عندما تقرأ كتاب"المجتمع المدني والديمقراطية"للدكتور علي عباس مراد تتناسل مجموعة من الأسئلة تهم جدلية المشاركة السياسية والمجتمع المدني،والنماذج التنموية في ظل التلازم بين الديمقراطية والشرعية والاستقرار،ومآلات "البديل" الإسلامي ... بداية نؤكد على أن هناك علاقة وطيدة بين السياسي والمدني والاختيار الديمقراطي.إلا أن الملاحظ هو طغيان السياسي على مناحي الحياة. وبالتالي فصلاح السياسة يؤثر حتما على المدني والاختيار الديمقراطي. إذن لاديمقراطية ولاحياة مدنية بدون شرعية سياسية ومشروعية المؤسسات الدستورية. أولا:التنمية السياسية: إن أصعب آفة ابتلي بها الفضاء العربي هو التخلف السياسي و من أهم تمظهراته العزوف عن المشاركة السياسية.والنتيجة هو التخلف الشامل مع التفاوت من منطقة إلى أخرى. ومن أجل مقاربة هذا المحور هناك ثلاثة مدخلات:التنمية والتخلف-التنمية السياسية-المشاركة السياسية. فعلى المستوى الأول نؤكد على أن مجموعة من دول منطقتنا كانت مستعمرة من قبل الدول الرأسمالية الغربية.وبعد الاستقلال اختير لهذه الدول طريقة النموذج الغربي وتحت إشرافه أمميا أو مباشرة.وقد ساهمت هذه المركزية في تدني الأوضاع بدل تحسينها.وبالتالي ليس التخلف هو نقيض التطور لأن هذا الأخير ملموس بمنطق السيرورة التاريخية لكنه تخلف شاسع بالمقارنة مع المركزية المهيمنة.إنه بون شاسع بين الطرفين.إنه تخلف بمعيار السسيولوجية وعلم التاريخ. تخلف أصاب التنمية بأعطاب حضارية.إذن نحن أمام جدلية مبتورة بين التحدي"التخلف"والاستجابة"التنمية". ومن أجل إحداث انقلاب في المعادلة يلزم الاهتمام بالتنمية السياسية.المتجلية في بناء دولة متحررة من قيود الدولة المركزية وتحرير الذات من التقليدانية. والإيمان العميق بأن الاشكال التنموي إشكال سياسي. والتنمية السياسية مقدمات ونتائج.مرتبطة بتنمية الافكار والقيم والمعارف. لأن أنظمة منطقتنا غير قابلة للتغلغل والاندماج.رغم إضفاء الشرعية على الانظمة السياسة ،والقدرة على حماية النظام العام،وإبراز بعض السياسات العمومية. صفوة القول حسب الدكتور عباس مراد فإن التنمية السياسية هي المساواة بين الأفراد والجماعات في علاقتهم بالنظام السياسي،والتمايز وتخصص البنى والمؤسسات السياسية، وقدرة النظام السياسي على نسج العلاقة مع المحيط. لأن السياسة في العمق ترشد السلطة السياسية وتعقلنها وتطور الوظائف وتفعلها وتحدث التوازن بين السلط والمجتمع. إن التداخل بين القيم والنظم والثقافة والاختيارات السياسية كل هذا يساهم في بناء النسق السياسي. إنه تكامل يحدث تطورا حركيا.يحفز المشاركة الشعبية في الحياة السياسية.التي تنبني على:الاستقلالية والعقلانية والقدرة والقابلية وتحسين المناخ السياسي العام. إذا وفرنا هذه الأرضية السياسية والتي من الواجب أن يساهم فيها المجتمع المدني أنذاك يمكن أن نتحدث على فعل مدني هادف ومستقل. منطلقا من الذات والتشاركية والحرية والدخول في عالم التنمية من بابه الواسع. ومن تم فإن الرهان على إصلاح السياسة مهمة الجميع لأنها تحد من الاستبداد وتصنف الإقليم ضمن المناطق المتقدمة لأن القرار أنذاك يصبح مواطنا في إطار الاختيار الديمقراطي التي تشكل تربة خصبة للتنمية السياسية:ديمقراطية التواصل والاقتصاد والمعارف...لأن المطلوب اليوم هو "دولة أقوى وأفضل وأذكى وأسرع وأخيرا وليس آخرا لاتنمية بدون إصلاح سياسي. ثانيا:القومية والإصلاح السياسي: لقد برز المشروع القومي في منطقتنا من أجل إصلاح السياسة في ظل معادلة صعبة تجمع بين الديمقراطية والشرعية والاستقرار.لكنه اصطدم باختيارات إقليمية وعالمية.إلا أنه بدل أن يطور بنيته مسايرة مع المستجدات التي واجهته ظل للأسف مرددا المقولات التقليدية مما مهد الطريق لاختيارات أخرى أكثر استيعابا.وأهم هذا التقصير هوعدم العمل على إنجاح المشروع طبقا للخصوصية الإقليمية.وظلت مفردات ثابتة تتردد في منطقتنا جميعا هذا ماأعطى فرصة لمن اعتبر نفسه مقصيا أن يثور ضد الوافد الجديد،كل هذا ساعد الاستبداد استغلال هذا التدافع الإثني من أجل تكريس نفسه بديلا جامعا ومانعا. ونحن نعلم جيدا أن الدولة لايمكن أن تستغني على المجتمع السياسي والمدني والعلاقة الناظمة بينهما من أجل إحداث التفاعل.وإشراك الجميع في السلطة. في ظل المعادلة التي سطرناها والتي توحد بين الديمقراطية والشرعية والاستقرار.باعتبار غياب الديمقراطية يؤدي حتما إلى خلخلة البنية الاجتماعية التي تشوش على الشرعية،مما يمهد إلى عدم الاستقرار.أنذاك يتحول الدستور والقوانين إلى قوالب مفرغة من محتواها الحقيقي وتتحول إلى بنيات جاهزة لإضفاء الشرعية على الفساد السياسي. وأول ضحية لهذا الوضع هو المجتمع المدني حيث تصادر حقوقه وحريته.ويحاول أنذاك النظام السياسي نسج علاقات جديدة مع المجتمع المدني ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. إن التعاقد بين المجتمع السياسي والمدني يجب أن يكون مبنيا على الأس الديمقراطي حتى نضمن: الشرعية والاستقرار والتفاعل وبناء علاقة مؤسساتية بين النظام السياسي ومؤسسات المجتمع وسائر المواطنين.إن هذا الوضع أزم استمرارية المشروع القومي.وجعل المعادلة الثلاثية مهزوز."الديمقراطية والشرعية والاستقرار"وأصبحت منطقتنا العربية عامة مع بعض التفاوت تعيش أزمة على مستوى النظام والحرية والحقوق والواجبات والعلاقة بين السياسي والمدني.وبالتالي لاحرية بدون نظام ولا نظام بدون حرية.لذلك فالواجب ان يتم العمل على ترسيم العلاقات المؤسساتية وتحديد المسؤولية الوظيفية. وظل المشروع القومي يؤصل للعلاقة بين الدولة القومية والدولة الوطنية. في ظل رؤية تجديدية تأخذ بعين الاعتبار الممكن والمحتمل.وأجلت الحديث على الدولة القومية الموحدة حتى ينضج منطق التعاقد.وبقى الهم الديمقراطي مسؤولية الجميع. ثالثا:التيار الإسلامي والإصلاح السياسي أود أن أشير بداية أنه لايوجد تيار واحد بل تيارات ولكل اجتهاده لذلك فهذا التحليل جزئي مرتبط بقضايا معروفة. إن المركزية الليبرالية الديمقراطية فرضت وجودها على منطقتنا وقد تلجأ إلى القوة من أجل بسط هذه "المشيخة السياسية"مستثمرة المنظمات الدولية.هذا الوضع أنتج رد فعل على مستوى موائد الفكر الإسلامي خاصة تموقع الديمقراطية والسياسة.مستثمرا في ذلك تجدر الحس الديني في الطبيعة البشرية.واستحضار النموذج المثالي التاريخي للأمة.وطرح بديل جديد لم تمارسه البشرية بعد.ومن تم بدأت تبرز مفردات قرآنية تعرض للحوار " الشورى والديمقراطية نموذجا". وكون السياسة الشرعية خالية من القطع فقد برزت اجتهادات متنوعة.سواء على مستوى التصور أو الممارسة. وتتجاذبها ثنائية الوجوب وعدمه،والتموقع بين الالزامية وعدمها. والتأرجح بين مفهوم الحاكمية والهيمنة الليبرالية.ومن أهم معالم هذا الاختيار الحفاظ على الهوية الحضارية للأمة وتعزيز الفاعلية والإنجاز للمشروع النهضوي، توفير الشرعية والاستقرار من أجل البناء.وضمان حق الاختلاف. والتمييز بين الشريعة والفقه. معتمدين على الفهم للتشريع الإلهي في كليته، وضبط مرجعية الكتاب والسنة والاجتهاد وتوظيف الآليات الفقهية التي أبدعها الإنسان في عملية الاستنباط. ومراعاة الحاجيات. والنتيجة أن الاجتهاد مجهود بشري ذا مرجعية إلهية. ومن أهم العراقيل لهذا الاختيار هو عدم التعامل مع المرجعية بمرونة والاستحضار الدائم للنموذج التاريخي. وكون السياسة فن الممكن فمن الواجب تكييف المفردات الإسلامية بناء على المصطلحات الحديثة بحجة أنه لامشاحاة في الألفاظ. وجعل الشعب مصدر الاختيار تجاوزا للقسر والجبر.واستحضار الواقع الاجتماعي بكل معطياته. الخلاصة أن الأمر متعلق بالمحتويات أكثر من الأشكال.والمطلوب هو المشاركة الشعبية والتداول السلمي وحق الترشيح والتصويت... رابعا: العدالة والإصلاح السياسي: الديمقراطية مطلب فردي وجماعي ومدني...والأهم من هذا كله هو العدالة السياسية. والتي تبدو في صحة غير جيدة بمنطقتنا. ومن تجلياتها احتكار السلطة وعدم الاعتراف بسلطة الشعب.وانعكاس كل هذا على العدالة الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية... ومن أجل تجاوز هذه الوضعية تم تهيئ الترسانة القانونية والمؤسسات القادرة على تنفيذها. إن هذه العدالة تؤسس للشرعية بين السياسي والمدني. وبذلك يتأكد على أن إصلاح العدالة السياسية له تأثير على سائر أصنافها. انطلاقا من الإصلاحات الدستورية والسياسية والقانونية للعدالة. ومبدأ المساواة المبني على:الرضا والقبول والنزاهة والحياد والشمولية والكلية والتقنين... إضافة إلى رجحان الاختيار الديمقراطي في حل معضلة العدالة. لكن السؤال المطروح:هل الاندماج في النموذج العالمي السائد كفيل بتحقيق العدالة؟ كيف نتخلص من عقدة التبعية ونحن ننخرط عالميا؟ ماهو تأثير ميزان القوة في تكريس وضعية غير متوازنة؟هل استطاعت الخوصصة أن تحرر منطقتنا من تسلط رقابة الدول؟ما علاقة الخوصصة بالهيمنة الرأسمالية؟ هل الخوصصة توزيع أدوار بين الخاص والعام من أجل الوصول إلى المشروع؟ إن الاختراق الرأسمالي عائق حقيقي للتطور الديمقراطي .والذي يتسبب في جميع أشكال الاختراق. لأن هذا الاختيار يكون مبنيا على قرارات النخبة وليس الشعب مما يزيد الطين بلة. استنتاجات: إن المجتمع المدني ينتعش عندما يكون هنا ك إصلاح سياسي. هذا البناء الديمقراطي يشارك فيه الجميع. متوافقين على دستور محترم يضمن لشعوب منطقتنا الرفاهية والازدهار. إن الحكم الديمقراطي يحقق العدالة الاجتماعية والسياسيةو الاقتصادية. إن الديمقراطية منهج فكري وسلوكي ونظام حياة يستوعب كل الأنشطة الإنسانية وتحل عقدة التمركز بين السلطة والنفوذ والثروة. إننا نخشى أن يكون اهتمام منطقتنا بالديمقراطية شكلا وليس عمقا.لأن هناك فرقا كبيرا عندما نتعامل مع الديمقراطية كسبب أو نتيجة. إن السياق العام أتاح هامشا ديمقراطيا بمنطقتنا.إذن هل نحن مستعدون لتطوير هذه المساحة المتاحة نحو العمق بدل الاكتفاء بالشكل. والانطلاق هو تكريس الحقوق والواجبات وحسن توظيفها على جميع المستويات. لأن هناك مساحات في منطقتنا لاتخضع للمساءلة. ومؤسسات شكلية للتزيين فحسب. وفي تقديري فإن الجهوية الموسعة إذا تمت بشكل ديمقراطي فإنها ستحل مشاكل عدة.لأنها شكل من أشكال النظام السياسي.من أجل تدبير الشأن الجهوي.إنها اجتهاد ترابي مندمج ومتكامل لحل المشاكل الجهوية.في إطار تطوير اللامركزية واللاتركيز.إنها توزيع ديمقراطي و دستوري لسلط جهوية خدمة لمصالح محددة ترابيا. يتداخل فيها الإقليمي والاثني والثقافي والمهني والجغرافي. ولكن الأصل هو احترام التوزيع الديمقراطي للسلط بين الجهات.حتى تصبح الجهوية عاملا للتنمية والتنوع والتنافس الشريف والتضامن. صفوة القول الإصلاح السياسي مركزي في التغيير لأنه يعزز الشرعية والمشروعية وينظم العلاقة بين المجتمع المدني وسائر المؤسسات ويؤسس لتنمية شاملة. ويكرس معادلة الإصلاح في ظل الاستقرار.