عاد الصراع التاريخي بين المغرب والجزائر لزعامة المنطقة المغاربية، وغرس جذور سباق النفوذ الاستراتيجي في منطقة الصحراء الكبرى، ليرخي بظلاله على التقارير الدولية، من خلال صفقات السلاح التي أبرمها كل من الجزائر والمغرب لتعزيز ترسانتهما في انتظار من يطلق الرصاصة الأولى بين "الإخوة الأعداء" بعد أن شكلت ال35 سنة الماضية حربا طويلة للاستنزاف بين البلدين الغارقين في مشاكل اجتماعية واقتصادية تنعكس بشكل مباشر على المواطنين في الجزائر العاصمة كما في رباط المغرب. وتأتي الأرقام المرصودة لميزانية الجيش لكلا البلدين خلال السنة القادمة، لتزيد من تدعيم السباق المحموم نحو التسلح بعد أن كشفت الجزائر أن إنفاقها ضمن ميزانية 2013 على الجيش والقوات المسلحة يزيد بقليل عن 10 ملايير دولار، وهو ما يعني ارتفاع قيمة نفقات الدفاع والتسليح في الجزائر بنسبة 14 بالمائة تقريبا، قياسا بالسنة الماضية. أي أن الجزائر ستنفق 5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، حسب ما كشفت عنه جريدة "الشروق" الجزائرية. هذا في الوقت الذي ذكر تصنيف لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) أن الجزائر تحتل المركز ال17 مع هولندا ضمن 20 دولة الأكثر إنفاقا على الجيش والتسلح، بعد كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان ثم الصين وروسيا وإيطاليا والسعودية ثم الهند وأستراليا وكوريا الجنوبية وإسبانيا وكندا وتركيا. وحسب ذات التقرير لوكالة المخابرات الأمريكية، فإن الجزائر تقدمت بنفقات عسكرية قيمتها 10.29 مليار دولار للعام القادم على إسرائيل التي تنفق 9.9 مليار دولار على ميزانية الجيش، كما جاءت جزائر بوتفليقة في المرتبة الأولى إفريقيا والثانية في الدول العربية. في الجانب الآخر، صنف نفس التقرير المغرب في المرتبة 38 في مجال الإنفاق العسكري، هذا في الوقت الذي رفعت حكومة ابن كيران من ميزانية الإنفاق على الجيش بنسبة 7 % في مشروع ميزانية 2013 بعد بعد أن رصدت لها 31.3 مليار درهم، ما يعادل 12 في المائة من ميزانية الدولة. السباق المحموم بين المغرب والجزائر نحو التسلح، يقابله صراع سياسي تترجمه العديد من تصريحات المسؤولين من كلا الجانبين، حول مشاكل عالقة بين الدولتين تخص الصحراء المغربية والحدود المغلقة منذ بداية التسعينات والهواجس الأمنية على خط التماس الشرقي بين الدولتين.. كلها ملفات تجعل درجة التوتر بين "الإخوة الأعداء" في أعلى مستوياتها، وتنبئ بتصعيد الخلافات التي قد تصل بتوجيه السلاح الروسي للجارة الشرقية نحو المغرب الذي يستعد هو الآخر لهذه الواقعة بتدعيم قواته من خزائن السلاح الأمريكي والفرنسي. ويبقى الانفلات الأمني الأخير في شمال مالي والتدخل العسكري المرتقب لكبح امتداد نفوذ الجماعات المسلحة في هذا البلد الهش أمنيا، حدثا جعل الجزائر تنظر بغير الرضى على ما يقع على حدودها، حيث خرج العديد من ساستها يتهمون فرنسا والمغرب بالدفع نحو الخيار العسكري لحل المشاكل الأمنية في شمال مالي وذلك من أجل استنزاف قدرات الجيش الجزائري وتشتيته على الحدود مع مالي وموريتانيا، وبالتالي إضعافه بعد أن يجد نفسه في مواجهة العديد الجماعات المتطرفة المعتادة على القتال في الصحراء والمستعدة للانتحار عسكريا لتحقيق أهدافها وخياراتها الإستراتيجية في المنطقة. كل هذه المعطيات وغيرها تجعل من العلاقة بين الجزائر والمغرب قابلة للاشتعال في أي لحظة بعد عقود طويلة من الاستنزاف والسباق نحو التسلح بمليارات الدولارات، وهو ما أصبح عائقا للتنمية في كلا البلدين في ظل مطالب شعبية متنامية لاستثمار الأموال التي تصرف في شراء البنادق، لبناء المصانع وتشييد المدارس لحياة أفضل.