في هذا الجزء الثاني من الحوار الذي أجرته قناة الجزيرة مؤخرا مع المهندس محمد الحمداوي، رئيس حركة الوحيد والإصلاح، واستمرارا في مناقشة القضايا التي تشغل اهتمامات المتابعين لشأن الحركات الإسلامية بشكل عام، وحركة التوحيد والإصلاح بشكل خاص، شدد الحمداوي، على أن الحركة تعتبر المغرب دولة إسلامية، وأن إمارة المومنين مرتكز أساسي بالنسبة للحركة وأن الحركة لا تعتبر نفسها بديلا. وتطرق الحمداوي في حواره؛ لعدد من القضايا الحيوية من مثل؛ مفاهيم الدعوة السلفية ونبذ العنف. وفي موضوع الأمازيغية، أوضح الحمداوي أن مقاربة الحركة للموضوع تتم في إطار المرجعية الإسلامية، التي تقضي بكون إحياء الثقافة الأمازيغية يعد إغناء للمغرب، وإقرارا بتعدده وتنوعه، وأنه سيعود على المغاربة بالنفع. وتأسف الحمداوي للأحكام التي صدرت في حق المعتقلين السياسيين الستة، آملا أن تتم تبرئتهم أو العفو عنهم. كما تساءل الحمداوي عن غياب أهل الخير والاحسان في المغرب حتى يفسح الفقر المجال للتنصير؟ في سياق تحيل إستراتيجية الحركة، ضمن ما يمكن أن يسمى التمرحل والاعتماد على الجوانب الدعوية والتربوية في انتظار المرحلة الكبرى النهائية وهي الدولة الإسلامية، ولكن الفصل التاسع من الدستور يقول؛ إن الملك أمير المؤمنين في المغرب، وأمير المؤمنين هو إحالة ضمنية إلى الدولة الإسلامية في المغرب، ألا تجدون أن هذا يتناقض مع الحالة المغربية، أي القيام بما يقوم به الملك؛ أمير المؤمنين؛ أي دولة إسلامية؟ أعتقد أن الأمر يحتاج إلى تدقيق، فنحن حينما قلنا إقامة الدين على مستوى الدولة، حكاية المرحلة الأولى والأخيرة، وما هو موجود في بعض الأدبيات غير موجود عندنا وفي وثائقنا، نحن نعتبر أنفسنا في دولة إسلامية، وموضوع إمارة المؤمنين هو مرتكز بالنسبة لنا، وبناء على هذا التصور نشارك في مؤسسات الدولة، وهي مشاركة تعد تنزيلا لهدفنا؛ بإقامة الدين على مستوى الدولة وبتقويته. وإسهامهم (أعضاء الحركة)، يتم سواء كانوا في المعارضة أم في الحكومة، وطنيا أو محليا، ولذلك هذه الصورة الجاهزة التي مفادها أن الحركات الإسلامية تأتي لكي تكون بديلا. نحن منذ ول يوم، قلنا إن قضيتنا هي الإسهام مع غيرنا، ولسنا بديلا. ولا نُعدّ أنفسنا حتى يأتي يوم ما أو سنة ما، لكي نقول؛ نحن البديل عن المجتمع، أو عن الدولة وعن مؤسساتها، هذا حلم غير واقعي. إن واقعنا وما نحن مقتنعين به، والأفق الذي نشتغل في إطاره، يحتم علينا أن نصلح ما هو موجود، بأن نثمن النقط الإيجابية الموجودة عند شعبنا، وعند أمتنا، وفي مؤسساتنا، وعند علمائنا، ونبحث في كيفية تجاوز كل الإشكالات الموجودة أو تصحيح الاختلالات القائمة. هذا هو منطق الإصلاح الذي نؤمن به، ولسنا بديلا عن أحد، كما أننا لا نؤمن بالتغيير الجذري، وليس منهجا لنا. ومنطق الإصلاح هو الذي يجعلنا نعتبر أن الدولة المغربية إسلامية، ويدفعنا إلى العمل لكي تبقى كذلك. أحمد تطراوي من الجزائر: أولا؛ أخي ما فائدة الأحزاب في الوطن العربي والدول الإسلامية إذا كان البرلمان لا يسن القوانين لصالح المجتمع ولصالح الشعب، فما الفائدة منها؟ ثانيا؛ الأحزاب في الدول العربية صنفان؛ إما أن يكون تابعا لنظام له من الباع والعطاء الجزيل، وأما إذا كان معارضا لنظام فمآله الطرد والتشرد والنفي والسجن. ملاحظة ثالثة أخي محمد، لماذا الأحزاب لا تعمل على نشر الوعي والفكر بدل التقوقع في دائرة الحزبية، الإسلام بريء من السياسة، الإسلام فكر مذاهب، نشر ثقافة خاصة. أخي محمد، نحن في مرحلة من الحضارة تتطلب الوعي الكافي، كيف نعيش حضارة هذا العصر بعلومه وآدابه وفنونه وتكنولوجيته، لماذا الخوض في هذه الأحزاب بدلا من أن تتجه إلى الشعب: لماذا الانخراط في حزب من الأحزاب وهو لا يخدم الحزب ولا يخدم الشعب؟. كروان من الكويت: قبل فوات الأوان وقبل دور الأحزاب العربية، هناك مسلمات يجب أن تصبح طبعا وإرثا تقليديا في شخصية الإنسان العربي، أعني الانتماء، أما ما نعاني منه نحن العرب، فهناك أزمة ضمير حقيقة حتى غدا الشارع العربي مقسما إلى ثلاثة أقسام: ذئاب وكلاب وأرانب. هناك أزمة لغة، لم تعد موجودة في عقول المسلمين حتى حلت محلها اللغات الأجنية، ولغة العروبة أصبحت كذبة كبرى، بل مزحة كبرى، عندما نبشر بها يضحك علينا الجميع، إذن لابد من العودة إلى ابن خلدون في علم العمران السياسي والثقافي والاجتماعي، ولا نستطيع أن نتقدم بدونه. امحمد الهلالي من المغرب: سؤالي إلى ضيفكم اليوم، أن الحركة الإسلامية بلغت مرحلة صارت معها الشعوب تنتظر منها إجابات في قضايا تحيّر هذه الشعوب، وبالنسبة لحركة التوحيد والإصلاح توجد في المغرب، وهو بلد منفتح على أوربا ودول الغرب. والأقليات المسلمة اليوم تعيش إشكالات اضطهاد، وتحتاج إلى مفكرين وسياسيين يدخلون في حوار حضاري وثقافي، وحركة التوحيد والإصلاح ما هي مساهمتها لإطلاق حوار مع الغرب، من شأنه أن يزيل فتيل هذه الصراعات وهذا التصادم؟ فيصل عبد العزيز من الجزائر: أولا، لابد أن ننظر إلى موقف الإسلام من الأحزاب، الله عز وجل يقول: (إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء)، أي أحزابا، وقال تعالى: (كل حزب بما لديهم فرحون)، وهذا فيه دلالة واضحة على أن هذه الحزبية التي جاءت من ما وراء الحدود وخلف البحار، جاءت لتفرق الأمة الإسلامية. جواب الحمداوي: أولا، إن التساؤل حول الأحزاب وفائدتها، وأن القوانين لا تسمح لها إلى غير ذلك، هذا أمر واقع. وأظن أن الكلام هنا هو عن فائدة المشاركة، وجدوى مشاركة الأحزاب الإسلامية في البرلمانات، وهنا أقول؛ إذا كان هؤلاء يعتقدون أن المشاركة في البرلمان قد تأتي بالدولة الإسلامية أو بالخلافة وما شابه. أظن أن من كان يؤمن بهذا، كان الأولى له أن لا يشارك منذ أول يوم، ولكن الذي يعتبر البرلمان أحد المنابر التي يجب أن يوجد فيها الصوت الإسلامي، باعتباره أحد مجالات التدافع مع مشاريع ومع منظومات أخرى، بينما الغياب والكرسي الفارغ، على العكس من ذلك، نتيجتها لاشيء. وبالمقابل، حينما تغيب الحركات الإسلامية عن البرلمان أو يتم تغيبها، فإن هذه المؤسسات ستفقد مصداقيتها أكثر، وحينما تفقد هذه المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية مصداقيتها، سيفتح الباب أمام التغيير بالعنف وما شابهه. ثانيا، إن الحديث عن التضييق والتحجيم والظروف... هذه حجج غير كافية، إن تجربة الأحزاب الإسلامية في تركيا ترد على ذلك، فهي توجد في بلد علماني، وكل من يريد أن ينادي بتطبيق الشريعة الإسلامية مثلا، قد يتابع باسم القانون. إن الأحزاب الناجحة هي التي تشخص واقعها، وتعي التهديدات، ولكن لا تكتفي بمعرفتها والتباكي حولها، الحركة الناجحة هي التي تبحث عن الفرص، وتحاول أن تجد مسلكا لعملها، وما يحصل في تركيا، يعد أحسن نموذج، فالبلد علماني، والقوانين تمنع، ومع ذلك بحثوا في ظل هذا الواقع، ووجدوا بابا للعمل الإسلامي. أما موضوع الحضارة، وأنه لا داعي للأحزاب، وأنه علينا أن نقوم بالتربية إلى غير ذلك. فدعني أضرب مثالا هنا، وهو الحفاظ على البيئة في أوربا، فهي قضية تربوية ثقافية، لكن أوجدت أحزاب سياسية، واستطاع المدافعون عن البيئة أن يجعلوا منها قضية مركزية بالنسبة لليمين واليسار. الفعل الحضاري هو فعل متعدد ومتكامل، لا يجب أن نبخس أي جانب حقه، سواء كان تربويا أو سياسيا أو اجتماعية أو فكريا. ما أثير حول أوربا هو موضوع مهم جدا، بل أنا أقدر أنه فعلا تحدي حقيقي، بالنسبة لنا هنا، اليوم يوجد طلب كبير على أغلب قيادات الحركة؛ للتأطير في المراكز والمساجد الإسلامية، وهي تساهم بشكل مباشر في التأطير والتكوين. وحينما نذهب للدول الأوروبية نؤكد لهم أنهم في بلدانهم، وعليهم أن يلتزموا بكل حقوق المواطنة، والاجتهاد في أن لا يكون هناك تناقض بين انتمائهم الإسلامي وانتمائهم لبلدهم الجديد. بل أقول أكثر من ذلك، حينما يذهبون لهذه البلدان لا يجب أن يستوردوا مفهومهم للتدين كما هو، عليهم أن يفهموا واقعهم الجديد حتى يقوموا بواجبهم الديني بشكل إيجابي، فالاندماج الإيجابي هو الذي يحافظ على هوية الإسلام .. المعلق (مقاطعا): حتى بعض الدول العربية سارت في هذا الركب. سوريا التي منع فيها وزير التربية النقاب في الجامعات، طبعا هذه التحديات يواجهها العالم الإسلامي كله. رسالة قصيرة: ما رأي الحركة في الحركات التي تتقاتل بالسلاح لإقامة الشريعة الإسلامية؟ ما هو موقف الحركة من قضية الأمازيغ في المغرب؟ ما رأيك في الدعوة السلفية الصحيحة التي انتشرت في الأمة؟ الحمداوي: الدعوة السلفية الصحيحة، إن كان يُقصد بذلك الرجوع إلى الأساسيات في مشروعنا، ألا وهو الكتاب والسنة، والتركيز على الجانب العلمي فهذا مطلوب بأن يكون، ولكن الدعوة السلفية هي دعوة مجددة، ولا يمكن أن نقول الدعوة السلفية تستدعي كل النصوص واجتهادات العلماء السابقين في واقعنا، فالدعوة السلفية تنطلق من الكتاب والسنة وتبحث عن حلول وتجدد في واقعها، ويجب أن تجيب على إشكالات الناس، لا أن نبعثهم إلى إجابات أناس من قبل. ولكن هناك سلفيات تستعمل السلاح؟ سبق أن قلت موقفي في الذين يرفعون السلاح، إن كل الصراعات التي حصلت، والاصطدامات الدموية التي تسببت فيها تلك الصراعات، وكانت بين الإسلاميين والأنظمة؛ لم يستفد منها إلا خصوم الإسلام، وفي مواقفنا وقراراتنا نعتبر أن كل إنسان مسلم يرفع السلاح داخل بلاده وضد المسلمين لا يجوز، ونعتبر أن ذلك هو مما يسيء إلى الدعوة وإلى الدين، خاصة وأن الاقتتال أصبح اليوم بين هذه الحركات نفسها. بل على العكس من ذلك، فهي تفرض على الأنظمة الرضوخ لإملاءات الخارج، وكثير من الأنظمة انبطحت بسبب ذلك، وفي النهاية يتم إضعاف الجميع، مجتمعا ودولة وحركات. ولعل ما حصل في الجزائر خير دليل على ذلك، لقد تمّ إضعاف الحركة الإسلامية والنظام كذلك. فحيثما تم إقحام بلد في عنف واقتتال، يتم إهلاك الجميع، وهذا مما لا يجوز أبدا. ونعتبر أن المقاومة ضد المحتل الأجنبي هي الحالة الوحيدة التي يجوز فيها حمل السلاح، كما الحال بالنسبة لقضية فلسطين. دعني أسألك السيد الحمداوي، عن الإمام الذي شاعت أخباره بأنه أساء للأمازيغ بالمغرب. ما تعليقك على هذا الموضوع؟ من خلال ما اطلعت عليه في الصحافة، فالرجل قال: لعل حروف تيفيناغ أصلها عبري، ولم يقل بأن الأمازيغية صهيونية ولا مدخل للصهيونية، ولكن موقفنا نحن من الأمازيغية، هو من صميم موقف الشعب المغربي بكل مكوناته، في ظل المرجعية الإسلامية، مقوماته عربية وأمازيغية، ولذلك فإحياء الثقافة الأمازيغية، على أساس أنها إحدى هذه المكونات؛ تعد مسألة إيجابية ومطلوبة. ولعل المختار السوسي وهو عالم كبير، يعد أمازيغيا، وهناك علماء كثر غيره، ممن ساهموا مساهمة فعالة في هذا الإطار. وعليه، أؤكد أن إحياء الثقافة الأمازيغية في إطار المرجعية الإسلامية يعد إغناء للمغرب، وإقرارا بتعدده وتنوعه وسيعود على المغاربة بالنفع. أما إن كان إحياء الثقافة الأمازيغية، القصد منه، هو القطيعة مع المشرق العربي، أو إضعاف اللغة العربية، أو التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأذكر هنا؛ أن بعض الجمعيات تأسست لهذا الهدف، وفي هذه الحالة يكون موقفنا الرفض، وأعتقد أن الأمازيغ الأحرار يرفضون بدورهم مثل هذه الأدوار. بقيت لي ثلاث دقائق، وأرجو الإجابة عن ثلاثة قضايا: محاكمة مجموعة بلعيرج في المغرب، ملف التشيع، ورأيكم في قطع العلاقات مع إيران؟ بالنسبة لمجموعة بلعيرج، نميز فيها بين مجموعتين: أنا سأتكلم بالأساس على المعتقلين الستة، المعروفين بأنهم رؤساء حركات إسلامية أو أحزاب سياسية، وهؤلاء كان لنا معهم عمل مشترك في قضايا الأمة وغيرها، وكان واضحا أن هؤلاء اختاروا أن يعملوا من خلال المؤسسات، وفي إطار رسمي، ونبذوا كل أشكال العنف، ولذلك نعتقد أن تخفيض الأحكام عنهم أخيرا، إلى عشر سنوات؛ إيجابي، لكن نأمل أن تتم تبرئتهم أو العفو عنهم. وبخصوص موضوع التشيع. بالنسبة إلينا، نعتبر أننا في واقع يتميز بوحدة مذهبية، وأي اختراق لهذه الوحدة المذهبية هو مرفوض، ونحن نستحضر ما هو موجود في لبنان وفي بلدان تعاني من الطائفية والتعدد المذهبي، ونؤكد أن حركتنا وشعبنا ورث وحدة مذهبية هو مؤتمن بالحفاظ عليها، ونرفض أي اختراق مذهبي آخر. في موضوع التنصير، ما رأيكم في وجود جمعيات مرخص لها، ولكنها تفعل ما تشاء في المغرب وغيره تحت شعارات أخرى؟ نحن في هذا الموضوع، نعتقد أنها قضية وطنية تستوجب اهتمام الجميع، ولا يمكن أن أقول بكل هذه البساطة؛ كيف تسمح الدولة للمنصرين بأن يدخلوا .. إلى غير ذلك. هذا تحدي مطروح أمام جميع الفاعلين، وعلى رأسهم الحركات الإسلامية، إذ ما معنى أن توجد جمعية في منطقة جبلية تقدم الخدمات للأيتام؟ أين هم أهل الإحسان في البلد؟ وأين جمعيات العمل الخيري المسلمة؟ أين الإمكانيات الموجودة؟ أين هم أبناء الحركة الإسلامية والدعاة والعلماء لكي يقوموا بواجبهم؟ ولذا فموضوع التنصير يحتاج إلى جرعة، ويحتاج إلى قوة فعل من الحركات الإسلامية، والدعاة والعلماء والهيئات الرسمية كذلك، إذ على الدولة أن تكون يقظة وتتحمل مسؤوليتها كذلك.