موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    توقيف شخص لتورطه في قضية تتعلق بالسكر العلني البين والتهديد بارتكاب جناية وتعريض حياة المواطنين للخطر    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة        منظمة الصحة العالمية تؤكد أن جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    الأرصاد: ارتفاع الحرارة إلى 33 درجة وهبات رياح تصل 85 كلم في الساعة    قاضي التحقيق في طنجة يقرر ايداع 6 متهمين السجن على خلفية مقتل تلميذ قاصر    ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    ترامب يستكمل تشكيلة حكومته باختيار بروك رولينز وزيرة للزراعة    عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بوجدة    إفريقيا تنتقد ضعف التمويل المناخي    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    كوب 29: رصد 300 مليار دولار لمواجهة التحديات المناخية في العالم    فدرالية أطباء الطب العام بشمال المغرب تعقد المؤتمر الثاني للطب العام    غوتيريش: اتفاق كوب29 يوفر "أساسا" يجب ترسيخه    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    الاحتفال بالذكرى السابعة والستين لانتفاضة قبائل ايت باعمران    دولة بنما تقطع علاقاتها مع جمهورية الوهم وانتصار جديد للدبلوماسية المغربية    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    الصحة العالمية تؤكد أن جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ عامة        انقسامات بسبب مسودة اتفاق في كوب 29 لا تفي بمطالب مالية طموحة للدول النامية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    بوعشرين: أصحاب "كلنا إسرائيليون" مطالبون بالتبرؤ من نتنياهو والاعتذار للمغاربة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    غارات إسرائيلية تخلف 19 قتيلا في غزة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هِمَمُ الشّباب ودورها في صِناعة التغيير
نشر في هسبريس يوم 19 - 09 - 2012

الحمد لله والصّلاة والسّلام على شمسِ سماءِ النّبوة وقَمَرِهَا محمّدُ بن عبد الله وعلى آله وصحبه وأمته ومن والاه
أما بعد :
تحية طيبة إلى أصحاب القلوب التي فُتِّحت بالإيمان وتجلّيات الإحسان، تحية ربانية إلى الذين ما يلفظون من قول إلا وتُسْمَعُ منهم نَغمات من الوجود السّرمدي..
إلى حُمّال رسالات القرآن؛ السّالكين بها إلى الله تعبدا وتبتلا وبلاغا، المكابدين بها تبَاريح هذا الزمان، أهدي هاته المقالة.. فلا تحسبوا ما سأخطه هاهنا عبارة عن كلام مَضَغَتْهُ الأفكار والعقول؛ كلا، بل هو فيضٌ أفيضَ على روح مجروح وقلب مَتْرُوح. ولا تخالوه أيضا شيئا سَيّالاً تذوقه القلوب ويزول؛ كلا، بل هو حقائق ثابتة انعكست على عقل عليل وقلب سليل..
وبينما كانت روحي الوثابة تبحث عن نقطة استمداد، وتفتش عن قطرة استمداد، وتنتظر السلوان والتسلي من الهموم والأحزان؛ جاءت الهَبّات الشبابية الشعبية الإسلامية والعربية على قلبي وروحي بردا وسلاما.
ولا شك أن واقع العالم الإسلامي لا يزال يؤرق على الرغم من بعض البشائر والبصائر التي تَحمينا من الإنكسار، وتبعث فينا الأمل، وتجدّد اليقين بقدرة الأمة على النهوض والصّمود والركوض لتحقيق الشهود الحضاري . إذ ليس من المعقول شرعا ونقلا وعقلا وواقعا أن الأمة التي أنيطت بها الرسالة الخاتمة يمكن أن تلغى من الحياة الإنسانية، أو أن يسلّط عليها الأعداء تسليط الإستئصال والإنتشال.. وإنما ما مرّ ويمرّ بها عبارة عن تَوَعُّكَات وعقوبات تجدّد شباب الأمة ونُضْرَتها، وتقضي على عناصر الخَوَر والشيخوخة فيها، فتستأنف النهوض من جديد.. فأمتنا بفضل الله استعصت على الذوبان، ولم تخضع لِسُنّةِ المَوت الحضاري، ولم تفقد خَميرة النهوض والإمكان والتغييير.
وهانحن نرى جميعا ونعيش مرحلة تزحزح العالمين الإسلامي والعربي نحو الربيع في هاته الأيام، ويكاد يتفق الجميع أن المستقبل سيكون بخير على الرغم من بعض المُعَوّقات بسبب الوهن التاريخي، أو فترة القصْعة كما يسميها المفكر عمرعبيد حسنة، والتي أشار إليها الحديث المعروف. وإنه لجدير بنا أن نطّلع على حال الذين يضغطون على هذا التكوين العالمي الجديد بعزم وإرادة وتحدّي.
فهل ما يحدث الآن، على يد الشيب والشبان مرحلة جديدة في صناعة التغيير المنشود ؟ وهل هبّت رياح التغيير حقا ؟
نبتدر بطرح هذا السؤال لكوننا نقلق على واقعنا، والقلق من الواقع وعليه هو المِهْمَاز الحضاري، أو المُحَرّض والمُنبّه الحَضاري الذي لا بدّ منه باستمرار لإستعادة القابلية وشحْذ الفاعلية ورفع صرح الهِمم العالية، ومُعَاودة الإقلاع الحضاري. أما رياح التغيير فإني أراها قد هبّت حقا، نسائمَ تداعب أجفان النائمين، وتُهَدْهِدُهُم برفق لا يلبث أن يشتدّ حتى يوقظهم من سُبات أهل الكهف الذي طال أمَده. ونحن واثقون من أنه متى ما هبّت رياح التغيير على عالمنا الإسلامي العربي الكسير، فإنها ستعيد إليه مفاتح الحل لتضعها بين يديه، وهو متى ما قبض عليها فإنه سيعرف ذاته وسيكتشف خط سيره وسيتحرر من أوهامه، وسينطلق كمن نشط من عِقال .. ولسوف تسعد البشرية بمَقْدَمِه لشدّة احتياجها إليه، ولقد صدق فيلسوف الشرق محمد إقبال حينما قال :
العشق فيّاضٌ وأمة أحمدٍ يتأهّبُ التاريخ لأستقبالها
أما أوطاننا الحبيبة التي رُوِيَتْ منذ زمان بدماء ملايين النفوس المضحّية، تعيش اليوم مع كثير من أبنائها البَرَرَة حماس العبور من الماضي إلى الآتي، طافحين بالأمل، ومحسوسين بقشعريرة حُمّى الإرتقاء بشعوبهم نحو العلا وفوق الثريا. كما نشهد اليوم سباق عودة الحياة من جديد إلى القرية والمدينة، والمجتمع والدولة، والشوارع والمدارس، ونرى رَفرَفَة خمائل القضايا العادلة في كل صَوب وناحية من منذ الآن بوفاءٍ كوفاءِ الفجر الصّادق، وعلى مَرْغَمَةِ من كل عائق، وبفضل الذين حَفّزُوا الخارطة الرّوحية للأوطان بخفقات قلوبهم وسَقَوْهَا بدموعهم الحَرّى ودمائهم.
لكن من الحقائق التاريخية أن نهوض أي مجتمع؛ وتحقيقه لصَرْح الهِمَم؛ مَرهونٌ إلى حدّ كبير بظروف وشروط ميلاده.. ويمكن لنا هنا أن ندرك في ضوء ذلك مقولة الإمام مالك بن أنس : " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها " ، وأية محاولة للنهوض اليوم وإصلاح لحال المسلمين مرهونة بالأساس باستلهام فترة القدْوة، والإرتكاز إلى عصْر السّعادة الأول، عصر الصحابة الميامين، لأنها تمثل فترة ميلاد مجتمع خير القرون، ولأنها الفترة المعصومة، والتجربة العلمية والعملية المأمونة لتنزيل الوحي على واقع الناس والدنيا..
والتاريخ هو المُعَلّم الحقيقي للشعوب، والرحلة إليه هي التي تحقق القصْد وتمنح العبرة وتُقِيلُ العَثرة.. والواقع هو المُختبر الحقيقي لدَعَاوى الإصلاح والتغيير.. والنقد والمراجعة والتقويم أمور لا بدّ منها لتسديد المسيرة وتحقيق الصواب.. وتحديد مواطن الخلل هو السبيل إلى النهوض والإرتقاء.. وكسب التجارب السابقة، والوقوف على قمّتها، والإبصارللمكان البعيد، وكذا استشراف للمستقبل المأمول . وأعتقد أن أية عملية بعث وإحياء وتغيير، لا بدّ ان تأخذ في اعتبارها : استقراء التاريخ قراءة الواقع وتحديد موقع الأمة ضمن المسيرة الحضارية والتاريخية، وقابلية النهوض كامنة في الأمة، ودائمة ومستمرة، إذا ما أحسَنَت التعامل مع السنن الجارية، كما نجد في المقابل أن علاج الوهن الحضاري إنما يُبحث عنه في الداخل الإسلامي " قل هو من عند أنفسكم " .
وتغيير الواقع المعيش رهين بتغيير ما بالداخل والإستعداد الذاتي لهذا التغيير " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ، مع ضرورة استدعاء الهمّة والحميّة الإنسانية والطاقة التي تعلو فوق ما هو معتاد.
واليوم؛ هذا النفير العام المُشَاهَدُ من المحيط إلى الخليج، وملامح التغيير البادية للعيان، وهذا الجهد المنصرف إلى إعادة البناء والإحياء من جديد؛ همّة مُهمة في سبيل لمْلمَة شَعْث المجتمع وتحريك مصادر قوته المعنوية، هِمّة تفي بإنقاذ سفينة الشعوب الجانحة بالسّواحل، على أيدي أجيال مؤمنة طموحة مشدودة الأوتار بالمِيتافيزيقي الغيبي . وإن هذه الشعوب التي تستيقظ مرة أخرى على استقامة خطّ النبي صلى الله عليه وسلم، تترنّمُ بإنشودة الصّيرورة والتواجد مع أنسام الربيع الغَضّ.
وإن الأمر الذي نريد أن يكون واضحاً منذ البداية للقاصي والداني هو : إن الصّحوة الإسلامية بمظاهرها المختلفة وتياراتها الظاهرة والخفية ليست قضية عارضة، كما أنها ليست مجرّد فعل، وإنما هي ثمرة وعي تاريخي، وفاعلية ميتافيزيقية، وعودة إلى الأصل، وتصحيح لمسار الإنتماء، واستلهام لعناصر الرقي والحضارة التي رَسَمَت الإبعاد الصحيحة لحركة الأمة الشاملة على مختلف المستويات، إنها صحوة جاءت من قلب العمق التاريخاني لهذه الأمة المجيدة. كما لا يخفى أن حركات التغيير والتحول الأخيرة قد أزالت القناع وأماطت اللثام عن كثير من الوجوه وأظهرتها على حقيقتها، كذلك؛ أزاحت الغشاوة عن عيوننا إلى حدّ ما.. فاستطعنا أن نرى ما يحصل بصورة أوضح وأبين، وأن نستنبط من الحوادث نتائج أسلم وأمتن. وبما أننا اليوم نخوض كفاح الأرض في الإنبعاث طنجة إلى جاكرتا ومن قازان إلى أرُومْتْشّي، ونتعاون على فتل حبلنا الروحي ولسان حالنا :
من أحلامنا تزن الجبال رزانة وتخالنا جنا إذا ما نجهل
فإننا نتوجّه شَطْرَ أنفسنا لنؤكد على أن التغيير والإصلاح يكون على يد الشباب التوّاق، وإننا ننبّه إلى ضرورة أن يتمتع الشباب في عالمنا الإسلامي عموما برؤية مستقبيلة أكثر شمولية، ووضوحا يتجاوز ما عليه المسلمون اليوم. وإن تفاءلنا بقدرة الشباب على صناعة التغيير لا يمثل بالنسبة لنا خيارا، بقدر ما هو دين وعقيدة، مُستَمذّة من مواثيق الله، ومُبَشِّرَات رسول الله، وسلف الأمة الصالح من عباد الله، وتجربة رجال ونساء المدّ الإسلامي العظيم.
وقبل الحديث عن التغيير؛ نجد أنفسنا أمام ثلاث قضايا أساسية وهي : 1 فهم لم ندعوا للتغيير ؟ 2 إتقان الدعوة إلى التغيير؟ 3 والقدرة على التربية على التغيير؟
وكما لكل شيئ شروط ، كذلك للتغيير شروط، وشرطه الأهم أن يتحلى جميع أفراد المجتمع بعقلية الإعمار والإحياء ، وأن يجتمعوا على وحْدة الصف والهدف والغاية. كما ينبغي على كل فرد أن يقول لنفسه بمسؤولية فردية جادّة : " اليوم يوم الفعال.. فإن لم أنهض للعمل أنا فلن ينهض غيري" ولا يخفى على مُتتبّع أننا نعيش زمن همّة الشباب بامتياز، زمن التحول في كل شيئ، ولزمان التحول وقع الزلازل على المنازل. والشباب هم عماد الأمة وأسُّ نهضتها، وعليهم تنعقد الآمال من أجل إدراة الحاضر وبناء المستقبل. وتتماز في فترة الشباب بخصائص فريدة، وهي أمانة يستغلها ويستثمرها كل كيّس حَذِقٍ فَطِنٍ.. لذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري : " أوصيكم بالشباب خيرا، فإنهم أرقّ أفئدة، لقد بعثني الله بالحنيفية السمحة فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ " .
التغيير ابتداء وانتهاء يحتاج إلى أناس من ذوي الإرادات المُلتهبة، والوُجْدَانَات المُشتعلة، والنفوس الفوّارة، والعقول الوَثابة، والإدراكات العالية والفهوم الفطنة. التغيير يحتاج إلى شباب إذا ما مَشَوْواْ وثَبوا، يسابقون الزمن ويختصرون المَسافات، لا يتعبون ولا يملّون، يواصلون عمل اليوم بالغد لا يسأمون، شعارهم : " خلوا سبيلنا ودعونا نضرب في أرض الله.."، يتطلعون إلى الماورائيات ويَلوُونَ رقابَ الحادثات، يتخطّون العوائق وينشرون الرقائق.. يأخذون بأيدي المنهزمين، ويَجبرون كسر المنكسرين، وينهضون بالمنسحقين، ويزرعون الأمل في اليائسين، ينيرون شمس الهدى في ظلماء التائهين، مستعينين بالله رب العالمين، متشبثين بالسعي المتين، مشدودين بالظفر المبين..
التغيير يحتاج إلى شباب من جنود القدر وأنصاره، ويستخدمهم لرسْم خُطاه، وإنفاذ أمره، وتحقيق غايته، وحسن استخلافه في أرضه. شبابٌ لهم من الإيمان واليقين ما يجعلهم يمشون فوق الآلام، ويجتازون جسور الأوجاع، إلى الهدف المنشود والغاية المبتغاة . التغيير يحتاج إلى شباب يشكلون ضميرَ الأمة كما ينبغي أن يكون، وعقلَ الخليقة التي تريد الحصانة من الجنون، شباب يشكلون درجات متحركة في سلم الوجود لمن يريد الصّعود، وشُعَل محبة توقد مَجَامِر الخلود في الإنسان الموعود.
والشباب الذي يضُمّ بين جوانحه حب العمل من أجل التغيير عليه أن يتصف بخمس صفات حتى يحقق وراثة الأرض كما يشير لها المفكر محمد فتح الله كولن : الإيمان الكامل عشق العمل التوجه إلى العلم بميزان العقل والمنطق والشعور إعادة النظر في الكوزمولوجيا وتمييز الصحيح من الخطأ فيها بميزان دقيق وأن يكون حُرا في التفكير ومُوَقِّراً لحريّة التفكير. ولا ننسى أن إنسان زماننا يحتاج اليوم إلى أهل العمْق الباكين من أجل آثام شعوبهم، المُقدمِين عفو مغفرة البشرية على عفوهم.. ولسان حال كل فرد منهم : " ليكبر جسدي بِكِبَرِ جهنم لئلا يدخلها عبد من عباد الله " .
معشر الشباب : إننا بحاجة إلى إرادات فولاذية وأدمغة أصيلة تحتضن الوجود بأعماقه، والإنسان برحابه، وتتدخل في الأشياء بعنوان خلافة الله في أرضه. والأمة الإسلامية مالكة بحمد الله لطاقات ومَقْدُرَاتٍ تؤهلها لريادة الأمم، وهي جاهزة لقيادة العالم من وجهة الرّمز والتمثيل، لكن عليها أن تستعمل المُحركات التاريخية التي تُعَدُّ دم ماضيها التليد ولحمه استعمالا صحيحا وسليما.
إذن، بعميم اللفظ؛ نحن نعيش اليوم على مشارف عهد جديد في مسرة تاريخ الإنسانية، عهد القرن الواحد والعشرون، الذي سيكون قرن الإيمان والمؤمنين، وعصر نهضتنا وانبعاثنا إن شاء الله. ولكي نحقق هذا وكل ما نصْبُوا إليه فإننا نحتاج إلى :
شباب يتذوقُون معاني السّمُوّ في حضارة الإسلام المجيدة فتتعطش أرواحهم وتتوقُ هِمَمُهُم لإعادة بناء الأمة على أسُس حوارية هادئة هادفة رفيعة.
شبابٌ من مجموع عباد الله الصّالحين، الذين يمثلون الروح المحمدية والإخلاق القرآنية، المنشغلون بالإتحاد والإجتماع، المُدْرِكُونَ لإحوال عصرهِم، المُسَلحُون بالعلم والمعرفة، المُقيمُون لميزان الدنيا والعقبى، السّاعون لإثبات وراثتهم للأرض بفهم الإسلام، السّالمون عاطفةً وحساً وفكراً وشعوراً، الثابتون القائمون على إعلاء كلمة الله في أرض الله ليكون الدين كله لله، المُنَظّمُونَ في حياتهم العملية، المَوْثُوقُونَ في مسالك العمل وسُلوكياته، القادرون على كبح جماح نوازعهم النفسْجِسْمَانيّة. وفي سَيْرِهِم إلى تحقيق النّهضة يهتف كل واحد منهم : " سأقبض على جمر البلاد فإن القابضين على جمر البلاد قد شادوا وأضاءوا عزة الأمم .." ، فيقودوننا إلى معنوياتنا الذاتية وأعماق كينونتنا ومَاهَويّتنا، ويُطلقون أرواحنا المشتاقة إلى المعالي إلى اللاّنهاية.
وبما أنه من الثابت المعلوم أن الشباب قد خُلقوا ليقودوا حركة تغييرية في المجتمع، وليترجموا إيمانهم على أرض الواقع ترجمة عملية صادقة وفاعلة، وليجدّدوا الإسلام وينقلوا المسلم من طوْرٍ إلى طور؛ فإنه لزاما علينا أن نؤكد على ما يلي :
نريد إنسانا يفكر ويسدّد ويوازن ويدقق وينطلق، ويعتمد على التجربة ويؤمن بالإلهام، ويحاول دوما الوصول إلى الأفضل ويرغب في التكامل، ويسْمُو بالموازنة بين الدنيا والإخرة.
نريد إنسانا يتمتع بشخصية قوية وهمّة عالية، حرٌّ في تفيكره، حرٌّ في تطوره، حرٌّ في تصوره، حرٌّ في إرادته، وحريته هاته مرتبطة بقدر عبوديته لله تعالى وتحيقيقه لشرط الإنتساب التعبدي، ومربوطة دائما كما أشار سيد قطب بسائق العلم والإيمان.
نريد إنسانا يحمل في قلبه إيمان أجداده الأجلاء، ويفكر تفكير أعلام حضارته العظماء، ويسطَعُ نورا في كبد الظلام فينير الأرجاء، ويؤدي واجبه بصدق وإخلاص ووفاء.. والظروف مؤاتية لكل إنسان ينوي ارتقاء مدارج الحضارة .. فَأبْصِرْ.
بمثل هذا الإنسان؛ وبمثل صفات شباب التغيير التي أسردنا؛ ترتقي الأمة من الفقر الحسي والمعنوي والفكري، وتنجوا من التصحّر القلبي على حدّ تعبيير البروفيسور إدوارد سعيد، وشعارهم الخالد : " النفير والإقدام، ومصدر قُوّتِهِم السّنة والقرآن والحقيقة والعلم ونور الدين.." فتظهر فينا نساء من طينة عِصْمَة الدين خاتون وعزيمة السّيدة الحرة، ويبرز فينا رجال ذوو عزائم وثابة وإرادات عظيمة تتسم بعمق الفيلسوف محمد إقبال، وعبقرية الإمام محمد عبده، وشجاعة محمد الفاتح، ودهاء خير الدين بَارْبَرُوسَا، وروحانية الإمام الغزالي، وإصرار المُجدّد حسن البنا، وعشق وحماس مولانا جلال الدين الرومي، وجامعية ورسوخ سعيد النورسي، وفدائية عمر المختار، ونجابة المختار السوسي، وبسالة أحمد ياسين، وهمّة محمد البوعزيزي.. ليهيئوا لبيئة حياتية ندية نقية طرية، ببث روح جديد في إنسان يومنا، وجعله ينصهر في بوتقة النفير العام الذي هو أهم عمق للصيرورة والتجدد و التواجد.
وأدعو الرحمان الذي لا نهاية لرحمته أن يغيثنا بمثل أولائك الخالدين، الناهلين من مَنَابِعِ الخِضْر، الحاملين كؤووس الحياة لنا بعدما قضوا نَحْبَهُم، والذين وجدنا آمارات خَلَفِهِم المبارك بادية في آفاقنا، ونحن نترقبها منذ سنين. وستون هاته الأجيال المباركة الرائدة؛ صاحبة هِمَمٍ كالقمَم، وستكون أصواتا من النور وأفكارا من الضياء.
ختاما : رجائنا الوطيد والمنتظر أن نشهد قريبا معاني سورة النصر بعظمتها وهيبتها.. وأن تُرَفْرِفَ رايات الأمل والأمن والإيمان، والحبور والسرور والإطمئنان، في ظل الإسلام، وأن تتعرف البشرية في كل مكان على نظام عالمي جديد فوق ما تتخيل، وأن يستفيد كل إنسان، بقدر ما تَسَعُ فطرَتُهُ وأفق فكره، من تلك النسائم المنعشة. ورجائي أن يكون كل جُهْدٍ وهِمّة، وكل قطرة دمع ودم بعد الآن كما كان من قبل شفاء لجروحنا وضِيَاء وَضَّاءً لمستقبلنا. وإني أبشّرُ هذا الكون أجْمَعَهُ بأنا صَحَوْنَا لنُصْبِحَ للعُلا عَجَباً.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.