يستعد الملك محمد السادس للقيام بجولة لدول الخليج، قبل نهاية السنة الجارية، تشمل السعودية والإمارات والكويت والبحرين وربما قطر وسلطنة عمان. ويأتي الإعلان غير الرسمي لهذه الزيارة في ظل أزمة السيولية الحادة التي يعيشها المغرب منذ أشهر والتي بدأت تظهر معالمها في التقشف الذي حمله مشروع ميزانية 2013. ويُنظر لزيارة الملك محمد السادس إلى أهم الدول الخليجية، في ظرفية صعبة يعيشها الاقتصاد المغربي، على أنها فرصة لزيادة تسويق مشاريع مغربية تدخل في سياق "الأوراش الكبرى" التي فتحها المغرب وذلك من أجل الحصول على تمويل لها من الصناديق السيادية الخليجية التي يبلغ حجم السيولة فيها أزيد من 1300 مليار دولار خاصة بدول مجلس التعاون الخليجي فقط، وهو ما يمثل %35 من إجمالي أصول صناديق الثروة السيادية في العالم. ويرمي الملك محمد السادس من خلال زيارته ل"الدول الشقيقة" إلى ضخ مزيد من الأموال الخليجية في شرايين الاقتصاد المغربي لإعطائه دفعة قوية تخرجه من مشاكل منطقة اليورو التي أثرت على إيراداته في السياحة والاستثمار وقيمة تحويلات مهاجريه بالخارج. ودأب المغرب على اللجوء إلى الدول الخليجية لسد الثغرات التي تظهر على اقتصاده الذي يبلغ حجمه 90 مليار دولار، حيث سبق للمملكة العربية السعودية أن ساهمت بشكل سخي ب 200 مليون دولار في تمويل مشروع القطار السريع "تي جي في" على خط طنجةالدارالبيضاء، كما لجأ المغرب في عز ارتفاع أسعار النفط سنة 2008 إلى السعودية التي سارعت إلى تقديم هبة مالية قيمتها 500 مليون دولار لتخفيف عبء الفاتورة النفطية على كاهل المملكة، و100 مليون دولار لمواجهة الفيضانات التي حلت غرب المغرب وشردت الآلاف من الأسر. كما وهبت الإمارات العربية المتحدة سنة 2008 ما قيمته 300 مليون دولار لدعم استيراد النفط من الأسواق الدولية بعد ارتفاع أسعاره. هبات دول الخليج كانت دائما سندا قويا لخزينة المملكة المغربية في عز الأزمات التي مرت منها، حيث ظهر الكرم الخليجي على المغرب بعد زلزال الحسيمة سنة 2004. إذاك قدمت العديد من الدول الخليجية "الشقيقة والصديقة" مساعداتها بشكل سخي للمغرب، كما واكبت السعودية مبادرة الملك محمد السادس الخاصة بالتنمية البشرية، بعد أن دعمت هذه المبادرة سنة 2007 بهبة مالية قدرت ب 50 مليون دولار. هذا في الوقت الذي عمدت الإمارات العربية المتحدة على مواكبة العديد من مشاريع المغرب السياحية رفقة دولة قطر والكويت بعد أن تعهدت صناديق الثروة السيادية في هذه الدول باستثمار نحو ثلاثة مليارات دولار، وذلك على هامش زيارة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى المغرب السنة الماضية، والدي أشرف رفقة الملك محمد السادس على التوقيع على إنشاء صندوق مشترك لمشاريع تدعم رؤية المغرب السياحية بحلول العام 2020. وتأتي زيارة الملك محمد السادس إلى دول الخليج، بعد أن سبق له أن حث في خطاب العرش شهر يوليوز الماضي، على تطوير الآليات التعاقدية المتعلقة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص٬ وتمكين المغرب من فرص التمويل التي تتيحها الصناديق السيادية الخارجية، وبصفة خاصة صناديق دول الخليج، وهو يؤشر على عودة المغرب للانفتاح على الدول الخليجية بعد أصبحت أوروبا الشريك الأول للمغرب تعاني من "مرض" اقتصادي مزمن يصعب الشفاء منه في السنوات القليلة القادمة.