إن من بين المسوغات والتبريرات التي يعتمدها البرلمان والبرلمانيون في تبرير الصورة الباهتة التي يتمثلها المواطن المغربي حول العمل البرلماني بصفة عامة،جزء منها راجع بالأساس،إلى غياب التغطية الإعلامية لمجمل النشاط البرلماني خصوصا،وأن العمل الحقيقي يتم داخل اللجان البرلمانية،وبالتالي فان بث جلسات الأسئلة الشفوية لا يمثل حقيقة الأمر،ذلك إن البرلماني يأتي إلى الجلسة بعدما استنفذ جهده في اللجان التي تطول مدة اشتغالها وتطرح داخلها نقاشات جيدة وهادفة .كما أن العمل داخل اللجان هو السبب في تكريس ظاهرة الغياب،وبالتالي كانت هناك دعوات كثيرة لإحداث قناة برلمانية خاصة تقوم بتغطية العمل البرلماني في شموليته وكليته،وبسبب أيضا حجم التغطية للقنوات العمومية الذي يظل قاصرا في دعم انفتاح المؤسسة البرلمانية على المواطنين والمساهمة في تكسير تلك الصور النمطية السلبية السائدة ،كما إن الإعلام العمومي يركز دائما على الجوانب السلبية دون الايجابية مما ساهم في نفور المواطنين من متابعة كل ما له علاقة بالبرلمان وفقدان الثقة فيه أكثر. تعتبر مسألة إحداث قناة برلمانية رافعة مفصلية نحو تكريس "الشفافية البرلمانية" حيث يتم الانتقال من الطابع المغلق للبرلمان إلى الانفتاح على محيطه الخارجي وإظهار الوضوح في مختلف التدابير الإجرائية المتبعة في عمله سواء على المستوى التشريعي والرقابي والدبلوماسي، والعمل أيضا في اتجاه ما يكفل المساهمة في مأسسة التواصل البرلماني مع مختلف الفاعلين في المجال البرلماني على المستوى الداخلي والخارجي.فالعمل بالشفافية أضحت قرينة دالة على البرلمانات الجيدة ،كما إن من شأن القناة البرلمانية تكريس الحق في حصول المواطنين على المعلومات الخاصة بالبرلمان في مختلف مجالات اشتغال البرلمان،تفعيلا للفصل 27 من الدستور. وفي هذا الصدد لابد من إعادة النظر في مبدأ سرية عمل اللجان البرلمانية الذي يمكن أن يشكل عرقلة حقيقية لعمل القناة البرلمانية، فمن غير المعقول أن العمل البرلماني في جزء كبير منه يتم داخل اللجان، وبالمقابل نمنع القناة البرلمانية من تغطية أنشطتها ،وبالتالي وجوب العمل بمبدأ العلنية كأصل عام بينما السرية هي الاستثناء،من اجل تيسير عمل القناة البرلمانية والنفاذ إلى كل جزئيات وتفاصيل العمل البرلماني. لا شك إن إحداث القناة البرلمانية لا يجب النظر إليه كبعد غائي في حد ذاته بقدر ما تعتبر أداة تساهم في تفعيل العمل البرلماني ،وبالتالي الواجب اقتران مسألة الإنشاء والإحداث بالاستفادة من التجارب البرلمانية المقارنة التي تتوفر على قنوات برلمانية تعمل باحترافية ،فلا نريد إعادة استنساخ تجارب قنوات القطب العمومي، مما قد ينعكس بشكل سلبي على أداء القناة بدرجة أولى و يزيد في تكريس الصورة السلبية للبرلمان ،فهذا "المولود البرلماني المنتظر" يجب أن يلقى الرعاية والدعم الكافيين من مختلف الجوانب اللوجيستيكية والمالية والبشرية وتبني خطاب إعلامي برلماني ينسجم مع انتظارات المواطنين والبرلمانيين على حد سواء،وبتقنية عالية. كما إن من بين مواصفات القناة البرلمانية الجيدة هو عدم حصر التغطية الإعلامية في أنشطة معينة ومحددة دون أخرى، فالمنطق السليم يقتضي حسن تدبير الوقت في تغطية شاملة لمجمل العمل البرلماني، واقتفاء الموضوعية والنزاهة في التحليل والتفسير والتمحيص، مع تمتيع مختلف الفرقاء البرلمانيين (أغلبية ومعارضة)،من الوقت الكافي في استثمار القناة البرلمانية للدفاع عن طروحاتها وتصوراتها وخصوصا العمل على صيانة حقوق المعارضة البرلمانية التي نص عليها الفصل 10من دستور 2011. إن مبدأ الفصل ما بين السلطات وعلى أساس التوازن يقتضي منح الاستقلالية للبرلمان في تدبير شؤون قناته من حيث الاستقلالية على مستوى الموارد البشرية (الأطقم التقنية والأطر الإدارية)،أي التمكين من الاستقلالية يجب أن ينصرف على كل ما يتعلق بالجانب التدبير ي والتسييري ،وأيضا على مستوى بناء القرار الإعلامي البرلماني والخط التحريري ،وليس من المستساغ إذا كنا بصدد التأسيس للفعالية على مستوى الإعلام البرلماني تكريس معطى تبعيته للحكومة ،مما قد يساهم في توجيه القناة البرلمانية في خدمة الأجندة السياسية والتشريعية للحكومة،فالبرلمان يجب ان يكون سيد قناته توظف في التطوير والارتقاء بالعمل البرلماني إلى ما هو أفضل وأحسن . لا شك أن كل اقتفاء لأثر الفعالية على مستوى الإعلام البرلماني يجب أن ينصب في تكريس معطى التنوعية في البرامج الحوارية للقناة،وأيضا التنوع على مستوى المواضيع التي يجب أن تهم مختلف إشكالات العمل البرلماني في محيطه الداخلي والخارجي وأيضا الاهتمام بالإشكاليات القانونية التي يطرحها في علاقته مع باقي المؤسسات الأخرى وعلاقته بالمواطنين أيضا،كما ان فعالية هذه البرامج الحوارية في حد ذاتها مقترنة بالاستعانة بالخبرة البرلمانية من خلال الاعتماد على المراكز البرلمانية المتخصصة أو ما يصطلح عليها ببيوت الخبرة البرلمانية "think thank "و استضافة متخصصين في العمل البرلماني ،ولا شك في ذلك مبلغ ومبعث تحقيق وظيفتين أساسيتين،الأولى هي نشر نوع من الثقافة البرلمانية بين صفوف المواطنين التي بدون شك في القيام بتوعيتهم بخصوص مختلف جوانب العمل البرلماني ،والثانية مكمنها ينصب بالأساس على تمكين وتلقين الخبرة والمعرفة للبرلمانيين. والعمل على انجاز برامج تفاعلية مع المواطنين لاستطلاع أرائهم وتصوراتهم حول العمل البرلماني بصفة عامة، الهدف منها مساهمة المواطنين في تقييم الأداء البرلماني في المجال التشريعي والرقابي والدبلوماسي،والوقوف أيضا على أهم الانشغالات التشريعية للمواطنين من اجل اعتماد المنهجية التشاركية في اتخاذ القرار التشريعي ،فالبرلمانات الحديثة الجيدة هي الأكثر تفاعلا مع المواطنين،وأيضا خلق بيئة تفاعلية داخل القناة البرلمانية لتلقي شكاوى وتظلمات المواطنين،من اجل العمل على وضع أجندة للعمل على تلبيتها والاستجابة لها،وذلك من خلال اتجاه البرلمان في ممارسة الضغط على الحكومة لإيجاد الحلول والبدائل. ولاشك أن هذه البيئة التفاعلية التي تخلقها القناة البرلمانية تعد مصدر أساسي للمعلومات بالنسبة للبرلماني التي يكون مصدرها المواطن بالدرجة الأولى تعينه في حسن أداء عمله التشريعي والرقابي ،خصوصا وأننا ندرك جيدا "العوز المعلوماتي "الذي يعاني منه البرلماني بفعل ضعف الإمكانيات و"سياسة الحجب" التي تنهجها الحكومة في إطار تواصلها مع البرلمان. لطالما شكل العوز والخصاص الماليين إكراهين أساسيين في التدبير الجيد للقنوات البرلمانية، وبالتالي ضمان الموارد المالية الكافية مسالة جوهرية في تعزيز وجود القناة البرلمانية وتبوئها مكانة لائقة ترتقي إلى مستوى الرهان في التأسيس لما يسمى بالبرلمان التشاركي والشفاف ،فالقناة البرلمانية لا يقتصر دورها في تغطية الأنشطة البرلمانية وإنما ينسحب الأمر إلى إنتاج برامج قد تتطلب موارد كبيرة ،كما إن الأمر قد يتطلب عقد شراكة مع قنوات برلمانية مقارنة لاكتساب الخبرة ليس فقط على مستوى إدارة وتدبير القناة ،وإنما بما قد تعود من فائدة مثلى على البرلمانيين وتمكينهم من الاطلاع على التجارب البرلمانية الرائدة والاقتداء بها في العمل والأداء. إن الفعالية تقتضي تبني خطاب إعلامي برلماني يتسم بالموضوعية والعقلانية والذي من شأنه أن يساهم في التأسيس لثقافة برلمانية مجتمعية تعلي من القيمة الرمزية للبرلمان في المخيال الاجتماعي ،وتساهم في التنشئة السياسية،ودعم المشاركة السياسية للمواطنين وتوعيتهم وتربيتهم على تمثل قيم خدمة الصالح العام.