دافئا، قويا، فصيحا ورائعا ينبعث صوتها الساحر، حضورها الطاغي يجتذب حواسك لتتلقف أدنى سكناتها وتعابير وجهها الباسم والمعبر. إلى أحضان مدينة الصويرة ساق مهرجان «ورشان الملحون» الفنانة ماجدة اليحياوي، حيث سقت عطشنا إلى الصوت المباشر النظيف الطبيعي الذي لا يحتاج إلى أصباغ مهندسي صوت. اقتربنا من ماجدة اليحياوي فاكتشفنا بساطتها، ذكاءها وحرقة الملحون فيها. منذ فترة ليست بالقصيرة، طغى الحضور الإعلامي للفنانة ماجدة اليحياوي كمقدمة لبرنامج«شذى الألحان» بالقناة الثانية، على حضورها كمنشدة لفن الملحون، فماذا أكسبتك التجربة الإعلامية؟ برنامج «شذى الألحان» يشكل مساحة للبحث وتعميق المعرفة وتبادل التجارب بالنسبة إلي، لقد خلق لي متسعا لتوظيف تكويني الأكاديمي والمهني في فن الملحون، بالمقابل فقد خدم البرنامج التراث المغربي الأصيل إلى حد كبير، كما سيظل وثيقة تاريخية مرجعية بالصوت والصورة، نوثق للأجيال القادمة رجالات التراث المغربي، قصائده، عازفيه... واعتبارا لتكويني وتخصصي في فن الملحون، فقد أسند إلي مكون التراث في البرنامج، حيث ساعدتني مؤهلاتي في تدبير مهمتي بسلاسة وتلقائية وعفوية يسرت لي سبل النجاح والتألق في البرنامج، ناهيك عن تقاسمي لنفس الثقافة والتكوين واللغة مع ضيوف البرنامج، الشيء الذي وفر جميع شروط العفوية والصدق الذي يصل إلى حدود البوح. ألا ترين بأن حضورك الإعلامي كان على حساب حضورك الفني ؟ تطأطئ رأسها في صمت أنطقته نظرة حنين .. صحيح أني غائبة كفنانة منذ فترة على مستوى التلفزيون كمنشدة، خصوصا بالقناة«الأولى» التي غبت عنها لفترة أربع سنوات، ولأسباب لا أفهمها إلى حد الساعة، غير أن حضوري الإعلامي بارتباط بالفن الذي أعشقه، واستقبالي لأساتذة الملحون وشيوخه ورواده في إطار برنامج «شذى الألحان» يجعلني في حالة رضا وإشباع إزاء حاجتي إلى التواجد كمنشدة. كما أنني سعيدة ومستمتعة بتجرتي كمنشطة لبرنامج تراثي جميل في أفق عودتي فنيا. ماجدة اليحياوي، أنت «غرباوية» عشقت الملحون فأبدعت وتألقت، فكيف كانت البداية؟ علاقتي بالملحون بدأت عشقا طفوليا، توفرت له جميع الظروف ليستوطن أفق مشاعري وانتظارتي. كما لعب عشقي للأدب والشعر، الزجل على وجه الخصوص، دورا كبيرا في تقوية روابطي بالملحون، الذي استقر عليه ميولي الفني بعد تنقلي بين مجموعة من الأشكال التراثية، كما كانت سنوات دراستي الجامعية بمدينة مكناس فرصة خطوت خلالها في مسار التكوين الأكاديمي في الملحون. لقد وجدت في الملحون وسيطا بيني وبين أشيائي أولا، ولغة أكثر من فصيحة تعبر حيث تعجز كل اللغات، عن ما يعتمل بوجداني، لهذا فالارتباط بالملحون لا تحكمه الجغرافيا، بقدر ما تنسجه المشاعر والذات الإنسانية. مارأيك في الحضورالنسائي بالملحون؟ الحضور النسائي في الملحون ليس وليد اليوم، نساء كثر رسمن مسارات فارقة في تاريخ الملحون، كناظمات للشعر، منشدات، حافظات، وعازفات كذلك/ أسوة بالشيخة بريكة من فاس، التي كان الرجال المنشدون يتهيبون من مقاسمتها جلسات الملحون. غير أن السياق الاجتماعي والأعراف والثقافة المحافظة، غيبت هذا الحضور، بالإضافةالتغيرات التي عرفها المجتمع والإمكانات التي أتاحها الإعلام لبروز من مجموعة من الأسماء النسائية إلى واجهة الملحون، كثريا الحضراوي، حياة بوخريص، مع الإشارة إلى التجربة القصيرة لبهيجة إدريس في فن الملحون. كيف تشرحين واقع الملحون بالمغرب؟ لقد صمد الملحون لقرون عديدة في ظل مجموعة من الظروف الصعبة، والتحولات والتطورات ليصل إلينا في أبهى حلله، واليوم، في ظل التطور التكنولوجي الذي نعيشه، يمكن إن أقول إننا نتوفر على الإمكانات اللازمة لحفظ هذا التراث وضمان انتقاله إلى الأجيال المستقبلية، بالمقابل يقع على عاتقنا، شيوخا، منشدين، عازفين وحفاظا أن ننقل هذه الثقافة التراثية إلى الأطفال والشباب من خلال تكوينهم تكوينيا أكاديميا سليما. كما يبقى أمام وزارة الثقافة أن تبذل مجهودا إضافيا لأجل الارتقاء بالملحون والتراث بشكل عام، من خلال دعم قدرات الفنان المغربي والعمل في اتجاه تحسين ظروفه الاجتماعية، في إطار منظور متكامل يدمج البعد الثقافي والفني والإنساني. ومن خلال تبني استراتيجية متكاملة للنهوض بالتراث المغربي أسوة بالطفرة التي عرفها قطاع السينما بالمغرب. كان مهرجان الصويرة مناسبة لاكتشاف تجربة جديدة تجسدت في الملحون بالفرنسية، وقد تراوحت ردود فعل المتلقين، كما هو الحال بالنسبة لكل تجربة جديدة، بين الاستحسان والاستهجان، فأين تقف ماجدة اليحياوي من هذه المحاولة؟ انأ دائما مع التجارب الجديدة، والملحون في حاجة دائمة إلى أنفاس جديدة تحافظ على ألقه وتضمن له الاستمرارية والتجدد، غير ان كل تجربة تحتاج إلى تدقيق ودراسة وإبداعية على مستوى اختيار الشكل الأنسب للوصول إلى مسامع الجمهور . بالمقابل، يبقى الدعم المادي على مستوى الإنتاج والتوزيع أساسيا للوصول بكل التجارب الجديدة إلى أفق الجماهيرية والنجاح. غير أنني أؤكد على رفضي القاطع لأي ترجمة لقصائد الملحون إلى الفرنسية، لأن ذلك سيفقدها قوتها وشاعريتها . مع الإشارة إلى أهمية الارتقاء بأسلوب الاشتغال على التراث المغربي من ضيق أفق الهواية إلى الاحتراف. فارقنا منذ أسبوع دا محمود اخراز رحمه الله، أحد الوجوه التي ساهمت في صنع تراث الأغنية الكناوية، فارقنا فقيرا في الوقت الذي وصلت فيه الأغنية الكناوية إلى العالمية، وأصبح تناولها إعلاميا وإنتاجا وتوزيعا يتم بكثير من الاحترافية. وستشاطرينني الرأي إذا قلت بأن واقع المعلمين الكناويين يسري على شيوخ فن الملحون، فكيف يمكن أن نتجاوز هذه الوضعية المخجلة؟ لم يعد من المقبول بتاتا في ظل الطفرة التي عرفها العالم الفني والإعلامي بالمغرب، أن يستمر التعامل مع صناع التراث المغربي بمنطق «وكل وشرب وكبر به وقل له الله يرحم لك الوالدين»، لأن في ذلك استخفافا بالتاريخ وبالحضارة التي ساهم هؤلاء الرجال في صناعتها، من غير المقبول أن نستمر في الفصل بين الفن والفنان، فكلاهما جزء لا يتجزأ، لأن الأمر لا يتعلق بسلعة أو منتوج مادي صرف، لأن الفن لحظة إبداع صيغت من مشاعر ومعاناة وتجارب تعبر عن الذات الإنسانية، وبالتالي يجب إعطاء الفنان المغربي، بشكل عام، وضعه الاعتباري، في ظل الحفاوة المفرطة التي يحظى بها الفنانون الأجانب، والتي يقابلها عداء غير مبرر لثقافة النجومية بالمغرب حين يتعلق الأمر بالأسماء المغربية. ما رأي الفنانة ماجدة اليحياوي في مهرجان الصويرة؟ كان لحظة ممتعة أتاحت لي فرصة تجديد اللقاء بفنانين كبارا افتقدتهم، فتبادلنا الأخبار والتجارب والهموم التي تبقى مشتركة ولا يمكن أن تنتصب حائلا بيننا وبين تعلقنا بهذا لتراث الجميل. كانت الدورة الأولى بطاقة عبور إلى دورات مقبلة أكثر تألقا. وسيبقى له الفضل في اكتشافي لسحر مدينة الصويرة لأول مرة ""