أريد أن أكتب عن شيء من ذكرياتي مع رفاق الدراسة .. عن رسائلي الأولى للتي كنت أعتقدها حبيبتي زمن الصبى، فذات عمر تخيلت نفسي أني قد كبرت وصار لي شاربا وعضلات مفتولة، وأني قادر على الإنجاب وتربية الأولاد .. ! من منا يتذكر هذا الجنون الأول ؟ كم كان الحب سهلا حينها وبلا مشاكل .. أشبه بقصص الأحلام التي نحاول اليوم، وقد كبرنا، أن نحققها . إنه حب يأتي عادة بدون تصنع ... وربما تقليدا للكبار فقط ! من منا يتذكر أول «سلخة» من الأم بسبب بنت الجيران .. وأول حلوى لبنت الجيران .. وأول مراجعة مع بنت الجيران .. عندما كان الحب لا يعني لنا شيئا سوى أن نلعب سويا ونركض في إستراحة المدرسة ونتقاسم «الليمون» أو« بيمو» وعيون الآخرين ترقبنا وتتحين الفرصة لتفسد علينا لحظات الفرح المسروق .. يوما بعد يوم .. كبرنا .. ودرسنا في الثانوي وبعدها الجامعة . كبرنا مرة أخرى .. لنعلم أن بنت الجيران خط أحمر مثلها مثل باقي الخطوط الحمراء التي ظهرت فجأة؛ مرة باسم الأخلاق، ومرة باسم السياسة، ومرة باسم القانون، ومرات عديدة باسم لا شيء .. هكذا .. لا شيء ! *** تلك البراءة .. عشتها مع جيل أصبح أغلبه اليوم تائها أو باحثا عن عمل بعد أن جرب كل محاولات الهجرة السرية أو الزواج بشقراء من البلاد التي استعمرتنا مع بداية القرن .. والقليل القليل من يسر له الله طريقه إلى وظيفة بالكاد تطعم جوعه . تلك البراءة التي جعلتني أقسم للنجوم أن حبيبتي حقا أجمل منها .. وألمع منها .. وأنها تتسلل كل مساء إلى قلبي لتجعلني أحلم بها عروسا .. فترفعني عاليا بعينيها الخضراوتين وتتركني عالقا في الفراغ .. بعيدا عن قانون نيوتن .. وقريبا من نهاية شهريار ! كنا أطفالا لا ندري أن الزمن يمضي، وسيأتي يوم تصير فيه قلوبنا أثقل من الكرة الأرضية، بهمومها وأحزانها ومسلسلات السقوط التي لا تنتهي .. لم نكن نفكر - حتى- أننا سنقف يوما أمام صورنا القديمة نتألم ونبكي في صمت .. فقط كنا نلعب، ونركض .. ونسقط .. ولا نبالي متى الموعد مع ' كبرنا '.. يا ألله كم هي قاسية ذكرياتنا . *** تخيل لو كنا نولد ونبقى صغارا .. لا نكبر أبدا. تخيل، لو بقيت حياتنا محصورة حول ساحة المدرسة، ورائحة الكتب المدرسية الجديدة، وفرحة العيد .. ورائحة الحريرة المتميزة في شهر رمضان .. وصوت المهراز .. وعطلة الربيع .. وعطلة الصيف .. والشجار بالبلوط .. ونداءات الأم المتكررة رحمها الله' تعالى يا بني لتوصل «العجين» إلى الفرن' .. وتقبيل يد الأب مساءا عند قدومه من العمل وقد بت عليها علامات التعب .. ومشاهدة الرسوم المتحركة صبيحة كل أحد مع القناة الصغيرة . تخيل، لو أن العالم كله بقي صغيرا .. وكان شرفاء الزمن الجميل يحرصون على تربيتنا وتعليمنا واطعامنا وزرع الحب في قلوبنا كما كانوا .. لكن الزمن غير الزمن، وكم من صغير كبر لكنه بقي صغيرا في أعين الآخرين . وكم من صغير كلما كبر زاد براءة ونورا وحبا ومحبة .. حفظهم الله، فبهم نسقى وينزل المطر ويكرم الفاسد والصالح . [email protected] https://www.facebook.com/belhamriok