مباشرة بعد منع المهرجان الخطابي الذي كانت تعتزم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمركب سيدي بليوط تنظيمه، وبعد شوط من الشعارات والشد والجذب اللفظي بين الحقوقيين و ممثلين عن السلطة المحلية، قرر جميع الحاضرين الانتقال إلى المحكمة الابتدائية بعين السبع حيث ستبدأ جلسة الاستنطاق في قضية جنحية، يتابع فيها ستة من أعضاء حركة عشرين فبراير (خمسة منهم في حالة اعتقال) في الملف المعروف ب"قضية سمير برادلي ومن معه" والذي يتابع فيه شباب الحركة على خلفية المشاركة في مسيرة سيدي البرنوصي يوم 22 يوليوز. عدد رجال الشرطة في محيط المحكمة يوحي بوجود محاكمة غير اعتيادية، المكلفون بحراسة مدخل المحكمة أخبروا عددا من الوافدين لحضور "الجلسة الفبرايرية" بامتلاء القاعة، ومن تمكن من ولوج باب المحكمة تقاسم أطراف الحديث مع "الرفاق" ومع بعض الوجوه المعروفة التي جاءت قصد المساندة. خديجة الرياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أحمد السنوسي (بزيز)، صلاح الطويل (فنان اليسار) كما يلقبونه، مراسل القناة الفرنسية TV 5، وعدد من ممثلي الهيئات الحزبية والنقابية المحلية، الذين افترشوا أرضية المحكمة وتقاسموا أطراف الحديث والسجائر في انتظار المحاكمة التي تم تحديد بدايتها في الساعة السادسة مساء. سمير والقوة الربانية كان سمير برادلي أول الواقفين أمام رئيس المحكمة، سأله القاضي أسئلة تفصيلية وواجهه بما هو مكتوب في محضر الضابطة القضائية، وتصريحاته أمام وكيل الملك. سمير أخبر القاضي بأن لا يهتم كثيرا بالكلام الوارد في المحضر الضبطي. سرد الشاب للقاضي كيف تم الاعتداء عليه بالضرب والرفس داخل سيارة الشرطة، وكيف استمر مسلسل العنف داخل الدائرة الأمنية وهو مغمض العينين. برادلي اخبر رئيس الجلسة أن دماء كثيرة سالت من جرح رأسه الغائر، وأن رجال الأمن لم يسعفوه رغم أن الجرح كان يستدعي الرتق فورا، وأن حالته الصحية متدهورة، خاصة أنه كان مقبلا على عملية جراحية حسب تصريحه. الشاب الفبرايري حمل قميصا أبيضا مملوء بآثار الدم وطلب من رئيس الجلسة إجراء خبرة في الموضوع حتى يتأكد الجميع من حقيقة ما يدعيه. في ختام تصريحاته قال برادلي "وحدها القوة الربانية جعلتني أقاوم، فبعد كل ذلك التعذيب، كنت مستعدا أن أوقع على كل المحاضر حتى ولو اعترفت فيها بمسؤوليتي عن تفجيرات مقهى أركانة..". الشرطة "ماشي أوباش" واش قلتو لأفراد العمومية أنهم أوباش؟ سؤال وجهه القاضي إلى طارق رشدي وهو المستجوب الثاني في الجلسة، فأجاب الشاب أن هذا النوع من الألفاظ غير موجود في قاموس وشعارات حركة 20 فبراير، واستطرد قائلا أن كلمة أوباش وردت في واحد من شعارات المسيرة عندما رفع المتظاهرون أصواتهم بالقول "عاش الشعب، عاش عاش.. المغاربة ماشي أوباش". فيما يشبه التهكم واجه رشدي رئيس الجلسة بالقول أن أشهر استعمال لكلمة "أوباش" ورد في خطاب رسمي للملك الراحل الحسن الثاني، "عندما وجه تهديدات لأبناء منطقة الريف". نور السلام قرطاشي، ثالث الفبرايريين الواقفين أمام هيئة المحكمة، قال للقاضي أنه كان ضحية السب و القذف في الأعراض، والعنف الجسدي وتعصيب العينين تماما كعدد من أصدقائه. لكن ما تميز به تصريح قرطاشي هو تفاصيل إضافية في تقنيات التعذيب التي قال أنه كان ضحية لها. نور السلام قال أنه جُرد من ملابسه وأن بعض مستجوبيه أدخلوا أصابعهم في مؤخرته، لكن أكبر لحظات الاهانة التي قال الفبرايري أنه أحس بها، كانت عندما تم التعرض لوالده بالضرب أمام أعينه داخل الدائرة الأمنية التي قضى بها الأول فترة الحراسة النظرية. التوقيع على المحاضر واختصار الوقت ليلى نسيمي، هي المرأة الوحيدة وسط مجموع المتابعين، وهي الوحيدة المستفيدة من السراح المؤقت في محاكمة الفبرايريين. أخبرت ليلى رئيس الجلسة أنها اطلعت على محضر الضابطة القضائية خلافا لتصريحات زملائها الذين أنكروا تمتعيهم بهذا الحق، وأنها وقعت على الاعترافات بمحض إرادتها، وأن هذا التوقيع لم يكن إلا تقنية لاختصار الوقت. وفي سؤال عن المقصود باختصار الوقت، أجابت ليلى أنها امرأة تبلغ من العمر 51 سنة، وأن سنها وجنسها كامرأة لم يمنع رجال الأمن من الاعتداء عليها بالضرب والكلام النابي ففضلت التوقيع بدل الاستمرار في "نفق مظلم" لا تعرف نهايته.. حسب تعبيرها. رئيس الجلسة وأطراف الخصومة عمر بنجلون أحد المحامين المتطوعين للدفاع عن شباب الحركة، طالب رئيس الجلسة بان يعيد المتهمون سرد تفاصيل التعذيب و طبيعة الكلمات النابية التي استعملت في حقهم. القاضي لم يمتثل للطلب متسائلا عن الجدوى، ليجيبه المحامي بصوت لا يخلو من انفعال أن الهدف هو تجاوز الأخلاق النضالية والعفة التي طبعت تصريحات المتهمين، و استغلال علنية الجلسة حتى يطلع الرأي العام على "التجاوزات الخطيرة" و"المس السافر بالقانون" الذي يحدث داخل مخافر الشرطة على حد تعبير عمر بنجلون. دفاع المطالب بالحق المدني قال أنه هو ضحية جلسة المحاكمة، والسبب مقاطعته من طرف محامي 20 فبراير العربي الشتنتوف، حيث "اتهم" محامي الإدارة العامة للأمن الوطني رئيس الجلسة بعدم القدرة على حمايته، وضمان حقوقه كمحام وتمكينه من طرح الأسئلة على الأضناء في جو عاد، وتمنى محامي "البوليس" لو كان متهما في هذه الجلسة لأن وضعية المتهمين أفضل بكثير من وضعيته.. وفقا لتعبيره. سنأتي ولن نخلف الموعد قَبل رئيس الجلسة ملتمس هيئة الدفاع من أجل إحضار الشهود، فتقرر تحديد يوم 7 شتنبر 2012 تاريخا للاستماع، رفع القاضي الجلسة، فرفع الحاضرون شارات النصر التي تلاها صوت في آخر القاعة يقول "لنا يا رفاق لقاء غدا، سنأتي ولن نخلف الموعد". أسدل الستار في حدود الساعة الحادية عشر ليلا على فصل من فصول "محاكمة فبرايرية"، ليتوجه عدد من المتضامنين صوب زنقة أكادير، حيث مقر الحزب الاشتراكي الموحد، هناك حيث كانت تنتظرهم ليلة كاملة من "معركة الأمعاء" تضامنا مع من خرجوا من قاعة المحكمة صوب سجن عكاشة.