في كل دورة من دورات مهرجان مراكش الدولي للفيلم، يتكرر ذلك الاطراء الذي يشبه التشجيع على المضي قدما، لكن مع المدة، يصبح الثناء و الوصف المبالغ فيه جريمة في حق المهرجان نفسه، لأن هذا الأمر بمرور الوقت يبلد الاحساس، و يعطي الانطباع لغير المطلع بأن كل شئ على أحسن ما يرام.. للأسف، هذا غير صحيح.. طبعا هناك نقاط قوة سبق و أن ذكرناها (البلد، المدينة، الرعاية الملكية، لجنة التحكيم، الأفلام الأولى، سينما المدارس.. الخ)، لكن هناك أيضا نقط ضعف عديدة.. هذه الدورة خصوصا، ظهر كعب أخيل آخر للمهرجان السينمائي الدولي الذي يقام في المغرب، و هو السياسة الاعلامية. فبدون الحديث على أن من يريد تغطية المهرجان يكتشف الأشياء بعد حصولها في أوقات كثيرة، و في حينها بعض المرات لكن دون معلومات كافية عنها، لأن المنظمين لا يتواصلون كفاية حول مهرجانهم، فان التغطية التلفزية كشفت هذا العام عن ضعف في التحضير، و عدم اكتراث بالحدث، و فقر في الخيال و المبادرة. سيكون المنظمون واهمين، و سيعطون الدليل على هوايتهم اذا اعتبروا بأنهم لا يحتاجون الى أذرع اعلامية وطنية و دولية لكي يضمنوا اشعاعا مدويا و صوتا مسموعا لمهرجانهم. الواضح بأن هذا الأمر لا يشكل أولوية لدى من يشرفون على التظاهرة السينمائية الأكبر في المغرب، مع العلم أن انعقاد المهرجان هذا العام وسط الظروف العالمية التي نعرف، لا يمكن اعتباره حدثا فنيا وسينمائيا فقط، انه حدث سياسي و اقتصادي و حضاري كبير. سنركز على أداء القنوات "الوطنية" البئيس، فحتى بوجود قناة للمهرجان لا يشاهدها أحد اذا استثنينا المهتمين، فان قنوات القطب العمومي المتجمد لم تحركهم الغيرة، ولم ينتبهوا الى أن مهرجاننا له منافسون، و لم يقتنعوا أو لم يقنعهم أحد بأنهم معنيون بانجاح المهرجان وطنيا و دوليا بمقدار كبير، و لذلك استمروا فاعادة الاعادات السابقة في نفس الوقت الذي كان بامكانهم نقل فقرات قناة المهرجان (رغم تصورها و تنشيطها الذي لم يتغير طيلة هذه السنين) كأضعف الايمان. هناك قناة اسمها "المغربية"، و قد أضيف لها "الاخبارية" في ابداع عبقري، لكنها لا تخبرنا بشئ، انها تكتفي باعادة المسلسلات الرديئة، و اعادة برامج هي في عداد النطيحة و المتردية و ماعاف السبع، و الأنكى أن وتيرة الاعادات ضربت جميع الأرقام القياسية، هذه "المغربية" كان من الأفضل أن تبث بشكل مشترك مع قناة المهرجان على الأقل مادامت لا تستطيع انتاج برنامج واحد يشرف المغربي و "المغربية" على السواء. أما القناة الثانية التي عرفت باهتمامها بالسينما منذ انطلاقها، فان تغطيتها كانت ضعيفة بشكل مخجل (هناك فقرات كأمسيات التكريم كان من الممكن بثها مباشرة على أكثر من قناة، عوض روبورتاج من دقيقتين لا يقول شيئا)، دون الحديث عن القناة الأولى و مقاربتها القديمة و خوفها من البساط الأحمر و من الأزياء و الفساتين، و هي قناة في بلاد يريد مهرجانا دوليا، فكيف يريد انجاحه بدون أذرع اعلامية تعيش عصرها؟ ألا يسأل المنظمون أنفسهم سؤالا منطقيا مفاده: كيف يمكن لمخرج يريد من الاعلام أن يتحدث عن فيلمه، أن يغامر بتقديم عمله الى مهرجان مراكش، و هو يعلم أن أخبار هذا المهرجان لا تصل حتى لسكان البلد المنظم؟ كيف سيغامر و صورته ربما لن تصل الى بلاده، و لا حتى لجيران بلاده، و لا حتى للبلدان التي تستقي بلاده من وكالاتها و قنواتها الأخبار؟ العلاقات بين الاعلام و المهرجانات السينمائية هي علاقات متداخلة، ليس فقط فيما يتعلق بالأفلام التي يريد أصحابها أن تعرض في مهرجانات تستقطب أكبر القنوات التلفزية و أكبر عدد من الصحافيين (مهرجان كان على سبيل المثال يستقبل حوالي 5000 صحافي من 90 بلدا، قرابة نصفهم من فرنسا)، و لكن الأمر أيضا يتعلق بالممثلين الذين يريدون اهتماما اعلاميا في التظاهرة التي سيتكبدون عناء المجيئ اليها من بلادهم البعيدة، و هم يريدون اهتماما ليس فقط من طرف وسائل الاعلام الوطنية سواء سمعية بصرية أو ورقية و الكترونية، و لكنهم يفضلون أيضا أن يوفر لهم المهرجان الذي يحضرون اليه، تغطية اعلامية دولية قوية. العلاقات هنا متداخلة، لأن القنوات الدولية و الصحافة العالمية، في المقابل، لن تأتي بكثافة لمهرجان ليس به نجوم، و المهرجانات، بهذا المعنى، محتاجة لممثلين و مخرجين ذوي شهرة لا خلاف عليها (نقطة ضعف أخرى في مهرجان مراكش هذه السنة). السياسة الاعلامية لمهرجان مراكش فاشلة لعدة أسباب، من بينها أنه منذ البداية، ظن القائمون عليه بأنهم سيستطيعون دوما الاتيان بالنجوم دون مقابل، و قد حصل هذا في بضع مرات قليلة، لكن في دورات أخرى (و منها دورة هذه السنة) كان الحصاد قليلا لا يكاد يشاهده أحد. نحن في المغرب لن نعيد اختراع العجلة، دفع الجبهة و اخراج العين و نفخ الصدر و الاصرار على الخطأ لن يذهب بنا بعيدا، و عندما سنصل الى سمعة و تأثير مهرجانات مثل كان أو برلين أو فينيسيا أو طورونطو الملتحق أخيرا، اذاك يمكن أن نطمئن أن النجوم ستتبعنا حتما حينها، ليس فقط دون مقابل، بل ربما تطوعت هي لتدور في فلكنا و جرت معها كواكب لم تدخل مجرتنا. خطأ آخر وجب على مهرجان مراكش تفاديه مادام في خطواته الأولى، و هو متعلق بأفلام الافتتاح، فالمهرجان الذكي هو الذي يجمع الى جانبه جميع الأسباب ليطول الحديث عنه في وسائل الاعلام الدولية، و ليثير اهتمام الزوار و الضيوف و الناس أجمعين، و فيلم الافتتاح في المهرجانات التي اكتسبت الخبرة و كانت لها سرعة التقاط نقاط القوة، يتم اختياره بعناية، مع الحرص على عدم عرض فيلم لم يسمع به أحد في بداية التظاهرة. في عمود سابق تحدثنا عن مشاركة الأفلام المغربية في مهرجان مراكش، و نحن هنا لا نتحدث عن المسابقة الرسمية فتلك لها معاييرها، اننا نتحدث عن الأفلام المغربية التي ينتجها المغرب بين دورة و أخرى، و لا يراها أحد تقريبا لا في الداخل و لا في الخارج (بين 20 و25 فيلما)، و هذه النقطة لوحدها يمكن أن تجلب لمهرجان مراكش تغطية اعلامية اضافية مهمة وطنية و دولية، المهرجان محتاج فعلا، اضافة لخفقة قلب، الى فقرة خاصة بالأفلام المغربية المنتجة طيلة العام (مع اشراك دور السينما بالمدينة في برمجتها)، يدور حولها (الفقرة) سوق يسمح للانتاجات المغربية أن تجد لها متنفسا في داخل البلاد و خارجها، سوق للأفلام يمكن أن يكبر مستقبلا. من الأخطاء التي تعلم منها منظمو مهرجان مراكش، هي استبعادهم و احتقارهم (لنقلها صراحة) أول الأمر للفنانين المغاربة، و معهم الصحافيون المغاربة و قس على ذلك، و الملاحظ اللبيب لا يمكنه الا أن يلاحظ أن الاهتمام الاعلامي بمهرجان مراكش من طرف الاعلاميين المغاربة يتطور سنة بعد سنة بمجهود ذاتي غالبا، لكنه مرتبط بالاشعاع المتزايد الذي أصبح يضفيه حضور "نجوم" الحقل الفني المغربي على البساط الأحمر، و هذه السنة لولاهم لما وجد الاعلاميون مادة لجلب القراء في غياب النجوم العالميين البين. على المنظمين أن يتعلموا من هذا الخطأ ليصلحوا عطبا آخر، و هو احتقارهم للاهتمام العربي، فالمنافس اليوم في هذه الجغرافيا المسماة شمال افريقيا و الشرق الأوسط هو مهرجان دبي، و هو يتفوق على مهرجان مراكش في استقبال النجوم العالميين كما يتفوق عليه في استقطاب النجوم العرب، و النتيجة أن وسائل الاعلام الدولية تتحدث عنه بشكل كثيف و مضاعف لأن المادة حاضرة (والمادة هنا بجميع معانيها)، و وسائل الاعلام العربية تغطي فعالياته بشكل أكبر، لأنه يستضيف نجومها أكثر من غيره. فشل مهرجان مراكش اعلاميا ذريع و واضح و فاضح، و لأنه مهرجان أفلام وجد نفسه وسط منافسين شرسين شمالا و شرقا، يجب على أحدهم أن يوقف هذا "السيناريو" الكارثي، كما يجب علينا أن نتوقف عن رؤية المهرجان ب"شوفة العمى فالضبابة"، و الا فاننا سنشهد على أفول تجربته و "تطلع عليه الكتابة".. شادي عبد الحميد الحجوجي