بعدما خَلُص مركز كينيدي في تقريره الأولي حول وضعية حقوق الإنسان بالصحراء، إلى أن المغرب لا يحترم حقوق الإنسان، وإلى أن "جوا من الرعب يسود في المنطقة بسبب الانتشار المكثف للشرطة"، انبرى المغرب بسرعة ليسجل على لسان وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، الطبيعة غير المحايدة لعمل المنظمة الأمريكية، قائلاً إنها تتهم المغرب دون التوفر على أدلة، في رفضٍ لحديث المنظمة الأمريكية عن إفلات المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان من العقاب، مستشهداً بحالة تضمنها التقرير، تم فيها الحكم على شرطي بخمسة عشر عاماً من السجن بسبب التورط في حادثة أسفرت عن مقتل شاب صحراوي. في هذا الحوار الذي أجرته مجلة "ماروك إيبدو" مع كيري كينيدي، رئيسة مركز روبرت كينيدي لحقوق الإنسان، ترى الناشطة الأمريكية أن تقرير المركز لم يشبهُ أي انحياز إلى طرف دون الآخر، نافية استلام أية أموال من الجزائر، بعد أن ذهبت إلى المنابر الإلكترونية إلى أن زيارة كينيدي كلفت الدولة الجزائرية 140 مليون دولار. أشارت الانتقادات الموجهة للدولة المغربية ضمن تقريركم الأولي حول الصحراء، إلى انتهاكات لحقوق الإنسان، وحضور أمني مكثف، وإفلات المسؤولين عن الانتهاكات من العقاب...هل تظنون أن المغرب لم يقم بشيء في سبيل تحسين وضعية حقوق الإنسان بالصحراء؟ يقر مركز روبرت كينيدي يقر بأهمية تأسيس المركز الوطني لحقوق الإنسان (CNDH)، وقد التقينا خلال زيارتنا للمغرب بممثلين عن المركز، وتم تعريفنا بمبادات رامية إلى تعزيز المشاركة في المجتمع المدني، فضلاً عن إجراءت لتقديم شكاوى انتهاكات حقوق الإنسان. لكن على الرغم من ذلك، يبدو من الهام أن تأخذ الحكومة المغربية بمبادئ "باريس" لمنظمات حقوق الإنسان، خصوصا فيما يتعلق بتقوية قدرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان على العمل بشكل مستقل. كيف تفسرون الصمت المطبق حول الوضعية الكارثية التي يعيش بها الصحراويون في مخيم تندوف منذ 37 عاماً؟ في جو بلغت حرارته 37 درجةً، استطاع مركز روبرت كينيدي استجلاءَ نظرة عامة حول الظروف الصعبة التي عاش بها الصحراويون في السبعة وثلاثين عاماً الأخيرة، إذ سمعنا مخاوف البعض بخصوص كمية وجودة الحصص الغذائية المقدمة، إضافة إلى النقص في الفرص الاقتصادية وفرص الشغل لساكنة جد متعلمة حيث يبلغ نسبة محاربة الأميين وسط الكبار حوالي 95%. كما سمعنا بقصص حنين وقلق أثارها تفريق العائلات، مما يؤكد استعجالية إيجاد حلول لانتهاكات حقوق الإنسان، سيما اختفاء أفراد العائلات زمنَ الحرب. من المسؤول عن ذلك في نظركم؟ أطراف النزاع، إلى جانب المنتظم الدولي تتحمل المسؤولية المستعجلة لتقوية الجهود الساعية إلى إيجاد نمط حياة مستديم ومحترم لأزيد من مائة ألف شخص يعيشون في مخيمات اللاجئين، وقد لاحظنا أن الظروف الإنسانية بالمخيمات لم تعد مقبولة بعد مضي أربعة عقود، وتهددُ بشكل حقيقي أحلام اللاجئين وأمانيهم. تدين عدة منظمات دولية، من بينها الأممالمتحدة نهب المساعدات الإنسانية الموجهة إلى سكان مخيمات تندوف، ما رأيكم في ذلك؟ لم نثر هذا الإكراه خلال محادثاتنا مع وكالات الأممالمتحدة في مخيمات" اللاجئين الصحراويين" في الجزائر، أو بجنيف أو في أي مكان آخر. خلال إقامتكم بالأقاليم الجنوبية، التقيتم بأميناتو حيدر في بيتها بالعيون، لماذا تم ذلك في بيتها دون مكان عام؟ في عام 1968، قامت عائلتي مع أصدقاء مقربين لوالدي، السيناتور، روبرت كينيدي، بتأسيس مركز روبرت كينيدي، من أجل العدالة وحقوق الإنسان كذكرى حية تحقق حلمه بعالم أكثر عدلاً وسلماً، ولدى مركز كينيدي في الوقت الراهن عدة برامج؛ من بينها برنامج شراكة مع المنافحين عن حقوق الإنسان، وبرنامج التربية على حقوق الإنسان، ومنذ 1984، اعترف مركز كينيدي بأزيد من 43 مدافعاً عن حقوق الإنسان ينحدرون من 23 بلدا مختلفا، من بينهم أميناتو حيدر. وقد وضعت السيدة بيتها العائلي تحت تصرف المركز لاستقبال شكاوى انتهاكات حقوق الإنسان حتى يستطيعوا التحدث بحرية وفي مأمن من انتقام قد يطالهم فيما بعد. ما الذي تحدثم فيه مع الضحايا؟ تحدثنا عن الانتهاكات التي طالتهم، فبعض النساء صدمن من التعرض للضرب وسط الشارع من طرف قوات الأمن المغربية، واستقبلت مندوبيتنا مئات الشكاوى من انتهاكات تم ارتكابها في حق صحراويين بسبب تأييدهم لموقف الحكومة المغربية من النزاع. لماذا رفضتم الالتقاء ببعض الجمعيات المدافعة عن موقف المغرب من ملف الصحراء؟ يبدو لي أن هناك معلومات كثيرة خاطئة في هذا المنحى، فمندوبية مركز كينيدي قضت ثلاثة أيام بالعيون، خصص منها يومان لمنظمات المجتمع المدني. والتقينا أيضا بحوالي أربعين مدافعا عن موقف المغرب من ملف الصحراء، أما اليوم الثالث فخصص بالكامل للقاء مع السلطات المغربية، في العيون كما في الرباط. هل استطعتم الاستماع إلى شهادات معارضين مشهورين في البوليساريو، هما المغني نجم علال والمناضل سلمى ولد سيدي مولود؟ لقد استمعنا بالفعل إلى نجم علال، الذي قال إنه يتعرض لضغوطات بسبب آرائه المتعارضة مع قياديي البوليساريو والتي يبثها في قطعه الموسيقية. وقد تحدث أحد أعضاء المندوبية شخصيا مع نجم علال عبر الهاتف مرات عدة، لكنه لم يحضر هناك إلى لقائنا للأسف حيث حدد لنا موعدا. ثم إن الكثيرين أخبرونا أن نجم علال نصب خيمة أمام مكاتب وكالات الأممالمتحدة خلال عدة أسابيع، واستطاع أن ينظم مظاهرة دون أن يتم إزعاجه. أما فيما يخص مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، اللاجئ بنواكشوط، فقد تركنا له عدة رسائل هاتفية على هاتفه المحمول بعدما أعطانا أحد والديه بالعيون رقم هاتفه، لكننا وللأسف لم نتلق أي جواب، لكن ذلك لا يمنعنا من الإشارة إلى كل من الناشطين الاستثنائيين في تقريرنا الختامي. بما تجيبون من يقولون إن مركز كينيدي قد تم التلاعب به؟ ليس صحيحاً، إذ ليس هناك منظمة غير حكومية في العالم تستطيع أن تدعي قدرتها على الالتقاء بجميع الضحايا وكل الجمعيات في الصحراء كما في مخيم تندوف. ومنظمة الأممالمتحدة هي وحدها القادرة على الحضور بشكل دائم للتحقيق في احترام حقوق الإنسان. تواجه قيادة البوليساريو تحديات كثيرة بمخيم تندوف في خضم موجة الربيع العربي. هل علمتم بشيء منها خلال زيارتكم للمخيم؟ مندوبية مركز كينيدي تنقلت بحرية وسط المخيم وقامت باستجواب عدة أشخاص، كما زارت سجناً للرجال، وسجناً للنساء وآخر الأطفال. وقامت باستجواب المعتقلين. كما أنها التقت ممثلين عن مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين، والهلال الأحمر الجزائري، والبرنامج الغذائي العالمي، ومكتب الاتصال التابع للمينورسو. وهنا أسجلُ، أنه بخلاف وكالات الأممالمتحدةبالعيون، تتواجد مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين بشكل يومي في الميدان ولها تفويض بحماية حقوق الإنسان، وبإمكانها أن تستقبل شكاوى مجهولة الهوية وتقوم بالتحقيقات اللازمة. ما هي الجهة التي مولت مهتكم بالصحراء وفي مخيم تندوف؟ اعتمدنا على مواردنا الذاتية، وفي المندوبية من الأعضاء دفعوا من جيوبهم ثمن تذاكر الطائرة. علمنا أن الجزائر أمدت مؤسسة كينيدي بتمويل قدره 140 مليون دولار، هل المعلومة صحيحة؟ ليست هذه أول مرة يتم فيها الترويج لأكاذيب حول أنشطتنا..منظمة كينيدي ذات هدف غير ربحي ولم تتلق أي هبة حكومية. وأؤكد لكم أنني لا أعمل لصالح البوليساريو، ولا لأجل الجزائر. في انتظار تقريركم الختامي حول الصحراء في الأسابيع القادمة، ما هي الحول التي تقترحونها لحل نزاعٍ دام سبعة وثلاثين عاماً؟ يعترف مركز كينيدي بوجود عملية سياسية يتعين مباشرتها لحل النزاع. كما أنه بإمكان الأممالمتحدة وفرنسا القيام بأشياء كثيرة لتحريك الوضع من الجمود الذي يمر به، لكن في انتظار حل سياسي للنزاع، لا غنى عن مراقبة وحماية منظمة الأممالمتحدة لوضع حقوق الإنسان بتندوف وفي "الصحراء الغربية". فمنذ وقف إطلاق النار، لم تأخذ مبادرات كثيرة لإصلاح ذات البين بين الشعبين المغربي و"الصحراوي". النزاع المذكور يسبب الكثير من الانفعال "للبلدين"، وهنا أستحضر ما قاله والدي، روبرت كينيدي عام 1964 "الإنسان غير المتسامح لا يعتمد على الإقناع، ولا على قيمة الفكرة، ويرفض تمتيع الآخرين بحرية التعبير والاختلاف وإن كان يطالب بها لنفسه باستماتة".