حينما كلف أمير المؤمنين، عبد الإله بنكيران بتشكيل الحكومة ورئاستها اعتبرنا أن الأمر تفعيلا لنتائج صناديق الاقتراع، على الرغم من أننا قلنا وما زلنا نقول بأنه حزب لا يؤمن بالديمقراطية في مرجعياته الفكرية وفي سلوكاته السياسية والثقافية والاجتماعية، إضافة إلى مسألة مبدئية تعتبر مضرة بالمرتكزات الديمقراطية وقاتلة للدينامية السياسية ولقواها المدنية الحية، هذه المسألة هي اعتماد بنكيران وحزبه على المرجعية الدينية في العمل السياسي، وتزداد خطورتها في مزاحمتها لإمارة المؤمنين في تبني تلك المرجعية الدينية، وهي بذلك تقوم بسلخ الشرعية الدينية عن أمير المؤمنين لبناء شرعية سياسية تتلبس بها لباس القداسة في منافسة سياسية تشترط الابتعاد عن لباس القداسة، كما أن خطورتها تتجلى أكثر في ضربها مبدأ تكافؤ الفرص في المنافسة السياسية بين القوى السياسية والنقابية، ففي الوقت الذي تبني فيه الأحزاب السياسية رصيدها السياسي بالاشتغال على قضايا ومواضيع موضوعية تتعلق بالأساس بمشاكل المواطنين وقضاياهم اليومية، يعمل حزب بنكيران على بناء ثروته السياسية والانتخابية على التهريب الديني، واستغلال الخطابات الإسلاموية المشرقية الناسفة للإسلام المغربي الذي يعتبر ملكا للمغاربة كافة، كما أن العمل السياسي النزيه يرفض المزايدات السياسوية ركوبا على المقدس الديني، كما أن تدبير الشؤون الدينية للمواطنين المغاربة في الوطن وخارجه موكولة لأمير المؤمنين المتسمة بالحياد السياسي، وباستلهام الإسلام المغربي وفق الهوية المغربية بعيدا عن الإسلام المشرقي المهرب من الخارج، ولذلك لطالما انتقدنا ظاهرة التهريب الديني باعتبار أن خطورتها تمس بالأساس كيان الدولة المغربية، كما تهدد ثوابت الشرعية الدينية للمملكة، معتبرين أن ذلك يعد اختراقا خطير وتجاوزا يهدد بالأساس إمارة المؤمنين بالاغتيال، فضلا عن الدفع بالعمل السياسي والاجتماعي والمدني إلى أصولية قاتلة، والعمل على تدمير قواعد التعليم وباقي المؤسسات الاجتماعية والثقافية والجامعية والإعلامية، وجعلها أسيرة في سجون التهريب الديني الذي انشطر على مستوى آليات اشتغاله انشطارا زئبقيا لتظهر بعض حركاته بمظهر التشدد، وتحاول حركات أخرى الظهور بمظهر الاعتدال، في الوقت الذي عملت فيه على توزيع الأدوار فيما بينها على مستوى مخططات العمل ضمن مشروع التهريب الديني الناخر لمؤسسات الدولة والمجتمع ، فتكلف بعضهم بالعمل ضمن التعليم الديني في الكتاتيب القرآنية كما هو الحال مع مدارس صاحب فتوى زواج فتاة التسع سنوات( المغراوي) الذي وزع تلك المدارس على أرض الوطن تحت عناوين جمعيات وكتاتيب وبتمويل سعودي مباشر، فقد كانت السعودية في البداية تسلمه شيكات مالية ، لكن إدارة المخابرات السعودية ( التي مولت ما سمي أكبر موسوعة فقهية تحت إشراف الريسوني، والتي سنعود إليها بتفصيل في مقال لاحق) لما رأت أن تلك الشيكات تخلف وراءها آثارا قد تكون دليلا من أدلة البحث القضائي، بدلت الخطة وأصبحت تسلمه الأموال السائلة مملوءة في الحقائب اليدوية التي كان يدخل بها عبر مطارات المملكة قادما من السعودية، لتفريخ المدارس والمساجد الوهابية عبر المملكة لنسف ومحاربة الإسلام المغربي وثوابته الأصيلة بترخيص وزارتي الأوقاف والداخلية، كما عملت حركات تهريبية أخرى إلى العمل وفق عناوين الدعوة والتبليغ في دولة إسلامية أزيد من 12 قرنا، وذهبت حركات أصولية أخرى إلى تقمص عناوين المجتمع المدني ، عبر تأسيس جمعيات ثقافية وجمعيات للوعظ والإرشاد، وجمعيات لتعبئة الأطفال والشباب والفتيات، وذلك لتدمير المجتمع المدني من الداخل، ونسف المفهوم العميق للمجتمع المدني الذي كانت وما تزال تكفر به كمؤسسة فكرية وقوة اقتراحية إبداعية وليس مجرد رزمة وحزمة من جمعيات يسيرها مشايخ كن فيكون، أما الفئات الأخرى فقد سيطرت على تدبير الشأن الديني وبشكل مباشر عبر المجالس العلمية المحلية ومندوبيات الأوقاف والشؤون الإسلامية، وهو ما تجلى بوضوح في تعيين أسماء أصولية إخوانية لا تخفي أصوليتها على رأس المجالس العلمية، وقد عملت تلك الأسماء ومن مواقعها تلك على تحريك وخدمة المشروع الإخواني الخادم لحزب العدالة والتنمية، بآليات دينية مباشرة مستخدمة في ذلك مساجد المملكة وميزانياتها وآلياتها الإعلامية ومنابرها المتعددة، مع العلم أن تلك الأسماء لم تخف محاربتها لثوابت الهوية الدينية المغربية، وعملها الدؤوب على استئصال الخصائص الدينية للشخصية المغربية التاريخية والأصيلة، وقد تجلت ثمار عملها الاستئصالي الدؤوب ذلك بوضوح وجلاء في الحقل الديني المغربي في مساجد المملكة بالخصوص، وذلك عبر اجتثاث الفقهاء المغاربة التقليديين من خطب الجمعة، ومن إمامة الصلوات الخمس من مساجد المملكة، واستبدالهم بخريجي معاهد ومدارس التهريب الديني الأصولية والبعثية ، كما تجلى ذلك بوضوح في الممارسات التعبدية من داخل المساجد المغربية، والتي تم محو الموروث المغربي منها على اعتبار أنه" مليء بالبدع والشركيات ومخالف للسنة النبوية ومخالف لشرع الله"، ومنها المحاربة الشرسة لقراءة الحزب القرآني جماعة من داخل المساجد بعد صلاتي المغرب والصبح، وهو ما وقفت عليه بدهشة واستغراب في عديد من المساجد، ومنها في الحسيمة (مسجد مورو بييخو) والأغرب هو أن المسجد نفسه الذي حوربت فيه قراءة الحزب القرآني وحوربت فيه أيضا التعقيبات خلف الصلوات والذي تحول إلى قلعة للأصوليين بدءا بالإمام والمسمع ومدرسي الطلبة داخل الكتاب الملحق بالمسجد ،هو المسجد نفسه الذي يلقي فيه السيد الرحموني خطبة الجمعة وهو رئيس المجلس العلمي للحسيمة، و الذي يرعى فيه كل هذه الأنشطة الهدامة للثوابت المغربية تحت رعاية وزارة الأوقاف، وهو نفسه ليس إلا تلميذا مخلصا من تلاميذ السيد مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي بوجدة، وهو رائد من رواد التهريب الديني في الشرق والشمال، وذلك لدوره الجبار والذي مازال مستمرا في محاربة ثوابت الهوية الدينية المغربية، وزراعة بذور التهريب الديني المهربة من المشرق والناسفة لإمارة المؤمنين، وهو ما يغطي نسبة لا بأس بها من مشروع التهريب الديني الذي يظهر من خلال جناحيه السياسي و "الدعوي" بأنه يقوم بلعبة قذرة وخطرة على الأمة المغربية، فهو يحاول من خلال خطاب حزبه السياسي " العدالة والتنمية" بأنه يقدم الولاء السياسي لملك البلاد، وهو ما فتئ بنكيران يردده بشكل هستيري، لكنه في الوقت نفسه يعمل وبشكل دؤوب وهستيري على سحب الشرعية الدينية من ملك البلاد، والتي ترعاها بالأساس إمارة المؤمنين والتي تعتبر بحق العلبة السوداء ليس في هياكل الدولة فحسب بل في وجود المملكة، ذلك أن اقتحام المهربين الدينيين لتدبير الشأن الديني عبر المجالس العلمية، ومن داخل المساجد وجمعيات الوعظ والإرشاد، والمدارس القرآنية، وشعب الدراسات الإسلامية وكليات أصول الدين ومجالس الإفتاء، و تأطير الحجاج والجالية المغربية في الخارج، ومن داخل المؤسسات الإعلامية والجامعات، فللملاحظ أن يقيم نتائج عمل هذه القطاعات التي تسيطر عليها قوى التهريب الديني المذكورة، كما أن المتتبع يتساءل باستغراب واستنكار: أين هي ثوابت الهوية الدينية المغربية في حصيلة ونتائج عمل هذه القطاعات؟؟ وأين بصمات إمارة المؤمنين في التأطير الديني الذي يقوم به هؤلاء؟ والجواب واضح وبسيط ومفاده هو أن هؤلاء يستغلون إمارة المؤمنين وأمير المؤمنين كعنوان يتم تجويفه عبر إفراغه من مضامين الهوية المغربية، ومن موروثها الديني التاريخي لتوظيف شرعيتها، والاستحواذ على مؤسساتها لإملائها بمضامين فكرية وسلوكية مشرقية أصولية أخرى مضادة للمغربة ومحاربة لها، الأمر الذي يؤدي حتما إلى إتمام إنجاز مشروع "اغتيال إمارة المؤمنين" من الداخل ببطء وعبر مراحل على أيدي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي فوتت المشروع لرواد التهريب الديني، ولنا أن نسائل معالي وزير الأوقاف فيما يتعلق بدرسه الحسني الأول أمام أمير المؤمنين، وهو يطمئنه في الحفاظ على ثوابت الهوية المغربية الدينية: هل يمكن الحفاظ على ثوابت الأمة المغربية على أيدي قاتليها، وعلى أيدي الذين يجاهرون في الكفر بها واجتثاثها ؟ ولا نظن أنه يخفى على السيد الوزير الهوية الإخوانية والخوارجية لرؤساء المجالس العلمية من هؤلاء الذين أسند إليهم تدبير الشأن الديني في مؤسسات الدولة ومساجد المملكة؟ كما أن نتائجها غير خافية في محاربتها لهذه الثوابت، وفي زراعتها للبذور الإسلاموية المشرقية الفئوية و الفتنوية الناسفة لإمارة المؤمنين عمليا وليس نظريا، مع أنها تظهر محبتها لهذا الأصل صوتا وقولا، ولا يمكن للسيد الوزير أن يجهل هوية هؤلاء الذين هم أقرب إليه من حبل الوريد، كما أن هؤلاء وأولئك أنفسهم لا يخفون هويتهم الإخوانية المشرقية، ومع أنهم في المجلس العلمي الأعلى فقد تحركوا بطريقة حزبية ونقابية في اعتراضهم على إشراك الدكتور أحمد عبادي في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وذلك عبر ما سموه بالمقاطعة بدون أدنى وقار أو احترام لأمير المؤمنين الذي يرأس المجلس، وكأن المجلس العلمي الأعلى نقابة أو حزب في ملكيتهم، وقد أظهر الدكتور مصطفى بنحمزة شراسة في هذا الاعتراض وفي هذه المقاطعة، وتبريره في ذلك أن الرابطة المحمدية للعلماء " مجرد جمعية" حسب ادعائهم المفعم بالجرأة الأصولية والإستئساد الإخواني من داخل مؤسسات الدولة الدينية، مع أن السبب الحقيقي لم يكن اعتراضا على الرابطة إنما كان اعتراضا على تمثيلية اسم الدكتور أحمد عبادي الذي يعد بحق تجسيدا علميا وعمليا للثوابت الدينية المغربية التي ما فتئ الدكتور توفيق يكررها قولا ويفوتها عملا للأصوليين، ولعل تجسيد الدكتور أحمد عبادي للثوابت الدينية المغربية مع انفتاحه الإيجابي على دينامية المجتمع المدني، هو ما يمكن اعتباره الداعم الإستراتيجي الحقيقي والعميق، والعلمي والعملي لإمارة المؤمنين التي يحاول أصوليو وزارة الأوقاف العمل على تهريبها، ومن ثم نخرها وصولا إلى اغتيالها من الداخل وبقفازات وزارة الأوقاف نفسها حتى لا تبقى آثار الجريمة على أيدي تنظيماتهم الأصولية الحزبية والجمعوية، وليعملوا بعدها على لي ذراع أمير المؤمنين سياسيا بعد الإستيلاء عليها دينيا، وهو المشروع الذي قطعت فيه حركة التهريب الديني أشواطا عديدة من خلال استحواذها وسيطرتها على المجالس العلمية، الأمر الذي أعيى وشل حركية ودينامية مجموعة من مناديب وزارة الأوقاف الذين أتوا للعمل وكلهم حماس لتقوية ثوابت الهوية الدينية المغربية فاصطدموا بصخور التهريب الديني الرابضين على قمم المجالس العلمية وقواعدها، وهو ما تجلى على سبيل المثال لا الحصر في منندوبيات مدن وجدةوالحسيمةوطنجة، إذ كان المناديب كلما تحركوا لتفعيل الثوابت التي تحدث عنها الوزير في درسه الحسني، يواجهون بعمليات ناسفة وصادمة لعملهم ذلك من لدن أصوليي رؤساء المجالس العلمية، مما بين أن وزير الأوقاف كان وما يزال يصدر أقوالا وشعارات داعمة لثوابت الهوية الدينية المغربية، لكنه في الآن ذاته وفي الشق العملي يشرف على برامج عملية وتطبيقية وينصب مسؤولين في مؤسسات الشؤون الإسلامية هدامين لهذه الثوابت المغربية، وقد كان الدرس الحسني لوزير الأوقاف أمام أمير المؤمنين أكبر تجل وتطبيق لخطة العمل هذه، ولتلك السياسة العاملة على خلق ظاهرة صوتية داعمة للثوابت المغربية قولا وتصدير مشاريع تطبيقية ناسفة لأسس إمارة المؤمنين عملا، وداعمة لتقوية مشروع التهريب الديني الذي تعطى له كامل الحرية في العمل وفي التحرك الزئبقي باستمرار، وبدعم كامل من وزارة الأوقاف، الذي يؤطره حزب العدالة والتنمية وملحقاته الجمعوية الدعوية الأصولية الذكورية والأنثوية والشبابية منهم وهلم جرا، وفق قاعدة تقول وتقضي بتقديم الولاء السياسي الكامل للملك وبالمقابل العمل على مصادرة الشرعية الدينية منه كأمير المؤمنين عمليا وتطبيقيا ، مع الإقرار له بها قولا وشعاراتيا و إعلاميا لمراوغة رقابة فعاليات المجتمع المدني الرافضة للسطوة الأصولية على الحقل الديني، وهو ما يلمس المتلقي تكراره اللفظي في خطابات بنكيران إلى حد الملل، وإلا فاليقل لنا السيد توفيق: من هم هؤلاء الذين يمكنهم تحصين ثوابت الهوية الدينية المغربية من الذين يرأسون الآن المجالس العلمية ويسيرون الحقل الديني؟ هؤلاء الذين تحولوا إلى مدرعات طاحنة لا تخفي تبنيها لمشاريع التهريب الديني، ولا بد من أننا في قراءتنا لهذا الواقع من منطلق رفضنا القاطع لنظرية المؤامرة كنا في البداية ومن حسن نية نعتقد أن هذه المدرعات الأصولية التي تقف شامخة على رئاسة المجالس العلمية كجبل أحد، مجرد انفلاتات غير مقصودة، بل مهربة، لكنه تبين فيما بعد وبناء على طول زمنها وعلى الإحصاءات و رصد أفعالها، والتتبع الدقيق لبرامجها، ونتائج وسلوكات هؤلاء أن الأمر مسير لا مخير، وتبين فيما بعد بأن نسف الثوابت الدينية للمملكة عبر تفويتها العملي للأصوليين الإخوانيين المتمشرقين ليس مجرد انفلاتات إنما هو مشروع سياسي موازي ترعاه وزارة الأوقاف عبر خطة عمل متكاملة، الأمر الذي حول شخصيات علمية مغربية أصيلة من خطها الهوياتي المغربي التاريخي إلى شخصيات تخدم المشروع الأصولي من داخل وزارة الأوقاف بحرارة مسيرة لا مخيرة، فنحن في قراءتنا للفاعلين الدينيين نسمي الأشياء بمسمياتها، ومن منطلق علمي لا سياسي، فإذا كنا نعتبر أن الدكتور بنحمزة عريق في الأصولية منذ أن عانق هذا الحقل أي منذ مراهقته إلى شيخوخته، فإننا لا نعتبر الدكتور أحمد توفيق المؤرخ المغربي والمتصوف والروائي أصوليا، ولا نعتبر الدكتور يسف رائد البحث العلمي في الرواية المغربية للسيرة النبوية أصوليا(أطروحته في الدكتوراه في هذا الموضوع)، فهو أحد أعمدة المدرسة المغربية في البحث العلمي الشرعي، وهنا يبزغ السؤال: ما الذي حول هتين الشخصيتين العلميتين من خدمتهما الهوية المغربية إلى خادمة ومروجة وحامية للمشروع الأصولي من داخل مِؤسسات الأوقاف، بمجرد تقلدهما مهام تدبير الشأن الديني؟ إلى الحد الذي أصبحا فيه يقومان مع غيرهما من الأصوليين المتجذرين في الأصولية بمحاربة وإزاحة الشخصيات المتشبعة بالهويةالمغربية من المجالس العلمية، ومن مواقع المسؤولية لتعيين المهربين والأصوليين مكانهم؟ حقا إن هذا للعجب، بل إن هذا لشيء عجاب حقا وحقيقة، وربما لذلك تم التمديد فيه للسيد توفيق فاستمر في تدميره، عفوا في تدبيره لوزارة الأوقاف مع الحكومة الجديدة، مع أنه كان قد تم الترويج وبقوة اقتراح اسم مصطفى بنحمزة لوزارة الأوقاف، وربما لصفاء أصولية السيد بنحمزة منذ مراهقته وإلى الآن، حالت دون ذلك، مع الإشارة إلى أن الدكتور توفيق كان ومنذ تعيينه يتقن تلك الإزدواجية الخطابية عبر ترويجه خطابا ظاهره الرحمة من المغربة والثوابت والهوية والتاريخ وهو ظاهر ظل صوتيا، أما باطنه فعذاب ويقوم على التمرير العملي في تدبير الشأن الديني للحزب الأصولي ولحركاته الموازية وبشكل مباشر من داخل مساجد المملكة، في حين أن السيد بنحمزة لا يخفي انتماءاته الأصولية عبر خطاباته وأعماله اليومية، بحيث لم يكتف بالمساجد لإشهار المشروع الأصولي فحسب ، بل انتقل إلى حقول الاقتصاد والجمعيات والتعليم العام والخاص، بل انقض على أراضي الأوقاف لبناء مركز ضخم سماه" مركز دراسات" لامتصاص كل الأنشطة الثقافية في الجهة وخونجتها وجدولتها أصوليا وبأموال الأوقاف والجهة والجماعة، وتم تقديمه لأمير المؤمنين لتدشينه تحت عنوان تنموي، مع العلم أن كل هذه الأنشطة قد حولت الجهة الشرقية إلى منطقة عازلة قتلت الهوية الدينية المغربية من مساجدها ومن كليات جامعتها، ونجحت بذلك في عملية الاغتيال العملي لإمارة المؤمنين بصورة بارعة وخلاقة، تظهر وكأنها خادمة لإمارة المؤمنين؟ وبأموال ضخمة تتحرك باسم أرباب العقار وباسم المحسنين، كما أطلق السيد بنحمزة سطوته إلى درجة جعلت الكل يخافه وينافقه إما رغبا وإما رهبا، فبإمساكه مفاتيح أرباب العقار والمساجد والمنابر والجامعة أصبح بالنسبة للكثيرين سلما للارتزاق الأصولي، ولم يستطع أحد نقده أو اعتراضه ، ولذلك تم الدفع بقوة بالسيد بنحمزة في اتجاه المشاريع العملية ذات العناوين الدينية السالبة شرعية وعمق إمارة المؤمنين، إلى درجة أصبح فيها السيدان يسف وتوفيق يتوجسان خيفة منه ويضخمان صورته في كل الميادين كعلامة رغم أنه لم يكتب أي كتاب نقرؤه له ويثبت من خلاله أعلميته، بل إن بنحمزة رأى بأنه من المستحيل الانقطاع عن مشروعه هذا في الجهة الشرقية ولذلك كان قبل مدة حينما تم اقتراحه لتأطير الجالية المغربية في بلجيكا أصيب بالصدمة المرضية، وأصابه شلل في نصف وجهه، لأنه اعتبر أن هذه مؤامرة لاغتياله سياسيا من الجهة وتهجيره منها ، لكنه تم التراجع عن هذا الاقتراح استجابة لإصراره ومقاومته وتفعيل علاقاته ومراكز ثقله التي خزنها منذ سنوات ، فتم تعيين أحد تلامذته الأصوليين مكانه، فأصبح بذلك السيد بنحمزة هو وزير الأوقاف الحركي العملي والفعلي، أما السيد توفيق فهو الوزير الرسمي الإعلامي والصوتي . لكن السؤال المحير الذي يلاحقنا في هذه السياسة الأصولية المتبعة والقاتلة لإمارة المؤمنين، هو أنها كان ينظر إليها على عهد المدغري بأنها ضرورة" سياسية وشرعية" لمحاربة اليسار والشيوعيين، لكنه الآن لم يعد هنا يسار يخيف سياسيا؟ فمن المقصود بالمحاربة إذن من خلال هذا الزحف الأصولي القاتل للهوية المغربية؟ ربما أحس الوزير بثقل السؤال فحاول الدكتور التوفيق اختلاق جواب عنه من خلال درسه الحسني الأول في حديثه عن العلمانيين والحداثيين والأمازيغيين، ونحن بدورنا نسائل السيد التوفيق: هل هؤلاء الذين ذكرهم يحاربون ويعارضون ثوابت الهوية الدينية المغربية التاريخية؟ وهنا قد لا يخفى الجواب عن السيد توفيق بأن هؤلاء الذين ذكرهم لم يحاربوا يوما إمارة المؤمنين بصورتها ومعانيها المغربية المنفتحة على التحديث ، وهو الأستاذ المؤرخ يعلم قبل غيره بأن إمارة المؤمنين لم تكن يوما في رعايتها للشأن الديني والسياسي أصولية، فهل خرج علينا يوما أمير المؤمنين على غرار خرجة المدعو النهاري بقوله في حق مواطنيه: " اقتلوا من لا غيرة له"؟؟ مع لفت الانتباه إلى أن انهاري ما هو إلا ثمرة علقمية من بذور زراعة بنحمزة، فالنهاري هذا ترعرع في منابر مساجد وجدة تحت إشراف وإجازة وترخيص وحماية السيد بنحمزة، وكثيرا ما رافقه إلى أوربا، ويعمل بكل جهده في الدعاية الانتخابية لحزب العدالة والتنمية إبان الانتخابات، وقد تم إرساله مؤخرا لأمريكا حتى تبرد قضية إهداره دم السيد لغزيوي ليعود بعدها سالما غانما. فالسيد توفيق إذن حينما يتحدث عن العلمانيين والأمازيغيين والحداثيين ليضعهم في مواجهة إمارة المؤمنين، يختلق أعداء وهميين وافتراضيين لإمارة المؤمنين ليخرج نفسه من ورطة وثقل السؤال، ويفتح ساحات وغى، وبعلم منه أنها مزيفة، وليست مطروحة أصلا، لتزييف المعركة الحقيقية، ولإخفاء أطراف الصراع الحقيقيين، من أجل شرعنة وتقديس تفويت تدبير الشأن الديني في المملكة للأصوليين المهربين من دون نقد ولا نقاش، والنتيجة الأخطر في الأمر هي أن هذا التخريب الممنهج والمنظم للشأن الديني ولثوابت المملكة يتم باسم باسم أمير المؤمنين، والنتيجة المباشرة هي اغتيال إمارة المؤمنين ببرودة قاتلة، وعلى أعين الجميع بدون أن يستطيع أحد نقد جريمة الاغتيال هذه، كما أن ذلك الجواب الملغوم الذي ألقى به الوزير سيؤدي إلى خلق صدام بين الفعاليات والقوى الحداثية ، وبين إمارة المؤمنين، وهو ما يفسر تهميش الأصوات العلمائية الأصيلة في دفاعها عن ثوابت الهوية الدينية المغربية بمنهج حداثي معاصر، فقد تم إقصاء العلامة أحمد الخمليشي من لجنة إصلاح القضاء من ضمن الأسماء التي اقترحها الرميد لتشكيل اللجنة، فضلا عن إبعاده من كل أنشطة وزارة الأوقاف، بل إن السيدين التوفيق ويسف قاطعا ندوة كلية الحقوق بالرباط لتكريم الدكتور الخمليشي، كما بينت مقاطعة توفيق ويسف وبنحمزة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ضدا على الدكتور أحمد العبادي، وتكرر مضايقات الأسماء الأصيلة في عدة مواقع في مندوبيات الأوقاف ومنها معاناة الدكتور محمد المرابط في طنجة، والدكتور سوسان في الحسيمة والدكتور غاني في وجدة...، بأن هذه الحلقات منظمة ضمن مسلسل مبرمج وليست أخطاء. ونحن نكرر مساءلتنا للدكتور توفيق: كيف يمكنه تحصين ثوابت الهوية الدينية المغربية التي يتحدث عنها بحرارة في درسه أمام أمير المؤمنين، عبر تعيين أسماء ثقيلة الوزن الأصولي والهدامة للهوية المغربية في مواقع تدبير الشأن الديني؟ مع إقصاء وتغييب أسماء العلماء المغاربة المؤمنين حقا بثوابت الهوية الدينية المغربية قولا وعملا وعلما، فمن من هؤلاء كتب لنا ما كتبه العلامة الخمليشي في جمعه بين الفقه والقانون المدني والجنائي؟؟ وهو الذي خاض ضد الأصوليين حربا شرسة لتحرير المرأة ، وواجهه أحد أباطرة التهريب الديني ضمن اللجنة في نقاشات إصلاح المدونة بقذف وسوء أدب لمجرد اقتراح العلامة الخمليشي استبدال مصطلح النكاح بالزواج في المدونة. ونكرر السؤال للدكتور توفيق: هلا قدمت لنا تقويما لحصيلة الزراعة الأصولية في مواقع تدبير الشأن الديني في المملكة؟ مع العلم أن النتيجة واضحة فاضحة تشير إلى تضخم الجسد الأصولي ليس في ملحقات وزارة الأوقاف في الداخل والخارج فحسب، بل في كل المؤسسات والقطاعات سياسيا واجتماعيا ومدنيا وثقافيا، من أجل ماذا؟ والجواب هو: من أجل إخراج المغرب من خصوصيته وهويته وإيصاله وتقريبه مما تعيشه الآن تونس وليبيا ومصر وسوريا ..... ولذلك قلنا ونكرر القول إن تحزيب وتخريب وتسييس وخونجة إمارة المؤمنين عبر هذه السلوكات المنظمة والتي تعمل من خلالها على إفراغها من المخزون الهوياتي المغربي، بكل ما تحمله من ثوابت الهوية الدينية والمدنية والثقافية المغربية والعمل على إملائها بالثقافة الأصولية المهربة من المشرق، وذلك عبر واجهات متعددة وعلى رأسها الحركات الأصولية التي تظهر علمانية في سلوكها الحركي على أساس انشغالها الدعوي في مجتمع مسلم أصلا ومنذ قرون ، ومنها جمعية االمغراوي( الذي أظهرت مجلة أكتييل خطورته على المغرب في ملفها حوله أخيرا) وجمعية مصطفى بنحمزة التي تتحرك بأموال طائلة وفي كل مؤسسات الدولة وعبر رزمة من جمعيات تم تفريخها، في الوقت الذي لا يرى فيه حزب العدالة والتنمية مانعا من تقديم الولاء السياسي للملك مادامت وزارة الأوقاف قد سلمته حقول العمل الديني في المؤسسات الرسمية والمدنية، وذلك لمصادرة الشرعية الدينية لإمارة المؤمنين على مستوى المضامين العملية، والاعتراف بها شكليا لإظهار استقلاليته ظاهريا، وما يستحق التسجيل في هذا الصدد هو أننا نلاحظ مؤخرا كثيرا من الأسئلة تنهال بأسواطها جلدا على ظهر بنكيران، ومضامين هذه الأسئلة استفسارات عن لغز تخلي بنكيران بصفته رئيسا للحكومة عن صلاحياته الدستورية للملك، وكثرت الإجابات المسوغة لهذا الاستفسار اللغز، فمنها من ذهب إلى أن تخلي بنكيران عن صلاحياته الدستورية يعتبر جبنا منه وانبطاحا وردة سياسية عن عنجيته التي كان يمارسها في المعارضة، ومنها من ذهب إلى تفسير ذلك التخلي بأنه إظهار لحسن النوايا من بنكيران، وطمأنة منه للملك حتى يتسلم المفاتيح الحكومية مثنى وثلاث ورباع، وبالتالي هو تكذيب منه لمنتقدي حزبه الأصولي وماكياج مدني لإخفاء المخالب والأنياب الأصولية لبنكيران وحزبه ، ويستدلون على هذا التفسير بقمعه لبرلمانيه المسمى أفتاتي الذي يحاول الحديث بأنياب ومخالب بارزة، الأمر الذي يفسد ويكشر الضحكات الدائمة لبنكيران والعثماني....، لكننا نرى الأمر أكبر من ذلك ونذهب في تفسيرنا المتواضع لقراءة ما أصبح يسمى "بتخلي بنكيران عن ممارسة صلاحياته الدستورية" هو أن بنكيران وحزبه يقدم كل ولاءه السياسي وصلاحياته السياسية والدستورية للملك، شريطة أن يتسلم منه الصلاحيات الدينية التي تختزنها إمارة المؤمنين، من أجل إفراغها من ثقلها وقوتها الاستراتيجية، لأن بنكيران وزملاؤه يدركون جيدا بأن القوة تكمن في هذا الحقل الديني، وإذا ما منح لهم واستمروا في الزحف عليه فإنهم لن يكسبوا الصلاحيات الدستورية لرئيس الحكومة فحسب، بل سيكتسبون صلاحيات أمير المؤمنين وبالتالي سيبتلعون الدولة بأكملها وبما فيها. وفي الأخير نقول إنه واهم من يظن أنه قد يراهن على الأصولية السياسية لحماية الفساد داخل الحقلين السياسي والاقتصادي المغربي، ومن يفعل ذلك سيؤدي حتما إلى إحراق الوطن بأكمله، ولعل هذه الصورة هي نفسها التي شاهدناها الأسبوع الماضي في اعتقال المسؤول عن إحراق غابة الشاوي بطنجة، فقد حاول الجاني حسب اعترافه إشعال جزء من الغابة للفت أنظار مسؤولي إدارة المياه والغابات لإعادة تشغيله، لكن قوة رياح الشركي أفقدته السيطرة على الحريق الذي أشعله، فامتدت النيران على إحراق 170 هكتار من الغابة، وهكذا خسرنا الغابة وحرية الجاني، ولم نربح شيئا، فهؤلاء المراهنين سياسيا على النيران الأصولية يفعلون الشيء ذاته، في انتظار الرياح المشرقية الحارقة للهوية المغربية والمدمرة لأبناء الهوية، وفي الأخير لا يسعنا إلا أن ننهي مناقشتنا الودية لدرس معالي الوزير بقوله تعالى من سورة النور:"إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبوه هينا وهو عند الله عظيم ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين".