبقة الوسطى التي من شأنها خلق دينامية داخل نسيج المجتمع المغربي و التأثير في حركيته و المساهمة من خلال رأسمالها المادي و الرمزي في نموه و ازدهاره مادامت هي الحاملة للواء التربية و التعليم فإن العكس هو الحاصل بحيث نجد أن إحساس رجال التعليم بالمظلومية لازال يسيطر على عقول هذه الشريحة التي ما فتئت في كل مرة تطالب بتحسين الوضعية مع ما يترتب على ذلك من تعطيل للزمن التربوي و التعليمي، و ما ينجم على ذلك من تعميق للصراع بين النقابات التعليمية و الحكومات وكأن هناك صراع وحيد يشغل المغرب يستثيه عن حلحلة المشاكل الأخرى المستفحلة كبطالة الخريجين والمهمشين والمقصيين اجتماعيا، ورغم ذلك يبقى الضمير المهني فوق كل الإعتبارات المطلبية ويجب التسامي و التعالي به فوق كل شيء. وأما عن آفاق التعليم وراهنيته فمن المؤكد أنه أفق مسدود و راهن ملتبس تطبعه الارتجالية و المغامرات الغير محسوبة، وخير دليل على ذلك تجربة السيد ريجيس كزافييه التي أنفقت من أجلها مليارات الدراهم دون أي نتيجة تذكر والتي كان مآلها الفشل الذريع بسبب غياب التكتيك المحكم وبالتالي غياب الاستراتجية التي ترسم طريق المستقبل بما يعنيه هذا المستقبل من ايمان خالص بالذات المنتجة للقيم، وما تمتلكه من إمكانيات ذاتية صرفة لابداع تعليم وطني وشعبي و عقلاني وذو مردودية يكون في مستوى التحديات التي تنتظر مغرب الألفية الثالثة حيث ايقاع العولمة المتسارع لايترك المجال لاعادة اجترار الفشل أو معاودة الخطأ. وأخيرا فإن حديثنا عن محاكمة عادلة للمنظومة التعليمية بالمغرب هو حديث دعت إليه الرغبة الوطنية الخالصة لتصفية الأجواء السوداوية التي أصبحت تخيم على قطاع التربية والتعليم وأيضا لوضع القاطرة على السكة الحقيقية من أجل القيام بإصلاح حقيقي لاترقيعي كما عودتنا الحكومات السالفة، إصلاح يجب أن تتوفر فيه النيات الصادقة وأن يقوم به رجال شرفاء يقدرون رسالة التعليم النبيلة و العظيمة، وإلى أن يتحقق الاصلاح المنشود سنظل نكتب وباستمرار منبهين إلى المخاطر التي تحدق بهذا القطاع... [email protected]