"ميتا" تعلن عن إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي جديد    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    مدرسة التكنولوجيا تستقبل طلبة بنصالح    جماعة طنجة تصادق على ميزانية 2025 بقيمة تفوق 1،16 مليار درهم    المغرب يعتبر نفسه غير معني بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري        إقليم تطوان .. حجز واتلاف أزيد من 1470 كلغ من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك خلال 4 أشهر    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في الدورة الثانية من مناظرة الصناعات الثقافية والإبداعية    خطاب خامنئي.. مزايدات فارغة وتجاهل للواقع في مواجهة إسرائيل    التعادل ينصف مباراة المحمدية والسوالم    أساتذة كليات الطب: تقليص مدة التكوين لا يبرر المقاطعة و الطلبة مدعوون لمراجعة موقفهم    هكذا تفاعلت الحكومة الإسبانية مع قرار محكمة العدل الأوروبية    مغاربة يحيون ذكرى "طوفان الأقصى"    مصدرو الخضر والفواكه جنوب المملكة يعتزمون قصْدَ سوقي روسيا وبريطانيا    قرار محكمة العدل الأوروبية: فرنسا تجدد التأكيد على تشبثها الراسخ بشراكتها الاستثنائية مع المغرب    ثلاثة مستشفيات في لبنان تعلن تعليق خدماتها جراء الغارات الإسرائيلية    إعطاء انطلاقة خدمات مصالح حيوية بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني ودخول 30 مركزا صحيا حضريا وقرويا حيز الخدمة بجهة فاس مكناس    وزير خارجية إسبانيا يجدد دعم سيادة المغرب على صحرائه بعد قرار محكمة العدل الأوربية    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    مسؤول فرنسي: الرئيس ماكرون يزور المغرب لتقوية دعامات العلاقات الثنائية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    امزورن.. سيارة ترسل تلميذاً إلى قسم المستعجلات    المحامون يقاطعون جلسات الجنايات وصناديق المحاكم لأسبوعين    مرصد الشمال لحقوق الإنسان يجمد أنشطته بعد رفض السلطات تمكينه من الوصولات القانونية    صرف معاشات ما يناهز 7000 من المتقاعدين الجدد في قطاع التربية والتعليم    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    بوريس جونسون: اكتشفنا جهاز تنصت بحمامي بعد استخدامه من قبل نتنياهو        باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    فيلا رئيس الكاف السابق واستدعاء آيت منا .. مرافعات ساخنة في محاكمة الناصري    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    الجماهير العسكرية تطالب إدارة النادي بإنهاء الخلاف مع الحاس بنعبيد وارجاعه للفريق الأول    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    اختبار صعب للنادي القنيطري أمام الاتحاد الإسلامي الوجدي    دعوة للمشاركة في دوري كرة القدم العمالية لفرق الإتحاد المغربي للشغل بإقليم الجديدة    لحليمي يكشف عن حصيلة المسروقات خلال إحصاء 2024    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    ارتفاع أسعار الدواجن يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    تقدير موقف: انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وفكرة طرد البوليساريو "مسارات جيوسياسية وتعقيدات قانونية"    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون المغاربة والنضال من أجل الديمقراطية
نشر في هسبريس يوم 30 - 10 - 2012


- تجربة حزب "البديل الحضاري" نموذجا-
إن الانتقال إلى الديمقراطية، بماهي العنوان البارز لدولة الحق والقانون، دولة المؤسسات المنبثقة عن الإرادة الحرة لشعب ما، ليست مجرد مسألة توافقية بقدر ماهي مسألة نضالية تتطلب تضحيات ممتدة في الفضاء السياسي الرسمي والمدني، يساهم فيها عدد من المتدخلين، ابتداء من الفاعل الحزبي وصولا إلى الفاعل الجمعوي، مرورا بالفاعل الحكومي و البرلماني..
فالجمعية و الحزب و البرلمان و الحكومة... ليست، في مرحلة الانتقال، إلا محطات للنضال من أجل الديمقراطية متفاوتة الدرجات و المستويات. وإذا كان بلدنا المغرب قد قطع شوطا مهما على درب الانتقال إلى الديمقراطية، فإن تدبير المتدخلين المتنوعين لملف هذا الانتقال يختلف باختلاف منطلقاتهم المذهبية و مشاربهم الفكرية و مشاريعهم المجتمعية. الأمر الذي يستدعي الرصد و التحليل، من قبل الباحثين و المهتمين بالشأن الديمقراطي،سواء كانوا مغاربة أو أجانب، مادام مطلب الديمقراطية ليس أمرا داخليا محدودا بل هو يرقى إلى مرتبة القضية الرسالية الكونية،التي تقضي بتضامن بني الإنسان، مهما اختلفت شعوبهم وأممهم و ألسنتهم و أعراقهم.
وعلى درب هذا التحليل و ذلك الرصد الذي ينبغي أن يحظى به سلوك مختلف الفاعلين في دمقرطة المجتمع المغربي نساءل في هذا المقال مساهمة"البديل لحضاري" في تدبير ملف الانتقال الديمقراطي.
في التسمية
نستعمل تسمية"البديل الحضاري" دون "حزب البديل الحضاري" اعتقادا منا أن الحزب المغربي الذي كان يحمل اسم البديل الحضاري ليس وليد لحظة تسلمه وصل إيداعه القانوني، صيف 2005، أو حتى سنة تأسيسه2002، وإنما هو استمرار طبيعي لجمعية البديل الحضاري التي بزغ فجرها سنة 1995، المنبثقة بدورها، ولكن بأسلوب نقدي، من حركة الاختيار الإسلامي..
من الحركة الإسلامية السرية إلى الحزب السياسي العلني،مرورا بالجمعية المرفوض الاعتراف الرسمي بها دون أي سند قانوني، محطات ثلاث لايمكن فهم " البديل الحضاري" دون الوقوف عند مظاهر اتصالها وانفصالها المختلفة والمتنوعة.
وإذا كان الباحث سيجد صعوبة في دراسة المحطة الأولى نظرا لطبيعتها "السرية" من جهة ومن جهة ثانية، لغياب وثائق ومستندات يمكن أن يطمئن المرء لاعتمادها مرجعية لأقواله، حتى لايطلق الكلام على عواهنه، فإنه لن يجد أدنى صعوبة علمية في دراسة المحطتين المواليتين، شريطة الوعي بأن رؤيته لن تكون مكتملة إلا بعد تسليط الأضواء على لحظة الاختيار الإسلامي وهو الأمر الذي لم يتم حتى الآن.
من الجمعية إلى الحزب، أوجه الاتصال والانفصال
لايهمنا في هذا المقال إلا ما له علاقة بمساهمة هذا التيار في تدبير ملف الانتقال الديمقراطي من خلال دراسة تحليلية – نقدية لأدبيات أصحاب "البديل الحضاري".
ولعل أبرز وثيقة تستدعي منا الرصد و التقييم هي تلك الصادرة عن قيادة "البديل الحضاري" غداة وفاة الملك المغربي الحسن الثاني، المعنونة ب: المغرب و الألفية الثالثة: متطلبات مرحلة
إن بيان "المغرب والألفية الثالثة" يكتسي أهمية قصوى بالنسبة للباحث في مسار البديل الحضاري، لأنه يفسر ما قبله وما بعده في نفس الوقت. فإذا كان تأسيس جمعية البديل الحضاري إعلانا للقطيعة مع مرحلة العمل السري، الذي لم يكن في الحقيقة سريا إلا في مخيلة أبناء الحركة، فإن صدور بيان الألفية الثالثة يعد ترسيما نهائيا لهذه القطيعة وتأسيسا لمرحلة جديدة توجت بميلاد حزب سياسي ذي هوية إسلامية و خط نضالي ديمقراطي.
لقد كان حدث وفاة الملك الحسن الثاني في 23 يوليوز 1999 مناسبة لتجاوز عدد من العوائق التي كانت تحول بين الحركة وبين الإعلان الواضح ، وضوحا كاملا، عن خطها الإصلاحي الديمقراطي، والقطع نهائيا مع عقلية القلب الكلي للواقع السياسي.
هنا ستعلن "البديل الحضاري" لأول مرة عن مواقف واضحة حول مسائل تتعلق بالنظام الملكي والمصالحة الوطنية والمشاركة السياسية وغيرها من المفاهيم المؤسسة لتحول هذه الحركة الإسلامية إلى حزب سياسي سنة 2002.
لكن الأهم من كل ذلك هو تلك النظرة الموضوعية التي تميز بها تحليل الواقع فلم تكتف الحركة بتسجيل سلبيات عهد الحسن الثاني، كما جرت العادة عند الحركات المقول عنها"راديكالية"، بل إنها تقر ولأول مرة في تاريخها بإيجابياته أيضا، وفي ذلك إشارات سياسية قوية للرغبة في المساهمة في الانتقال التدريجي إلى العهد الديمقراطي، من داخل مؤسسات الدولة، التي كان مجرد الاقتراب منها كبيرة من اكبر الكبائر التي تضع صاحبها على خط ماكان يسمى ب"الردة السياسية" التي هي أعظم من الردة الفردية لأن ضرر هذه الأخيرة يعود على الفرد وحده بينما ضرر الأولى يعود على الأمة بأكملهاّّّّ!!
هوية إسلامية نعم، ولكن ذات خصوصية مغربية
يقول البيان: "(..) ونحن كحركة إسلامية مغربية، عاهدنا الله وآلينا على أنفسنا أن نساهم بكل تفان وإخلاص في خدمة هذا الدين و النهوض بهذا الوطن الغالي، حتى يتبوأ المكانة اللائقة به بين الأمم..نجد أنفسنا مطالبين مثل كل المغاربة، بالمساهمة النظرية والعملية في تلمس المسارب التي يمكن لبلادنا أن تمر عبرها إلى المستقبل المنشود".
تكتسي اللغة المستعملة أهمية قصوى في أي خطاب، وخصوصا إذا كان خطابا سياسيا، لذلك لايمكن للملاحظ إلا أن يقف بتمعن عند العبارات التالية : " ونحن كحركة إسلامية مغربية"، "عاهدنا الله وآلينا على أنفسنا أن نساهم بكل تفان و إخلاص في خدمة هذا الدين و النهوض بهذا الوطن الغالي"، "مطالبين مثل كل المغاربة"، "بالمساهمة النظرية و العملية في تلمس المسارب التي يمكن لبلادنا أن تمر عبرها إلى المستقبل المنشود".
حينما يتم التأكيد، ومنذ البداية، على كون حركة البديل حركة ذات هوية إسلامية مغربية فإن ذلك يعتبر رسالة مفادها أن الحركة تعبر عن حاجة مغربية ذاتية و ليست امتدادا لأي جهة خارجية، مستقلة في قراراتها عن أي توجيهات أجنبية، لا على مستوى القرارات التنظيمية بل أيضا، على مستوى المرجعية الإسلامية، التي أضيفت لها صفة المغربية تمييزا لها عن المرجعيات الإسلامية المشرقية سواء الإخوانية أو الشيعية أو الوهابية.
والحقيقة أنه، مهما قلنا عن وحدة مرجعية إسلامية عامة و مشتركة بين جميع الأقطار الإسلامية، فإن ذلك لايلغي قولنا بوجود مرجعية إسلامية ذات خصوصيات ومميزات مغربية تضع مسافة فاصلة بينها وبين مثيلاتها المشرقية.
كما لا يفوت المراقب أن يسجل المقاربة النسبية في العبارات المتبقية، والمتجاوزة للنظرة الدوغمائية- الأحادية التي تلغي الآخر من حسابها بالمطلق، فكلمة " المساهمة" تتكرر مرتين في أقل من سطرين وفي ذلك تجاوز وقطيعة مع من منطق "نحن الفرقة الناجية" و"إما نحن أو الطوفان" السائدة عندالتيارات الشمولية، الإسلامية و الشيوعية و القومية...
والأكثر من ذلك نقرأ في العبارة التالية: " مطالبين مثل كل المغاربة" استعداد الحركة للتعاون مع جميع أبناء الشعب المغربي بمختلف أطيافهم، إسلاميين أو غير إسلاميين، مسلمين أو يهود، من أجل بناء دولة ديمقراطية حديثة. ذلك ماتؤكده وثيقة البرنامج السياسي لحزب البديل الحضاري، الصادرة عن المجلس الوطني "أعلى هيئة تقريرية للحزب بعد المؤتمر" ، بتاريخ 07 شوال 1425 ه الموافق ل 20 نونبر 2004من خلال قولها: حزب البديل الحضاري حزب سياسي مغربي منفتح على جميع شرائح الشعب المغربي خاصة تلك التي ترى نفسها معنية ببرنامجه السياسي ومستعدة للمساهمة في إنجاز أهدافه. حزب ديمقراطي يساهم في الحياة السياسية المغربية تأطيرا للمواطنين والمواطنات وبحثا عن حلول لمشاكل وقضايا المجتمع المغربي".
فلا عجب إذن أن تقوم الحركة ، بعد إصدار هذا البيان ، إلى جانب قوى يسارية ، بتأسيس القطب الديمقراطي، ثم التوجه برسائل متنوعة إلى الملك و الحكومة و الحركات الإسلامية الأخرى، الهدف منها " تلمس المسارب التي يمكن لبلادنا أن تمر عبرها إلى المستقبل المنشود ".
العهد القديم ليس كله شر
وهكذا نجد الحركة تثمن إيجابيات عهد الحسن الثاني كما تسجل تعثراته وإخفاقاته بنبرة لا تخلو من لباقة ومحاورة بالتي هي أحسن: "لايمكن إلا أن نثمن ما تحقق.. من مكاسب و منجزات، كما لايمكن أن نتغافل عما شابها من تعثرات و إخفاقات".
فماهي هذه الإخفاقات من جهة ؟ وماهي تلك المكاسب التي تحققت من جهة ثانية؟
حددت الوثيقة المكاسب في:
- بناء الدولة المغربية المعاصرة
- إحداث العديد من البنى التحتية
- وضع لبنات الأمن المائي عبر بناء السدود و إعادة توزيع الثروة المائية
- انطلاق عملية استكمال الوحدة الترابية...
هذه هي المنجزات فماهي أهم التعثرات؟
- أولا: تزوير إرادة الشعب على المستوى السياسي
- ثانيا: المديونية الخانقة وسوء توزيع ثروات البلاد على المستوى الاقتصادي
- ثالثا: هيمنة قيم التغريب و الفردانية و الانحلال على المستوى الأخلاقي
- ثالثا: تفشي أمراض البيروقراطية و الفساد و الرشوة على المستوى الإداري
- رابعا: الحاجة إلى خطوات جريئة لإقرار مبدأ المواطنة الحقيقية على المستوى الحقوقي
- بؤس قطاعات واسعة من الشعب المغربي تعيش البطالة والفقر والحرمان على المستوى الاجتماعي.
إذن هذه هي السلبيات و تلك هي الإيجابيات فما العمل؟
بما أن جوهر الأزمة التي تعيشها بلادنا سياسية فإن المدخل إلى إصلاحها لن يكون إلا سياسيا يتضمن عناصر عدة أهمها:
إقرار إصلاحات دستورية ترسخ مبدأ التعاقد المتجدد بين المؤسسة الملكية و الشعب ترسيخا يؤسس دعائم ملكية دستورية ديمقراطية حديثة.
لقد أثارت هذه الدعوة، بما تتضمنه من اعتراف صريح و علني، ولأول مرة ، في تاريخ الحركة، بالنظام الملكي، والرغبة في العمل الإصلاحي من داخله، عدة تأويلات وتساؤلات حول مفهوم "الملكية الدستورية" هل هي "الملكية التنفيذية" أم "الملكية البرلمانية" أم نموذجا ثالثا يجمع بينهما.
في الطريق لتبني أطروحة الملكية المواطنة
يبدو أن النقاش في هذه المسألة كان مفتوحا داخل "البديل الحضاري" ولم يستقر على تصور مكتمل بعد، ولعل مايفسر اعتقادنا هذا هو غياب أي وثيقة رسمية توضح موقف البديل الحضاري من هذه المسالة بشكل نهائي، الأمر الذي دفعنا إلى تتبع بعض تصريحات زعماء هذا التنظيم. فمباشرة بعد إصدار "بيان الألفية" أجرت أسبوعية الصحيفة حوارا مع الدكتور محمد الأمين الركالة، رئيس جمعية البديل الحضاري لحظة إجراء الحوار( شتبر 1999،ع 49)، قال فيه: " الملكية الدستورية الديمقراطية الحديثة عنوان لنظام سياسي يكون فيه الملك رمزا لوحدة البلاد و استقلالها و يكون فيه الشعب صاحب السلطة يفوضها من خلال الانتخابات للحزب الذي يراه أهلا لإدارة شؤونه..".
نجد أيضا في الموقع الإلكتروني لحزب البديل الحضاري(http://membres.lycos.fr/albadil/) موقفا للأستاذ المصطفى المعتصم ،الأمين العام لحزب البديل الحضاري ، يعتبر فيه أن "إمارة المؤمنين مكلفة بالدفاع عن الثغور، وحماية الدين وإقامته، وسياسة الرعية بالعدل، فإذا ما قامت هذه المؤسسة بمثل هذه المهام المناطة بها، فليس لنا معها أية مشكلة. [ كما رأى أيضا أنه ] من خلال مؤسسة أمير المؤمنين يمكن أن نجمع بين حسنات النظام الملكي الرئاسي كما في بريطانيا مثلا، ونظام ملكي برلماني كما في اسبانيا، غير انه يعتقد أن هذا الأخير اقرب إلى روح الفلسفة السياسية الإسلامية في الحكم".
سنوات بعد هذا التصريح الصحافي ، كتب المصطفى المعتصم مقالا يحمل عنوانا لا يخلو من دلالات و إشارات : "سؤال النظام السياسي : من أجل ملكية مواطنة"، قال فيه: "إننا اليوم في المغرب مطالبون بأن نجيب على سؤال مهم هو : كيف نبني نظاما ملكيا مواطنا وديمقراطيا يكون فيه الملك رمزا للسيادة وحاكما ولكنه لا يسأل ولا يحاسب بناء على مقتضيات الدستور المغربي الحالي؟؟ "
لم يكتف الأستاذ المعتصم بوضع السؤال / الإشكال، فقط، بل طرح مقاربته السياسية له أيضا: "حل الإشكالية في تقديرنا يبدأ بالأساس من إعادة تعريف مصطلح الحكم ومجالاته. فالمسألة ليست في أن يحكم الملك أو لا يحكم بل في طبيعة الحكم الذي يمارس، هل يترتب عليه المحاسبة والمساءلة أم لا؟".
إذا واجهنا أطروحة المعتصم هذه بالسؤال حول إمكانية و جود حكم في دنيا السياسة لا تترتب عنه لا مسؤولية و لا محاسبة من أية جهة كانت فإنه يقترح الصيغة التالية مع ما يلزمها من مقدمات و توضيحات:
"في تقديرنا ممارسة الملك للحكم لا تعني أن يهتم الملك بالتسيير اليومي للشأن العام فهذا تفسير ضيق للمصطلح وتعسف قد يطال شره المؤسسة الملكية ويقلل من شأنها ويضعها موضع النقد ويهددها ويضر بدورها التحكيمي".
: ماهو إذن المعنى"العام للحكم" الذي يضع الملك الحاكم فوق ما تفرضه بالضرورة قواعد اللعبة الديمقراطية من متابعة ومحاسبة؟
يجيبنا المعتصم كالتالي:
"إن الملك يحكم حينما يحرص على احترام قواعد التوازن العام للمجتمع بما يضمن السير العادي للمؤسسات، ويحكم حينما يلعب دور المراقب -على أسس دستورية- للأداء الحكومي ولوفاء الحكومة بتعهداتها والتزاماتها التي التزمت بها في التصريح الحكومي أمام البرلمان وعلى أساسه حظيت بثقة البرلمان والملك. يحكم حينما يحمي الحريات الشخصية ويضمن عدم الشطط في استعمال السلطة ويمنع احتكارها. يحكم حينما يحمي بيضة الدين .
بالإضافة إلى دور التحكيم والمراقبة و التقييم و التقويم وحماية إقامة الدين يكون الملك مسئولا عن الجيش ويشرف على الأجهزة الأمنية من دون الشرطة ويحرص على استقلال القضاء ونزاهته. أي يكون الملك رمزا للسيادة وحاضرا على مستوى الحكم".
إن من يقرأ هذا الكلام الذي نشر أول مرة على صفحات إحدى اليوميات المغربية سنة 2007، على ضوء النقاش الدائر حاليا حول ضرورة التأويل الديمقراطي لدستور 2011، وعلى ما تضمنه هذا الدستور ذاته من فصول وبنود، بالإضافة إلى الخطاب الملكي الذي قدم فيه محمد السادس دستوره الأول للمغاربة والذي أكد فيه أن الملك احتفظ فقط بسلطات ضمانية وتحكيمية، بينما تكلفت الحكومة بالسلطات التنفيذية والبرلمان بالسلطات التشريعة، سيستغرب لما يشبه التطابق بين ما كتبه المصطفى المعتصم وبين ما يدور اليوم من قول حول توزيع السلط بالمغرب.
وعلى العوم، فإن ما كان يمكن استنتاجه في تلك اللحظة التاريخية، من خلال ما تراكم عند قيادة البديل الحضاري، من مواقف حول الملكية، الخلاصات التالية:
-اعتبار النظام الملكي تابثا مركزيا في الرؤية السياسية للبديل الحضاري غير قابل للنقاش، وهو ما نجد البرنامج السياسي للحزب الصادر عن المجلس الوطني، بوصفه أعلى هيئة تقريرية للحزب بعد المؤتمر،بتاريخ 07 شوال 1425 ه الموافق ل 20 نونبر 2004 ، يؤكده.
2-تطور هذه الرؤية من التعميم إلى التدقيق فيما يتعلق بمفهومها لأي ملكية نريد.
3-القول بالملكية المواطنة التي تجمع بين حسنات النظام الرئاسي وحسنات النظام البرلماني.
ومهما يكن من شأن هذه الخلاصات ، وبالرغم من أن بعضها لم يتم تبنيه بشكل رسمي من طرف أي مؤتمر للحزب أو مجلسه الوطني، فإن ما يهمنا في هذا المقام، وكما أعلنا عن ذلك سابقا، هو تتبع تحولات التفكير السياسي عند البديل الحضاري ، خصوصا تلك التي نقرأها في بيان " المغرب و الألفية الثالثة: متطلبات مرحلة" باعتباره بيانا مؤسسا للخط السياسي الحالي لحزب البديل الحضاري.
التطلع إلى علاقة جديدة مع العهد الجديد
لقد كان ذلك البيان يتطلع إلى بناء علاقة جديدة مع النظام المغربي. هذا ما أكده محمد الأمين الركالة في حواره المشار إليه أعلاه:"نحن نتطلع فعلا إلى بناء علاقة جديدة بيننا وبين النظام و البيان الذي أصدرناه إشارة واضحة في هذا الاتجاه. هذه العلاقة نتوخى أن تقوم على أساس الاحترام المتبادل، وأكيد أن هذا التطلع لا يمكن أن يتحول إلى واقع إلا إذا كانت هناك رغبة من طرف النظام أيضا .. ونحن ننتظر منه إشارتين، الإشارة الأولى تكمن في ضمان حرية التنظيم للحركات الإسلامية وغيرها والإشارة الثانية تتجلى في إطلاق سراح من تبقى من المعتقلين السياسيين ورفع الحصار عن الشيخ عبد السلام ياسين وعودة المنفيين".
نحن اليوم، نعلم أن ملف المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين في طريقه إلى الطي النهائي بعدما قطع أشواطا مهمة جدا وأن الحصار على الشيخ عبد السلام ياسين قد ثم رفعه والأكثر من ذلك أن حزب البديل الحضاري توصل بوصل إيداعه القانوني سنة2005، قبل أن يتم حله بقرار إداري سنة 2008.
أليست هذه هي الإشارات القوية التي كانت تنتظرها البديل الحضاري من النظام المغربي؟
بالفعل، فقد انخرطت البديل الحضاري في المسلسل الديمقراطي كحزب سياسي، يتخذ مسافة ضرورية بين السياسي والديني، وقد كانت الخطوة الأولى هي حل جمعية البديل الحضاري، باعتبارها جمعية دينية دعوية، من جهة ومن جهة ثانية، تفاديا لكل تداخل أو التباس يمكن أن ينتج عن الازدواجية التنظيمية، و ليتفرغ أعضاء الحزب للعمل السياسي، أما العمل الدعوي فله مؤسساته المتخصصة ، المتفرغة والمستقلة عن كل تيار حزبي.
القطيعة مع مقولة إقامة الدولة الإسلامية
من المقولات أيضا التي تم تجاوزها في خطاب البديل مقولة إقامة الدولة الإسلامية، والتي كانت حاضرة بقوة في خطاب جمعية البديل الحضاري، فقد جاء في كتاب البيان الحضاري، والذي كان يشكل الأرضية التوجيهية للتنظيم لحظة تأسيسه سنة 1995:" (..) نعتبر (..) أن الوصول إلى دولة الإسلام لابد أن يمر عبر دولة تحترم حقوق الإنسان واختياراته من هنا فإن تركيزنا سينصب أساسا على النضال من أجل دولة حقوق الإنسان".( البيان الحضاري ص 31 )
ليست دولة الإنسان، دولة الحرية و الديمقراطية، حسب هذا المقتطف سوى لحظة للعبور من خلالها إلى الهدف الاستراتيجي: إقامة دولة الإسلام.
هذا الموقف أكده الأستاذ محمد الأمين الركالة، خلال حوار له مع أسبوعية العمل الديمقراطي(ع 49سنة1999)، حيث نجده يقول موضحا الفرق بين حركة "البديل الحضاري" و حركة "التوحيد والإصلاح": "إن طبيعة الاختلاف القائم بيننا تكمن في تقديرنا للمرحلة وفي نظرتنا للوضع القائم وللشأن السياسي خاصة (...) فنحن في البديل الحضاري حددنا لأنفسنا هدفاً استراتيجياً هو إقامة دولة الإسلام بينما الإخوة في حركة التوحيد والإصلاح يعتبرون أن هذه الدولة قائمة بالفعل...".
ثمان سنوات بعد هذا التصريح كتب الأستاذ المصطفى المعتصم مقالا، سبقت الإشارة إليه اعلاه، يحمل عنوان من أجل ملكية مواطنة قال فيه، في سياق تحديده لمجالات حكم الملك ، التي لا ينبغي أن تكون موضع محاسبة و مساءلة: "إن الملك يحكم حينما يحرص على احترام قواعد التوازن العام للمجتمع بما يضمن السير العادي للمؤسسات، ويحكم حينما يلعب دور المراقب -على أسس دستورية- للأداء الحكومي ولوفاء الحكومة بتعهداتها والتزاماتها التي التزمت بها في التصريح الحكومي أمام البرلمان وعلى أساسه حظيت بثقة البرلمان والملك. يحكم حينما يحمي الحريات الشخصية و يضمن عدم الشطط في استعمال السلطة ويمنع احتكارها. يحكم حينما يحمي بيضة الدين".
هل نحتاج إلى القول أن بيضة الدين لا يمكن أن تحميها إلا دولة إسلامية قائمة على أرض الواقع يوجد الملك على رأسها؟
لقد قطع حزب البديل الحضاري مع مقولة السعي إلى إقامة الدولة الإسلامية. والحقيقة أن هذه المسألة أثيرت للنقاش، خلال المؤتمر الأول لجمعية البديل الحضاري سنة 2000، لكن رواسب الفكر الإخواني المشرقي لم تكن تسمح بتعميق النظر في هذا الإشكال.
لقد كانت كل الحركات الإسلامية تجد في مهمة إقامة الدولة الإسلامية مبرر وجودها، الأمر الذي شكل عائقا جديا لانخراطها في عملية الإصلاح الديمقراطي، مادام لهذا الإصلاح أساليبه و طرائقه، المدنية والسلمية، التي لا يمكن أن تكون إلا من داخل الدولة، المتوافق على أركانها الأساسية، أما السعي لإقامة دولة بدل أخرى، فذلك عمل ثوري لا تسمح به قواعد اللعبة الديمقراطية التي تفترض حدا أدنى من التوافق و السلم الأهلي.
إن هدف إقامة الدولة الإسلامية لم يكن يستند على أسس فلسفية واضحة مادام مفهوم الدولة الإسلامية هو نفسه ليس واضحا ولا محددا عند القائلين به، ومادامت الأسئلة المؤسسة له غائبة أو مغيبة، فما المقصود بالدولة الإسلامية؟ وهل هناك نموذج واحد لهذه الدولة أم نماذج متعددة تعددا قد يصل إلى حدود التباين و الاختلاف بل والتناقض؟
تجيبنا الأدبيات الإخوانية، بأن الدولة الإسلامية، هي دولة الخلافة التي امتدت من عهد الخلفاء الراشدين حتى العهد العثماني حيث سقطت دولة الخلافة سنة 1924على يد كمال أتاتورك.
إن ما يمكن للباحث أن يستخلصه من هذه المسيرة التاريخية الطويلة هو أنه لا وجود لنموذج واحد للدولة الإسلامية بل نماذج متعددة.
و إذا كان النموذج الأمثل( دولة الخلفاء) لم يدم طويلا، للأسف الشديد، ربما لأن روح العصر الوسيط لم ترقى إلى ذلك النموذج الفريد، الأمر الذي دفع محمد بن علي بن طباطبا المعروف بابن الطقطقي، إلى القول في كتابه( الفخري في الآداب السلطانية و الدول الإسلامية): " (..) فأما خلافة الأربعة الأول، وهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، رضي الله عنهم ، وعلي بن أبي طالب، عليه السلام، فإنها كانت أشبه بالرتب الدينية من الرتب الدنيوية...".
إذا كان أسلوب الخلفاء الأربعة لم يكن حكما دنيويا، أي صالحا لدنيا العصر الوسيط، فإن أسلافنا التفتوا شرقا و غربا فلم يجدوا إلا نظاما واحدا للحكم، سائدا في دنياهم، ملائما لعصرهم، قادرا على البقاء والاستمرار، خصوصا عند أقرب الأمم إليهم، الفرس و الروم، وهو النظام الملكي الوراثي.
وإذا كان منطق العصور الوسطى يقبل بنموذج دولتي استبدادي فإن منطق العصر الحديث لا يقبل إلا بالأنظمة الديمقراطية. لذلك فإن إشكاليتنا السياسية الأساسية اليوم ليست هي: هل دولتنا إسلامية أم غير إسلامية وإنما هل هي ديمقراطية أم غير ديمقراطية؟ مادامت الدولة الإسلامية قد تكون ديمقراطية وقد تكون استبدادية ، قد تكون دولة عادلة أو دولة ظالمة (!)
بناء على ما سبق فإن معركة الإسلاميين المركزية اليوم هي إقامة الدولة الديمقراطية الحديثة، وبما أن الدولة المغربية المعاصرة هي في طور الانتقال إلى الديمقراطية، فإن التوافق الأكبر اليوم ينبغي أن يكون على الكيفية التي يتم بموجبها تدبير ملف الانتقال إلى الديمقراطية، من خلال تأويل برلماني لدستور سنة 2011، يدشن قطيعة نهائية مع نموذج الملكية التنفيذية. وإذا كان قدر تجربة "البديل الحضاري" ألا تكتمل عمليا فإن ما حققته من تراكمات نظرية يمكن تفيد إخوانهم في حزب العدالة والتنمية، الذين يقودون التجربة الحكومية الحالية، التي تتمتع بمشروعية انتخابية وبصلاحيات دستورية غير مسبوقة في تاريخ الحكومات المغربية. فهل ستكون لقيادة هذه الحكومة الإرادة السياسية الكافية لتحقيق أحلام الربيع المغربي؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.