كلما يذكر الحسين شهيدا ××× موكب الدهر ينبت الأحرارا فينادون دولة الظلم حيدي××× قد نقلنا عن الحسين الشعارا (بولس سلامة) في عالم التشيع يعرف شهر المحرم حركيَّة خاصة ترتبط بتخليد ذكرى استشهاد الحسين رضوان الله عليه،وهو تقليد دأب عليه الشيعة منذ قرون وذلك بإظهار الحزن الشديد ،وشق الجيوب، وضرب الرؤوس والظهور بالآلات الجارحة، فشكلت الطريقة المتبعة في إحياء الذكرى نوعا من التعبئة المستمرة التي تفتل في حبل "الأمن المذهبي"، ولصق بها من الانحرافات والبدع ما سمم العلاقات بين الشيعة وأهل السنة، وأعاق - في كثير من الأحيان- فض الاشتباكات المذهبية التاريخية،وبدأت نذر حرب طائفية طاحنة تظهر في الافق؛ لاسيما في ظل سعي لانظام العصابة الأسدية في سوريا لإشعالها بما يأتي على الأخضر واليابس،ولقد وُجد في عالم التسنن من أدان جريمة كربلاء على استحياء،ووُجد من التمس المعاذير للقتلة وتكلف التأويل لأقوالهم وأفعالهم،مخالفا لجمهور العلماء الذين لم يخطؤوا الحسين في خروجه،ولَكَم كان قول ابن العربي محجوجا ومنطقه ممجوجا وهو يقيم خروج الحسين فقال في كتابه (العواصم من القواصم) وهو يعني الحسين: "طلب الابتداء في الانتهاء، والاستقامة في الاعوجاج، ونضارة الشبيبة في هشيم المشيخة (...) وما خرج إليه أحد إلا بتأويل، ولا قاتلوه إلا بما سمعوه من جده المهيمن على الرسل" (كذا) وإن الطريقة التي تخلد بها الشيعة الذكرى الأليمة في كل عام لا تُسهم في تهدئة النفوس،وإنما تسهم في تنزيف الجروح واشتقاق سلوك الأجيال من أكدار الجريمة،ولقد امتلك الشهيد مرتضى المطهري وهو من رواد التصحيح في المذهب الشيعي من الشجاعة ما حمله على الاعتراف بوقوع التحريف في مضامين وأشكال عرض واقعة كربلاء فقال:" "إننا وللأسف الشديد قد حرفنا حادثة عاشوراء ألف مرة ومرة أثناء عرضنا لها ونقل وقائعها، حرفناها لفظيا أي في الشكل والظاهر أثناء عرض الحادثة، مقدمات الحادثة، متن الحادثة، والحواشي المتعلقة بالحادثة، كما تناول التحريف تفسير الحادثة وتحليلها، أي أن الحادثة مع الأسف قد تعرضت للتحريف اللفظي، كما تعرضت للتحريف المعنوي" ،ويلقي بمسؤولية وقوع هذا التحريف على الأصدقاء والمحبين (الشيعة) لا على الأعداء والمخالفين، ويرجع بعض أسبابه إلى غياب التوجيه، وعدم تحديد الهدف. وحذر الشيخ محمد مهدي شمس الدين "من أن تتحول الذكرى ومؤسسة المأثم الحسيني إلى إطار ضيق للتمذهب والتمايز العصبوي"، وأشار إلى وجود بعض الممارسات التي "تحول كربلاء من ثورة إسلامية وإنسانية إلى حركة شيعية بالمعنى الضيق"، ويقرر "أن الحسين لم يثر من أجل مشروع شخصي أو علوي عائلي، أو هاشمي عشائري، أو قرشي قبلي، أو حجازي وطني، أو قومي عربي، إن الحسين ثار من أجل مشروع إسلامي وإنساني". ، ولتبديع الكثير من الممارسات التي ارتبطت بكربلاء سيقت العديد من الحجج منها: أولا: ليس لواقعة كربلاء تلك الأهمية البالغة من ناحيتها الجنائية، فعدد ضحاياها قليلون جدا بالمقارنة مع ضحايا الحروب لصليبية مثلا، ولكن أهميتها تنبع من "تلك الصفحة البيضاء من القصة" . ثانيا: ليس لتلك الأعمال مرتكزات شرعية "مستمدة من نصوص دينية، أو إيحاءات من شخصيات معصومة" ، والفتاوي المجيزة لها "لا تثبت عند الفحص العلمي" . ثالثا: اعتقد الراحل الشيخ محمد حسين فضل الله أن تلك الأساليب لا تنسجم مع طبيعة المأساة لأن "طبيعة المواساة تتبع طبيعة المأساة" ، فإذا كانت المأساة تنطلق من الذات، انطلقت المشاركة أيضا من الذات "أما إذا كانت المأساة تنطلق من الرسالة فلابد أن تكون المواساة منبثقة عن ذلك" ، ولما كانت مأساة كربلاء من النوع الثاني الذي ينطلق من الرسالة، وكان الحسين قد تألم وهو يقاتل في سبيل الله فإن الواجب في "مواساتنا له أن نتألم ونحن نجاهد في سبيل الله" ، ويتساءل: "كيف نوفق بين هذا كله، وبين ضرب الرؤوس بالسيوف، أو جرح الظهور بالسلاسل، أو إدماء الصدور باللطم، ولا ندري ماذا تحقق هذه الأمور؟" ، ويجيب "أنها لا تحقق إلا هدفا عاطفيا ينفعل بشخصية الممثل ولا ينفعل بشخصية البطل" . أما المواعظ المرتبطة بكربلاء فأرجع المطهري التحريف الذي طالها إلى "الرغبة في الخروج من سياق الوعظ والتحليق في خيال الفاجعة" ، والرغبة في صنع كربلاء ثانية . إن كربلاء مناسبة متجددة يدعو فيها الحسين الأمة للتوحد على مواجهة الظلم والظالمين ودوائر الاستكبار الأمريكية والصهيونية التي تريد السيطرة على مقدرات المسلمين والمستضعفين،فلكل زمان كربلاؤه،وكم كان مطهري رائعا يوم "حيَّن" ذات يوم كربلاء فلسطينيا فقال:" واقسم بالله بأن القضية التي تدمي قلب النبي الأكرم (ص) وهو في قبره هذه الأيام هي هذه القضية ( يقصد القضية الفلسطينية)، وإن القضية التي تدمي قلب الحسين بن علي هي هذه القضية، فإذا كنا نحترم أنفسنا حقا، ونقدر عزاء الحسين بن علي، حق التقدير، فإننا يجب أن نتصور ماذا لو أن الحسين بن علي (ع) كان بيننا اليوم، وأراد أن يطلب منا أن نقيم له العزاء؟ ترى أي الشعارات كانت هي التي سيطالبنا بترديدها؟ فهل كان سيقول لنا اقرأوا في المجالس "أين ابني الفتى علي الأكبر"، أو يطالبنا بالمناداة: "يا زينب المعذبة الوداع الوداع"، وهي أمور لا شك لم يفكر فيها" الإمام الحسين" طوال حياته، وإنه لم يردد مثل هذه الشعارات الخانعة الذليلة، في يوم من أيام عمره، نعم فلو كان الحسين بن علي بيننا اليوم، لقال لنا: إذا كنتم تريدون إقامة العزاء من أجلي، وأردتم الضرب على الصدور والخدود من أجلي، فإن شعاركم لابد وأن يكون فلسطينيا فشِمْر اليوم هو موشي دايان وشِمر ما قبل ألف وثلاثمئة عام، قد مات، وعليك أن تتعرف على شمر هذا العصر، لأن جدران هذه المدينة، يجب أن تهتز اليوم من شعارات فلسطين" أقول نعرفه:بنيامين نتنياهو. *عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين