«منال القباج» طفلة في ربيعها العاشر، تدرس حاليا بالقسم الخامس بإحدى المدارس الابتدائية بمدينة زرهون، هي فلتة من فلتات الزمان؛ زهرة تفتحت أكمامها، وتفجرت موهبتها؛ وانبجست من داخلها شلالات عذبة من الفن الرفيع، لتنساب جداول وينابيع، تفيض عذوبة وشذى من صوتها الدافئ الرنيم، ومن قيتارة حنجرتها الذهبية، وهي تردد على ماجبلت عليه من فطرة قصائد من فن موروثنا الحضاري والفني. هذه الطفلة المنحدرة من حاضرة دفين مؤسس الدولة الإدريسية، مدينة زرهون، سحرت بقوة صوتها الشجي، وبطريقة إلقائها وجمال أدائها وفصاحة لسانها، في ابراز ألفاظ ومعاني القصائد للرواة التقاة والحفظة الأمناء، جمهور طرب الملحون وعشاقه، أطربته وأتحفته، في أكثر من 20 لقاء محليا وإقليميا ووطنيا، خلال مشاركتها الفنية، آخرها حفل تكريم الاستاذة خناتة بنونة بدعوة من جمعية الأصالة بالدار البيضاء، حازت خلالها على جوائز قيمة وشواهد تقديرية؛ أبرزها للأستاذ الباحث في دراسة وتوثيق فن الملحون وفي التراث الشعبي وفي الدراسات الأندلسية وقضايا الفكر الاسلامي. الدكتور عباس الجراري. إنها بالفعل منال القباج ظاهرة فن الملحون بامتياز، بعد أن تفتقت موهبتها مبكرا، واختارت الطريق الأصعب لهذا الفن انطلاقا من قناعتها وأحاسيسها الصادقة، حيث تنبأ لها عدد كبير من رواد ومشاهير وشيوخ وأساتذة هذا الفن الرفيع، بمستقبل واعد، أمثال ذ. زهير صدقي الذي يرجع له الفضل في اكتشاف صوتها. وذ محمد الوالي وذ.رشيد الحكيم، والشاعر المغربي حسن السليماني، والفنان بنحدو والفنان الكبير محمد بوزوبع شفاه الله، والفنان محمد السوسي والناظم امحمد الحضري، والأستاذ الباحث عبد المجيد فنيش وذ. عبد السلام الشامي وغيرهم. ومما قاله عنها استاذها محمد جيران: إنها طفلة موهوبة، اجتمع فيها ما تفرق في غيرها، في مجال هذا الفن، حيث على حداثتها وصغر سنها تحفظ مجموعة من أصعب قصائد فن الملحون التي تغنى بها كبار وشيوخ هذا الفن، كما أثبتت قدرتها وتفوقها على الغناء، على جميع الطبقات والموازين وصنف العجم والحكازي والبياتي والرصد والأصبهاني والكباحي». ولتطوير موهبتها وصقلها وشحذها، والتحليق في سماء النجومية، فإن الطفلة منال القباج، التحقت بأحد المعاهد الموسيقية بمدينة مكناس، لدراسة الصولفيج وطريق العزف على الكمان والاطلاع على تراث وكنوز الملحون، وهي تحفظ 25 قصيدة ملحونية وواحدة بالفرنسية les enfonts للاستاذ حسن السليماني. ومن خلال هذا اللقاء المباشر معها الذي أجرته مؤخرا جريدة «العلم» بمدينة زرهون بمعية أبويها محمد وهند عبرت لنا منال عن مدى تأثرها بصوت الراحل الحسين التولالي وإعجابها الكبير بالفنانة ماجدة اليحياوي وأستاذتها بالمعهد حياة بوخريص، كما عبرت لنا عن امتنانها لأبويها اللذين لهما الفضل بعد الله، في ماوصلت إليه من شهرة في هذا السن المبكر بفضل الدعم المادي والمعنوي دون أن ننسى «منال» أساتذتها وجدتها من أمها التي اكتشفت ميولها لحفظ قصائد الملحون بطريقة تلقائية وهي في السنة الخامسة من عمرها. من خلال حضورها لبعض الأنشطة الفنية التي كانت تنظم بأحد المراكز النسوية والتي كانت جدتها تترأس الإشراف عليها بمدينة زرهون، واكتشف والدها محمد القباج موهبتها عند بلوغها سن السابعة من عمرها؛ كما تحدوها رغبة أكيدة في أن تكون من بين الأصوات المميزة في مجال الغناء، بالموازاة مع تفوقها في دراستها واستكمالها الى أن تصبح مهندسة معمارية، وهي حاليا بصدد التدريب على قصيدتين، هما الشمعة: من نظم ابن علي الرزين والحراز من نظم الشيخ المكي الأزموري.