قد يتساءل المرء في مغرب اليوم هل هناك تغيير حاصل في كنه السياسة ومداركها ومضامينها ؟وهل بالفعل نشهد قطيعة مفصلية بين ماض سياسي بمثالبه وويلاته ؟أم أننا مازلنا نجتر نفس المسلكيات والتصرفات ،وإن كان الامر يتم في سياقات ووقائع جديدة هللنا لها كثيرا واستبشرنا بقدومها وقلنا بان الحدث يتعلق بربيع مغربي تكتنفه خصوصية على خلاف الربيع الديمقراطي الذي عرفته دول اخرى تتقاطع معنا في الكثير من الخصائص والطبائع السلبية والايجابية؟ كثيرة هي المعطيات الممشوقة بانبعاث الامل وانبلاج فجر جديد اولاها الدستور الجديد،انتخابات بطعم الشفافية،تبوأ الاسلاميين لمراكز القرار والمسؤولية،تبلور خطاب سياسي مشدود نحو القطع مع الماضي السياسي والتأسيس لمرحلة جديدة ملؤها دولة القانون والمؤسسات، والاشتغال بمنطق الحكامة والشفافية ،وذلك بتبني خطاب محاربة الفساد والمفسدين، وهي تباشير استنهضت همم الغاضبين والحالمين على ايقاعات المغرب يتغير ويتحرك, إلا أنه شتان بين زعم التغيير وحقيقته الماثلة بيننا والمكشوفة التي تبين أننا مازلنا نبرح مكاننا ،وما هي إلا أضغاث أحلام تعيدنا الى نسج نفس السيناريوهات، حتى وإن كانت بمعطيات جديدة وبفاعلين جدد ،فالواقع يعطينا ملامح الاستمرارية في طبيعة التعاطي مع الفعل السياسي، وما زلنا نشتغل بنفس السياقات والمناحي المذمومة، بمعنى ماضون على العهد القديم الذي يستكنههه "الكل السياسي" ويعيد تراسيمه واحداثياته على الحاضر السياسي، ويعبد طريقه للمستقبل بنوع من التحصين بتشكيل جدار إسمنتي من الموانع يأمنه من الرجات والتفكك . فالبدايات الأولى في تمظهر وتجلي أزعومة التغيير السياسي هي استمرارية الهدر الدستوري بمكامنه الجلية واستعصاءات تنزيله،على الرغم من زعم أنه يعد عقدا حقيقيا للتغيير والانتقال الى الديمقراطية،بالإضافة الى تراجعات الفاعلين للتأسيس لمضمون جديد للسلطة الذي يتأسس على التوزيع ونبذ أسس الاحتكارية والاستئثارية على مستوى الملك ،مما يعيد الى الواجهة إعتمالات الدستور العرفي والانتصار للشخصانية في تدبير الحقل الدستوري /السياسي على حساب المأسسة والمؤسسية، مقابل أيضا التنازلات التي يقدمها الفاعل السياسي خاصة رئيس الحكومة في علاقته مع الملك ،وبالتالي تنشط حكومة الظل أكثر من "حكومة بن كيران"،وأيضا تطاولات الحكومة على اختصاصات البرلمان والإجهاز على المعارضة البرلمانية على الرغم من أن الدستور يمنحها موقعا متقدما ،وبالتالي التغييب القصدي والقسري للتأسيس لمقومات التشاركية في السلطة والحكم وتدبير السياسات العمومية بين الفاعلين . وفي نفس السياق تبين أن محاربة الفساد لم يخرج من اطار اعلان النوايا فقط ،فأصبح الفساد هم من يحاربنا ويسجل النقط لصالحه وسط التراجعات والتخاذلات الحكومية التي حدد لها بشكل مسبق سقف الفعل والتدخل ووجود علامات المنع والوقف عند محميات المفسدين وعدم الاقتراب منها لكي لا يكون الثمن هو الاندحار والسقوط السياسيين. وعلى مستوى الحقوقي والحريات تبين ان المقاربة الامنية حاضرة بقوة وتوارت وراءها كل المقاربات المؤسساتية والقانونية وذلك في التضييق على الفضاء العمومي كمجال للاحتجاج والتضييق على كل الحركات الاحتجاجية والملاحظ ان منسوب الاحتجاج اصبح يرتفع بشكل كبير بسبب تراجعات الحوار الاجتماعي وعدم وفاء الحكومة الحالية بتعهداتها وتعهدات الحكومات السابقة متنكرة للحق في التشغيل تحت زعم الشفافية والنزاهة ،وأيضا قانون المالية الذي يعرف العديد من الاختلالات والذي لا يرقى الى مستوى تطلعات المواطنين ويكرس الاستمرارية ،وعليه فهناك الكثير من مظاهر انحصار التغيير السياسي لا يسع المجال لذكرها . وفي هذا الخضم الخوف كل الخوف أن يتحول هذا الربيع الى خريف دائم تتناثر اوراقه، وتتساقط حيث تكثر المياه الاسنة والراكدة والأراضي البور والقاحلة والتجاعيد وتجف الابدان السياسية، مما قد يدخلنا في متاهات لا نرتضيها ونبتغيها ولن نجني عندئذ إلا ثمار الحصرة و التحصر،فالتغيير الحقيقي يقاس بما هو ملموس وواقعي، وليس بزخم الكلام الكثير الذي لا طائل منه أو عنتريات منصات الخطابة.