من الملاحظ أن قضية إستعمال الزمن وتوزيعه بين حصص تلفزية معينة يغلب عليها طابع المناسبة أو المفاجئة المباغثة،أو الإسهاب المطيل،أو الإيجاز الغادر.وكل هذا مرتبط بمدى توفر برمجة وطنية بمواد معمولة أصلا لتلبية رغبات جمهور وطني مختلفة مضامينه ومتفاوتة مراميه،أو بمدى شحها ورداءتها. كما أن هذا الامر يتحدد من خلال وجود رؤية إعلامية تلزم نفسها بالبحث عن توفير مواد على الاقل تمشي في إتجاه تنمية وعي عربي إعلامي، تتبادل فيه الخبرات والتجارب ويجد فيها المنتوج العربي (السمعي البصري) قنوات لدعمه وتسويقه.هذه مسألة أخرى . أما المسألة التي نحن بصددها فتتعلق بالمتابعة الإعلامية لأحداث ووقائع معينة أكانت ندوات أو مهرجانات أو منتديات أو غيرها من الملتقيات على الصعيد الوطني أو الإقليمي.هنا لا نصبح أمام الإختيار بين منتوج أجنبي أو وطني لكن في كيفية نقل هذا الحدث، وفي الحصة الزمنية المخصصة له، ثم في عمق التغطية والإلمام بالجوانب المميزة لطبيعة التظاهرة. فالسينما ليست هي الرياضة،والطب ليس هو القانون.أنا هنا أتحدث عن التظاهرات السينمائية،فإذا كنا سنغطي هالة النجوم الأجانب ونفسح لهم المجال كضيوف شرف بحكم ترحابنا وكرمنا الطائي،فليكن ذلك،ولكن ليس بتلك الطريقة الفلكلورية التي نستقبل فيها هذا النجم البطل ليطل علينا بضحكاته ولباسه ويحدثنا عن أمور لا علاقة لها بالسينما ثم يختفي ،أو لنقل تلك "الدخلات والخرجات"على طريقة اللقطات الهوليوودية التي تعرض فيها آخر صيحات الموضة لأجساد ملفوفة بين أثواب مخملية وحريرية وكأنها لواليب مغمسة بالشوكولاته. معلوم أن كل برنامج حسب طبيعته وفئته المستهدفة، يجد في عالم الممثلات والمشاهير مادة دسمة ليغني بها فقراته، وخصوصا إذا كان البرنامج عنوانه "سيدتي"مثلا، فهو لا بد أن يسأل نجمة كيسرى عن سر جمالها وتألقها، وعن حياتها الزوجية وبعض الإشاعات حولها.صحيح أنها مجرد لقطات إخبارية سريعة على شكل نميمة أو لغو المقاهي,لكن سؤالين يتبادران للذهن، وخصوصا إذا تعلق الأمر ببرامج سينمائية وليس ترفيهية أو إخبارية . وهما لماذا لا يتم مثلا نقل وقائع الندوات واللقاءات بشكل مباشر كما يحدث مع المناسبات والأحداث السياسية الكبرى التي يجند فيها الصحفيون وتستنفر الموارد البشرية والطاقات المادية لتكون في الموعد وفي المستوى المطلوبين؟وأخص بالذكر محطة المناظرة الوطنية حول السينما أليس حدثا هاما ؟أليس مهرجان فني، وخصوصا إذا كان ذا طابع ثقافي وفكري وليس ذا طابع إستعراضي وإستهلاكي، في مستوى حدث سياسي آخر؟ ثم لماذا هذا الإصرار على إعطاء سهرات الغناء والطرب ووصفات الأكل والتزيين والرياضة التي تستهلك الكثير من وقت المشاهد العربي وخصوصا على القنوات الرسمية، متسعا من الوقت يفوق الساعات من مساحات البرمجة،بينما نحاصر ما هو ثقافي وهادف في دقائق معدودة لا نتمكن فيها حتى من إسترداد التنفس؟ أليس هذا دليلا على رؤية معينة للعمل الإعلامي وبعض تفاصيله وتفضيلاته؟ ليس المطلوب جمع بعض اللقطات من هنا وهناك من أرشيف التلفزة وإطلاق أسماء من قبيل "بقاليات"أو شهيوات "وكل ما هو على وزن "فعيلات"على حلقات من المفترض فيها أن تحمل هاجس التعبير عن إنشغالات فئات عريضة وشغوفة بالفن السابع، ثم إعادة توليفها في المونتاج وتقديمها على أساس أنها برامج سينمائية ،وهي في الحقيقة لا تسمن ولا تغن من جوع . يظل الحديث عن السينما كفن وكمجال إبداعي يخاطب العين والوجدان معا هو الغائب الحقيقي في خضم دردشات بسيطة يمكن القول أنها تسكن على الهامش عوض ملامسة قلب الحدث الفيلمي بكل جمالياته وطقوسه، أو أنها مجرد كوكتيل من الكليبات على هامش المهرجانات.